الاستطاعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
القدرة على الشيء، واستعملها الفقهاء في كثير من الموارد بهذا المعنى كما في قولهم: إذا لم يستطع المريض الجلوس فليصلّ مضطجعاً على يمينه، ومثله قولهم في كفّارة
الظهار : إنّها عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستّين مسكيناً.
هي
القدرة على الشيء.
واستعملها الفقهاء في كثير من الموارد بهذا المعنى كما في قولهم: إذا لم يستطع المريض الجلوس فليصلّ مضطجعاً على يمينه،
ومثله قولهم في كفّارة
الظهار : إنّها عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستّين مسكيناً.
لكنّهم أطلقوا في كتاب الحجّ الاستطاعة- التي هي من جملة شروط وجوب الحجّ- وأرادوا بها الزاد والراحلة»؛ تبعاً لبعض الروايات
المفسّرة للاستطاعة الواردة في قوله تعالى: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».
والمراد أنّه يعتبر في فعليّة وجوب الحجّ- مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرّية- أن يكون للمكلّف ما يتمكّن به من الزاد والراحلة للسفر إلى الأماكن المقدّسة.
وقد يضاف إلى الزاد والراحلة غيرهما كما في قول
الشيخ الطوسي : «الاستطاعة: هي الزاد والراحلة، والرجوع إلى كفاية، وتخلية السرب من جميع الموانع».
وكذا قول
العلّامة الحلّي : «وهي الزاد والراحلة، و
إمكان المسير».
واستعمل عدّة منهم الاستطاعة هنا في الامور المتقدّمة وغيرها، حيث قالوا: إنّ من جملة شروط وجوب الحجّ الاستطاعة من حيث المال، وصحّة
البدن وقوّته، وتخلية السرب وسلامته، وسعة الوقت وكفايته.
وكيف كان، فإذا اطلقت الاستطاعة التي هي شرط لفعليّة وجوب الحجّ فليس المراد بها مجرّد القدرة تكويناً على الوصول إلى الأماكن المقدّسة و
أداء مناسك الحجّ، بل المراد بها ما هو أخصّ منها المفسّر بامور معيّنة. وعليه، فالمكلّف يكون في سعة من أمره بحيث لو فقد بعض تلك الامور لم يكن مستطيعاً بهذا المعنى، ولم يجب الحج عليه. وسيتّضح ذلك خلال البحث عن
اشتراط الاستطاعة في الحجّ.
وهي الاستطاعة في اللغة والقدرة على الشيء، ولكن يفرّق بينهما بأنّ الاستطاعة هي
انطباع الجوارح للفعل، والقدرة: هي ما أوجب كون القادر عليه قادراً، ولذلك لا يوصف اللَّه تعالى بأنّه مستطيع، ويوصف بأنّه قادر.
وقيل في وجه الفرق بينهما: إنّ الاستطاعة أخصّ من القدرة، فكلّ مستطيع قادر وليس كلّ قادر بمستطيع؛ لأنّ الاستطاعة
اسم لمعان يتمكّن بها الفاعل ممّا يريده من إحداث الفعل، وهي أربعة: إرادته الفعل، وقدرته عليه بحيث لا يكون له مانع منه، وعلمه بالفعل، وتهيّؤ ما يتوقّف عليه الفعل. يقال: فلان قادر على كذا لا يريده، أو يمنعه منه مانع، أو لا علم له به أن يعوزه كذا، فظهر أنّ القدرة أعمّ من الاستطاعة والاستطاعة أخصّ.
وقيل: إنّ الاستطاعة لغةً وشرعاً ليست هي مجرّد القدرة، بل هي القدرة مع السهولة وعدم المشقّة.
وهي لغة الاستطاعة، إلّا أنّ بعض اللغويّين ذكر أنّ الاستطاعة خاصّة
بالإنسان ، و
الإطاقة عامّة له وللحيوان؛ ولذا يقال: الجمل مطيق لحمله، ولا يقال: مستطيع.
وقال في
الفروق اللغوية في الفرق بين الطاقة والقدرة: «إنّ الطاقة غاية مقدرة القادر و
استفراغ وسعه في المقدور، يقال: هذا طاقتي، أي قدر إمكاني، ولا يقال اللَّه تعالى: مطيق لذلك».
