البرص
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو مرض يحدث في الجسم قشراً أبيض ويسبب للمريض حكا مؤلما.
البَرَص- بفتح الباء والراء-:
داءٌ معروف، وهو بياضٌ يقع في الجسد،
قال
ابن فارس : «الباء والراء والصاد أصل واحد، وهو أن يكون في الشيء لمعةٌ تخالف سائر لونه، من ذلك البرص».
والاسم منه أبرص وبرصاء.
استعمل
الفقهاء البرص في
معناه اللغوي ، وجاء في بعض الأخبار التعبير عنه بالوَضَح والبياض، ففي رواية
السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام قال:«لا يذوق الجنب شيئاً حتى يغسل يديه ويتمضمض؛ فإنّه يُخاف منه الوَضَح».
وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال في الرجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قَرَناً- وهو
العفل - أو بياضاً أو جذاماً:«إنّه يردّها ما لم يدخل بها».
والوَضَح- بفتحتين- فسّره
الفيّومي بالبياض،
والفيروز آبادي ببياض
الصبح والقمر والبَرَص.
كما وذكر
المحقّق النجفي أنّ البرص عند الأطبّاء يشمل السواد الذي لغلبة
السوداء أيضاً،
إلّاأنّ
الأحكام الشرعية للبرص لا تشمل هذا السواد؛ لعدم شموله له لغة وعرفاً، وللأصل مع
الشكّ خصوصاً بعد تصريح بعض الأخبار بالبياض.
وهو- بفتحتين- يشترك مع البرصَ في البياض، ولكن ليس ببرص،
ويفترق عنه بأنّ البرص غائر في
اللحم إلى
العظم ، دون البَهَق الذي يعتري
الجلد فقط، ومن علامات البرص أنّه إذا غرز في الموضع إبرة لم يخرج دم، بل ماء أبيض، أمّا البهق فيخرج منه
الدم .
وأيضاً الأبرص إذا عُصر جلده لم يحمرّ، ويكون جلده أنزل وشَعره أبيض. وإذا كانا (البرص والبهق) أسودين- على اصطلاح الأطبّاء- افترقا بأنّ البرص يوجب تفليس الجلد كما يكون في
السمك ، بخلاف
البهق.
وهو
المرض السوداوي المعروف الذي يظهر معه يُبس الأعضاء وتناثر اللحم،
والفرق بينه وبين البرص واضح.
تتعلّق بالبرص أحكام نتعرّض لها إجمالًا فيما يلي:
حيث كان البرص عيباً في
معاملة العبيد والإماء فيجوز معه فسخ
البيع ، بل هو من العيوب التي يجوز معها فسخ
النكاح وردّ المرأة إلى أهلها؛
للروايات:
منها: ما رواه
داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، في الرجل يتزوّج المرأة، فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها...».
ومنها: رواية
محمّد بن مسلم ، قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: «تردّ
العمياء والبرصاء والجذماء والعرجاء ».
وهذا العيب خاصّ بالنساء على
المشهور .
نعم، جعله بعضهم من العيوب المشتركة بين الرجال والنساء.حكاه عن ابن الجنيد في الحدائق.
تكره إمامة الأبرص
لصلاة الجماعة ،
بل صريح
الشيخ المفيد أنّ من شروط
إمام الجمعة سلامته من البرص، حيث قال:«والشرائط التي تجب فيمن يجب معه
الاجتماع أن يكون حرّاً... مجنّباً من الأمراض الجذام والبرص خاصّة في جلدته...».
وفي المسألة خلاف.
وردت أخبار بجواز
اجتناب بعض الأصناف، أحدهم الأبرص، فعن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية درست: «خمسة يُجتنَبون على كلّ حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنى
والأعرابي ».
ولعلّ وجهه في المجذوم والأبرص اتّقاء سراية المرض. والشاهد على ذلك ما ورد عن
الحسين بن زيد عن
الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام- في حديث المناهي- قال:«وكره أن يكلّم الرجل مجذوماً، إلّاأن يكون بينه وبينه قدر ذراع...»،
فإنّ في
الاستثناء بفصل الذراع شهادة على ما ذكر، فليس المراد منها ترك معاشرتهم مطلقاً وعلى كلّ حال.
فلا تنافي بين هذه الأخبار وما ورد من الأخبار الكثيرة في أبواب العشرة من
استحباب التحبّب إلى الناس والتودّد إليهم ولقائهم بالبشر ونحو ذلك،
من أحكام العشرة؛ لإمكان الجمع بينهما في العمل بالشكل الذي بيّناه.نعم، قد يقع
التنافي بين هذه الأخبار وما دلّ على استحباب مصافحة المؤمن عند اللقاء ومعانقته خصوصاً المسافر،
فلابدّ حينئذٍ من تخصيص هذه الأخبار بغير المجذوم والأبرص.وقد يستفاد من حديث المناهي عدم خصوصية في الجذام والبرص أيضاً، بل المراد كلّ مرض يخاف معه السراية، حيث لا ظهور في التعبّدية في مثل هذه الموارد.
لمّا كان البرص من الأمراض المعدية ويخاف معها الضرر من مباشرة
الامّ لحضانة ولدها، فقد يحتمل سقوط حقّ حضانتها بذلك، كما يظهر من بعضهم،
فيكون الأب حينئذٍ أولى بحضانة
الولد .بل جزم به
السيّد العاملي حيث قال:«الأظهر سقوط حضانتها بذلك؛ تحرّزاً من تعدّي الضرر إلى الولد».
نعم، مع عدم خوف الضرر- ولو بعلاج- فالحقّ لها في المدّة المعلومة، كما لا يخفى.
