مكروهات الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
مكروهات الصلاة أمور، منها : عقص الشعر، الالتفات يميناً وشمالاً، التثاؤب والتمطي، البحث ونفخ موضع السجود والتنخم والبصاق، فرقعة الأصابعة والتأوّه ومدافعة الاخبثين، لبس الخف الضيق، ويجوز للمصلّي تسميت العاطس، ورد السلام، والدعاء بالمباح.
(وفي جواز الصلاة والشعر معقوص قولان، أشبههما الكراهة) وفاقا للمفيد والحلّي والديلمي والحلبي
وعامة المتأخرين، للأصل، وضعف دليل المانع، وهو الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف،
مدعيا فيه الإجماع، ومستندا إلى الخبر : في رجل صلّى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر، قال : «يعيد صلاته».
وفي السند ضعف، وفي الإجماع وهن بندرة القائل به، بل عدمه إلاّ مدّعيه، فلا يخصّص به الأصل المعتضد بفتوى الأكثر، بل الكل إلاّ النادر، وإن تبعه الشهيد في الذكرى
لشبهة نقل الإجماع وللاحتياط. وفي الأول ما مرّ، وفي الثاني أنه مرجوح بالنسبة إلى المعارض، مع أن في التمسك به للوجوب إشكالا ليس هنا محل ذكره. والحكم تحريما أو كراهة مختصّ بالرجل دون المرأة إجماعا، كما صرّح به جماعة،
ولكن بعض العبارات كالمتن مطلقة.
والعقص هو جمع الشعر في وسط الرأس وشدّه، كما عن المعتبر والتذكرة وفي غيرهما من كتب الجماعة.
قيل : ويقرب منه قول الفارابي والمطرزي في كتابيه أنه جمعه على الرأس قال المطرزي : وقيل هو ليّه وإدخال أطرافه في أصوله.
قلت : هو قول ابن فارس في المقاييس.
قال المطرزي : وعن ابن دريد : عقصت شعرها شدّته في قفاها ولم تجمعه جمعا شديدا. وفي العين : العقص أخذك خصلة من شعر فتلويها ثمَّ تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثمَّ ترسلها.
ونحوه المجمل والأساس
والمحيط، وإن خلا عن الإرسال.
ويقرب منه ما في الفائق : أنه الفتل.
وما في الصحاح : أنه ضفره وليّه على الرأس.
وهو المحكي في تهذيب اللغة
والغريبين عن أبي عبيدة، إلاّ أنه قال : ضرب من الضفر، وهو ليّه على الرأس. وفي المنتهى : وقد قيل : إن المراد بذلك ضفر الشعر وجعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة، وعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقّا، لأنه يمنع من السجود.
انتهى. وحكى المطرزي قولا إنه وصل الشعر بشعر الغير.
(ويكره الالتفات) بالبصر أو الوجه (يمينا وشمالا) ففي الخبر : «انه لا صلاة لملتفت».
وحمل على نفي الكمال جمعا كما مضى.
وفي آخر عنه صلي الله عليه و آله وسلم: «أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله تعالى وجهه وجه حمار».
والمراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطّلاعه على الأمور العلويّة، وعدم إكرامه بالكمالات العليّة.
(والتثاؤب) بالهمزة، يقال : تثاءبت، ولا يقال : تثاوبت، قاله الجوهري.
(والتمطّي) وهو مدّ اليدين. ففي الخبر : أنهما من الشيطان.
وفي النهاية الأثيرية : إنما جعلهما من الشيطان كراهية له، لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، وأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه وهو التوسيع في المطعم والشبع، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات.
(والعبث) بشيء من أعضائه، فقد رأى النبي صلي الله عليه وآله وسلم رجلا يعبث في الصلاة فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
وفي بعض النصوص : أنه يقطع الصلاة.
وحمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة، جمعا. (ونفخ موضع السجود، والتنخّم، والبصاق) وخصوصا إلى القبلة واليمين وبين يديه.
(وفرقعة الأصابع) ونقضها لتصوت. (والتأوّه بحرف) واحد، وأصله قول : أوه، عند التوجّع والشكاية، والمراد به هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان. (ومدافعة الأخبثين) البول والغائط. ولا خلاف في شيء من ذلك عدا الالتفات، فقيل بتحريمه،
وهو ضعيف.
والنصوص بالجميع مستفيضة، ففي الصحيح : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولا تحدث نفسك، ولا تتثاءب ولا تتمطّ ولا تكفّر، فإنما يفعل ذلك المجوس، ولا تلتثم، ولا تحتفز، _أي : لا تتضامّ في سجودك بل تتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر، وهكذا عكس المرأة، فإنّها تحتفز في سجودها ولا تتخوّى ، وقولهم : «هو محتفز» أي مستعجل متوفر غير متمكّن في جلوسه، كأنه يريد القيام.
ولا تفرج كما يتفرج البعير، ولا تقع على قدميك، ولا تفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق، فإن الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى، يعني سكر النوم، وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً)».
وفي آخر : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب، وهو بمنزلة من هو في ثيابه».
_وفيها : «حاقنة» بدل «حاقب»والحاقن : الذي به البول، والحاقب : الذي به الغائط، كما فسرّا بهما في رواية معاني الأخبار، ج۱، ص۲۳۷.
والمراد نفي الفضيلة، للإجماع على الصحة. ويستفاد من الأوّل كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع والإقبال إلى الصلاة مطلقا، كما عليه الأصحاب، ويستفاد من نصوص أخر أيضا، وفيها الصحاح وغيرها.
(و) منها يظهر وجه كراهة (لبس الخفّ) حال كونه (ضيّقا) لما فيه من سلب الخشوع والمنع من التمكن من السجود.
