• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

دور انطلاق الفقه الاجتهادي

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



ويبدأ هذا الدور بعهد الشيخ الطوسي قدس سره ۴۶۰ ه     أي من أوائل القرن الخامس الهجري إلى عهد المحقق الحلّي صاحب كتاب شرائع الإسلام ۶۷۶ ه     أي منتصف القرن السابع الهجري. ومن أعلام هذا الدور: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ۴۶۰ ه    ، ومحمّد بن علي بن أبي حمزة العلوي ۵۷۰ ه    ، والقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي ۴۸۱ ه    ، وحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ۵۸۵ ه    ، وقطب الدين الراوندي ۵۷۳ ه    ، والشيخ محمّد بن إدريس الحلّي ۵۹۸ ه    ، وغيرهم.




وقد انطلق الفقه الاجتهادي الامامي على يد الشيخ الطوسي قدس سره ۴۶۰ ه     في هذا الدور حيث استطاع بما اوتي من نبوغ وعبقرية وعلم أن يطوي بالفقه بل بعلوم الشريعة كلّها مراحل عظيمة ويخطو بها خطوات كبيرة إلى الامام، وأن يؤسّس جامعة علوم الشيعة ومعارفها، فكان رحمه الله بحق انطلاقة الحياة العلمية والفقهية الشيعيّة في حركتها وروحانيتها، وفي أصالتها وعمقها، وفي بعدها وشمولها، وكان الكلمة الاولى في اندفاعتها الرسالية والحجر الأساس في مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية، وكان بحقّ إمامها المفكّر وزعيمها الأوحد في ذلك العصر، وقد كانت هذه من نتائج خبرته التي استفادها من معاصرته لزعامة شيخه المفيد ۴۱۳ ه     والسيد المرتضى ۰ ۴۳۶ ه    .



وقد صنّف في أكثر علوم الشريعة ومعارفها مؤلّفات فريدة من نوعها لا تزال خالدة في تاريخ العلم كما قام بتطوير المناهج وطرائق البحث والدراسة فيها وتربية الفقهاء عليها، وقد تربّى تحت منبر درسه في بغداد والنجف أجيال من الفقهاء والمتكلّمين والمفسرين، وقد كانت آراؤه ونظرياته رائدة في الحواضر العلمية ومسيطرة عليها أكثر من قرن، وكان الفقهاء من بعده لا يجرءون مخالفة طريقته ومنهجه وآرائه لشدة تعظيمهم وتقديسهم لنظره والاعتقاد بتفوقه وغزارة علمه وإشرافه على مصادر الشريعة وفنون الكلام والاستدلال. وقد كان لاتصاله بشيوخه في الحديث والفقه من العصر الذي كان قبله وأخذه للأحاديث والروايات عن الكتب والاصول الأولية المدوّنة في ذلك والتي كانت بحوزته في مكتبته أو مكتبة سابور التي أشرنا اليها، والتي ضاع قسم كبير منها في هجوم السلاجقة على الكرخ عام ۴۴۷ ه، الأثر البالغ في بقاء الهوّة والفاصلة الكبيرة بين أفكار الشيخ الطوسي وآرائه وفتاواه، وبين من بعده ممن تتلمذ على يديه.



وقد اضطرّ الشيخ‌ أن يهاجر بأفكاره وعلمه إثر هذا الحدث الرهيب- الذي افتقدت به الامامية تراثاً علمياً ذا أهمية كبرى- إلى النجف الأشرف عام ۴۴۹ ه ليؤسّس فيه الجامعة العلمية من جديد ويعيد مكانتها التي فقدت ببغداد على أيدي السلاجقة. وقد ظهر وتبلور الفقه الامامي على يد الشيخ الطوسي قدس سره في شكله المنهجي الصحيح حيث قام بتقنين عملية الاستنباط في اطار الأدلّة الشرعية وتبيين مناهجه في كتابه الاصولي عدّة الاصول الذي فاق الكتب الاصولية السابقة عليه واخترق الحوزات العلمية وأصبح محوراً للتدريس والشرح والتعليق عليه إلى قرون متأخرة، ويقول عنه السيد مهدي بحر العلوم ۱۲۱۲ ه    : «وهو أحسن كتاب صنّف في علم الاصول».
[۱] الفوائد الرجالية، ج۳، ص۲۳۱.




وقد كان الفقهاء قبل الشيخ يعتمدون النصوص والروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام ويفتون على أساسها من غير بحث حول أسانيدها، بل كان يرى بعضهم قطعية صدور أكثرها حتى انّ مثل السيد المرتضى قدس سره استاذ الشيخ الطوسي قدس سره ومعاصره كان يدّعي اجماع الطائفة على عدم العمل إلّا بالخبر العلمي. ولكن الشيخ قدس سره كان أوّل من فتح مجال البحث عن ذلك وأسّس قاعدة حجّية أخبار الآحاد إذا كانوا ثقاة وادّعى انّ عمل الأصحاب والطائفة بالروايات كان على أساس ذلك.



