البطن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو بطن كل شيء جوفه .ويطلق على
الجارحة المعيّنة من الإنسان وغيره.
البطن- لغة-: خلاف
الظَهر من كلّ شيء،
كما أنّ
الباطن من كلّ شيء خلاف ظاهره.
يقال: بَطَن الشيء بطناً، أي خَفِيَ.
ومن ذلك
إطلاقه على
الجارحة المعيّنة من الإنسان وغيره،
إمّا لخفائه في نفسه كما في أكثر
البهائم والحيوانات، ومن ذلك إطلاق البطن على الامور الخفيّة غير الظاهرة، كما في قولهم: «
الوقف على البطون» وهم الطبقات غير الموجودة بالفعل. وإمّا لخفاء ما فيه، كما في قوله تعالى: «وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ».
وكيف كان، فالغرض بالبحث هنا البطن الجارحة، لا مطلق جوف الشيء وباطنه.
البَطَنُ والبِطنة بمعنى كثرة
الأكل ، وداءِ البطن، والفرق بينهما وبين البَطْن واضح.
وهو مطلق داخل الشيء وجوفه، وقد يستعمل البطن أيضاً بهذا المعنى، يقال: بطن
الآية ، أي باطنها وجوفها، مقابل ظاهرها، وليس المراد بالبحث هنا هذا المعنى من البطن، كما مرّ.
تستعمل البطن عند
الفقهاء في
استخدامات متعدّدة وأهمّها:
يتعلّق بالبطن- الجارحة المعروفة- أحكام مختلفة نشير إلى أهمّها إجمالًا فيما يلي:
المذكور في كلام جماعة
استحباب مسح البطن للمتخلّي بعد
الاستنجاء وعند الخروج.
قال
ابن البرّاج : «ويقول عند الاستنجاء... ويقول عند الفراغ منه- بعد أن يمسح بيده على بطنه-: الحمد للَّهالذي أماط عنّي الأذى، وهنّأني طعامي وشرابي...».
وقال
العلّامة الحلّي : «يستحبّ
التسمية والدعاء عند الدخول، وعند الاستنجاء، وعند الفراغ، وعند الخروج، وأن يمسح بطنه عنده».
نعم، في محلّ هذا
المسح وهذا الدعاء، وأنّه بعد الفراغ من الاستنجاء أم لا، كلام عند بعضهم.
ذكر بعض الفقهاء أنّه من الراجح مسح بطن
الميّت عند غسله.
قال
الشيخ المفيد : «ويمسح بطنه في الغسلة الأوّلة مسحاً رفيقاً ليخرج ما لعلّه بقي من الثقل الذي في جوفه ممّا لو لم يدفعه المسح لخرج منه بعد
الغسل فانتقض به، أو خرج في
أكفانه ، وكذلك يمسح بطنه في الغسلة الثانية... ولا يمسح بطنه في الثالثة، فإذا فرغ من الغسلات الثلاث ألقى عليه ثوباً نظيفاً...».
وقال
سلّار : «ويمسح بطنه في الاولى والثانية مسحاً رقيقاً لعلّه يخرج من بطنه شيء، ولا يمسح بطنه في الثالثة».
ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة إلّا الحامل التي مات
ولدها ، فإنّهم صرّحوا بعدم استحباب مسح بطنها في شيء من الغسلات.
ذكروا في آداب الميّت أنّه يكره وضع
الحديد على بطنه،
وعدّاه بعضهم إلى مطلق التثقيل ولو بغير الحديد،
وبعضهم إلى المحتضر، بل في
الجواهر أنّ الحكم في
المحتضر الحرمة؛ لما فيه من أذيّته.
ذكروا في أعمال
السجود أنّ على
المصلّي أن يجافي بطنه عن الأرض.
قال العلّامة الحلّي في واجبات السجود: «السادس: يجب أن يجافي بطنه عن الأرض، فلو أكبّ على وجهه ومدّ يديه ورجليه وموضع جبهته على الأرض منبطحاً لم يجزيه؛ لأنّه لا يسمّى سجوداً...».
ولكن اشكل عليه بأنّه لو ألصق بطنه على الأرض مع كونه على هيئة الساجد ووضع باقي
المساجد على كيفيتها الواجبة فالظاهر الصحّة
وإن أشكل عليه في الجواهر بوجه آخر، وهو أنّه بناءً على وجوب
استقلال المساجد في
الاعتماد قد يمنع الصحّة في الفرض أيضاً.
وظاهر
المحقّق الهمداني أيضاً موافقته.
نعم، قد ذكروا في آداب السجدة استحباب تخوية الرجل فيها، وقد فسّرت
التخوية إمّا بنفس تجافي البطن عن الأرض- كما عن بعضهم
- أو بما يلازمه كما فسّر به العلّامة الحلّي نفسه حيث قال: «ويستحبّ التخوية في السجود بأن يفرّق بين فخذيه وساقيه، وبين بطنه وفخذيه، وبين جنبيه وعضديه، وبين عضديه وساعديه، وبين ركبتيه ومرفقيه، ويفرّق بين رجليه...»،
فإنّ هذا لا ينفك عادة عن تجافي البطن عن الأرض إلّافي كبير البطن جدّاً، ولكن هذا في خصوص الرجل كما لا يخفى.
