الإجماع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
التصميم فإذا وجد من واحد يكون لمجرّد العزم على
الأمر، وإذا وجد من أكثر من واحد يكون دالّاً على
الاتفاق المسبوق بالعزم من كلّ منهم.
الإجماع في
اللغة بمعنى العزم، وإذا كان من متعدد يدلّ على الاتفاق منهم على
شيء.
قال
الفيومي: «أجمعت عليه عزمت عليه، وفي حديث: «من لم يُجمع
الصيام قبل
الفجر فلا صيام له» أي من لم يعزم عليه فينويه، وأجمعوا على
الأمر اتفقوا عليه».
وعليه فالإجماع هو
العزم والتصميم، ويتأتّى من واحدٍ وأكثر، فإذا وجد من واحد يكون لمجرّد العزم و
التصميم على الأمر، وإذا وجد من أكثر من واحد يكون دالّاً على الاتفاق المسبوق بالعزم والتصميم من كلّ منهم ولذا جعل في
المعالم له معنيين: أحدهما: العزم، والثاني:
الاتفاق.
الإجماع في الاصطلاح يطلق على اتفاق خاص وعرّف بتعاريف:
فعرّفه بعضهم باتّفاق أهل
الحلّ و
العقد من امّة
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعضهم باتفاق من يعتبر قوله من امّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعضهم باتفاق
علماء الطائفة على أمر في عصر واحد لا مع تعيين
المعصوم.
وفي
الفرائد للشيخ الأنصاري: «إنّ الإجماع في مصطلح
الخاصّة بل
العامّة هو اتّفاق جميع
العلماء في عصر، كما ينادى تعريفات كثير من
الفريقين».
ثمّ إنّه لمّا كان وجه حجّية الإجماع عند
الإماميّة هو كشفه عن قول المعصوم عليه السلام الذي هو
الحجة حقيقة، تسامح بعض فقهائنا في اطلاق لفظ الإجماع على اتّفاق الجماعة التي علم دخول
الإمام فيها- ولو مع وجود المخالف- فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه
الاصطلاح ، بل قد شاع هذا
التسامح بحيث كاد أن ينقلب اصطلاح الخاصّة عما وافق اصطلاح العامّة إلى ما يعمّ اتفاق طائفة من الإمامية كما يعرف بأدنى تتبّع لموارد
الاستدلال.
ولذلك قد يحمل الإجماعات في كلماتهم على غير المعنى المصطلح.
قال
الشهيد في
الذكرى: «وقد اشتمل كتاب
الخلاف و
الانتصار و
السرائر و
الغنية على أكثر هذا الباب مع ظهور المخالف في بعضها حتى من
الناقل نفسه، و
العذر إمّا بعدم اعتبار المخالف المعلوم المعيّن، وإمّا تسميتهم لما اشتهر إجماعاً، وإمّا بعدم ظفره حين ادّعى الإجماع بالمخالف، وإمّا
بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الإجماع- وإن بعد- كجعل
الحكم من باب
التخيير، وإمّا إجماعهم على
روايته بمعنى تدوينه في كتبهم منسوباً إلى
الأئمّة».
وحمله بعضهم على إرادة اتفاق المعروفين
بالفتوى أو اتفاق الجميع، لكن استناداً إلى فتوى المعروفين أو إلى أصل أو عموم عند عدم وجدان
الدليل الخاص.
وهي الاتفاق وعدم الخلاف وعدم
وجدان الخلاف و
الشهرة:
المستفاد من كلمات
الفقهاء أنّ الإجماع بالمعنى المصطلح أخصّ من جميعها و
أقوى دلالة منها في
الكشف عن رأي المعصوم عليه السلام، وبعد الإجماع في الكشف وقوّة
الدلالة الاتفاق، وبعده عدم الخلاف أي إحرازه، وبعده عدم وجدان الخلاف والشهرة- وإن كان قد يستعمل بعضها مكان بعض- والظاهر لحوق الجميع بالإجماع في ملاك
الحجّية ومبناها وإن لم تكن بتلك المثابة في درجة الكشف.
