الإسناد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الاعتماد على
الركن أو
انتساب القول الى قائله.
الإسناد هو
إمالة شيء إلى
شيء؛ ليستند إليه ويعتمد عليه، و
أصله من
السند، أي المعتمد،
وهو ما يعتمد عليه ويركن إليه.
ويأتي بمعنى نسبة
القول إلى قائله و
رفعه إليه،
فيقال: أسند فلان هذا
الكلام إلى فلان، أي نسبه إليه.
استعمل
الفقهاء الإسناد في معناه اللغوي، وزادوا عليه
باستعماله في
الإخبار عن سند متن
الحديث وطريقه،
واستعماله أيضاً في نفس السند».
و
الفرق بين سند الحديث وإسناده أنّ السند الذي يُجمع على أسناد وأسانيد يلاحظ فيه
رواة الحديث، بينما يلاحظ في الإسناد نفس نقل الحديث مسنداً في مقابل
إرساله من دون سند.
وكثيراً مّا يستعمل الإسناد
بدلًا عن السند، فيقال- مثلًا-: الحديث
صحيح الإسناد أو عالي الإسناد أو معتبر الإسناد، مع أنّ هذه
الصفات ليست للإسناد، بل هي للسند. وقد يراد بها بعض السند.
قال
المحقّق الداماد: «الإسناد قد يطلق ويراد به السند، وهو
الطريق بتمامه، وقد يطلق ويراد به بعض السند».
هناك أحكام كثيرة مترتّبة على الإسناد- بمعنى
تسبّب شيء عن شيء و
استناده إليه- تعرّضنا لها في مصطلح
استناد، وكذا الإسناد بمعنى
الإعانة فإنّ الكلام فيه يأتي في
مصطلح إعانة.
ويبقى هنا أن نشير إلى حكم الإسناد في الحديث، بمعنى الحكم
التكليفي في إسناد الحديث إلى قائله، وكيفية
نقله، ولم نعثر على كلام
للفقهاء بخصوصه إلّامن والد
الشيخ البهائي في كتابه
وصول الأخيار إلى اصول الأخبار، حيث قال:
«كثيراً مّا استعمل
قدماء المحدّثين منّا ومن
العامّة قطع الأحاديث
بالإرسال ونحوه، وهو
مكروه أو
حرام إذا كان
اختياراً، إلّاإذا كان لسبب
كنسيان ونحوه، فقد روينا بطرقنا إلى
محمّد بن يعقوب، عن
عليّ بن إبراهيم، عن
أبيه، وعن
أحمد ابن محمّد بن خالد، عن
النوفلي، عن
السكوني، عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم، فإن كان
حقّاً فلكم، وإن كان
كذباً فعليه».
وروينا عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال:
«إيّاكم و
الكذب المخترع»،
قيل له: وما الكذب المخترع؟ قال: «أن يحدّثك
الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدّثك عنه».
لا يخفى وجه
الحاجة إلى إسناد الحديث؛ لكونه من
الامور التي لابدّ من
توفّرها في
السنّة، لأجل
الاستدلال بها على
الأحكام الشرعية وغيرها؛ إذ لا يمكن
الاعتماد على روايات لم نطّلع على
سلسلة رواتها إذا لم تكن معمولًا بها من قبل الفقهاء، أو قامت
قرائن حافّة بها تفيد
اليقين بصدورها أو
الوثوق بذلك، أو بلغت في
الكثرة حدّاً حصل فيها
تواتر قطعي، خصوصاً مع كثرة الكذب في الإسناد إلى
المعصومين عليهم السلام و
الدسّ فيها حتى في
حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي حذّر من ذلك بقوله: «لا تكذبوا عليَّ، فإنّه من كذب عليَّ متعمّداً يلج
النار»،
أو «من كذب عليَّ فليتبوّأ مقعده من النار».
ولهذا اهتمّ
العلماء منذ
القرون الهجرية الاولى بسرد الأسانيد وذكرها في الكثير من
كتبهم، ووضع
المشيخات لتفادي حالة
الإرسال و
تحقيق حالة الإسناد، كما يقول
الشيخ الطوسي، بل كان بعضهم يشدّد على بعض
المحدّثين؛ لأنّه يروي
المراسيل، كما ينقل في
الأسباب التي دفعت أحمد بن
محمّد بن عيسى الأشعري إلى طرد
سهل بن زياد الآدمي من
قم.
من جهةٍ اخرى اهتمّ العلماء
اللاحقون بالأسانيد التي تركها المحدّثون القدامى، واعتمدوا عليها ودرسوها، واعتبروا نقدها أساساً لتجويز
العمل بالروايات الواردة فيها، ولهذا نشأ بينهم
علم الرجال و
الجرح و
التعديل، ليكون
معيناً على
إثبات الروايات على المستوى
الصدوري، وإن لم يكن
المعيار النهائي
الوحيد؛ لإمكان
الصحّة السندية مع عدم الصدور كما في
المخالف للكتاب.