ومن الواضح عدم اختصاص
الحكم بالبرص، بل يجري في كلّ مرض معدٍ كالجذام ونحوه.كما أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بالامّ، بل يجري ذلك في الأب أيضاً إذا كان الأمر بحيث يخاف منه الضرر على الولد، فينتقل حقّ الحضانة إلى
الجدّ له أو الامّ أو الحاكم على ما هو المقرّر في محلّه.
لا خلاف بينهم في أنّ البرص من
أحداث السنة التي يجوز معها فسخ البيع- لو حدثت بعد البيع إلى سنة- في معاملة العبيد والإماء.
المشهور في
قصاص الأطراف اعتبار تساوي عضو
الجاني للمجني عليه في السلامة من الشلل، فلا يقطع العضو الصحيح بالأشلّ- وإن بذله الجاني- كما صرّح به جماعة من الفقهاء،
بل ادّعي
الإجماع عليه،
وأنّ الحكم مفروغٌ عنه.
ودليله إطلاق رواية
سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام، في رجل قطع يد رجل شلّاء، قال: «عليه ثلث
الدية ».
وفي إلحاق المجذوم بالشلّاء إشكالٌ.
قال
العلّامة الحلّي في
الإرشاد :«ويشترط امور ثلاثة، الأوّل: تساويهما في السلامة، فلا يقطع الصحيح بالأشلّ وإن بذله الجاني... والمجذوم إذا لم يسقط منه شيء يساوي المقابل».
ولكنّه قال في
القواعد : «ولا يقطع العضو الصحيح بالمجذوم وإن لم يسقط منه شيء، ويقطع المجذوم بالصحيح».
وأمّا البَرَص فظاهرهم أنّه بحكم الصحيح بلا إشكال؛ للفرق الواضح بينه وبين الجذام، ولذا لم يلحقه أحدٌ منهم بالشلل، بل صريح جماعة أنّها صحيحة في هذا المقام.
قال العلّامة الحلّي- بعد ما مرّ من كلامه في القواعد-: «ولا يشترط تساوي خلقة اليد ومنافعها، فيقطع يد الباطش القويّ بيد الطفل الصغير والشيخ الفاني والمريض المشرف، والكسوب بغيره، والصحيحة بالبرصاء».
وظاهر بعض الفقهاء موافقته.
وقال
الشهيد الثاني : «من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة، لا مطلقاً؛ لأنّ اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء».
بل صريح بعض
المعاصرين الإشكال في أصل الشرط للإشكال في
الرواية سنداً ودلالة، فيقطع عنده الصحيحة حتى بالشلّاء فضلًا عن البرصاء ونحوه.
والحاصل: أنّ البرص في العضو لا يُخرجه عن السلامة المشروطة عند المشهور في قصاص الأطراف.
ذكروا من موجبات عتق العبيد العمى
والإقعاد والجذام وغيرها، وألحقَ
ابن حمزة البرصَ بالجذام.
ولا دليل له، ولذا أنكر عليه الشهيد الثاني بأنّا في عويل من إثبات حكم الجذام، فكيف بالبرص
؟
ذكر بعض الفقهاء أنّ كلّ تعريض بما يكرهه المواجَه ولم يوضع
للقذف لغة ولا عرفاً يثبت به
التعزير ، وكذا كلّ ما يوجب أذىً، كقوله: يا أجذَم، أو يا أبرص؛
وذلك لحرمة أذى
المسلم غير المستحقّ
للاستخفاف ،
حتى إذا كان العيب فيه، كما صرّح به العلّامة الحلّي.
وعلّله
المحقّق النجفي بأنّ ذلك أشدّ عليه حينئذٍ.
والحكم غير مختصّ بالبرص كما لا يخفى.
هناك أخبار كثيرة مرشدة إلى الامور التي تورث البرص، وهي كالناهية عن هذه الامور، ولذا أفتى الفقهاء
بكراهتها ، من قبيل:
۱-
الطهارة بالماء المسخّن بالشمس.
۲-دلك أسفل القدمين والبدن بالخزف.
۳-الأكل على
الشبع .
۴-التنوّر يوم الأربعاء.
۵-
الاحتجام يوم الأربعاء.
۶-غشيان الحائض، فقد يخرج الولد معه أبرص.
وهناك أيضاً عدد كبير من الأخبار ترشد إلى الامور التي تذهب بالبرص أو تقي منه، وهي كالآمرة بها؛ ولذا أفتى الفقهاء باستحبابها، من قبيل:
الاختضاب بعد النورة،
وقراءة سورة
النحل ،
وغسل الرأس بالخطمي في كلّ جمعة،
وتقليم
الأظفار يوم الجمعة،
وقضاء حاجة المؤمن،
وابتداء الطعام واختتامه بالملح.
ونذكر هنا بعض هذه الروايات:
فمنها: خبر
الحسين بن موسى ، عن أبيه، عن
موسى بن جعفر عليه السلام- في حديث- عن أبيه، عن جدّه عليهما السلام، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من دخل الحمام فأطلى، ثمّ أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه كان أماناً له من
الجنون والجذام والبرص والأكلة إلى مثله من النورة».
ومنها: خبر
محمّد بن مسلم ، عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعاً من أنواع البلايا، أهونها: الجنون والجذام والبرص...».
ومنها: خبر
هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «تقليم الأظافر يوم الجمعة يؤمن من الجذام والجنون والبرص والعمى، فإن لم تحتج فحكّها حكّاً».
ومنها: خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: افتتح طعامك بالملح واختم به، فإنّ من افتتح طعامه بالملح وختم به عوفي من اثنين وسبعين نوعاً من أنواع البلاء، منه: الجنون والجذام والبرص».
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۲۵۸-۲۶۵.