وقيل في ذيل قوله تعالى: «وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ»
: «الإطاقة- كما ذكره بعضهم-: صرف تمام الطاقة في الفعل، ولازمه وقوع العمل بجهد ومشقّة».
وقيل أيضاً: «إنّ الطاقة وإن كانت بمعنى القدرة ولكنّ المراد من أطاق أو يطيق- الذي هو من باب
الإفعال - إعمال الطاقة والقدرة، وبذل آخر مرتبة القدرة».
لا شكّ في أنّ القدرة شرط في مرتبة تنجّز التكليف ومرحلة
استحقاق العقاب، بمعنى أنّها شرط لحكم العقل بلزوم
الإطاعة و
الامتثال ، فإنّ العقل لا يحكم بلزوم امتثال ما تعلّق به التكليف وإطاعته إلّا إذا كان مقدوراً للمكلّف، كما لا يحكم بقبح العقاب إلّا إذا كان المتعلّق مقدوراً له، فالعقاب على الفعل أو الترك الذي لم يكن مقدوراً له قبيح عند العقل. وذهب بعض الاصوليّين إلى أنّ القدرة كما هي شرط في هذه المرتبة- أي مرتبة تنجّز التكليف واستحقاق العقاب- كذلك هي شرط في مرتبة الجعل ونفس التكليف، فالقدرة مأخوذة في متعلّق الحكم ونفس التكليف، وهذا إمّا من جهة حكم العقل
أو من أجل
اقتضاء نفس التكليف
على خلاف في ذلك. بينما ذهب بعض آخر إلى أنّ شرطيّة القدرة في التكليف إنّما تختصّ بمرتبة التنجّز واستحقاق العقاب، ولا شرطيّة لها في نفس التكليف، فليست هي مأخوذة في متعلّق التكليف، لا باقتضاء نفسه ولا بحكم العقل.
وأمّا في مرحلة الملاك ومرحلة الشوق و
الإرادة فكما يمكن أن لا تكون القدرة مأخوذةً فيهما بحيث يكون الفعل واجداً للمصلحة ومحطّاً للشوق حتى من العاجز، كذلك يمكن أن تكون مأخوذةً فيهما بحيث لا ملاك في الفعل ولا شوق إلى صدوره من العاجز، وتسمّى القدرة في الحالة الاولى بالقدرة العقلية، وفي الحالة الثانية بالقدرة الشرعية.
وتفصيل البحث في محلّه.
لا إشكال في أنّ الاستطاعة بمعنى القدرة شرط في وجوب الحجّ على المكلّف، فمن لا يقدر على أداء الحجّ لم يكلّف به، وهذه الاستطاعة العقلية كما أنّها شرط في وجوب الحجّ، كذلك هي شرط في وجوب سائر الواجبات الشرعية. وقال بعض: إنّ قوله تعالى: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»
يدلّ على ذلك ولا يزيد على حكم العقل، فإنّ الاستطاعة المذكورة في هذه الآية هي القدرة والتمكّن، فالآية
إرشاد إلى حكم العقل، فيكون الحجّ بمقتضى العقل والآية المباركة واجباً عند القدرة والتمكّن. نعم، يرتفع وجوبه فيما إذا كان حرجيّاً؛ لأنّ الحكم الحرجي منفيّ في الشريعة المقدّسة كسائر الواجبات الشرعية. وعلى هذا، فلو لم يكن هناك دليل غير الأدلّة العامة على اشتراط القدرة في التكاليف والآية الشريفة لكان حال الحجّ حال سائر الواجبات في
اعتبار القدرة فيه و
ارتفاع وجوبه عند الحرج،
إلّا أنّ الروايات المفسّرة للآية قد دلّت على انّ المراد بالاستطاعة في آية الحج أمر آخر وراء القدرة كما سيأتي.
ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ الاستطاعة المعتبرة في فعليّة وجوب الحجّ، هل هي من قبيل القدرة الشرعية المصطلحة عند الفقهاء والاصوليّين، بمعنى أنّه قد اخذ في موضوع الحجّ عدم العذر الشرعي كالعقلي، أو أنّها ليست إلّا التمكّن من الزاد والراحلة مع صحّة البدن وتخلية السرب وسعة الوقت، من دون أن يؤخذ في موضوع الحجّ عدم العذر الشرعي؟ هنا قولان، فعلى القول الأوّل لا يجب الحجّ فيما إذا استلزم مانعاً شرعيّاً من ترك واجب أو
ارتكاب حرام وإن لم يكن أهمّ، وأمّا بناءً على القول الثاني فيقع التزاحم، فلا بدّ حينئذٍ من إعمال المرجّحات. وسيأتي البحث في ذلك عند البحث عن مزاحمة النذر والدين للحجّ. وكيف كان، فإنّ الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحجّ- بالكتاب والسنة و
الإجماع بل الضرورة- تتكوّن من عدّة امور:
والمراد بها الإمكانية المالية لنفقة سفر الحجّ المعبّر عنها بالزاد والراحلة، ولمئونة
العيال في مدّة ذهابه وإيابه، وكذا الإمكانية المالية لاستئناف معاشه الطبيعي بعد
الإنفاق على سفر الحجّ، المعبّر عن ذلك بالرجوع إلى الكفاية، ويعبّر عن جميع ذلك بالاستطاعة المالية. وتفصيل ذلك كما يلي:
•
الزاد والراحلة ، المراد بالزاد كلّ ما يتقوّت به في الطريق من المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه في سفره، كما أنّ المراد بالراحلة مطلق ما يركب لقطع المسافة كالسيّارة والطيّارة والسفينة.
يعتبر في حصول الاستطاعة- مضافاً إلى وجود مئونة الذهاب و
الإياب - وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع، ومع عدمه لا يكون مستطيعاً. وقد ادّعى هنا بعض الفقهاء عدم الخلاف في ذلك.
واستدلّ على ذلك بأدلّة منها:
الأول:
أصل البراءة عن وجوب الحج، فإنّه مع عدم مئونة
العيال يشكّ في وجوبه، فيجري
أصل البراءة.
ويرد عليه: أنّه- مع دلالة الأخبار وغيرها على
الاشتراط أو عدمه- لا مجال لجريان الأصل.
الثاني:
الإجماع على ذلك،
ويرد عليه: أنّ الإجماع المعتبر هو
الإجماع التعبّدي الكاشف عن السنّة لا المدركي، ويحتمل في المقام أن يكون مدركه بعض الوجوه المذكورة في المسألة، فلا يعتمد عليه.
الثالث :أن نفقة العيال واجبة عليه وهي حق الناس، فيكون مقدّماً على الحجّ؛ لأنّ حقّ الناس مقدّم.
وقد يقال: إنّه إن كان المراد منه أنّ
النفقة حقّ الناس والحجّ حقّ اللَّه تعالى وعند
التزاحم يقدّم، فيرد عليه: أنّ ذلك وإن اشتهر إلّا أنّه لا أصل له. وإن كان المراد أنّ وجوب النفقة سابق على وجوب الحجّ فيكون مقدّماً كما استند إلى ذلك في الجواهر،
فيرد عليه: أنّ سبق الوجود لا يكون من مرجّحات باب التزاحم.
الرابع :أنّ حفظ نفس العيال متوقف على إعطاء نفقتهم، ولا شكّ أنّ حفظ نفس العيال أهمّ من
أداء الحجّ فهو مقدّم عليه.
ويردّه: أنّه أخصّ من المدّعى، فإنّ المدّعى
إثبات اعتبار نفقة العيال في تحقّق الاستطاعة مطلقاً، سواء لزم من ترك الإنفاق تلف نفوسهم أم لا.
الخامس: دليل رفع العسر والحرج، فإنّه لو وجب الحجّ مع عدم مئونة العيال للزم منه ترك الإنفاق على العائلة، وهو أمر حرجي فيرفع بما يدلّ على رفع العسر والحرج.
السادس: أن ظاهر آية الحجّ المباركة وكذا الأخبار المفسّرة لها هو كون المكلّف واجداً للمال زائداً على ما يحتاج إليه في إعاشته الاعتيادية، فمن لا يملك نفقة عياله في مدّة السفر فليس بمستطيع ولا يجب عليه الحجّ.
ومقتضى هذا الدليل- خلافاً للدليل المتقدّم- عدم وجوب الحجّ، سواء كان ترك الإنفاق في مدّة السفر حرجيّاً أم لا.
