واجبات الكفن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الواجب من
الكفن ثلاث قطع مطلقاً في الرجل والمرأة، مئزر وقميص وإزار مما تجوز
الصلاة فيه للرجال.
والواجب منه ثلاث قطع مطلقاً في الرجل والمرأة، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن
الخلاف والغنية
والمعتبر؛ للمعتبرة المستفيضة وغيرها.
منها
الصحيح: «يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفّافتين»
.
والصحيح: «كفّن
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة، وثوبين أبيضين صحاريين»
.
والحسن: «كتب أبي في وصيته أن اُكفّنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء حبرة كان يصلي فيه
يوم الجمعة، وثوب آخر، وقميص»
.
والموثق: عمّا يكفّن به الميت، فقال: «ثلاثة أثواب، وإنّما كفّن رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب حبرة، والصحارية تكون باليمامة. وكفّن
أبو جعفر (علیهالسّلام) في ثلاثة أثواب»
. وظاهر نقل تكفينهما (صلّىاللّهعليهماوآلهما) الدلالة على لزوم الثلاثة، بناء على لزوم التأسي في أمثال المسألة. ومنه ظهر وجه الاستناد إلى الخبرين المتقدمين على هذه
الرواية. وظاهرها الإطلاق، بل العموم للرجل والمرأة، فتحمل الخمسة في المرأة في الصحيحة الأولى على
الندب، وفاقاً للجماعة. وعليه تحمل المرسلة المصرّحة بكونها فيها مطلقاً فريضة
. مع ضعفها، ومنافاة إطلاقها لإطلاق الرواية السابقة ومفهوم خصوص الصحيحة المزبورة.
وكيف كان: فمخالفة سلّار بإيجابه الثوب الواحد خاصة
ضعيفة، مع عدم الإيماء إليه في شيء من الأخبار المعتبرة وغيرها بالمرّة. وأمّا الصحيح: «إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقلّ منه»
. فلا دلالة له عليه؛ إذ هي على تقدير كون الواو بمعنى أو، أو رجحان النسخة الموجودة هي فيها دونها، ولا دليل عليهما. مضافاً إلى فقدهما معا في أكثر النسخ المعتبرة، فيكون كالأخبار السابقة في لزوم الثلاثة وعدم الاكتفاء بالواحد، وإن كان الظاهر وجود أحدهما، لاستلزام فقدهما حزازة العبارة، مضافاً إلى وجود الواو في رواية
الكليني المرجحة على رواية غيره، للأضبطية. وبعد تسليم اتفاق النسخ بلفظه «أو» يحتمل الحمل على الضرورة، وإن كان لا يخلو عن المناقشة. والأقرب الحمل على
التقية لكون الاكتفاء بالثوب الواحد مذهب
العامة.
والثلاثة الأثواب هي مئزر يستر ما بين السرّة والركبة، كما عن
المسالك وروض الجنان والروضة لأنه المفهوم منه في العرف والعادة. ويحتمل ما يسترهما كما عن بعض
. وعن
المراسم والمقنعة: من سرّته إلى حيث يبلغ من ساقيه
. وعن
المصباح ومختصره: من سرّته إلى حيث يبلغ المئزر
. وعن
الوسيلة والجامع: استحباب ستره من الصدر إلى الساقين
. وفي
الذكرى: استحباب ستر الصدر والرّجلين
؛ للخبر: «يغطّي الصدر والرجلين»
ولا بأس به لكن للورثة أو بإذنهم أو مع
الوصية.
وقميص يصل إلى نصف الساق لأنه المفهوم منه عرفاً، كما عن الكتب الثلاثة المتقدمة وغيرها
. وعن الأخير
استحباب كونه إلى القدم، واحتمال جوازه وإن لم يبلغ نصف الساق
. وهو مشكل؛ لندرته ولا سيّما في زمان صدور أخباره.
وإزار يشمل جميع بدنه طولاً وعرضاً ولو بالخياطة. ويستحب الزيادة طولاً بحيث يمكن عقده من قبل الرأس والرجلين، وعرضاً بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر. والأصح وجوبها، وفاقا للروض وغيره
؛ لعدم
تبادر مثل ذلك من الأخبار. وتعيين الاُليين هو المشهور بين الأصحاب ودلّ عليه أكثر أخبار الباب، فممّا دلّ منها عليهما الصحيحة السابقة أوّل المستفيضة؛ للتصريح فيها للمرأة بالدرع الذي هو قميص، والمنطق الذي هو إزار، ولا فرق بينها وبين الرجل في ذلك إجماعاً، والزائد لها إنّما هو
الخمار واللفافة الثانية. والصحيح: كيف أصنع بالكفن؟ قال: «خذ خرقة فتشدّ على مقعدته ورجليه» قلت: فالإزار؟ قال: «إنها لا تعدّ شيئاً، إنما تصنع لتضم ما هناك وأن لا يخرج منه شيء» إلى أن قال: «ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف»
.
ودلالته واضحة على كون المراد فالإزار هنا المئزر بقرينة توهّم عدم لزومه بشد الخرقة، ولا وجه له لو كان المراد به اللفافة، لبعدها عن محل التوهم. مضافاً إلى أنّ بالإزار هو المئزر، لغةً، كما عن الصحاح: المئزر: الإزار
ومجمع البحرين: معقد الإزار من الحقوين، ويستفاد منه أيضاً أنّ إطلاق الإزار على الثوب الشامل للبدن على ندرة
. وفي
الكنز: الإزار: لنگ كوچك
.