و
الاهتمام بالإسناد إنّما يكون له مبرّر بناءً على ما هو
المعروف عند
الاصوليّين من عدم ثبوت حجّية كلّ ما روي في
الكتب الأربعة، وأمّا على مذهب
الإخباريّين القائلين بحجّية جميع ما روي فيها حتى ولو كانت مرسلة، فلا يبقى بعد ذلك مبرّر للاهتمام بأسانيدها، وهكذا
الحال في
تضاؤل الحاجة لدراسة الأسانيد لو بني على نظرية جبر
الخبر الضعيف بعمل المشهور أو وهنه بإعراضهم عن العمل به.
لكن مع ذلك تبقى الحاجة لدراسة الأسانيد قائمة حتى على نظرية الإخباريّين؛ وذلك في غير الكتب الأربعة وأمثالها من الكتب الحديثية المشهورة، كما أنّه ليست كلّ رواية يمكن إحراز عمل
المشهور بها أو
إعراضهم عنها.
علماً أنّ بعض الحالات يكون فيها مشهور وأشهر، فتبقى الحاجة قائمة للبحث السندي. نعم، تقلّ.
إذا نقل الراوي حديثاً من طريقين وكانا متّفقين معنىً
مختلفين لفظاً جاز
دمجهما بإسناد واحد، و
التنبيه على أنّ
اللفظ لأحدهما، فيقال- مثلًا-: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ لفلان أو هذا اللفظ لفلان.
وإن كانا متّفقين معنىً
متقاربين لفظاً جاز نسبة الحديث إليهما معاً،
بناءً على جواز نقل
الرواية بالمعنى، وإلّا فلا.
هذا إذا كان الراوي قد لاحظ الرواية من اصولها
مباشرة، وأمّا لو نقلت إليه عن
جماعة في كتبهم، فقابل الرواية التي في
نسخته مع كتب بعضهم دون بعض، ففي جواز إسنادها إليهم جميعاً مع التنبيه على أنّ لفظها مطابق للنسخة الكذائية، وجهان:
من أنّه لم يكن
النقل مخالفاً للواقع بعد التنبيه
المذكور، ومن أنّه لا علم بالموجود في الكتب غير
الملاحظة حتى يجوز الإخبار بما فيها.
قال
الشهيد الثاني: «وما رواه الراوي من الحديث عن اثنين فصاعداً، واتّفقا في الرواية معنىً لا لفظاً، جمعهما إسناداً، وساق لفظ أحدهما
مبيّناً، فيقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان، قال أو قالا: أخبرنا فلان، وما أشبه ذلك من
العبارات... فإن تقاربا في اللفظ مع اتّفاق المعنى، فقال في روايته:
قالا: كذا، جاز أيضاً على
القول بجواز الرواية بالمعنى، وإلّا فلا... وأمّا لو كان
المصنَّف قد سُمع من جماعة، إذا رواه عنهم من نسخة قوبلت بأصل بعضهم دون بعض، وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد، وذكره- أي
المقابل- بنسخته وحده، بأن يقول: واللفظ لفلان كما سبق، فهذا فيه وجهان:
الجواز كالأوّل؛ لأنّ ما أورده قد سمعه ممّن ذكر أنّه بلفظه.
وعدمه؛ لأنّه لا علم عنده
بكيفيّة رواية الآخرين حتى يُخبر عنها، بخلاف ما سبق، فإنّه اطّلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه، وعلى
موافقتها معنىً، فأخبر بذلك».
وبهذا المعنى صرّح
المامقاني أيضاً في
مقباس الهداية.
تعرّض الاصوليّون لمبحث إسناد الحكم إلى
الشارع، ومن
الواضح عندهم أنّه يجوز الإسناد في حالة اليقين بالحكم، وأنّ الشارع شرّعه؛ لأنّه إسناد بعلم، كما لا يجوز أن نسند حكماً إلى الشارع فنقول: حكم الشارع بكذا وكذا في حالة
القطع بالعدم، بل وكذا في حالة عدم
العلم أيضاً، لما ورد من
حرمة إسناد ما لا يعلم أنّه من
اللَّه إلى اللَّه.
إنّما وقع
الكلام في أنّه لو دلّ
الدليل الظنّي
المعتبر على حكمٍ مّا، فهل يجوز إسناده إلى الشارع سبحانه بعنوان أنّه
الحكم الواقعي؛ حيث يفترض أنّ الحكم الواقعي غير معلوم وإن كان
الظن أو الأصل المثبت للحكم معتبراً شرعاً ظاهراً؟
قد يقال بحرمة الإسناد؛ لأنّه من الإسناد بغير علم، وحجّية
الأمارة إنّما تعطي
التنجيز و
التعذير، ولا تلازم بين
الحجّية وجواز الإسناد. فيما قد يقال من جهة اخرى بأنّ
الأمر مربوط بمسألة قيام الأمارة مقام القطع
الموضوعي، فحيث اخذ القطع في موضوع جواز الإسناد، فإذا قامت الأمارة مقامه جاز إسناد مؤدّاها إلى الشارع، وإلّا فلا يجوز.
وذكر بعضهم أنّ
إعطاء الحجّية للأمارة كافٍ في جواز الإسناد دون أن يتطرّق لجانب القطع الموضوعي و
الطريقي.
والتفصيل في محلّه من
علم الاصول.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۱۰۹-۱۱۳.