دية قتل أهل الذمة والكفار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في دية
الذمي روايات، والمشهور: ثمانمائة درهم؛ وديات نسائهم على النصف من ذلك؛ ولا
دية لغيرهم من
أهل الكفر.
وفي مقدار دية الحرّ
الذمي روايتان، بل
روايات، والمشهور منها التي عليها عامّة أصحابنا إلاّ النادر: أنّها ثمانمائة
درهم مطلقاً،
يهوديّاً كان أو
نصرانيّاً أو
مجوسيّاً، وهي مع ذلك صحاح ومعتبرة مستفيضة كادت تبلغ
التواتر، معتضدة بالأصل وبمخالفة العامّة والإجماع المحكي في
الغنية وكنز العرفان.
ففي الصحيح: عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي؟ قال: «ديتهم سواء ثمانمائة درهم»
.
والرواية الثانية منها
الصحيح: «دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية
المسلم»
.
وقريب منه
الموثّق كالصحيح: «من أعطاه
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) ذمّة فديته كاملة»
الخبر.
ومنها
الضعيف: «دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة» وقال: «إنّ للمجوس كتاباً يقال له: جاماس»
.
وهي كما ترى قاصرة عن المقاومة للرواية الاولى من وجوه شتّى، سيّما مع اختلافها، ومخالفة بعضها بعضاً، وموافقتها للعامّة العمياء، كما حكاه عنهم خالي العلاّمة المجلسي ولأجله حملها على
التقية، فقال: والأظهر حمل ما زاد على ثمانمائة على التقية؛ لموافقتها لمذاهب
العامّة؛ إذ ذهب جماعة منهم إلى أنّ ديته ثلث دية المسلم أربعة آلاف درهم ورووا ذلك عن عمر
وعثمان، وذهب إليه
الشافعي، ورووا أيضاً عن
عمر رواية أُخرى، وهي أنّ دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم
.
وهي مع ذلك شاذّة لا عامل بإطلاقها.
إذاً الأقوال في المسألة أربعة: منها: ما مرّ.
ومنها: ما عليه
شيخ الطائفة في كتابي الحديث
والنهاية: من التفصيل بين قتل الذمّي اتفاقاً فثمانمائة، وقتله اعتياداً فما في الأخبار الأخيرة باختلافها، بحمله له على اختلاف نظر الحاكم، قال: فإذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة، وأربعة آلاف درهم اخرى، بحسب ما يراه أصلح في الحال وأردع، فأمّا من كان ذلك منه نادراً لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم، حسب ما تضمنته الأخبار الأوّلة.
ونفى عنه البأس في
المختلف، ومال إليه بعض من تأخّر
؛ لظهور وجه الجمع المزبور من الموثق: عن مسلم قتل ذمّيا؟ قال: فقال: «هذا شيء شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن
قتل أهل السواد، وعن قتل الذمّي» ثم قال: «لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيين» الخبر
.
وفيه نظر؛ لاشتراك الجمع المفتي به بالتكافؤ المفقود في المقام؛ لكثرة الأخبار الأوّلة، وصحتها، وموافقتها
الأصل، واشتهارها بإطلاقها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها
إجماع كما عرفته من الغنية، ولا كذلك الأخبار الأخيرة حتى الموثقة المستشهد بها عليه، فإنّها بطرف الضدّ لتلك في المرجّحات المزبورة.
ومنها: قولا
الصدوق في
الفقيه والإسكافي المفصِّلان تفصيلاً لا يوجد أثر لهما في الأخبار المزبورة، كما لا أثر لتفصيل الشيخ فيها وإن أشعر به الموثق، ولا شاهد لتفصيلهما أصلاً، فإذاً قولهما أضعف الأقوال جدّاً، فلا فائدة لذكرهما.
ودية نسائهم الحرائر على النصف من ذلك أربعمائة درهم، بلا خلاف أجده، ولعلّ مستنده عموم الأدلّة المتقدمة بأنّ المرأة نصف الرجل في
الدية.
قيل: ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته. وفي التغليظ بما يغلظ به المسلم نظر: من عموم الأخبار، وكون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع
الوفاق، ولعلّ الأوّل أقوى، وكذا تتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف كالمسلم
.
ولعلّ المستند في جميع ذلك نحو ما احتملنا كونه مستنداً في أصل المسألة، مع دعوى الإجماع عليه في الغنية
.
ولا دية لغيرهم أي غير الثلاثة من
أهل الكفر مطلقاً، حتى أنّ
أهل الكتاب لو خرجوا عن الذمّة لم يكن لهم دية، بلا خلاف أجده؛ للأصل، مع عدم معلومية انصراف إطلاقات الدية إليهم، وإشعار جملة من المستفيضة الواردة في دية أهل الذمّة باختصاص شرعيتها لأهل الكفر بهم خاصّة.
مضافاً إلى الموثق كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين، وأظهروا العداوة لهم؟ قال: «لا، إلاّ أن يكون متعوّداً لقتلهم»
الحديث، فتدبّر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج، ص۳۶۲-۳۶۶.