أثر الإقرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أثر الإقرار ثبوت ما أقرّ به- ولو لم يتمّم الإقرار بحكم الحاكم
- للمقرّ له في الماضي، وهو واضح بعد فرض حجّيته.
ولكن ظاهراً لا واقعاً، وحينئذٍ فلو كان المقرّ له يعلم بكذب الإقرار، وأنّ ما اقرّ له ليس له واقع؛ لعلمه بخطأ المقرّ في إقراره، حرم عليه الأخذ واقعاً، فلا يجوز له- بينه وبين اللَّه- أن يأخذ ما اقرّ به له؛ لأنّ الإقرار
إخبار عن حقٍّ سابق، وهو منتفٍ
باعتقاد المقرّ له، وليس
بإنشاءٍ لحقٍّ جديد له كي يصير المقرّ مديوناً له من زمن الإقرار، كما لا يخفى.
وحينئذٍ قد يقع الكلام في وظيفة المقرّ مع علمه بانتفاء ملكيّته أو ظنه، وعلى الثاني مع كون المال تحت يده أم لا؟ وكذا في وظيفة المقرّ له وأنّه يجوز له أخذه في بعض الصور المشار إليها أم لا؟ بل في وظيفة الأجنبي في بعض الصور، وأنّه يكون بالنسبة إليه من قبيل المباح والمال المعرض عنه أم لا؟ ونحو ذلك ممّا ليس هنا محلّ ذكره.
وتتوقّف حدود
الإقرار وآثاره عند المقرّ نفسه، ولا تشمل غيره؛ جرياً على وفق البناء العقلائي القاضي بنفوذ الإقرار على النفس دون الغير، فلو أقرّ بما يفيد أو يتضمّن ادّعاءً على الغير كان من اللازم عليه حينئذٍ ضمّ البيّنة إلى الإقرار.
ومن هذا القبيل ما يذكره الفقهاء في باب الإقرارات المركّبة، فإنّ الإقرار ينقسم من حيث ما يشتمل عليه إلى بسيط ومركّب:
فهو الذي لا يتكوّن إلّا من إقرار واحد ولا يتضمّن إقراراً آخر، كأن يقرّ بأنّ ما في يده لزيد، أو له في ذمّته مال ونحو ذلك. وهذا الإقرار لا
إشكال في حجّيته في مفاده.
فهو الإقرار المركّب من إقرارين أو أكثر، وهذا على قسمين:
أن يقرّ بشيء مركّب من أمرين يمكن
انفكاك أحدهما عن الآخر، كأن يقول: بعت أنا وشريكي جميع الدار، ففي هذا القسم يكون الإقرار نافذاً في حقّ المقرّ، ولا يكون نافذاً في حقّ الشريك؛ لأنّ الإقرار إنّما يكون نافذاً على المقرّ لا على الغير كما سيأتي توضيحه، بل هو في الحقيقة من ضم الإقرار إلى الشهادة، ولكلّ منهما حكمه بشروطه.
أن يقرّ بشيء مركّب من أمرين لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر ذاتاً، وإنّما يمكن انفكاكهما في الآثار كما لو أقرّ باخوّة شخص أو بنوّته له، ففي هذه الصورة إن صدّقه الآخر ترتّبت آثار الإقرار على الطرفين. أمّا إذا لم يصدّقه الآخر فإنّما يحكم بثبوت المقرّ به بالنسبة للمقرّ، فتترتّب آثار الإقرار في حقّه دون الآخر؛ لما مرّ من عدم نفوذه في حقّ الغير، فلو أقرّ بزوجيّة
امرأة أو ببنوّة شخص بالغ عاقل ولم يصدّقه الآخر ثبتت الآثار المترتّبة على كونه زوجاً لها، كوجوب النفقة وحرمة نكاح اختها، ووجوب
الإنفاق على الولد لو كان فقيراً على المقرّ، ولا تثبت على الآخر الآثار المترتّبة على كونه ابناً أو زوجة.
والمستند في ذلك إمّا دلالة الدليل على أنّ الإقرار مستلزم شرعاً لثبوت تلك الآثار بمجرّد الإقرار، فيكون المحكوم بثبوته من لوازم نفس الإقرار بشيء ولو لم يثبت ذلك الشيء بالنسبة إلى الطرف الآخر أو في الواقع، كما لو دلّت الأخبار على ثبوت التوارث بالإقرار بالنسب ووجوب الحدّ بالإقرار بالزنا بالنسبة للمقرّ خاصة.
أو لأنّ الإقرار بالشيء كاشف عن علم المقرّ بذلك الشيء واعتقاده بتحقّقه، فيحكم بوجود الطرفين بحسب علمه لا بحسب الواقع، والتكاليف أحكام وآثار مترتّبة على علم المقرّ واعتقاده، فإذا أقرّ بزوجية امرأة وأنكرتها المرأة كشف هذا الإقرار عن علمه بالزوجية، فيعمل على طبق علمه، كما أنّ المرأة المنكرة للزوجية تعمل على طبق علمها.
وتتحدّد مساحة نفوذ الإقرار بما يشتمله لا بالدعوى التي وجّهت ضدّ المدّعى عليه؛ وذلك أنّ الإقرار ينقسم من حيث مقدار ما يقرّ به إلى الكلّي والجزئي؛ فإنّه من طرف المدّعى عليه قد يكون بكلّ ما احتوته الدعوى الموجّهة ضدّه فيكون كلّياً، وقد لا يستوعب جميع
الادّعاء بل يقتصر على بعضه فيكون إقراراً جزئياً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۴- ۲۶.