قال
السيد الخوئي: «إنّ وجود الاتفاق أعم من وجود الإجماع؛ إذ يمكن أن يكون هنا اتفاق العلماء على مسألة ولا يكون هنا إجماع تعبّدي؛ لوجود مخالف لم يصل إلى مدّعي الإجماع، فلا يلازم دعوى الاتفاق دعوى
الإجماع التعبدي كما هو واضح».
وقد صرّح الشهيد في الذكرى: «بأنّ الإجماع هو
الوفاق لا عدم علم الخلاف».
الإجماع الذي حصّله
الفقيه بتتبعه في كلمات الفقهاء يكون بالنسبة لنفسه
محصّلًا وبالنسبة لغيره الذي يعتمد على نقله إجماعاً
منقولًا أي
اخباراً عن الإجماع وحينئذٍ قد يقال بكونه مشمولًا لأدلّة
حجّية الخبر لكونه ينقل بالملازمة قول المعصوم عليه السلام (وهو
السنة).
وقد نوقش في ذلك من قبل الاصوليين وتفصيله متروك إلى المصطلح
الاصولي (
خبر الواحد-
الإجماع المنقول).
الاتّفاق الحاصل بين الفقهاء إذا كان اتفاقاً واقعاً على رأي معيّن فهو
بسيط، وأمّا إذا كان باعتباره إجماعاً على نفي الغير بأن كان الخلاف
الواقع دائراً بين قولين أو ثلاثة مثلًا فيعتبر ذلك إجماعاً على نفي الثالث أو الرابع ويسمى
بالإجماع المركّب.
نعم لو فرض بناء كلّ طائفة في رأيها على نفي الوجه الثالث بصورة مستقلّة، فهذا يرجع في الحقيقة إلى
الإجماع البسيط على نفي الثالث، فالإجماع المركّب ما كان خالياً عن هذا
البناء ولكن حصّله المتتبّع من ناحية ارتباط الحكم بشيء بنفي غيره.
وقد يقسّم إلى
قولي و
فعلي و
صريح و
سكوتي أيضاً، وتفصيل كل ذلك متروك إلى محلّه.
حجّية الإجماع تارة يبحث عنها على أساس حكم العقل بلزوم تدخّل
الشارع لمنع الاجتماع على
الخطأ- وهو المسمى
بقاعدة اللطف الذي ذكره
الشيخ الطوسي- واخرى على أساس دلالة
الدليل الشرعي على حجيته ولزوم التعبّد بمفاده من
آية أو رواية كما في
الحديث المدعى: «لا تجتمع امتي على خطأ»
وثالثة باعتباره كاشفاً عن دليل شرعي وهو السنّة وقد يسمّى
بالإجماع الحدسي.
والفارق بين الأخير والأوّلين أنّ الإجماع على الأساس الاولى والثانية يكشف عن الحكم الشرعي مباشرة، وأمّا على الأساس الأخير فإنّما يكون كاشفاً عن وجود الدليل الشرعي على الحكم وهو السنّة ومن وسائل إثباتها، فلا يعتبر- على هذا- أحد الأدلّة على الحكم في قبال
الكتاب والسنّة، وليست الحجّية له بنفسه بل للسنّة المكشوفة به، فاطلاق الحجة عليه في عداد الكتاب والسنّة والعقل إنّما يكون مماشاة للنهج الدراسي في علم
اصول الفقه عند العامّة.
وهي امور:
أن يكون الإجماع من قبل المتقدّمين من فقهاء
عصر الغيبة الذين يتصل عهدهم بعهد الرواة وحملة الحديث و
المتشرّعين المعاصرين للمعصومين، وذلك حيث إنّ المكشوف بالإجماع ليس رواية خاصة بل إنّما هو الجوّ العام من
الاقتناع و
الارتكاز المتشرعي الملازم لرأي المعصوم، وهذا الارتكاز ليس له
كاشفية وملازمة لرأي المعصوم، إلّا إذا كان متصلًا بزمان المعصوم وقريباً منه، فلا كشف لاتّفاق الفقهاء المتأخّرين عن هذا الارتكاز.
