الاستنجاء باليد مع الخاتم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المشهور كراهة
الاستنجاء باليسار وفيها خاتم فيه اسم اللَّه تعالى؛
لمنافاته للتعظيم،
واستبطانه إساءة الأدب في عرف المتشرّعة،
ولحكم العقل
باحترام المسمّى.
هذا مضافاً إلى الأخبار الواردة في هذا المجال:
منها: رواية
أبي بصير عن
الصادق عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: من نقش على خاتمه اسم اللَّه فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضّئ».
ومنها: موثّقة
عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم اللَّه تعالى، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم اللَّه».
والاستدلال بهذه الرواية يتوقّف على عدم القول بالفصل بين الجنب وغيره، كما هو كذلك.
ومنها: خبر
الحسين بن خالد الذي قال للرضا عليه السلام: الرجل يستنجي
وخاتمه في إصبعه ونقشه لا إله إلّااللَّه، فقال: «أكره ذلك له».
وقد يستفاد نفي الكراهة من رواية
وهب بن وهب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام التي ورد فيها أنّه: «كان نقش خاتم أبي: (العزّة للَّه جميعاً)، وكان في يساره يستنجي بها، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام:(الملك للَّه)، وكان في يده اليسرى يستنجي بها».
وأورد عليها:
أوّلًا: بأنّها شاذّة
وضعيفة سنداً بوهب الذي هو رجل عامّي خبيث، ومن أكذب البريّة.
ولو فرض عدم
الإشكال في سندها فهي محمولة على
التقية .
وثانياً: بأنّها معارضة بالأخبار المستفيضة الدالّة على استحباب التختّم باليمين،
كقول
الإمام الرضا عليه السلام في رواية الحسين بن خالد: «إنّ اولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى، وإنّكم أنتم تتختّمون في اليسرى... !».
وفي مقابل المشهور ذهب
الشيخ الصدوق إلى الحرمة؛
لدلالة بعض النصوص عليها، كموثّقة عمّار الساباطي الآنفة، ورواية أبي أيّوب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء اللَّه تعالى، قال: «لا، ولا تجامع فيه».
وأورد عليه بأنّه لابدّ من رفع اليد عن ظهورها؛ لدلالة روايات اخر على الجواز.
ثمّ إنّ الذي يظهر
من بعضهم عدم اختصاص الكراهة بأسماء اللَّه الخاصّة، بل تعمّ سائر أسمائه الخاصّة والمشتركة،
كما لعلّه يستفاد من خبر أبي أيّوب- المتقدّم- الذي سأل الإمام عليه السلام عن دخوله الخلاء وفي يده خاتم فيه اسم من أسماء اللَّه، فأجابه الإمام عليه السلام بقوله:«لا، ولا تجامع فيه».
وأمّا أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام فالمشهور بين المتأخّرين
حيث نسبه إلى المشهور
إلحاقها بأسمائه تعالى أيضاً،
بل ألحق بعضهم اسم
الصديقة الطاهرة عليها السلام،
وأئمة سائر الأمم بها.
ويدلّ عليه أن ذلك هو مقتضى تعظيمهم،
وتعظيم شعائر اللَّه.
ويمكن التمسّك بذلك أيضاً في مورد الصدّيقة الطاهرة عليها السلام.
وأمّا
الشيخ الأنصاري فقد أكّد عدم وجود ما يدلّ على جريان الكراهة في غير اسم اللَّه تعالى، رغم مساعدة
الاعتبار عليها، بل ذكر أنّ في رواية أبي القاسم- يعني معاوية بن عمّار- دلالة على ما يخالف ذلك،
حيث سأل الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم اللَّه تعالى، فقال: «ما احبّ ذلك»، قال: فيكون اسم
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لا بأس».
وأورد عليه بأنّ الرواية ضعيفة دلالةً وسنداً.
أمّا دلالةً فلعدم تعرّضها للاستنجاء؛
لاحتمال كونها ناظرة إلى لبس الخاتم حال التخلّي، لا حال الاستنجاء.
وأمّا سنداً فلأنّ في سندها
سهل بن زياد الذي ذهب البعض إلى ضعفه في الحديث، وعدم
الاعتماد عليه في النقل،
حيث شهد عليه أحمد بن محمّد بالغلوّ والكذب، فأخرجه من قم التي كان مقيماً فيها، حتى قيل في حقّه: إنّ الأمر في سهل غير سهل،
بينما ذكر بعضهم أنّ الأمر فيه سهل.
ولابدّ من
الإشارة هنا: أوّلًا: بأنّ الكراهة التي تحدّثنا عنها في الأسماء المباركة إنّما تكون فعليّة إذا قصد بها مسمّياتها، لا مجرّد الاشتراك الاسمي.
وثانياً: بأنّ بعض الفقهاء قيّد الحكم بالكراهة المذكورة بعدم تلوّث الأسماء بالنجاسة حين الاستنجاء، وإلّا فإنّ الاستنجاء به يكون حينئذٍ محرّماً؛
لأنّه مخالف لمقتضى التعظيم لهذه الأسماء،
بل حكموا بكفر لابسه مع قصد
الإهانة والتحقير،
وهو ممّا لا شكّ فيه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۴۶-۳۴۹.