السابع: جملة من الأخبار:
منها: خبر
أبي الربيع الشامي الوارد في تفسير الحجّ، حيث ورد فيه: فقيل له فما السبيل؟ قال: فقال: «السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله».
ولا إشكال في دلالته، ولكن أورد عليه
السيّد الخوئي بأنّه ضعيف سنداً بأبي الربيع الشامي؛ لعدم توثيقه في كتب الرجال.
إلّا أنّه قد ذهب في معجمه إلى وثاقة رواة تفسير علي بن إبراهيم القمّي؛ لشهادته في أوّل الكتاب على أنّ جميع رواته موثوق بهم، وعليه فالراوي المذكور يكون ثقةً يمكن الاعتماد على روايته؛ لأنّه من رواة تفسير علي بن إبراهيم.
ومنها: مرسل الطبرسي، فإنّه قال في تفسير آية الحجّ: «المرويّ عن أئمّتنا عليهم السلام أنّه الزاد والراحلة ونفقة من تلزمه نفقته».
ويرد عليه أنّه- على فرض كونه روايةً- لا يصحّ
الاستناد إليه؛
للإرسال .
نعم، لا نقاش في دلالته.
ومنها: ما رواه الصدوق في
الخصال بإسناده عن الأعمش عن
جعفر بن محمّد عليه السلام - في حديث
شرائع الدين - قال: «وحجّ البيت واجب على من استطاع إليه سبيلًا، وهو الزاد والراحلة مع صحّة
البدن ، وأن يكون
للإنسان ما يخلفه على عياله، وما يرجع إليه من حجّه».
فإنّ دلالته على اشتراط وجود مئونة العيال في حصول الاستطاعة واضحة وإن كان من جهة السند فيه ضعف؛ لضعف
بكر ابن عبد الله بن حبيب ومجهوليّة
أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان وغيره من
رجال الحديث .
وجبر ضعف السند بعمل الأصحاب غير معلوم؛ لعدم
إحراز استنادهم إلى هذا الخبر
مضافاً إلى عدم تمامية كبرى
الانجبار . ثمّ إنّه بناءً على اعتبار وجود ما يمون به العيال، هل المراد بالعيال خصوص من تجب نفقته على المستطيع أو الأعمّ منه وممّن تلزم نفقته عليه لزوماً عرفيّاً
كالأخ الصغير أو الكبير الذي لا يقدر على التكسّب و
إدارة معاشه؟
لا إشكال في أنّ مقتضى بعض الوجوه المتقدّمة هو
الاختصاص ، فعليها يحمل ما في المنتهى
والدروس
والمدارك
وغيرها من اعتبار مئونة خصوص من تجب نفقته في صدق الاستطاعة للحج. لكن مقتضى بعضها الآخر- كخبر الشامي- عدم الاختصاص، فإنّ العيال أعمّ ممّن تجب نفقته. وإطلاقه لا يقيّد بما في مرسل
الطبرسي ؛ إذ لا يحمل المطلق على المقيّد في المتوافقين، وكذلك مقتضى أدلّة نفي العسر والحرج هو التعميم وعدم الاختصاص.
وبناءً على عدم الاختصاص وكون المراد بالعيال ما تلزم نفقته عليه لزوماً عرفيّاً فقد قيل: إنّ الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان الشخص مراعياً للزوم العرفي ومنفقاً على عياله كذلك خارجاً، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل كان في البين مجرّد اللزوم العرفي من دون أن يكون هناك إنفاق في الخارج فلا مجال لاعتبار وجود نفقته أصلًا، ولعلّ التعبير بوجود ما يموّن به عياله ظاهر في تحقّق الإنفاق العرفي.
•
الاستطاعة المالية للرجوع إلى الكفاية،المشهور
بين الفقهاء، بل ادّعي عليه الإجماع
بأنّه يعتبر في الاستطاعة الرجوع إلى كفاية من تجارةٍ أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من
بستان أو دكّان أو نحو ذلك بحيث لا يحتاج إلى السؤال بعد الرجوع.