أن لا يكون للإجماع مدرك معلوم أو محتمل قد استند المجمعون إليه، فإنّ في هذه الحالة يمكن الاقتناع بأنّ حكمهم بشيء- مع شدة
ورعهم- لم يكن إلّا بارتكاز متشرّعي ناشئ عن رأي المعصوم، وأمّا مع وجود
المستند أو
احتماله فلا كشف.
ومن ذلك اتضح أنّ المسألة لو كان بالإمكان استناد الحكم فيها إلى
قاعدة عقليّة أو كان من المسائل التفريعية التي قد يستفاد الحكم فيها من عموم أو إطلاق فلا يتمّ
الاكتشاف المزبور.
أن لا توجد قرائن عكسية تدلّ على عدم وجود الارتكاز المزبور في عصر الأئمّة.
لمّا كان ملاك حجّية الإجماع هو كشفه عن الارتكاز المتشرعي العام المسبّب عن رأي المعصوم وهو
قضية معنوية غير منصبّة في ألفاظ محدّدة ومكتنف بالغموض في بعض امتداداته وإطلاقاته، فلا بد من الاكتفاء به في القدر
المتيقّن المتفق عليه، ففيما إذا اختلفت الفتاوى بالعموم والخصوص لا يتمّ الإجماع إلّا بالنسبة لمورد خاص، ويعتبر كشف الإجماع عن الحكم بنحو
القضية المهملة فلا وجه للتمسك باطلاقه.
بل هو كذلك مع عدم اختلاف الفتاوى وكون معقد الإجماع محدداً؛ لأنّ الفرض أنّ معقد الإجماع ليس رواية صادرة عن المعصوم بألفاظه حتى يأخذ بمدى دلالته، بل ليس إلّا أمراً كاشفاً عن ارتكاز متشرعي عامّ في زمان
الامام وما يقاربه وشأنه شأن
السيرة.
قال السيد الخوئي: «لا
دليل لفظي على بطلان
التعليق في
العقود، وإنّما الدليل على بطلانه هو الإجماع، ومن الواضح أنّه
دليل لبّي لا بد من أخذ المتيقّن منه».
فاتضح بذلك أنّ التمسك باطلاق معاقد الإجماعات و
المعاملة معها كالرواية- كما في كثير من عبارات الفقهاء
- غير صحيح إلّا إذا كان ارادة
الإطلاق قطعياً.
الإجماع إذا كان تامّاً وواجداً لشرائطه بحيث يستكشف منه رأي المعصوم قطعاً فهو حجة لا محالة ويجب الأخذ بمقتضاه، وقد يوجب
تخصيص العمومات أيضاً إذا كان الحكم المجمع عليه خاصّاً، ولكن إثبات ذلك في الاجماعات المنقولة بأيدينا في غاية البعد؛ لبناء بعض الإجماعات المحصّلة على مباني غير مقبولة كإجماع علماء عصر واحد، وبناء بعضها على
التسامح في
الفحص و
الاكتفاء بقول بعضهم مع عدم وجدان الخلاف من آخرين حتى في
عصر واحد، فلا يكون نقل الإجماع الذي ادعاه المحصّل له كاشفاً عن رأي المعصوم، ولا يكون
الإخبار به اخباراً برأيه عليه السلام.
قال
المحقق في
المعتبر: «من المقلّدة من لو طالبته بدليل المسألة ادّعى الإجماع لوجوده في كتب الثلاثة وهو
جهل إن لم يكن
تجاهلًا».
وقال
الشيخ الأنصاري: «إنّ إجماع أهل عصر واحد مع قطع النظر عن موافقة أهالي الأعصار المتقدمة ومخالفتهم لا يوجب عن طريق
الحدس العلم الضروري بصدور الحكم عن الإمام. نعم يفيد العلم من باب وجوب
اللطف الذي لا نقول بجريانه في
المقام- كما قرّر في محلّه-
مع أنّ علماء العصر إذا كثروا- كما في الأعصار السابقة- يتعذّر أو يتعسّر الاطلاع عليهم حساً بحيث يقطع بعدم من سواهم في العصر، إلّا إذا كان العلماء في عصر قليلين يمكن
الاحاطة برأيهم في المسألة فيدعى الإجماع، إلّا أنّ مثل هذه الأمر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم. فالمحسوس المستلزم عادة لقول الإمام مستحيل التحقق للناقل، والممكن المتحقق له غير مستلزم عادة».
