الخلاف فی حجيّة المصالح المرسلة سبب الاختلاف في الفتوى
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الخلاف فی حجيّة المصالح المرسلة سبب الاختلاف في الفتوى: انّ المجتمعات البشریة بصورة عامة تری وجود مصالح واغراض نافعة لافراد البشر، وعلی هذا الاساس تتحرّک هذه المجتمعات فی عملیة التقنین، وقد ایّد
الاسلامالمصالح الواقعیة منها ولم یعترف بالمصالح الموهومة وغیر الحقیقیة، وسکت عن بعض المصالح الاخری التی یعیشها الناس فی واقع الحیاة ولم یقرّر لها حکماً معیّناً، او علی الاقلّ الاحادیث التی تتّصل بهذه المصالح لم تصل الینا. ویسمّی هذا القسم الثالث من المصالح ب «المصالح المرسلة» واحیاناً یطلق علیها «الاستصلاح» وتارة تسمّی فی فقه
اهل السنّة «الاستدلال».
آراء فقهاء الإسلام في حجية المصالح المرسلة وعدمها
۱. ذهب
مالک واحمد الی جواز استناد الفقیه للمصالح المرسلة فی الفتوی. بل انّ «الطوفی» مؤلّف کتاب «مصادر الشریعة» یری فی
المصالح المرسلة انّها اساس المصالح الدنیویة فی دائرة السیاسات والمعضلات الاجتماعیة، واعلی من ذلک انّه یری تقدّم المصالح المرسلة علی
النصوص الشرعیة عند وقوع التعارض بینهما.
۲. ذهب
الشافعی و
جمهور اهل السنّة الی عدم الجواز، فقال: «الّا انّه لا استنباط بالاستصلاح ومن استصلح فقد شرّع، کمن استحسن، والاستصلاح کالاستحسان، متابعة الهوی.
۳. امّا الغزالی فانّه قرّر انّ المصالح المرسلة هی المنبع الرابع الوهمی والخیالی لعملیة الاستنباط، ولکنّه ذهب الی جواز العمل بالمصالح المرسلة فی المصالح الضروریة فقط، ولکن فی المصالح الحاجاتیة والتحسینیة فلا یری جواز العمل بالمصالح المرسلة.
۴. وذهب
فقهاء الامامیّة الی انّه اذا کان تشخیص المصلحة بشکل قطعیّ ویقینیّ وحصل المجتهد علی یقین کامل بذلک، فیجوز العمل علی اساس هذه المصلحة، وذلک لاصل «الملازمة بین الحکم
العقلی القطعی وحکم الشرع». وامّا اذا لم یحصل له سوی الظنّ والاحتمال کما هو الحال فی نظر الکثیر من
فقهاء اهل السنّة، فانّه لا یجوز له الفتوی علی هذا الاساس، لانّ: «اِنَّ الظَّنَّ لَایُغْنِی مِنْ الْحَقِّ شَیْئاً»
ظهرت اراء متعددة حول حجيّة المصالح المرسلة ووعدمها وبالتالي حصلت اختلاف في فتوى الفقهاء .
انّ الحکمة من تشریع
الاحکام الفقهیة فی الاسلام هی تحقیق مصالح البشر وانقاذ الانسان من المفاسد، وفی نظرنا نحن المسلمون انّ الاحکام والمقرّرات الفقهیة فی الاسلام تعتبر افضل منظومة قانونیة لتحقیق مصلحة الانسان وسعادته فی مختلف ابعاد حیاته المادیة والمعنویة. وقد ذکر الامام الغزالی انّ مصالح البشر تقع ضمن خمسة امور: الدین، النفس، العقل، النسل، والمال، وهذه هی مقاصد الشریعة الاسلامیة المنعکسة علی واقع الاحکام الفقهیة.
انّ المجتمعات البشریة بصورة عامة تری وجود مصالح واغراض نافعة لافراد البشر، وعلی هذا الاساس تتحرّک هذه المجتمعات فی عملیة التقنین، وقد ایّد الاسلام المصالح الواقعیة منها ولم یعترف بالمصالح الموهومة وغیر الحقیقیة، وسکت عن بعض المصالح الاخری التی یعیشها الناس فی واقع الحیاة ولم یقرّر لها حکماً معیّناً، او علی الاقلّ الاحادیث التی تتّصل بهذه المصالح لم تصل الینا. ویسمّی هذا القسم الثالث من المصالح ب «المصالح المرسلة» واحیاناً یطلق علیها «الاستصلاح» وتارة تسمّی فی فقه اهل السنّة «الاستدلال».
وقد تحرّک
الغزالی علی مستوی تفکیک مراتب ودرجات مصالح افراد البشر الی ثلاث مراتب:
۱.
المصالح الضروریة، التی یوجب عدم تحقّقها الخلل والارباک فی حیاة الانسان، من قبیل تحریم الجرائم ولزوم تنفیذ العقوبة بالمجرمین.
۲.
المصالح الحاجاتیة، التی یحتاج الیها الناس وفی صورة عدم تحقیقها فی واقع الحیاة فانّ ذلک یفضی الی العسر والضیق وان کان قابلًا للتحمّل، من قبیل: سلطة الولیّ علی نکاح الصغیر واحکام المعاملات.