من الامور التي تتحقّق بها الاستطاعة صحّة البدن وقوّته لسفر الحجّ وأداء مناسكه، ويعبّر عن ذلك بالاستطاعة البدنية، وعليه فلو لم يقدر المكلّف- لمرض أو هرم- على قطع المسافة إلى الأماكن المقدّسة، أو لم يقدر على البقاء فيها بمقدار أداء المناسك لشدّة الحرّ مثلًا، أو كان ذلك حرجيّاً لم يجب عليه الحجّ مباشرةً، وادّعى
المحقّق النجفي عدم الخلاف في المسألة،
بل ادّعى
المحقّق النراقي الإجماع في المقام حيث قال: «فغير الصحيح لا يجب عليه الحجّ بالإجماع».
واستدلّ على ذلك بما ورد في صحيحة هشام الواردة في تفسير الآية الشريفة من قوله عليه السلام: «من كان صحيحاً في بدنه مخلّىً سربه»،
وغيرها من الروايات الواردة في تفسير آية الحجّ الشريفة.
وكذا بقاعدة نفي العسر والحرج على عدم وجوب الحجّ فيما إذا كان المسير مع المرض حرجيّاً أيضاً. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه كما لا يجب الحجّ على المكلّف إذا كان مريضاً لا يقدر على الركوب أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة (الكنيسة: هي شيء يغرز في المَحمِل أو الرحل، ويلقى عليه ثوب يستظلّ به الراكب ويستتر به. )
كذلك لا يجب عليه إذا كان مريضاً لا يقدر على ركوب الدابة ولا يقدر على السفر منفرداً، ولكن يتمكّن من الركوب على المحمل أو الكنيسة أو أن يستصحب معه خادماً ومساعداً لا يملك مئونته.
ثمّ إنّ سقوط الحجّ حينئذٍ هل هو لأجل المرض أو لأجل قلّة المال وعدم وفائه؟ وتظهر الثمرة في وجوب
الاستنابة ، فإنّ السقوط إن كان مستنداً إلى عدم التمكّن المالي وعدم وفاء المال به كان ذلك مسقطاً للحجّ بالمرّة؛ لعدم كونه مستطيعاً حينئذٍ، فلا تجب الاستنابة، وأمّا إذا كان مستنداً إلى المرض فتجب الاستنابة كما في الروايات.
وكيف كان فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ سقوط الحجّ هنا إنّما هو لأجل المرض، وعليه فتجب الاستنابة؛ لأنّ المفروض أنّه مستطيع بالاستطاعة المالية المناسبة لشأنه بالركوب على الدابّة والسفر إلى الحجّ، وإنّما يمنعه المرض من ذلك، فمن أجل المرض لا يكون قادراً على مباشرة الحجّ إلّا أنّه متمكّن من التسبيب، فيشمله ما دلّ على وجوب استنابة المريض إذا كان موسراً ولم يتمكّن من المباشرة، كما رواه
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: كان
علي عليه السلام يقول: «لو أنّ رجلًا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهّز رجلًا من ماله، ثمّ ليبعثه مكانه»،
وكذا قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام - في حديث-: «إن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض... فإنّ عليه أن يُحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له».
ومن الامور التي تحصل بها الاستطاعة سعة الوقت لأداء المناسك، ويعبّر عنها بالاستطاعة الزمانية، وتفصيل الكلام فيها أنّ الزمان تارةً يكون قصيراً جدّاً بنحو لا يسع لأداء المناسك أصلًا ففي هذه الحالة لا يكون المكلّف مستطيعاً ولا يجب عليه الحجّ؛ لأنّه مشروط بالقدرة العقلية مضافاً إلى القدرة الشرعية الخاصّة المفسّرة في الأخبار، فإنّ الحجّ كسائر الواجبات الشرعية مشروط بالقدرة وعدم العجز عن إتيانه، فإذا كان المكلّف عاجزاً عن إتيانه لضيق الوقت ونحوه لا يتوجّه إليه التكليف. وتارة يكون الزمان قصيراً بحيث يتمكّن من
إتيان الحجّ ولكن مع مشقّة شديدة، ففي هذه الحالة لا يجب الحجّ عليه أيضاً؛ لجريان قاعدة نفي الحرج.