فعلى هذا ليس لغالب الإجماعات المحكية في كلمات الفقهاء قيمة من ناحية كشفها عن رأي المعصوم وكونها مستنداً للفقيه، بل يكون شأنها شأن الشهرة في الحجّية أو جبر ضعف الرواية سنداً أو دلالة.
ولكن مع ذلك نرى بعض الفقهاء المعاصرين رغم إنكارهم لحجية الإجماع حكموا بلزوم
الاحتياط في موارد قيام الإجماع المحقق من أكابر
الأصحاب على حكم، حيث قال في نهاية كلامه:
«فتحصّل مما ذكرناه في المقام أنّه لا مستند لحجية الإجماع أصلًا، وأنّ الإجماع لا يكون حجة إلّا أنّ مخالفة الإجماع المحقّق من كبار الأصحاب وأعاظم الفقهاء مما لا يجترى عليه، فلا مناص في موارد تحقق الإجماع من الالتزام بالاحتياط اللازم كما التزمنا به في بحث الفقه».
لا بأس بالاشارة إلى بعض الفروع التي قد يدعى عدم دليل تامّ عليها إلّا الإجماع، ولا ريب أنّ الحكم فيها يبتني على تحقق
الإجماع الصحيح الكاشف عند الفقيه:
قال
المحقّق النجفي: «لا يجوز قطع
الصلاة الواجبة اختياراً، بلا خلاف أجده، بل في مجمع
البرهان كأنّه إجماعي، وفي
كشف اللثام الظاهر الاتفاق... ثمّ ذكر ما استدل له من قوله تعالى: «لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» وبعض الروايات وأجاب عن الآية وعن
النهي الوارد في الروايات بكونه
إرشاداً إلى
الفساد لا
التكليف...» إلى أن قال: «فحينئذٍ لا دليل يتمسّك باطلاقه على
حرمة قطع
الصلاة حتى يحتاج في كلّ صورة تخرج من ذلك إلى دليل خاص؛ إذ العمدة الإجماع وما عساه يظهر من فحاوى كثير من
النصوص... ولا إطلاق في شيء من ذلك، والمعلوم منه الحرمة في الجملة. فالمتجه حينئذٍ الاقتصار على المتيقّن، ضرورة اقتضاء الاصول جواز القطع وليس منه
النافلة».
وقال
السيد الحكيم: «ولذلك صرّح غير واحد من متأخّري المتأخّرين بعدم الوقوف في المسألة على دليل معتمد، بل في
الحدائق عن بعض معاصريه الفتوى بجواز القطع اختياراً، وهو في محلّه لو لا ما عرفت من دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً على الحرمة وإرسال غير واحد لها إرسال المسلّمات. نعم لا بدّ من الاقتصار فيها على القدر المتيقّن من معقده وهو الصلاة الواجبة، كما هو ظاهر
التقييد بذلك في القواعد والذكرى و
جامع المقاصد و
الروض و
مجمع البرهان و
الذخيرة و
الكفاية وغيرها».
وقال السيد الخوئي: «إنّه ليس هناك دليل لفظي على حرمة قطع
الفريضة ليتمسك باطلاقه، وإنّما الدليل عليه هو الإجماع- لو تم- وهو إمّا غير ثابت أصلًا، أو على تقدير الثبوت فالمتيقّن منه غير المقام وهو قطع النافلة لادراك الجماعة».
ومثله غيره.
قال
المحقق الأردبيلي: «على أنّه لا دليل على البطلان مع
التعليق سوى ما نقل من الإجماع في
التذكرة، وقد فهم من اختياره صحة هذا
الضمني عدم الإجماع إلّا في
الصريح، فبقى غيره على مقتضى الأصل والأدلّة من
الصحّة».
