مصدر انتسب، وانتسب فلان بمعنى ذَكَرَ نَسَبَه، و النسب : القرابات ، وهو واحد الأنساب. قال ابن سيدة : « النِسبة والنَسَب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصّة، وقيل: النِّسبة مصدر الانتساب، والنُسبة: الاسم ».
قد يكون الانتساب إلى القبيلة أو العشيرة ، فيقال: فلان هاشمي للمنتسب إلى هاشم ، وفلان قرشي للمنتسب إلى قريش ، وقد يكون الانتساب إلى البلاد ، فيقال لمن ولد في مكّة أو استوطن فيها لمدّة طويلة: مكّي، وثالثة يكون الانتساب إلى حرفة أو صناعة خاصّة يمارسها هو أو كان أبوه أو أحد أجداده يمارسونها، كالخفّاف و الحنّاط و التمّار وغير ذلك. وقد تعرّض الفقهاء لما يرتبط بهذه الأنواع بما نشير إليه إجمالًا فيما يلي:
من ينتسب إلى البلاد قد يقع موضوعاً لبعض الأحكام كما في بعض الوصايا أو الوقوف ، فإذا أوصى بإعطاء ثلث تركته للمكّيين أو للقمّيين فسوف ينصرف هذا العنوان إلى كلّ من انتسب إلى مكّة أو مدينة قم من جهة الولادة فيها، أو استيطانه في المدينة مدّة يسمّيه العرف معها أنّه مكّي أو قمّي، ولا يراعى أكثر من ذلك من شروط.
وكذلك قد يقع موضوعاً لمسألة خيار الزوجة في فسخالنكاح إذا انتسب لبلد ثمّ بان خلافه، وسنتعرّض إليه فيما بعد. فالمعيار في ترتّب الأحكام المأخوذة فيها الانتساب إلى البلدان هو العرف و صدق النسبة عنده.
يرجع في ترتيب الأحكام المأخوذة على عنوان الانتساب إلى حرفةٍ أو صنعة إلى تحديد العرف، فينتسب إلى صنعة خاصّة أو حرفة معيّنة بحيث يطلق العرف عليه اسمالمتّصف بها، كالورّاق لمن يشتغل في جمع الورق وصنع الكراريس ، والحنّاط لمن يشتغل في بيع الحنطة ، وتترتّب عليه الأحكام المرتبة في الشرع على هذا العنوان.
وهذه العناوين قد تقع موضوعاً لبعض الأحكام، من قبيل الوقف على الحنّاطين أو طلّاب العلوم، وهم من يشتغلون بطلب العلوم ، وهكذا. وقد يقع الانتساب إلى صنعة موضوعاً لمسألة خيار الزوجة في فسخ النكاح إذا بانَ خلافه، وسنتعرّض له فيما بعد.
قد يقع الشكّ في انتساب فرد إلى شخص معيّن لترتيبأثر مّا، كما لو شكّ في أنّ زيداً- مثلًا- من أولاد الميّت حتى يرثه أو أنّه ليس من أولاده، فهنا لا يُعطى من إرثه؛لاستصحاب عدم تحقّق الانتساب بينهما؛ لأنّ الإرث مترتّب على من انتسب إلى الميّت بالتولّد أو بغيره، ومقتضى الأصل عدمه.
وكذا إذا شكّ في أنّ من يريد تزوّج امرأة كانت زوجة لزيد في زمان ، هل هو ابن زيد ليحرم عليه تزوّج المرأة- لحرمة منكوحة الأب على ابنه - أو أنّه ليس من أولاده، فهنا أيضاً يقولون بجواز تزوّج تلك المرأة ، باستصحاب عدم تحقّق الانتساب بينه وبين زيد بالتولّد، وهذا الأصل الجاري أمرمتسالم عليه في أبواب الفقه بين الفقهاء.
وكذلك قد طبّق هذا الأصل أيضاً فيمن شكّ في انتسابها لقريش لتحديد سنّ يأسها من الحيض ، وحكموا بعدم قرشيّتها، أي استصحبوا عدم تحقّق الانتساب بينها وبين قريش،
لا يجب على الإنسان من حيث المبدأإبراز انتسابه لبلدٍ أو قبيلةٍ أو عشيرة ما لم يكن هناك عنوان موجب لذلك.
كما لا شكّ في حرمة ادّعاء الانتساب كذباً على المستوى التكليفي؛ لحرمة الكذب نفسه، ولا فرق في ذلك بين الانتساب الجغرافي و العشائري و القبلي و المهني وغير ذلك، ولا يجوز له ترتيب آثار هذا الانتساب المدّعى؛ لعلمه بعدم مطابقته للواقع، فلو ادعى الهاشمية لم يحرم عليه أخذ الزكاة ، ولم يجز له أخذ سهم السادة من الخمس ، وهكذا.
بل لو أخذ مالًا أو غيره بهذا العنوان كان حراماً، ويعذره الحاكم الشرعي لذلك.
وقد تعرّض العلّامة الحلّي لهذا الموضوع في أجوبة المسائل المهنّائية، عندما سُئل عن رجل ادّعى أنّه شريف حسيني أو حسني ، وعلى ضوء هذا الانتساب كان يأخذ الهداياووجوه الصلة من الناس- مع اعتقادهم صدق دعواه - فهل يكون ما يتحصّل له والحال هذه حراماً عليه أو مكروهاً مع علمه بكذب دعواه وانتسابه و إصراره على ذلك أم لا؟
وما الذي يجب عليه من التأديب في هذه الدعوى والإصرار عليها؟
فأجاب العلّامة الحلّي: «كلّ ما يأخذه بشبهة العلوية فهو حرام، وما لا يكون كذلك فهو مباح ، وإذا انتسب إلى العلوية لا لغرضصحيح مع كذبه يعزّره الحاكم بما يراه».