عداوة الشاهد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا تقبل
شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه، وتقبل له ولغيره، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً؛ والعدو هو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة.
ولا تقبل
شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه، وتقبل له ولغيره، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً، بلا خلاف فيهما، بل عليهما الإجماع في
شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي وظاهر
المسالك، لكن في الأوّل خاصّة. هذا.
مضافاً في الأوّل إلى القوي: «لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في
الدين»
.
ونحوه عن
معاني الأخبار: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمز على أخيه، ولا ظنين في ولاء، لا قرابة، ولا القانع مع أهل البيت»
.
قال
الصدوق: الغمز: الشحناء والعداوة. والظنين: المتهم في دينه. والظنين في الولاء والقرابة: الذي يتهم بالدعاء إلى غير أبيه والمتولي غير مواليه. والقانع مع أهل البيت: الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم، كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه
. هذا.
مع أنّ العداوة المزبورة من أسباب
التهمة بلا خلاف ولا شبهة؛ لصدق التهمة على مثلها في اللغة والعرف والعادة، فيدخل صاحبها في
إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول شهادة ذي التهمة، مع وقوع التصريح في جملة منها بردّ شهادة الخصم الصادق على العدوّ حقيقةً، مع كونه معناه مطابقةً.
وفي الثاني إلى عمومات قبول شهادة العدل من
الكتاب والسنّة، مع سلامتها عن معارضة الأخبار المزبورة؛ لعدم شمول ما دلّ منها على ردّ شهادة المتهم لمفروض المسألة؛ لعدم تهمة فيها بلا شبهة، واختصاص إطلاق ما دل منها بردّ شهادة الخصم بحكم
التبادر والغلبة بشهادته على عدوّه لا له، فلا إشكال في المسألة.
نعم يشكل فرض حصول
العدالة مع تلك العداوة بعد الاتفاق فتوًى ورواية على أنّ عداوة
المؤمن وبغضه لا لأمر ديني
معصية، فكيف يجامع قبول الشهادة؟!.
وقد تفطن لهذا الإشكال شيخنا
الشهيد الثاني فقال: ولا يخفى أنّ الفرح بمساءة المؤمن والحزن بمسرّته معصية، فإن كان العداوة من هذه الجهة وأصرّ على ذلك فهو فسق، وظهور
الفسق مع التقاذف أوضح، فالجمع بين العداوة وقبول الشهادة لا يخلو عن إشكال
. انتهى.
وتبعه جماعة
، ولكن دفعوه تارةً بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن، وأُخرى بأنّ عداوة المؤمن
حرام إذا كان بغير موجب لا مطلقاً، وثالثةً بعدّ عداوته من
الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة. وبهذا صرّح شيخنا في المسالك في دفع الإشكال، فقال بعد ما مرّ: إلاّ أن يفسّر الإصرار بالإكثار من الصغائر، لا بالاستمرار على واحدة مخصوصة
.
وظاهر عبارته هذه وما ذكره في وجه الإشكال جزمه بكون عداوة المؤمن من الصغائر لا
الكبائر.
وفيه إشكال؛ فإنّ العدوّ كما فسّره
الأصحاب هنا، ودلّ عليه العرف واللغة أيضاً هو الذي يسرّ ويفرح بالمساءة والمكروهات الواردة على صاحبه ويساء ويغتمّ بالمسرّة والنعم الحاصلة له.
وزاد جملة ومنهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمه، وهو حينئذ عين المبغض والحاسد، كما يستفاد من تعريفه لهما في الكتاب المزبور، حيث قال بعد قول الماتن:
والحسد معصية، وكذا بغضة المؤمن، والتظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه: والمراد بالحسد كراهة النعمة على المحسود وتمنّي زوالها عنه، سواء وصلت إلى الحاسد أم لا. وبغضته كراهته واستثقاله لا بسبب ديني
، إلى آخر ما ذكره.
فالعداوة على هذا من الكبائر بناءً على كونهما منها، كما يستفاد من
النصوص الواردة في ذمّهما على الظاهر، المصرّح به في كلام المولى الأردبيلي وزاد فقال: بل كاد أن يكون
كفراً.
وبكونهما كبيرةً صرّح شيخنا أيضاً، فقال في شرح كلام الماتن المتقدم: لا خلاف في تحريم هذين الأمرين، والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض، وهما من الكبائر فيقدحان في العدالة
. انتهى المقصود من كلامه هنا.
وحينئذ فكيف يتأتّى له
الجزم بكون العداوة المزبورة من الصغائر مع تصريحه كما عرفت بكونها من الكبائر.
ومنه يظهر الوجه في التأمّل في التوجيه الثالث، نعم الأوّلان لا يخلوان عن حسن، لكن مع تأمّل ما.
واحترز بالدنيوية عن الدينية، كأن يبغضه لكفره أو لفسقه، فإنّها غير مانعة مطلقاً إجماعاً؛ لما مرّ من قبول شهادة المؤمن على أهل الأديان، دون العكس مطلقاً، إلاّ في
الوصية خاصّة كما عرفته.
وحيث منعت العداوة عن قبول الشهادة فلو اختصّت بأحد الجانبين اختصّ بالقبول الخالي منها، وإلاّ لملك كل غريم ردّ شهادة العدل عليه بأن يقذفه ويخاصمه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۲۸۵-۲۸۹.