وقال السيد الخوئي: «إنّه لا دليل على بطلان العقود بالتعليق لكي يكون ذلك الدليل مخصصاً لأدلّة صحّة العقود، وعليه فالعمدة في المقام هو الإجماع، فإن تم فهو، وإلّا فالمرجع هو
العمومات و
الإطلاقات، وقد عرفت عدم تمامية الإجماع في المقام، ومن هنا جزم
المحقق القمي بصحة
الوكالة المعلّقة ، وحكي التأمّل في بطلانها عن المحقق الأردبيلي».
قال السيد الخوئي: «لا دليل على اعتبار
الصيغة في العقود و
الايقاعات على وجه الإطلاق، نعم قد ادعى الإجماع على اعتبار اللفظ في
النكاح وأوجب هذا الإجماع افتراق النكاح عن غيره من العقود حيث يجوز انشاؤها بكلّ من القول والفعل، أمّا النكاح فلا يجوز انشاؤه إلّا باللفظ».
قال
السبزواري في
الذخيرة: «فإنّي لم أطّلع على نصّ يتضمّن أنّ
الفعل الكثير مبطل ولا ذكر في
نص في هذا الباب في شيء من كتب
الاستدلال، فإذاً مستند الحكم هو الإجماع، فيجب اناطة الحكم بمورد الاتفاق، فكلّ فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلًا كثيراً كان مبطلًا، ومتى ثبت أنّه ليس بكثير فهو ليس بمبطل».
وقال في موضع آخر: «لكن إذ قد عرفت أنّ مأخذ الحكم منحصر في الإجماع، فيجب اقتصاره على مورده وهو في صورة العمد».
وقال
المحقّق الهمداني: «فمقتضى القاعدة على تقدير انحصار مدرك الحكم في الإجماع هو الاقتصار على القدر المتيقّن من موضع الوفاق، وهو ما لو أتى في أثناء الصلاة بفعل عمداً مما يراه
العرف فعلًا كثيراً بحيث لا يبقى معه اسم كونه مصلّياً».
ومنها: بطلان الوقف المنقطع الآخر.
وامور اخرى كفورية
إزالة النجاسة عن
المسجد ، وعدم صحّة إسقاط ما لم يجب
، وجواز استعارة
الشاة للحلب المسمى
بالمنحة ، وإرث الخيار
، وبطلان شركة الأبدان
، وعدم كفاية
الحج مع عدم الاستطاعة المالية عن حجة
الإسلام ، ونجاسة ولد
الكافر ، واعتبار
البلوغ في
المفتي وغيرها فراجع.
المشهور بين الفقهاء
ارتداد منكر الضروري من
الدين في الجملة، وإن كان في كونه سبباً بنفسه أو رجوعه إلى إنكار
النبوّة أو إنكار الدين خلاف.
وأمّا إنكار الحكم المجمع عليه ففي استلزامه الارتداد أو عدمه بحث.
والحكم المجمع عليه تارة يفرض أنّه كذلك عند
المسلمين جميعاً كنجاسة
الميتة، واخرى يفرض أنّه مجمع عليه بين فقهاء الإمامية خاصة.
أمّا الأوّل فظاهر كثير من الفقهاء أنّ إنكاره مستلزم للارتداد.
قال في
الشرائع: «من استحل شيئاً من المحرمات المجمع عليها كالميتة و
الدم و
الربا و
لحم الخنزير ممن
ولد على الفطرة يقتل، ولو ارتكب ذلك لا مستحلًا عُزّر».
وقال في
القواعد: «ولو شرب
خمراً مستحلًا فهو
مرتد، وقيل: يستتاب، فإن تاب اقيم عليه
الحد، وإن امتنع قتل، أمّا باقي
المسكرات فلا يقتل مستحلّها؛ للخلاف بين المسلمين، بل يقام الحدّ عليه مع
الشرب مستحلّاً ومحرّماً وكذا
الفقّاع، ولو باع الخمر مستحلّاً استتيب، فإن تاب وإلّا قتل».
وقال الشهيد في
اللمعة: «يقتل مستحل الخمر إذا كان عن
فطرة، وقيل: يستتاب، وكذا يستتاب لو استحلّ
بيعها، فإن امتنع قتل، ولا يقتل مستحل غيرها».