كما انّه بحث طرق توثيق الأسانيد ورجالات الشيعة وطبقاتهم، فهو الذي فتح باب البحث عن علم الدراية والحديث، وصنّف كتابه الرجال فيمن روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم السلام، كما ألّف كتابه الآخر الفهرست في شرح المصنّفين من رجالات الشيعة، وكتابه الثالث اختيار معرفة الرجال الذي هذّب فيه رجال الكشي، وهذه الكتب الثلاثة اضافة إلى رجال النجاشي- الذي هو معاصر للشيخ وتلميذ السيد المرتضى- تعتبر المصادر الأربعة الأساسية لتوثيق رجال روايات الشيعة وأسانيدها، ولولاها لانغلق باب التوثيق في كثير منها.
كما انّ الشيخ ألّف‌ مجموعتين حديثيّتين عظيمتين هما: التهذيب، وهو شرح استدلالي بالروايات لكتاب المقنعة لشيخه المفيد قدس سره، وقد طبّق فيه منهج الاستنباط الروائي على أبواب الفقه كلها. والاستبصار، وقد ألّفه لعلاج التعارض والاختلاف بين الأخبار في الفروع الفقهية، وبذلك قد وفّر الشيخ الطوسي كل أدوات الممارسة الفقهية الاجتهادية نظرياً وتطبيقياً، وهذه خطوة كبيرة وانطلاقة كبرى إذا ما قيست إلى ما قبل عصره.



ويمكننا استخلاص أهم خصائص هذا الدور الفقهي فيما يلي:
۱- تقنين عملية الاستنباط والاجتهاد في الفقه الامامي وتوضيح مبانيه ومناهجه في كل من اصول الفقه والحديث والرجال. وقد جعلت مصادر الاستنباط وأدلّة الفقه في كتب الاصول في هذا الدور أربعة: الكتاب والسنة والاجماع والعقل، إلّا أنّ الاجماع اريد منه ما يكون بضمنه قول المعصوم أو يستكشف منه قوله ولو بدلالة عقلية، فيكون كاشفاً عن السنّة، كما أنّ العقل اريد منه حكمه البديهي اليقيني لا الظنون والأقيسة والاستحسانات.
۲- تهذيب الاستدلال الفقهي عن بعض المناهج الغريبة التي كانت معمولة في المذاهب الاخرى والتي ربما كانت قد تسرّبت إلى الفقه الامامي، وكذلك تهذيبه من الاعتماد على بعض البحوث العقلية الكلامية التي كانت رائجة يومذاك، واعتماد المنهج الفقهي الأصيل وهو استخراج الأحكام الشرعية من الأدلّة الشرعية المتمثّلة في الكتاب والسنّة الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام.
۳- تطبيق المنهج المذكور في الفقه بصورة موسعة ومتطورة وفي جميع أبوابه، وقد استطاع بذلك أن يثبت قدرة الفقه الشيعي ومصادره على علاج التفريعات والمسائل الفقهية مهما تنوّعت وتفرّعت. وقد ردّ بذلك على الشبهة التي كان يثيرها المخالفون على الفقه الامامي من جمود هذا الفقه وعدم قدرته على التفريع وعلاج الفروض الفقهية التقديرية، وانّه لا يعدو أن يكون مجموعة أحاديث ونصوص محدودة.
وقد ألّف الشيخ لهذا الغرض كتابه المبسوط كما ذكر ذلك في مقدمته حيث قال: «فاني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الامامية ويستنزرونه... وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلّة تأمل لُاصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا منصوصاً عليه تلويحاً عن أئمتنا...».
[۲] المبسوط، ج۱، ص۲.

۴- ومن خصائص هذا الدور- كالدورين السابقين-: الحوار مع المذاهب الاخرى والنظر إلى آرائها ومنهاجها الفقهية والمقارنة فيما بينها سواء بنحو الفتاوى المجردة أو بشكل موسّع واستدلالي. وقد تطوّر هذا على يد الشيخ بنحو أوسع وأشمل وفي كل الفقه كما يظهر من مراجعة كتابيه الخلاف والمبسوط.
۵- الاهتمام بتوفير أدوات وعناصر الاستدلال الفقهي الرجالية والحديثية وتجميعها من الاصول القديمة في مجاميع كاملة ومستوعبة لكافّة ما يحتاجه الفقيه في الأبواب الفقهية كلّها، وقد كان في ذلك خدمة كبرى لفقه أهل البيت عليهم السلام.



الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۵۲- ۵۶.    



جعبه ابزار