يستحبّ
إلصاق البطن بالأرض في سجدة الشكر، كما هو الظاهر من عبائر جملة من علمائنا؛
وذلك لما رواه
جعفر ابن علي ، قال: رأيت
أبا الحسن عليه السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه.
إلّاأنّها لا تدلّ على الاستحباب بعد أن كان الفعل واحداً وغير متكرّر، والفعل دليل صامت؛ لهذا فالأفضل
الاستدلال بما رواه
عبد الرحمن بن خاقان ، قال: رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه، فألصق جؤجؤه وبطنه بالأرض، فسألته عن ذلك، فقال: «كذا نُحبّ».
وفيه: «يجب» بدل «نحبّ».وظاهر صاحب
الوسائل أيضاً
الإفتاء باستحبابه.
قال
المحدّث البحراني : «يستحبّ فيها (سجدة الشكر) أن يفترش ذراعيه ويلصق صدره بالأرض، كما تقدّم في رواية جعفر بن علي، وفي رواية عبد الرحمن بن خاقان، وبطنه أيضاً».
ذكر الفقهاء في آداب
الطواف استحباب
التزام المستجار بأن يبسط يديه على البيت ويلصق بطنه وخدّه به، ويحمد اللَّه.
وكذا يستحبّ إلصاق البطن بالبيت بعد
الشوط السابع من الطواف بين الحجر والباب، واضعاً إحدى يديه على الحجر والاخرى على الباب، ويحمد اللَّه ويثني عليه، ويدعو بالمأثور.
بل لعلّه كذلك في جميع موارد استحباب
الاستلام ، كاستلام
الركن اليماني والحجر، بل الأركان الأربعة- على ما في بعض الأخبار وكلمات بعض الفقهاء
- بناءً على تفسير الاستلام بذلك.
قال
السيّد العاملي : «ومقتضى صحيحة
معاوية بن عمّار ... أنّ الاستلام يتحقّق بالمسّ باليد، حيث قال: «فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك».
وربّما ظهر من صحيحة
يعقوب بن شعيب أنّ الاستلام إلصاق البطن بالممسوح؛ فإنّه قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن استلام الركن، قال: «استلامه أن تلصق بطنك به، والمسح أن تمسحه بيدك»،
إلّاأن يقال: إنّ معنى استلام
الحجر خلاف معنى استلام الركن...».
حثّت الشريعة على بعض الآداب
والأحكام التي تؤدّي إلى خفّة البطن وعدم شبعها،
ككراهة الأكل على
الشبع ،
وهو المستفاد من
الأخبار المستفيضة، كما عن
أبي عبيدة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شبع البطن طغى».
وما عن
عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الأكل على الشبع يورث
البرص ».
وغيرها.
ذكر الفقهاء أنّ قرقرة البطن لا تنقض
الوضوء ما لم يخرج غائط أو ريح.قال العلّامة الحلّي: «
القرقرة في البطن لا تنقض الوضوء؛ لنا قوله عليه السلام:«لا ينقض الوضوء إلّاما خرج من طرفيك الأسفلين».
.. وما رواه عبد الرحمن ابن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:قلت له: أجد
الريح في بطني حتى أظن أنّها قد خرجت، فقال: «ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح»،
وعليه إجماع العلماء كافّة.
ولا يعارَض برواية
زرعة عن
سماعة ، قال: سألته عمّا ينقض الوضوء، قال:«
الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه، والقرقرة في البطن، إلّاشيئاً تصبر عليه، والضحك في
الصلاة ، والقيء»؛
لأنّ سماعة لم يسنده عن إمام فلعلّ المسؤول من لا يوثق
بفتواه ...»،
ثمّ أشكل العلّامة الحلّي في زرعة وسماعة.وقد وردت أخبار كثيرة في حصر نواقض الوضوء في ما خرج من الطرفين
والنوم ، وليس منها القرقرة. نعم، لو غلب الريح فخرج فهو ناقض للوضوء؛ إذ هو ريح وليس مجرّد قرقرة.نعم، ذهب إليه بعض
الجمهور .
وجع البطن قد يكون بداء البَطَن بالتحريك- وهو
الإسهال - بسبب
انطلاق البطن، والذي يقال لصاحبه: مبطون، وله أحكام خاصة في
طهارته وصلاته
وطوافه وسائر ما يشترط فيه الطهارة. وقد يعتبر عذراً في بعض
التكاليف أيضاً.
ففي رواية
محمّد بن مسلم ، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المبطون، فقال: «يبني على صلاته».
وفي رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما».
وفي رواية
عاصم بن حميد ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام أيدخل
الحرم أحدٌ إلّا محرماً؟ قال: «لا، إلّامريض أو مبطون».
وقد يكون وجع البطن بغير ذلك، فهو مرض كسائر الأمراض، وقد يعتبر من الأعذار الموجبة لسقوط بعض التكاليف كما ثبت في محلّه.