وقال في
الروضة: «ولا يقتل مستحلّ شرب غيرها، أي غير الخمر من المسكرات؛ للخلاف فيه بين المسلمين، وهو كاف في عدم كفر مستحلّة وإن أجمعنا على تحريمه».
وظاهرهم أنّ الحكم المجمع عليه عند المسلمين بمصابة الضروري في استلزام إنكاره إنكار
صاحب الشرع.
واورد عليه بأنّ حجّية نفس الإجماع
ظنّية، ومن ثمّ اختلف فيها وفي جهتها، ونحن لا نكفّر من ردّ أصل الإجماع، فكيف نكفّر من ردّ مدلوله، فالأصحّ اعتبار قيد الضرورية فيه.
وقد يجاب عنه بأنّ كفر منكر المجمع عليه إنّما نقول به إذا تحقّق الإجماع وكان
قطعيّاً و
كاشفاً عن رأي المعصوم لا مطلق الإجماع، ولا يلزم من عدم
تكفير منكر أصل الإجماع عدم تكفير منكر مدلوله.
وأمّا الحكم المجمع عليه عند الإمامية خاصّة فالمحكي عن
الشيخ أنّه حكم بكفر مستحلّ ما أجمع عليه الأصحاب.
لكن صريح العلّامة والشهيدين في العبارات السابقة العدم.
بل في
المسالك: «وأمّا مخالف ما أجمع عليه الأصحاب خاصة فلا يكفّر قطعاً وإن كان عندهم
حجة، فما كلّ من خالف حجة يكفّر خصوصاً
الحجة الاجتهادية الخفيّة جدّاً كهذه، وقد أغرب الشيخ حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحلّ ما أجمع عليه الأصحاب، ولا شبهة في فساده».
ولكن المحقّق الأردبيلي حيث جعل الملاك إنكار ما يعتقد ثبوته في
الشريعة وافق الشيخ في تكفير المؤمن لا
المسلم الذي لا يعتقد بمقالة
الإمامية.
قال في
مجمع الفائدة: «فحينئذٍ لو أنكر
مؤمن قول
إمامه الذي يعتقد
عصمته يكفّر و
يرتدّ، فالمؤمن إذا أنكر ما أجمع عليه الإمامية، بمعنى أنّه علم ذلك بحيث دخل فيه قول المعصوم ثمّ أنكر يكفر ويرتد بانكاره الإجماع الذي دخل فيه المعصوم عليه السلام كإجماع المسلمين بالنسبة إليهم، بل قد عرفت أنّ المسألة الخفيّة إذا كان هو عالماً بها يكون إنكارها كفراً، فكيف إنكار ما أجمع عليه الإمامية وإنكار قول من يعتقد وثبت عنده عصمته؟! نعم ذلك ليس بكفر عند من لم يعتقد ولم يثبت عنده ذلك كانكار المخالفين أحد الأئمّة عليهم السلام بل تقديم
أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً، بخلاف إنكار إمامته مطلقاً فإنّه موجب للكفر و
الارتداد، وكذا
بغض أهل البيت عليهم السلام إلّا من يدعي ذلك شبهة...» إلى أن قال: «وقد عرفت أنّه ما أغرب الشيخ فإنّ إنكاره إجماع الأصحاب بالنسبة إلى الإمامي إنكار المعصوم بعد ثبوت عصمته باعتقاده، فردّه وإنكاره منه كردّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّه لا فرق بين إنكار إجماع المسلمين وإجماع الأصحاب».
وقال
المحقق النجفي: «وكذا من خالف المجمع عليه بين الأصحاب، نعم لا يحكم بكفره بمجرد
استحلاله؛ لاحتمال عدم تحققه الإجماع».
من
التوثيقات العامّة وقوع أحد
الرواة الذين أجمع الأصحاب على صحّة ما ينقلونه- ويسمّونهم في
علم الرجال بأصحاب الإجماع- في سند رواية، فقيل بصحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء- على ما ستأتي أسماؤهم- إذا صحّ
السند إليه حتى إذا كانت روايته عمن هو معروف بالفسق والوضع فضلًا عما إذا كانت عن
مجهول أو
مهمل أو كانت الرواية
مرسلة، وقد اختار هذا القول صاحب
الوسائل.