(ويجوز للمصلّي تسميت العاطس) وهو الدعاء له عند العطاس بنحو قوله : يرحمك الله، إذا كان مؤمنا، بلا خلاف إلاّ من المعتبر، فقد تردّد فيه.
ولا وجه له بعد ثبوت كونه دعاء بنصّ جماعة من أهل اللغة،
فيشمله عموم ما دلّ على جوازه في الصلاة، كما يأتي، مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز التسميت، بل استحبابه مطلقا،
مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه الأصحاب، وجعله مقتضى المذهب.
نعم، روت العامة عن معاوية بن حكم أنه قال : صلّيت مع رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم فعطس رجل من القوم، فقلت : يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت : ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمت أنهم يصمّتوني، فلمّا صلّى رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم قال : «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس، إنما هي التكبيرة وقراءة القرآن».
وفيه ـ مع ضعف سنده ـ : عدم وضوح دلالته، باحتمال رجوع الإنكار فيه إلى قوله الثاني، أو إلى إنكارهم، كما بينته في الشرح.
وهل يجب على العاطس الرّد؟ قيل : الأظهر لا، لأنه لا يسمّى تحيّة.
وفيه نظر، مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين : أنه قال : «إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا : يرحمكم الله، وهو يقول : يغفر الله تعالى لكم ويرحمكم، قال الله تعالى عزّ وجلّ (إِذا حُيِّيتُمْ بتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) .
وكما يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد الله ويصلّي على النبي صلي الله عليه و آله وسلم، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره، للعمومات، وفي المنتهى أنه مذهب أهل البيت :.
(و) يجوز له (ردّ السلام) أيضا على المسلّم، بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر،
وهو الحجة بعد العمومات من الكتاب والسنة المستفيضة.
مضافا إلى خصوص المعتبرة، منها الصحيح : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة، فقلت : السلام عليك، فقال : «السلام عليك» فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال : «نعم، مثل ما قيل له».
والموثق : عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة، فقال : «يردّ بقوله : سلام عليكم، ولا يقول : عليكم السلام».
ويستفاد منه وجوب كون الرد ب(مثل قوله : سلام عليكم) وإطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلّم به أم بغيره من صيغ السلام الأربع المشهورة. وهو مشكل، بل ضعيف، لتصريح الصحيحة المتقدمة بخلافه، مع اعتضادها بالعمومات، مضافا إلى الأصل. ويستفاد منها وجوب كون الردّ بالمثل، كما هو المشهور بين الأصحاب، وفي ظاهر المدارك وغيره وصريح المرتضى والخلاف أن عليه إجماع الأصحاب،
وهو حجة أخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق ولو في الجملة، ولو لا دلالته على تعين الصيغة المذكورة فيه للردّ لكان كالصحيح حجة. مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها غلبة حصول السلام بها وندرة السلام بعليكم السلام، بل عدمه، وفي بعض الأخبار أنه تحية الأموات.
وعلى هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة، ويشير إلى هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف،
كما لا يخفى على من راجعه وتدبره.
خلافا للحلي والفاضل في المختلف، فجوّزا الرد بالمخالف، ولو بقوله : عليكم السلام، خصوصا مع تسليم المسلّم به،
لعموم الآية،
واستضعافا للرواية بناء على أنها من الآحاد. وفيه : أنها من الآحاد المعمول بها، فيتعين العمل وتخصيص العموم بها.
ثمَّ ليس في العبارة ككثير إلاّ جواز الردّ دون وجوبه.
وبالوجوب صرّح الفاضل وجماعة،
ومنهم الشهيد، قال : والظاهر أن الأصحاب أرادوا بيان شرعيته، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية.
انتهى. وهو حسن.
ويجب إسماع الردّ تحقيقا أو تقديرا، كما في غير الصلاة، على الأشهر الأقوى، عملا بعموم ما دلّ عليه، وحملا للصحيح والموثق ـ الدالّين على الأمر بإخفائه، كما في الأول،
أو على الإتيان به فيما بينه وبين نفسه، كما في الثاني
ـ على التقية، كما بيّنته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام وسابقة، من أبحاث شريفة ومسائل مهمة، يضيق عن نشرها هذه التعليقة.
(و) يجوز له (الدعاء في أحوال الصلاة) قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ومتشهدا بالعربية وإن كان غير مأثور، إجماعا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر،
وللمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، ففي الصحيح : عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه؟ قال : «نعم».
وهل يجوز بغير العربية؟ قيل : نعم.
وقيل : لا.
ولعلّه الأقوى، اقتصارا في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه نصّا وفتوى، وليس إلاّ العربية. ومنه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء (بسؤال المباح) دينا ودنيا (دون المحرم) مع انه متفق عليه ظاهرا، فلو دعا به بطل الصلاة بلا خلاف أجده، وعن التذكرة الإجماع عليه،
وإن اختلفوا في إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعوّ به. والأصح الأوّل، لعموم الدليل، والجهل ليس بعذر مطلقا، خصوصا في الصحة والبطلان.
وتنظّر فيه شيخنا في روض الجنان، قال : من عدم وصفه بالنهي وتفريطه بترك التعلم، ثمَّ حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة. قال : وقطع المصنف بعدم عذره، ثمَّ قال : ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا، لتكليفه بترك الحرام وجهله تقصير منه، وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافيات.
انتهى. أقول : وظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلا فلا يعذر، والجهل بحرمة المدعوّ به. وفيه نظر، وسؤال وجه الفرق متّجه. فتدبر.
رياض المسائل، ج۳، ص۲۹۸- ۳۰۷.