ميقات أهل العراق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لأهل العراق
العقيق وأفضله
المسلح وأوسطه غَمرة وآخره
ذات عرق.
فـ (لأهل العراق
العقيق ) وهو في اللغة كلّ وادٍ عقّه السيل، أي شقّه، فأنهره ووسّعه، وسمّي به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات، وهو واد يندفق سيله في غوريّ تِهامة، كما عن
تهذيب اللغة .
(و) المشهور أن (أفضله
المسلح ) وليس في ضبطه شيء يعتمد عليه، وفي التنقيح وعن
فخر الإسلام أنه بالسين والحاء المهملتين، واحد المسالح، وهي المواضع العالية. وقيل : بالخاء المعجمة، لنزع الثياب.
(و) أنه يليه في الفضل (أوسطه غَمرة) بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة، منهلة من مناهل طريق
مكة ، وهي فصل ما بين نجد وتهامة، كما عن
الأزهري .
وفي التنقيح وعن فخر الإسلام
أنها سمّيت بها لزحمة الناس فيها.
(و) أن (آخره
ذات عرق ) بعين مهملة مكسورة فراء مهملة ساكنة، وهو الجبل الصغير، وبه سميت، كما عن
النهاية الأثيرية .
وفي التنقيح وعن فخر الإسلام
أنها سمّيت بذلك لأنها كان بها عِرق من الماء، أي قليل.
ويجوز
الإحرام منها عندهم
اختياراً ؛ للخبرين، في أحدهما : «حدّ العقيق أوّله المسلخ وآخره ذات عِرق».
وفي الثاني : «وقّت
رسول صلي الله عليه و آله وسلم لأهل
العراق العقيق، وأوله المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوّله أفضله».
ونحوه الرضوي إلاّ أن بعده بأسطر : «ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات، ولا يجوز تأخيره عن
الميقات إلاّ لعليل أو تقية - فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى، فلا بأس بأن يؤخّر الإحرام إلى ذات عرق -».
وبظاهره أخذ والد
الصدوق كما في المختلف،
وتبعه الشهيد في
الدروس وزاد الشيخَ في النهاية،
وعزاه بعض متأخري الأصحاب إلى الصدوق أيضاً في المقنع والهداية.
واستدل لهم بالصحيح : «وقّت رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين، ما بين بريد البعث إلى غَمرة، ووقّت لأهل
المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد
قرن المنازل ، ولأهل الشام
الجحفة ، ولأهل
اليمن يلملم ».
والصحيح : «أول العقيق بريد البعث، وهو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلاً بريدان».
والخبر : «حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة».
وربما يميل إليه بعض متأخري المتأخرين، قال : ولا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على
التقية ؛
للصحيح المروي في
الاحتجاج عن
مولانا صاحب الزمان عليه السلام : عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلاً بهم، يحجّ ويأخذ عن الجادة. ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة، أم لا يجوز أن يحرم إلاّ من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب : «يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره».
وفيه نظر، أمّا أوّلاً فلفقد التكافؤ بين الأخبار؛
لاشتهار الخبرين بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعاً، كما يشعر به كلمات جملة من الأصحاب، حيث إنهم لم ينقلوا الخلاف مع أن ديدنهم نقله حيث كان. وآخرون منهم عزوا مضمونهما إلى الأصحاب والمعروف بينهم،
مشعرين بدعوى
الإجماع عليه، كما في صريح
الناصرية والخلاف والغنية،
فتشذّ الروايات المقابلة. مع ظهورها أجمع في خروج غمرة أيضاً، كذات عرق، ولم يقل به أحد من الطائفة. مضافاً إلى قصور دلالة الصحيح الثاني منها على الخروج مطلقاً، وعدم دلالته عليه بالكلية، وتضمنه أن أول العقيق دون المسلخ، وهو خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب والأخبار؛ وضعف سند الرواية بعده.
وثانياً : بأن أحد الخبرين والروضي مصرِّحان بأن العقيق من المواقيت المنصوصة عن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم، وأن أفضله المسلخ، وهما مخالفان لمذهب العامة،
ومن متفردات
الإمامية . وحينئذ فيتعيّن الجمع بينهما بحمل هذا الروايات على أن المراد أن ذات عرق وإن كانت من العقيق إلاّ أنها لمّا كانت ميقات العامة، وكان الفضل إنما هو فيما قبلها، فالتأخير إليها وترك الفضل إنما يكون لعذر من علّة أو تقية.
ويشير إليه كلام الحلّي في
السرائر ، فإنه قال : ووقّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل كل صُقع ولمن حجّ على طريقهم ميقاتاً، فوقّت لأهل العراق العقيق، فمن أيّ جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها، إلاّ أن له ثلاثة أوقاتٍ، أولها المسلخ، وهو أفضلها عند
ارتفاع التقية، وأوسطها غمرة، وهي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية، وآخرها ذات عرق،، وهي دونها في الفضل، إلاّ عند التقية والشناعة والخوف فذات عرق هي أفضلها في هذه الحال، ولا يتجاوز ذات عرق إلاّ محرماً.
انتهى.
ويحتمل ذلك كلام المخالفين في المسألة، ولعلّه لذا لم يجعلهم الفاضل والشهيد مخالفين صريحاً، بل قال الأول : وكلام
علي بن بابويه يشعر.
والثاني : وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية.
هذا، ولا ريب أن الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق، بل ولا إلى غمرة؛ لما عرفته من دلالة بعض الصحاح على خروجها من العقيق أيضاً، ولمّا لم يوجد قائل به كان الإحرام منها أفضل من الإحرام من ذات عرق، وهي دونها في الفضل، لوجود قائل بخروجها أو عدم جواز الإحرام منها اختياراً، ولعلّه الوجه في أفضلية غمرة من ذات عرق؛ مضافاً إلى ما فيه من المشقة اللازمة لزيادة
الأجر والمثوبة، وإلاّ فلم نجد من النصوص ما يدل عليها، لدلالتها على أفضليتة
المسلخ خاصة.
رياض المسائل، ج۶، ص۱۵۶- ۱۶۰.