الوقف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو تحبيس
الأصل و
إطلاق المنفعة كما في الحديث النبوي : «حَبِّس الأصل وسَبِّل الثمرة». والمراد بتحبيس الأصل المنع من التصرّف فيه تصرّفاً ناقلاً لملكه.
(أمّا الوقف فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة) كما في الحديث النبوي : «حَبِّس
الأصل وسَبِّل الثمرة».
وإنّما عدل عن التسبيل إلى
الإطلاق لأظهريّته في المراد من التسبيل، وهو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرّف فيها كيف شاء، كغيرها من الأملاك.
والمراد بتحبيس الأصل المنع من التصرّف فيه تصرّفاً ناقلاً لملكه، وهذا ليس تعريفاً بل ذكر شيء من خصائصه أو تعريف لفظي، وإلاّ لانتقض بالسكنى وأُختيها والحبس.
وفي
الدروس عرّفه بأنّه الصدقة الجارية،
تبعاً لما ورد في المعتبرة المستفيضة : «إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث»
وعدّها منها.
وفي المهذّب والتنقيح و
المسالك وغيرها من كتب الجماعة
أنّه قال العلماء : المراد بالصدقة الجارية الوقف.
والأصل في مشروعيّته بعدها كغيرها من السنة الآتية الكتاب وإجماع الأُمّة كما في المهذّب،
قال سبحانه (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ)
وقال جابر : لم يكن أحد من الصحابة ذو مقدرة إلاّ وقف.
(ولفظه الصريح) الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى ضمّ قرينة (وقفت) بلا خلاف، كما في المسالك،
بل عليه
الإجماع ظاهراً، وعن الحلّي والتحرير صريحاً.
(و) أما (ما عداه يفتقر إلى القرينة الدالّة على التأبيد) كاللفظ الدال عليه، أو على نفي
البيع والهبة و
الإرث ، فيصير بذلك صريحاً، بلا خلاف، سواء كان تصدّقت، أو حرّمت، أو أبّدت، أو حبست، أو سبّلت.
ولا يحكم بالوقف بشيء منها مجرّداً عن القرينة، وفاقاً للمبسوط والحلّي وأكثر المتأخّرين؛
لأصالة بقاء الملك على صاحبه، وعدم خروجه إلاّ بوجه شرعي. ولا عرف شرعي هنا سوى صريح الوقف؛
لاشتراك البواقي بينه وبين غيره، والموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على شيء من الخصوصيات بشيء من الدلالات.
نعم، إذا انضمّت القرائن صار كالصريح في صحّة الوقف إذا قصد المعاني دون الألفاظ الدالّة عليها خاصّة، وقد وقع كذلك أكثر وقوف
أهل البيت : كما دلّت عليه المعتبرة، منها : «تصدّق
أمير المؤمنين عليه السلام بدار له بالمدينة في بني زريق، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به
علي بن أبي طالب وهو حيّ سليم، تصدّق بداره التي في بني زريق لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السموات و
الأرض ...».
خلافاً للخلاف و
الغنية والكيدري والقواعد
في الأخيرين، فجعلوهما صريحاً كالأوّل؛ للنبوي المتقدّم المتضمّن لهما. وفيه نظر.
وللتذكرة، ففرّق في لفظة الصدقة بين إضافتها إلى جهة عامّة فصريحة، وإلى خاصة فتحتاج إلى قرينة.
ووجهه غير واضح.
أمّا الثلاثة الأول فلا خلاف في عدم صراحتها، بل عليه الإجماع في المسالك.
هذا كلّه في الحكم عليه بالظاهر، وإلاّ فلو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع
باطناً ودين بنيته لو ادّعاه أو ادّعى غيره، كما صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده.
ويظهر من العبارة وعبائر أكثر الجماعة، كما في المسالك والروضة
ولعلّه من حيث اكتفائهم بذكر
الإيجاب خاصة من دون ذكر القبول والقربة الكليّة عدم اشتراطهما. والأصح اشتراطهما، وفاقاً للتنقيح فيهما،
وللتذكرة في الأوّل،
وللإرشاد والمفيد والقواعد والنهاية والحلّي والغنية،
مدّعياً هو كسابقه عليه إجماع
الإماميّة ، في الثاني؛ وهو الحجة فيه.
كإطباقهم على كونه من جملة العقود، المدّعى في المسالك والمحكي عن التذكرة
في الأوّل، بناءً على أن لزومه بدونه يخرجه عن قسم العقود ويدرجه في قسم الإيقاع، وهو ينافي ما ادّعى عليه ممّا تقدّم من الإجماع، هذا.
مضافاً إلى مخالفة الوقف للأصل، فيقتصر في لزومه على المتيقّن، وليس إلاّ القدر المجمع عليه، وهو ما تضمّن الأمرين.
وما استدل به في
الروضة على عدم اشتراط القربة : من عدم قيام دليل صالح على اشتراطها وإن توقّف عليها الثواب.