۳.
المصالح الاستحسانیة، التی تهدف الی تحقیق الرفاه والراحة فی الحیاة، مثل: آداب المعیشة والعلاقات الاجتماعیة وآداب المعاملات.
ظهرت اراء متعددة منها:
۱. ذهب مالک واحمد الی جواز استناد الفقیه للمصالح المرسلة فی الفتوی. بل انّ «الطوفی» مؤلّف کتاب «مصادر الشریعة» یری فی المصالح المرسلة انّها اساس المصالح الدنیویة فی دائرة السیاسات والمعضلات الاجتماعیة، واعلی من ذلک انّه یری تقدّم المصالح المرسلة علی النصوص الشرعیة عند وقوع التعارض بینهما.
۲. ذهب الشافعی وجمهور اهل السنّة الی عدم الجواز، فقال: «الّا انّه لا استنباط بالاستصلاح ومن استصلح فقد شرّع، کمن استحسن، والاستصلاح کالاستحسان، متابعة الهوی».
۳. امّا الغزالی فانّه قرّر انّ المصالح المرسلة هی المنبع الرابع الوهمی والخیالی لعملیة الاستنباط، ولکنّه ذهب الی جواز العمل بالمصالح المرسلة فی المصالح الضروریة فقط، ولکن فی المصالح الحاجاتیة والتحسینیة فلا یری جواز العمل بالمصالح المرسلة، وقد مثّل للمصالح الضروریة بمثال «تترّس الکفّار» فاذا تتّرس الکفّار باسری من المسلمین لدیهم حین هجوم المسلمین علیهم ولم یتمکّن المسلمون من تحقیق النصر الّامن طریق قتل هؤلاء المسلمین الذین تتّرس بهم الکفّار، فانّ مصلحة الشافعي، ابن ادريس، الامّة الاسلامیة تقتضی ذلک وان لم یرد نصّ خاصّ فی الشریعة فی هذا المورد.
۴. وذهب فقهاء الامامیّة الی انّه اذا کان تشخیص المصلحة بشکل قطعیّ ویقینیّ وحصل المجتهد علی یقین کامل بذلک، فیجوز العمل علی اساس هذه المصلحة، وذلک لاصل «الملازمة بین الحکم العقلی القطعی وحکم الشرع». وامّا اذا لم یحصل له سوی الظنّ والاحتمال کما هو الحال فی نظر الکثیر من فقهاء اهل السنّة، فانّه لا یجوز له الفتوی علی هذا الاساس، لانّ: «اِنَّ الظَّنَّ لَایُغْنِی مِنْ الْحَقِّ شَیْئاً»
. وکما قال الامام الصادق علیه السلام:
«انّ دین اللَّه لا یُصابُ بالعقولِ الناقِصَة».
انّ اختلاف نظر الفقهاء فی حجیّة المصالح المرسلة کان منشا اختلاف فی الفتوی فی بعض المسائل الفقهیة. من قبیل:
۱. اعتبار شهادة الطفل علی الضرب والجرح
من الثابت انّ احد شروط اعتبار شهادة الشهود هو البلوغ، ولکن اذا کان الشاهد للحادثة والجریمة بعض الاطفال فقط، من قبیل حدوث نزاع وضرب بین الاطفال، فقد اختلف فقهاء الاسلام فی الفتوی فی هذه المسالة، فالشافعی اساساً لا یری صحّة شهادة الاطفال.
امّا مالک فقد ذهب الی اعتبارها، وقد استدلّ لذلک بمقولة «الاستصلاح» وقال: «اذا اردنا ان ناخذ بنظر الاعتبار مصلحة المجنیّ علیه والمجروح فلا سبیل لذلک سوی قبول شهادة الاطفال ایضاً».
وذهب فقهاء الامامیّة الی انّ شهادة الطفل فی مثل هذه الموارد معتبرة بثلاثة شروط: الاوّل: ان یکون سنّ الشاهد اکثر من ۱۰ سنوات. الثانی: ان یکون مشتغلًا بعمل او لعب محلّل. الثالث: ان لا یتفرّق الاطفال بعد اللعب ومشاهدة الحادثة الی زمان الشهادة عند القاضی. ومستند فتواهم هذه ما ورد عن اهل البیت علیهم السلام، ومنها قول الامام علیّ علیه السلام:«شهادة الصّبیان جائز بینهم ما لم یتفرّقوا او یرجعوا الی اهلهم»،
حیث استدلّوا بذلک فی الکتب لفقهیة.
۲. تعذیب المتّهم بالسرقة لکسب الاعتراف منه: وقد استند مالک بمقولة الاستصلاح للقول بجواز ضرب المتّهم لکی یعترف بالسرقة، لانّه فی غیر هذه الصورة لا یمکن اکتشاف الاموال المسروقة للناس، ولکن اکثر الفقهاء منعوا من ذلک وقالوا بعدم الجواز.
وذهب فقهاء الامامیّة الی عدم الجواز ایضاً، لانّ هذا الامر لیس من نوع
المصالح القطعیة التی لا یترتّب علیها ضرر.
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «الخلاف فی حجيّة المصالح المرسلة سبب الاختلاف في الفتوى» ج۱، ص۳۲۰-۳۲۳.