أَوْلياء (لغاتالقرآن)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أَوْلياء: (اَوْلِیآءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ) كلمة
«أولياء» صيغة جمع من
«ولي» و هي مشتقة من مصدر
«الولاية» و هي بمعنى التقارب الوثيق بين شيئين، و قد وردت بمعنى «الصداقة» و «التحالف» و «الإشراف». لكن بالنظر إلى سبب النّزول و القرائن الأخرى الموجودة، فإنّ المراد ليس منع المسلمين من اقامة أي علاقات تجارية و اجتماعية مع
اليهود و
النصارى، بل المقصود هو منع المسلمين من التحالف مع هؤلاء أو الاعتماد عليهم في مواجهة الأعداء. و كانت قضية التحالف رائجة في ذلك العصر بين العرب، و كان يطلق على ذلك «الولاء».
بناء على هذا، فإنّ أولياء اللّه هم الذين لا يوجد حاجب و حائل بينهم و بين اللّه، فقد زالت الحجب عن قلوبهم و يتقلبون في نور المعرفة و
الإيمان و العمل الخالص، و يرون اللّه بعيون قلوبهم بحيث لا يجد الشك أي طريق إلى تلك القلوب الوالهة، و بالنظر لهذه المعرفة باللّه الأزلي و القدرة اللامحدودة و الكمال المطلق، فإنّ كل شيء سوى اللّه حقير في نظرهم و لا قيمة له، و فان لا أهمية له.
التعبير ب
«الأولياء» جمع ولي (فی
سورة العنكبوت) مكان التعبير بالأصنام، ربّما كان إشارة ضمنية إلى هذه اللطيفة، و هي أنّه ليس الحكم مختصا بالأصنام و الآلهة المزعومة، بل حتى الأئمة و القادة الارضيين مشمولون بهذا الحكم أيضا.
و قد قدم المفسرون للقرآن الكريم تفاسير مختلفة لأيضاح معني
«ألأَوْلياء» نذكر أهمها في ما يلي:
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قال
العلامة الطباطبائي في
تفسير الميزان: الاولياء جمع الولي من الولاية وهي في الأصل ملك تدبير أمر الشيء فولي الصغير أو المجنون أو المعتوه هو الذي يملك تدبير امورهم و امور أموالهم فالمال لهم و تدبير أمره لوليهم ، ثم استعمل وكثر استعماله في مورد الحب لكونه يستلزم غالباً تصرف كل من المتحابين في امور الآخر لافضائه الى التقرب و التأثر عن ارادة المحبوب و سائر شؤونه الروحية فلا يخلو الحب عن تصرف المحبوب في امور المحب في حيوته.
قال
الطبرسي في
تفسير مجمع البيان: «
لاََ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ» أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم و أن يستعينوا بهم و يلتجئوا إليهم و يظهروا المحبة لهم كما قال في عدة مواضع من القرآن نحو قوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: وإجمال ما يتحصل من الآيات أن الله سبحانه يحذر المؤمنين فيها اتخاذ اليهود و النصارى أولياء ... وقال
الراغب في
المفردات : الولاء و التوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ، ومن حيث النسبة و من حيث الدين ، ومن حيث الصداقة و النصرة و الاعتقاد ( انتهى موضع الحاجة ). و بالجملة الولاية نوع اقتراب من الشيء يوجب ارتفاع الموانع و الحجب بينهما من حيث ما اقترب منه لأجله فإن كان من جهة التقوى و الانتصار فالولي هو الناصر الذي لا يمنعه عن نصرة من اقترب منه شيء ، وإن كان من جهة الالتيام في المعاشرة و المحبة التي هي الانجذاب الروحي فالولي هو المحبوب الذي لا يملك الإنسان نفسه دون أن ينفعل عن إرادته ، و يعطيه فيما يهواه و إن كان من جهة النسب فالولي هو الذي يرثه مثلا من غير مانع يمنعه ، و إن كان من جهة الطاعة فالولي هو الذي يحكم في أمره بما يشاء.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان: «
يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَتَّخِذُوا اَلْيَهُودَ وَ اَلنَّصََارىََ أَوْلِيََاءَ» أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم متوددين إليهم و خص اليهود و النصارى بالذكر لأن سائر الكفار بمنزلتها في وجوب معاداتهم «
بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ» ابتداء كلام أخبر سبحانه أن بعض الكفار ولي بعض في العون و النصرة و يدهم واحدة على المسلمين و في هذه دلالة على أن الكفر كله كالملة الواحدة في أحكام المواريث لعموم قوله «
بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ» و قال الصادق لا تتوارث أهل ملتين و نحن نرثهم و لا يورثوننا.
