اعتبار امتزاج الأموال في الشركة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(و) لا (تصحّ)
الشركة في الأموال إلاّ (مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر) بأن يتّفقا في الوصف زيادةً على
الاتفاق في الجنسيّة، بلا خلاف فيه عندنا، بل عليه في الغنية وعن الخلاف والسرائر والتذكرة
إجماعنا.
فلو لم يمتزجا، أو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإن عسر، كالحنطة بالشعير، أو الحمراء من الحنطة بغيرها، أو الكبيرة الحبّ بالصغيرة، ونحو ذلك فلا
اشتراك .ولا فرق في
الامتزاج بين وقوعه
اختياراً أو اتفاقاً، وفي المالين بين كونهما من الأثمان أو العروض، إجماعاً من الأُمّة في الأثمان، ومن الأصحاب في العروض، كما في التذكرة.
وظاهره
الإجماع على عدم الفرق في الأعراض بين ذوات القيم والأمثال، وحصول الشركة فيهما بالمزج بالشرط المتقدّم، مع أن الماتن في الشرائع صار إلى الفرق بينهما، فمنع تحقق الشركة بالمزج في ذوات القيم،
وفاقاً للمبسوط والإسكافي إلاّ أنه أطلق.
ولكنه معلوم النسب فلا يقدح خروجه في الإجماع.
ومع ذلك يضعّف بتحقّق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها، كالثياب المتعدّدة المتقاربة الأوصاف، والخشب كذلك، ونحوهما، فيستحق الشركة؛ فإن ضابطها حصول المزج مع عدم
الامتياز ، ولا خصوصية للقيمي والمثلي في ذلك، وقد حصل ومتى تحقّقت الشركة فيها أي : في العروض القيميّة. (منه رحمه الله).
فإن علم قيمة ما لكلّ واحد منهما كان الاشتراك على نسبة القيمة، وإلاّ ففي الحكم بالتساوي، كما في التذكرة،
اتّكالاً على
الأصل ، أو الرجوع إلى
الصلح ، كما في المسالك وغيره
قولان، أجودهما الثاني، إلاّ مع التعاسر وعدم الرضا بالصلح، فيمكن الأوّل.
ولو قلنا بمنع الشركة في القيمي بالمزج فطريق التخلّص من المنع والحيلة لتحصيل الشركة فيه أن يبيع كلّ منهما حصّته مما في يده بحصّته مما في يد الآخر، أو يتواهبا الحصص، أو يبيع حصّته بثمن معيّن من الآخر ويشتري حصّة الآخر بذلك الثمن، وغير ذلك من الحيل وتجري في المثلي أيضاً حيث لا يقبل الشركة بالمزج بتغاير الجنس أو الوصف.
واعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب في المقام سيّما كلام الفاضل في التذكرة
في دعواه الإجماع على حصول الشركة بمزج العروض والأثمان مزجاً لا يتميّز معه المالان عدم اشتراط عدم التميّز في نفس الأمر، بل يكتفى بعدمه في الظاهر وإن حصل في نفس الأمر.
وهو منافٍ لما ذكروه في التعريف من أنها
اجتماع الحقوق على
الإشاعة ، فإن الظاهر منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلاّ وفيه حقّ لهما، وبه صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب،
بل صرّح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة والذرّة والدخن والسمسم ونحوها بمثلها، بل حصرها في مزج مثل الأدِقّة والأدهان بمثلها.
ولكن الظاهر عدم
استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب؛ لاتّفاقهم في الظاهر وبه صرّح الفاضل كما مرّ على عدم اشتراط عدم تميّز النفس الأمري، مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار، لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي ۶ إلى زماننا هذا من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار، فكان إجماعاً، وقد نبّه عليه في
التذكرة .
بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا، والخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا؛ لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم، مع احتمال
إرادتهم منها هنا عدم التميّز المطلق. وكيف كان، فهذه الشركة حيث كانت على جهة الاختيار وقصد
التجارة هي الشركة العِنانيّة، وهي مجمع عليها بين المسلمين كافّة، كما في الغنية وعن التذكرة،
وبه صرّح جماعة،
والنصوص بها مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح : عن الرجل يشارك في السلعة؟ قال : «إن ربح فله، وإن وضع فعليه».
والموثق : عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها، فأتى رجلاً من أصحابه فقال : يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابّة والربح بيني وبينك، فنقد عنه فنفقت الدابة، قال : «ثمنها عليهما لأنه لو كان ربحاً لكان بينهما»
وبمعناه غيره.
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، وسيأتي إلى جملة منها
الإشارة .
رياض المسائل، ج۹، ص۳۱۸-۳۲۱.