وشرعاً كما يستفاد من
النصوص المستفيضة الواردة في باب
ستر العورة لدخول الحمّام، ففي الموثق في جماعة دخلوا الحمّام بغير إزار: «ما يمنعكم من الإزار؟! فإن رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قال: عورة المؤمن على
المؤمن حرام»
. وفي الخبر: كنت في الحمّام في البيت الأوسط، فدخل
عليّ أبو الحسن وعليه
النورة وعليه الإزار فوق النورة
. والأخبار كثيرة في ذلك جداً في مقامات عديدة كما ذكر، ومبحث كراهة الاتزار فوق القميص، وبحث ثوبي الإحرام كما يأتي، بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة. ومنه يظهر دلالة الموثق: «ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها من الذريرة، ثم الإزار طولاً حتى يغطّي الصدر والرّجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف، ثم القميص»
مضافا إلى ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر؛ للتصريح بتغطية الرجلين والصدر به خاصة، واللفافة تعمّ البدن .
والخبر: «يكفن
الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزرّ عليه، وإزار، وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلفّ فيه،
وعمامة يعمّم بها»
وفي تخصيص لفّ الميت بالبرد خاصة إشعار بعدمه في المئزر كالقميص، وليس إلّا لعدم وفائه بجميع بدن الميت.
والمرسل: «ابسط الحبرة بسطاً، ثم ابسط عليه الإزار، ثم ابسط القميص عليه»
لظهور كون
الحبرة فيه هي اللفافة، وعرفت أنّا الإزار حيث يطلق هو المئزر. وأظهر منها الرضوي: «ويكفّن بثلاثة أثواب: لفّافة وقميص وإزار»
إذ لو كان المراد بالإزار اللفّافة لكان اللازم أن يقال: قميص ولفافتان. وبهذه الأخبار المستفيضة يحمل
إطلاق غيرها من المعتبرة المتقدمة.
هذا، مع أنّ المستفاد من بعض الصحاح كون الثوبين اللذين كفّن بهما الرسول (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كما في المعتبرة هما الإزار والقميص، ففي الصحيح: «كان ثوبا
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) اللذان أحرم فيهما يمانيين، عبري وأظفار، وفيهما كفّن»
.
لما سيأتي (إنشاءاللّهتعالى) في
الحج أنّ
ثوبي الإحرام إزار يتزر به ورداء يتردى به، كما يستفاد من الأخبار كالصحيح: «والتجرد في إزار ورداء، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء»
. وبذلك ثبت أن من أجزاء كفنه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) الإزار. ونحوه الكلام في الصحيح عن
أبي الحسن الأول (علیهالسّلام) قال: سمعته يقول: «إني كفّنت أبي في ثوبين شطويّين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه»
. وظاهر الحسن المتقدم
في تكفين
أبي جعفر (علیهالسّلام) أيضاً ذلك، حيث إنّ الظاهر من الرداء الحبرية عدم شموله البدن فليس إلّا الإزار. وحيث إنّ هذه الأخبار أفصحت عن المراد بالثلاثة الأثواب المأمور بها في الأخبار ظهر أن القطع الثلاث المزبورة مأمور بها واجبة وإن قصرت أكثر هذه الأخبار بنفسه عن إفادة الوجوب.
مع أنه يكفي في الوجوب وجوب تحصيل
البراءة اليقينية، ولا ريب في حصولها بالقَطع الثلاث المزبورة؛ للأخبار المذكورة، مضافاً إلى
الشهرة العظيمة. وبدونها ولو كان ثلاثة أثواب شاملة لم تحصل؛ للشك في أرادتها ممّا دلّ على الأثواب بقول مطلق، فيحتمل القطع المزبورة الواردة في هذه الأخبار. ومن جميع ما ذكر يظهر ضعف القول بالتخيير بين الثلاثة الأثواب الشاملة للبدن وبين القميص والثوبين الشاملين
، مضافاً إلى أنه ليس في شيء من الأخبار قيد الشمول، وإطلاقه يعمّه وغيره، فهو كالمجمل المعيّن بما قدّمناه من الأخبار المبيّنة. وليس في الحسن: قلت: فالكفن؟ قال: «تؤخذ خرقة يشدّ بها سفله ويضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك، وما يصنع من القطن أفضل، ثمَّ يكفّن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن»
دلالة على عدم المئزر وإبداله بلفّافة اُخرى.
وذلك لأنّ الظاهر من اللفافة وإن كان ما يعمّ البدن إلّا أنّ المراد منها هنا ما يلفّ به الحقوان لا جميع البدن بقرينة أنه لم يقل: لفّافتان. ومع ذلك قوله: «برد يجمع فيه الكفن» مشعر باختصاص شمول البدن به دون اللفافة، فتأمل.
وربما دلّ بعض الأخبار على عدم وجوب القميص كالخبر: عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أ يكفّن فيها؟ قال: «اُحبّ ذلك الكفن يعني قميصاً» قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: «لا بأس به، والقميص أحب إليّ»
. لكنه قاصر
سنداً، بل ودلالةً؛ لاحتمال كون الألف واللام في القميص للعهد، أي القميص الذي يصلي فيه أحب إليّ لا مطلق القميص حتى يقال إنه يجوز تركه. وهو وإن كان بعيداً إلّا أنه لا بأس بالمصير إليه جمعاً بين الأدلة فالقول باستحبابه كما عن
الإسكافي والمعتبر وبه صرّح غيره
ضعيف.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۳۸۰-۳۹۲.