ثمّ إنّه إذا لم يمكنه الوصول إلى الحجّ في هذه السنة أو أمكن ولكن مع مشقّة شديدة، فهل يجب عليه
إبقاء الاستطاعة بحيث لا يجوز تفويتها
اختياراً إلى السنة المقبلة، أو لا يجب إبقاؤها ويجوز تفويتها اختياراً؟ في المسألة قولان، ذهب بعض الفقهاء- كالسيّد اليزدي- إلى عدم وجوب إبقاء الاستطاعة وجواز تفويتها.
بينما ذهب بعض آخر إلى وجوب إبقائها وعدم جواز تفويتها؛ لأنّ وجوب الحجّ غير مقيّد بزمان وإنّما الواجب مقيّد بزمان خاصّ، فالوجوب حاليّ والواجب
استقبالي كما هو شأن الواجب المعلّق، وعليه فيجب التحفّظ على المال إلى السنة القادمة.
واورد عليه بأنّ الملحوظ هنا قيداً ليس نفس الزمان الذي تقع فيه أعمال الحجّ ومناسكه حتى تكون مدخليّته في الحجّ بنحو الواجب المعلّق بأن يكون قيداً للواجب لا للوجوب، بل الملحوظ هو الاستطاعة الزمانية التي هي وصف المكلّف بمعنى أن يكون قادراً على إتيان الحجّ في زمانه من دون أن يكون هناك حرج ومشقّة، فاعتبارها إنّما هو في الوجوب كاعتبار الاستطاعة المالية والاستطاعة البدنية، ولا يتحقّق الوجوب بدونها؛ لأنّ القدرة العقلية شرط لأصل ثبوت التكليف، ودليل نفي الحرج رافع لأصل الحكم في مورد الحرج. ومع عدم وجوب الحجّ
لانتفاء شرطه لا مجال للحكم بوجوب إبقاء الاستطاعة والتحفّظ على المال إلى العام القابل.
•
التمكن من السفر ، من الامور التي تتكوّن منها الاستطاعة هو:
تخلية السرب ، ويعبّر عن ذلك بالاستطاعة السربية، ولا خلاف ولا
إشكال في اشتراطها،
بل ادّعى المحقّق النراقي أنّ اشتراطها مجمع عليه محقّقاً ومحكيّاً.
والمقصود بها أن يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً بحيث لا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى الميقات أو إلى الأماكن المقدّسة.
ثمّ إنّ الفقهاء قد تعرّضوا في الاستطاعة لعدّة مسائل اخرى وهي كما يلي:
•
الشك في الاستطاعة، ما إذا شكّ في وجدانه لمقدار مصارف الحجّ، وما إذا علم مقدار المال ولكن لا يعلم مقدار نفقة الحجّ.وفي المسألة قولان:۱- عدم وجوب الفحص، ۲- وجوب الفحص .
•
حكم تحصيل الاستطاعة، إنّ ظاهر أدلّة وجوب الحجّ هو أنّه يجب على المكلّف متى حصلت له الاستطاعة بالفعل، فالاستطاعة شرط لوجوب الحجّ، وشرط الوجوب هو ما اخذ مفروض الوجود، فلا يترتّب الوجوب إلّا بعد حصول الشرط، وعليه فلا يجب على المكلّف أن يحصّل الاستطاعة وإن كان قادراً على أن يحصّل المال باختياره، فلا يجب على ذي الصنعة والحرفة- مثلًا- أن يعمل في صنعته وحرفته حتى يجد المال ويحجّ به، وكذا إذا وهبه أحد مالًا يستطيع به لو قبله أو طلب منه
إجارة نفسه بما يصير به مستطيعاً، فلا يجب عليه القبول ولا يكون به مستطيعاً.
•
وظيفة الجاهل بالاستطاعة، لو وصل مال المكلّف إلى حدّ الاستطاعة وكان جاهلًا أو غافلًا عن ذلك ثمّ تذكّر بعد تلفه، فهل استقرّ الحجّ عليه أم لا؟ في المسألة أقوال ثلاثة: ۱- استقرار الحجّ عليه، ۲- عدم الاستقرار، ۳- التفصيل بين ما إذا كانت الغفلة مستندة إلى تقصير منه كترك التعلّم، وبين ما إذا كانت غير مستندة إليه ككثرة
الاشتغال و
الابتلاء.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۹۶-۵۲۲.