يقسّم علم المنطق والفلسفة الاموروالقضاياالتصديقية إلى نوعين :
الأوّل: ما يكون له وجود حقيقي عيني في الخارج- سواء كان جوهراً لا يحتاج إلى موضوع ، أو عرضاً يوجد في موضوع- ويصطلحون عليه بالامور الحقيقية أو الوجودية أو التي يكون ظرف الاتّصاف و العروض فيها كلاهما في خارج الذهن .
النوع الثاني: ما لا يكون له وجود عيني في الخارج إلّاأنّه يتّصف به الخارج و يصدّق به الذهن، كالإمكان و الوجوب و الامتناع ، ومنها: الحسن و القبحالعقليّين ، فإنّ الوجود الخارجي يتّصف بالإمكان أو الوجوب، و الفعل الخارجي يتّصف بالحسن والقبح، إلّاأنّه لا يوجد في الخارج وجود آخر زائد على وجود الإنسان يسمّى بالإمكان . ومن هنا قالوا:
إنّ ظرف عروضها الذهن وظرف اتّصافها الخارج. و تفصيل ذلك يطلب من محلّه.
وقد استخدم الفقهاء هذا المعنى أيضاً في الأحكام العقلية العملية، المعبّر عنها بالحسن والقبح العقليّين، فذكروا أنّها قضايا اعتبارية عقلية كالإمكان والامتناع والوجوب، إلّاأنّها من أحكام العقل العملي ، وتلك من أحكام العقل النظري .
ومن الاصوليّين من أرجع التحسين و التقبيح العقليّين إلى الاعتبار العقلائي والقضايا المشهورة لدى العقلاء، فيرجع إلى الاعتبار بمعنى ثالث سيأتي.
وهناك معنى ثالث للاعتبار، وهو التشريع و الوضع ، وهذا يكون في الامور الإنشائية التي يتواضع عليها العقلاء أو الشارعلنظم امورهم، ومن هذا الباب كلّ التشريعات و القوانين ، فإنّها امور اعتبارية بهذا المعنى، أي لا حقيقة لها إلّاالتشريع و الجعل ، كالملكية و الزوجية والوجوب و الحرمة و الإباحة .
من هنا تختلف مصاديقها وأنواعها باختلاف القوانين و الأنظمة التشريعية.
والامور الاعتبارية بهذا المعنى متنوّعة .
قال السيّد الخوئي : «إنّ الاعتبار تارة يتعلّق بالأمر الحالي، فيعتبر المعتبر ملكيّة داره - مثلًا- لشخص في الحالالحاضر ...
واخرى: يتعلّق بأمر استقبالي ، كاعتبار الملكيّة لشخص بعد مدّة، كما في باب الوصيّة ، حيث يعتبر الموصي ملكيّة الموصى به للموصى له بعد موته و وفاته ، فالاعتبار حاليّ والمعتبر استقبالي.
وثالثة: يتعلّق بالأمر الماضي ، بأن يعتبر ملكيّة ماله لزيد من الأمس ».
كما أنّ الاعتبار قد يكون تشريعاً و حكماً وضعياً كالملكية و الزوجية و الطهارة و النجاسة ، وقد يكون حكماً وتشريعاً تكليفياً كالوجوب والحرمة و الاستحباب و الإباحة ، وقد لا يكون هذا ولا ذاك بل يكون تواضعاً على الالتزام بأمر كما يقال في دلالةاللفظ على المعنى من أنّه بالوضع والاعتبار، وكاعتبار النقود الورقية .
وقد يكون الأمر الاعتباري مجعولًابالأصالة من قبل المشرع كالوجوب والملكية، وقد يكون مجعولًا بالتبع أي بتبع جعل واعتبار المنشأ لهكالسببية و الشرطية و الجزئية و المانعية ، فإنّها منتزعة ومعتبرة عقلًا في طول اعتبار الشارع وتشريعه لحكم تكليفي أو وضعي على سبب وموضوع، أو على مركّب ذي أجزاء وشروط وجودية و عدمية ، فينتزع العقل السببية للسبب أو الموضوع ، والجزئيّة لأجزاء المركب ، والشرطية لقيوده وشروطه، والمانعية لما يشترط عدمه في المركّب.
كما أنّ المعتبر قد يكون هو الشارع فيكون الاعتبار شرعيّاً، وقد يكون هو العرفالعام والعقلاء فيكون الاعتبار عقلائياً، وقد يكون هو العرف الخاصّ كاعتبار النقود الاعتبارية الورقية فيكون عرفاً خاصّاً، وقد يكون هو الشخص ، ويسمّى بالاعتبار الشخصي، كما في إنشاء المتعاملينللبيع و التمليك ، فإنّهما يعتبران بإنشاء البيع و التعاقد فيما بينهما التمليك أوّلًا فيقع اعتبارهما في طول ذلك موضوعاً لاعتبار العقلاء أو الشارع، وكاعتبار شرط خاص لهما في ضمن عقد معين.
هذا، وليعلم أنّ الفقهاء قد يطلقون الامور الاعتباريّة على الاستحسانات العقليّة الظنّية التي لم يقم على اعتبارها دليل شرعي فيقولون: إنّها اعتباريات واستحسانات لا حجّية لها.