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: و الولاية و إن ذكروا لها معاني كثيرة لكن الأصل في معناها ارتفاع الواسطة الحائلة بين الشيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منهما ، ثم استعيرت لقرب الشيء من الشيء بوجه من وجوه القرب كالقرب نسبا أو مكانا أو منزلة أو بصداقة أو غير ذلك ولذلك يطلق الولي على كل من طرفي الولاية، و خاصة بالنظر إلى أن كلا منهما يلي من الآخر ما لا يليه غيره فالله سبحانه ولي عبده المؤمن لأنه يلي أمره و يدبر شأنه فيهديه إلى صراطه المستقيم و يأمره و ينهاه فيما ينبغي له أو لا ينبغي و ينصره في الحياة الدنيا و في الآخرة. و المؤمن حقا ولي ربه لأنه يلي منه إطاعته في أمره و نهيه و يلي منه عامة البركات المعنوية من هداية و توفيق و تأييد و تسديد و ما يعقبها من الإكرام بالجنة و الرضوان. فأولياء الله ـ على أي حال ـ هم المؤمنون فإن الله يعد نفسه وليا لهم في حياتهم المعنوية.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان: بين سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره و تولاهم سبحانه بحفظه و حياطته لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب «
وَ لاََ هُمْ يَحْزَنُونَ» أي لا يخافون و اختلف في أولياء الله فقيل هم قوم ذكرهم الله بما هم عليه من سيماء الخير و الإخبات عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل هم المتحابون في الله ذكر ذلك في خبر مرفوع و قيل هم الذين آمنوا و كانوا يتقون و قد بينهم في الآية التي بعدها عن ابن زيد و قيل أنهم الذين أدوا فرائض الله و أخذوا بسنن رسول الله و تورعوا عن محارم الله و زهدوا في عاجل هذه الدنيا و رغبوا فيما عند الله و اكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم لا يريدون به
التفاخر و
التكاثر ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا و يثابون على ما قدموا منه لآخرتهم و هو المروي عن علي بن الحسين (علیهماالسلام) و قيل هم الذين توالت أفعالهم على موافقة الحق.
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: أن اتخاذهم من دون الله أولياء و هم آلهتهم الذين يتولونهم و يركنون إليهم كاتخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت إذ ليس له من آثار البيت إلا اسمه لا يدفع حرا ولا بردا ولا يكن شخصا ولا يقي من مكروه كذلك ليس لولاية أوليائهم إلا الاسم فقط لا ينفعون ولا يضرون ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. ومورد المثل هو اتخاذ
المشركين آلهة من دون الله ، فتبديل الآلهة من الأولياء لكون السبب الداعي لهم إلى اتخاذ الآلهة زعمهم أن لهم ولاية لأمرهم و تدبيرا لشأنهم من جلب
الخير إليهم و دفع
الشر عنهم و
الشفاعة في حقهم.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان: شبه سبحانه حال الكفار الذين اتخذوا من دونه
آلهة بحال العنكبوت فقال «
مَثَلُ اَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اَللََّهِ أَوْلِيََاءَ» أي شبه من اتخذ
الأصنام آلهة يريدون نصرها و نفعها و ضرها و الرجوع إليها عند الحاجة «
كَمَثَلِ اَلْعَنْكَبُوتِ اِتَّخَذَتْ بَيْتاً» لنفسها لتأوي إليه فكما أن بيت العنكبوت لا يغني عنها شيئا لكونه في غاية
الوهن و
الضعف و لا يجدي نفعا كذلك الأصنام لا تملك لهم خيرا و شرا و نفعا و ضرا و الولي هو المتولي للنصرة و هو أبلغ من الناصر لأن الناصر قد يكون ناصرا بأن يأمر غيره بالنصرة و الولي هو الذي يتولى النصرة بنفسه.
• فريق البحث ويكي الفقه القسم العربي.