فضعيف، كاستدلاله لمذهب الأكثر من عدم اشتراط القبول بأصالة عدم
الاشتراط ، وأنّه إزالة ملكٍ فيكفي فيه الإيجاب كالعتق :
أمّا الأوّل : فلما عرفت من مخالفته الأصل، ويكفي في عدم صحّته مع عدم القربة عدم
قيام دليلٍ صالح عليها بدونها، فعدم دليل على الاشتراط غير قادح بعد الأصل الدالّ على الفساد، وأصالة عدم الاشتراط لا تعارضه إلاّ بعد فرض قيام المقتضي للصحّة بعنوان العموم، وهو مفقود.
ومنه يظهر الجواب عن دليله لمذهب الأكثر.
وأمّا الجواب عن الثاني : فبأن دعوى كفاية الإيجاب بمجرّده في
إزالة الملك مطلقا ممنوعة، كيف لا وهي في المقام أوّل الكلام، وثبوتها في العتق بالدليل لا يوجب ثبوتها هنا إلاّ بالقياس المحرّم عندنا.
وأمّا القول بالتفصيل في القبول بين الوقف على من يمكن في حقه كشخص معين أو أشخاص معيّنين، فيشترط، لما ذكرنا، وبين الوقف على غيره ممن لا يمكن في حقه كالمسلمين، فلا يشترط،
لانتقال الوقف فيه إلى الله سبحانه، والقبول فيه غير متصوّر، كما في الشرائع والمسالك والروضة،
وتبعهما جماعة.
فضعيف؛ لما مرّ. وعدم تصوّر القبول منه سبحانه لا يوجب عدم اشتراط القبول من أصله، فقد يكون القابل الناظر أو الحاكم ومنصوبه، كما صرّح به مشترطه على إطلاقه.
وبالجملة الموافق للأُصول اشتراطهما مطلقا؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول في الثاني.
نعم، ربّما كان الأوفق بالأصل عدم اشتراط القربة إن قلنا باعتبار القبول؛ إذ بعد حصوله يكون عقداً يجب الوفاء به، واشتراطها منفي حينئذٍ بأصالة عدمه، إلاّ أن إجماع الغنية على اشتراطها حجة شرعيّة لا مسرح عنها ولا مندوحة، ويكون ما قدّمناه من الأُصول له معاضدة شاهدة، وإن لم تكن في مقابلة ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود حجّة مستقلة، بل هي به مخصّصة، هذا.
وفي المعتبرين، أحدهما الصحيح والثاني الموثق : «لا صدقة ولا عتق إلاّ ما أُريد به وجه الله تعالى».
والمستفاد من تتبع الأخبار الكثيرة إطلاق الصدقة على الوقف كثيراً، حتى إنّه في كثير من وقوف
الأئمّة وفاطمة : لم يذكر فيها لفظ الوقف بل اكتفى بلفظ الصدقة مقرونة بما يدلّ على إرادة الوقف منه، فيظهر منها غاية الظهور أن إطلاق الصدقة عليه بعنوان الحقيقة المشتركة. ولا ينافيه احتياجه في الدلالة عليه إلى القرينة؛ لكونها معيّنة لا صارفة. وبه يفرق بين لفظ الوقف والصدقة؛ لاشتراكها بين الوقف والصدقة الخاصّة دون لفظ الوقف.
وحيث ظهر أنّ إطلاق الصدقة على الوقف حقيقة ظهر دخوله في لفظ الصدقة في ذينك الخبرين، فيدلاّن على اشتراطه بالقربة؛ لظهور أقربيّة نفي الصحّة من نفي الكمال
بالإضافة إلى نفي الماهيّة حيث يكون إرادته متعذّرةً، فتأمّل هذا.
ولو سلّم مجازية إطلاق الصدقة عليه لكانت النصوص المزبورة دالّة أيضاً على اشتراط نيّة القربة، بناءً على أنّ
الاستعارة والتشبيه يقتضيان الشركة في الأحكام إمّا جملة، أو المتبادر منها خاصّة، ولا ريب أنّ اشتراط القربة في صحّة الصدقة من أظهر أحكامها. وربّما يؤيّده تأييداً في الجملة
اتباع الأئمّة : وقوفاتهم المأثورة بقولهم : «ابتغاء وجه الله سبحانه».
وبالجملة لا ريب في اشتراط القربة ولا شبهة.
واعلم أنّه لا يعتبر قبول
البطن الثاني ولا رضاه، بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة؛
لتماميّة الوقف قبله، فلا ينقطع؛ ولأنّ قبوله لا يتّصل بالإيجاب فلو اعتبر لم يقع له.
•
اعتبار القبض في الوقف، يعتبر في الوقف القبض ولو كان مصلحة كالقناطير، أو موضع عبادة كالمساجد قَبضَه الناظر فيها ولو كان على طفل قبضه الولي كالأب والجدّ للأب أو الوصي ولو وقف عليه
الأب أو الجدّ صحّ لأنّه مقبوض بيده.
•
شرائط الوقف،
•
شرائط الموقوف،
•
شرائط الواقف،
•
شرائط ناظر الوقف،
•
شرائط الموقوف عليه،
•
المسائل في الوقف،
رياض المسائل، ج۱۰، ص۹۱- ۱۹۶.