ثمّ إنّه ورد في الأخبار بعض ما ينفع وجع البطن، مثل: ما رواه
الكليني بإسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «أطعموا المبطون خبز
الأرز ، فما دخل جوف المبطون شيء أنفع منه، أما إنّه يدبغ
المعدة ، ويسلّ
الداء سلّاً».
ورواية حمران، قال: كان بأبي عبد اللَّه عليه السلام وجع البطن، فأمر أن يطبخ له الأرز ويجعل عليه
السمّاق ، فأكله فبرئ.
ومن
الأدعية ما رواه في
طبّ الأئمّة حيث شكا رجلٌ إلى
أمير المؤمنين عليه السلام وجع البطن، فأمره أن يشرب ماءً حارّاً ويقول: «يا اللَّه يا اللَّه يا اللَّه، يا رحمن يا رحيم، يا ربّ الأرباب، يا إله الآلهة، يا ملك الملوك، يا سيّد السادات، اشفني بشفائك من كلّ داءٍ وسقم، فإنّي عبدك وابن عبدك، أتقلب في قبضتك».
مضافاً إلى ما ورد في تربة
الإمام الحسين عليه السلام، وبعض
آيات القرآن الكريم بالنسبة لكلّ داء، وليس هنا محلّ ذكرها.
المستفاد من كلمات الفقهاء أنّ لما في بطن المرأة- أي الجنين- أهلية الوجوب الناقصة؛ لأنّه قابل للإلزام فقط دون
الالتزام .والمراد من الإلزام ثبوت الحقوق له، والالتزام ثبوت الحقوق عليه.
ومن أهم الحقوق الثابتة له هي:
أ- حق
الانتساب ،
فللجنين حق الانتساب لأبيه وامّه ومن ينتسب إليهم بواسطتهما، وذلك عند توفّر الشروط لهذا الانتساب.
ب- حق
الإرث ممّن يموت من مورثيه، ويستحقه ويثبت له ذلك بمجرّد
الانفصال حيّاً.
ج-
استحقاق ما يقرّ له: فهو يستحق ما يقرّ له من إرث أو
وصيّة ونحو ذلك.
لا يصحّ الوقف
ابتداء على ما في البطن- الجنين- الذي لم ينفصل من بطن امّه؛ لأنّه بحكم المعدوم بالنسبة للوقف.والمراد من الابتداء أن يكون الجنين هو الطبقة الاولى من دون مشاركة موجود له في تلك الطبقة.وأمّا لو وقف على الجنين تبعاً لموجود قابل لعقد الوقف بأن يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث يشاركه عند وجوده صحّ بلا
خلاف ، كما إذا وقف الإنسان على
أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو
الترتيب .
وهو المسمّى بالوقف الذري، يملكه البطون بطناً بعد بطن، وهو تابع لجعل الواقف من كونه تشريكياً أو ترتيبياً.
الجناية على البطن تستلزم اموراً مختلفة، لكلّ منها حكمها:
فقد تستلزم سقط الجنين، ويقع البحث عنه في مصطلح (إجهاض، جنين).
وقد تستلزم موت
المجني عليه، ويقع البحث عنه في مصطلح (دية، قصاص).
وقد تستلزم سقط الجنين مع جرح الامّ أو موته فيجري الحكمان معاً.
وقد تستلزم جرحه وشقّ بطنه بلا جناية اخرى، فيجري عليه حكمه من
الدية أو
القصاص مع
الإمكان .
وقد تستلزم إحداث المجني عليه بالبول أو
الغائط أو غيرهما، فالوارد في بعض الأخبار ثبوت القصاص، كما في خبر
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه، فقضى عليه أن يُداس بطنه حتى يحدث في ثيابه كما أحدث، أو يغرم ثلث الدية».
وقد أفتى به بعض
الفقهاء ،
وتوقّف جماعة عن العمل به، لمخالفته للُاصول، وصرّح بعضهم بالحكومة.
صرّح الفقهاء بأنّ ميقات أهل
العراق بطن
العقيق ، وأوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق، فكلّ من حجّ وخرج من العراق وسلك هذا الطريق فإنّه يحرم من أحد هذه المواضع، ولا يجوز التقدّم
بالإحرام على المسلخ ولا التأخر عن ذات عرق.
واستدلّ لذلك بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من تمام
الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لا تجاوزها إلّاوأنت محرم فإنّه وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق...».
يستحبّ في رمي الجمار- خصوصاً
جمرة العقبة - أن يرمي من بطن الوادي، بأن يضع كلّ حصاة منها على بطن
إبهامه ويدفعهابظفر السبّابة ويرميها من بطن الوادي؛
لما روى الجمهور أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم رمى الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبّر مع كلّ حصاة.
وفي خبر
أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام قال: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة- إلى أن قال:- تخذفهنّ خذفاً وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفُر السبّابة»، قال: «وارمها من بطن الوادي واجعلهنّ على يمينك كلّهنّ».
وكذا يستحبّ لمن بات في
المزدلفة بعد ذهاب ثلث الليل أن ينزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من
المشعر .
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۸۵-۳۹۴.