الإقعاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو وضع الأليتين على العقبين معتمدا على صدور القدمين.
الإقعاء: هو إلصاق الرجل إليتيه بالأرض ونصب ساقيه وفخذيه، ووضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب،
وقال بعضهم: «أقعى في جلوسه، تساند إلى ما ورائه، والكلب جلس على استه».
وبهذا يكون الإقعاء مغايراً تماماً للتورّك والافتراش.
وهو عند الفقهاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، ويجلس على عقبيه.
قال المحقّق النجفي: «المراد بالإقعاء المبحوث عنه عندنا وعند الجمهور: وضع الإليتين على العقبين معتمداً على صدور القدمين».
لكن ذكر بعض الفقهاء أنّ الإقعاء بين السجدتين هو أن يثبت كفّيه على الأرض فيما بين السجدتين ولا يرفعهما.
وذكر آخر في معناه اعتبار هذا الوضع مع الجلوس على العقبين.
ونوقش فيهما بأنّ ذلك غريب لا يوافق اللغة ولا عبارات الفقهاء.
وقال الوحيد البهبهاني في تأييد أنّ المراد من الإقعاء هو الذي ذكره الفقهاء لا أهل اللغة: «إنّ إقعاء الكلب بين السجدتين في غاية الصعوبة بحيث لا يكاد يرتكبه أحد حتى يحتاج إلى المنع منه، سيّما والتأكيد في المنع، بخلاف ما ذكره الفقهاء فإنّه في غاية السهولة، سيّما في مقام العجلة يرتكبونه».
ورد الحديث عن الإقعاء بين السجدتين تارة، وفي التشهد وجلسة الاستراحة تارةً اخرى، وأثناء الأكل ثالثة وذلك كما يلي:
ذهب أكثر الفقهاء
إلى أنّ الإقعاء بين السجدتين مكروه،
وادّعي عليه الإجماع،
وقد ادّعى ابن زهرة الإجماع على استحباب أن لا يقعي بين السجدتين.
وقد استدلّ على الكراهة ببعض الروايات:
منها: موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تقعِ بين السجدتين إقعاءً».
ومنها: رواية الشيخ الطوسي بأسانيده عن معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم والحلبي، قالوا: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام:
«لا تقعِ في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب».
والنهي فيهما محمول على الكراهة؛ للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة، وبقرينة الروايات الاخرى المصرّحة بنفي البأس عن ذلك» :
منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين».
ومنها رواية عمرو بن جميع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الاولى والثانية، وبين الركعة الثالثة والرابعة، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلّا من علّة؛ لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما جلس بعضه على بعض، والإقعاء أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهّديه...».
ومنها: خبر زرارة بن أعين عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين...».
أطلق جماعة من الفقهاء القول بكراهة الإقعاء الشامل لحال التشهّد وجلسة الاستراحة أيضاً.
وصرّح بعضهم بكراهة الإقعاء مطلقاً أو بين السجدتين، وفي التشهّد آكد.
وصرّح ثالث بكراهته بين السجدتين وفي التشهّد،
والدليل على الكراهة مطلقاً صدور النهي عنه مطلقاً في بعض الروايات:
منها: مرسل حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر»،
قال: «النحر: الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره»، وقال: «لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس، ولا تلثم، ولا تحتفز، ولا تقع على قدميك، ولا تفترش ذراعيك».
ومنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنّما لك منها ما أقبلت عليه... ولا تقعِ على قدميك، ولا تفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك، فإنّ ذلك كلّه نقصان من الصلاة...»،
بناءً على إرادة الإقعاء منه لا الوقوع على القدمين.
بل في بعض الروايات ورد النهي عنه في خصوص التشهّد، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «... إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج بينهما شيئاً... وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك، ولا تكون قاعداً على الأرض، فيكون إنّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهّد والدعاء».
ويحتمل جريان التعليل في قوله عليه السلام: «فتتأذّى بذلك» في جلوس التشهّد وغيره، فتكون الرواية شاملة للجميع.
والنهي في هذه الروايات محمول على الكراهة، بقرينة مناسبة التعليل في قوله: «فتتأذّى بذلك»، وقوله: «ولا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهّد والدعاء» للكراهة، وبقرينة دعوى الإجماع على الكراهة مطلقاً.
لكن ذكر الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في النهاية أنّه لا يجوز الإقعاء في حال التشهّد.
ونوقش فيه بأنّه بعد حمل النهي في الروايات على الكراهة لا يوجد دليل على الحرمة.
وقد حمل ابن إدريس عبارة: (لا يجوز) على شدّة الكراهة حيث قال: «قد يوجد في بعض كتب أصحابنا: (ولا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين)، وذلك على تغليظ الكراهة لا الحظر؛ لأنّ الشيء إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، ويعرف ذلك بالقرائن».
وقد يستظهر من بعض عبارات الفقهاء نفي كراهة الإقعاء فيما بين السجدتين حيث عبّروا بجواز الإقعاء فيما بينهما.
نعم، يستظهر من بعضهم نفي الكراهة في جلسة الاستراحة؛ لاقتصارهم على كراهته في التشهّد وبين السجدتين.
كما أنّه قد يوهم اقتصار الأكثر على كراهته فيما بين السجدتين عدم كراهته في التشهّد وغيره.
لكن نوقش كلّ ذلك بأنّ التعبير بالجواز يمكن أن يراد به الأعم من الكراهة، وأمّا الاقتصار على البعض فلا يدلّ على نفي الكراهة في الغير.
كما أنّهم ربّما عبّروا بذلك دفعاً لاحتمال الحرمة الذي رأينا أنّ بعضهم قال به أو قد يظهر من عبارته في الحدّ الأدنى.
قال المحقّق الأردبيلي: «العلّة المذكورة في التشهّد جارية في غيره، وكأنّه إجماع».
وقال المحقّق النجفي: «الأولى تعميم الكراهة لسائر أفراد الجلوس في الصلاة».
إذا حكم بحرمة الإقعاء أو كراهته فإنّما ذلك في الصلاة خاصّة، ولم يذكروا كونه في حدّ نفسه مكروهاً.
بل قد ورد في الحديث التصريح بنفي البأس عن الإقعاء أثناء الطعام، ففي خبر عمرو بن جميع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «... فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به؛ لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قد أكل مقعياً».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۱۶۸-۱۷۲.