والأصل في ذلك قول
الكشي في تسمية أصحاب [[الإمام الباقر عليه السلام
|أبي جعفر]] و [[الإمام الصادق عليه السلام
|أبي عبد اللَّه عليهما السلام]]: «أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام وانقادوا لهم
بالفقه ، فقالوا: أفقه الأوّلين ستة:
زرارة و
معروف ابن خربوذ و
بريد و
أبو بصير الأسدي و
الفضيل بن يسار و
محمّد بن مسلم الطائفي ، قالوا: وأفقه الستة زرارة، وقال بعضهم: مكان أبو بصير الأسدي
أبو بصير المرادي وهو ليث البختري».
وقوله في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه- من دون هؤلاء الستة الذين عدّدناهم وسمّيناهم- وهم ستة نفر:
جميل بن دراج و
عبد اللَّه بن مسكان و
عبد اللَّه بن بكير و
حماد بن عثمان و
حماد بن عيسى و
أبان بن عثمان ، قالوا: وزعم
أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون- أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهو أحد أصحاب أبي عبد اللَّه عليه السلام».
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي ابراهيم و
أبي الحسن الرضا عليهما السلام: «أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللَّه عليه السلام، منهم:
يونس بن عبد الرحمن و
صفوان بن يحيى - بياع السابري- و
محمد بن أبي عمير و
عبد اللَّه بن المغيرة و
الحسن بن محبوب و
أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب
الحسن بن عليّ بن فضّال و
فضالة بن أيّوب ، وقال بعضهم: مكان فضالة بن أيّوب
عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى»»).
قال
الحر العاملي في
الوسائل بعد الاشارة إلى روايات الكشي في مضمون هذا الإجماع: «فعلم من هذه الأحاديث الشريفة دخول المعصوم بل المعصومين عليهم السلام في هذا الإجماع الشريف
المنقول بخبر هذا
الثقة الجليل وغيره».
وقد اجيب عنه بعدم دلالته على المطلوب.
قال
الفيض الكاشاني في المقدمة الثانية من كتابه: «وقد فهم جماعة من المتأخّرين من قوله: أجمعت
العصابة أو الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، الحكم بصحّة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرّد صحته عنهم من دون اعتبار
العدالة في من يروون عنه حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع فضلًا عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً على نسبته إلى أهل بيت العصمة صلوات اللَّه عليهم، وأنت خبير بأنّ هذه العبارة ليست
صريحة في ذلك ولا
ظاهرة فيه، فإنّ ما يصحّ عنهم إنّما هو الرواية لا المروي، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم، بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته».
مضافاً إلى أنّا لو تنزّلنا وفرضنا أنّ عبارة الكشي صريحة في ذلك فغاية ذلك دعوى الإجماع على حجّية رواية هؤلاء عن المعصومين تعبّداً وان كانت الواسطة
ضعيفة، فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الإجماع على حكم شرعي، وقد تحقّق في الاصول أنّ
الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة، وأنّ أدلّة حجّية الخبر الواحد لا تشمل
الأخبار الحدسيّة.
ثمّ إنّ الظاهر من الوسائل أنّ لهذا الإجماع أصلًا آخر أيضاً، وهو عبارة الشيخ الطوسي في
العدّة: «وإذا كان أحد الراويين
مسنداً- بالكسر- والآخر
مرسلًا نظر في حال المرسِل، فإن كان ممن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به فلا ترجّح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذا عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم».
وهذه دعوى للإجماع على
توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة المذكورين وقد جعل هذا الكلام من قبل الشيخ الطوسي قدس سره مبنى لقاعدة رجالية في
التوثيق سمّيت بقاعدة (توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة) بحيث يحكم بوثاقة كل من نقل عنه أحد الثلاثة في حديث سنده معتبر حتى إذا وقع في سند حديث آخر.
وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه من علم الرجال.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۳۳۶-۳۴۹.