الإقعاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الإجلاس أو القعود وهوالذي يصاب به المريض بسبب داءٍ ما.
يستعمل الإقعاد في عدّة معانٍ، والمعروف منها اثنان:
وهو داء يقعد مَن يصاب به.
ويقال له: القُعاد، كما يقال لصاحبه: مُقعد.
ويطلق- أحياناً- على الزمن الذي لا حراك له أنّه
معضوب .
بمعنى الإجلاس، يقال:أقعده، أي أجلسه.
وليس
للفقهاء هنا اصطلاح خاصّ، بل يطلقون الإقعاد بنفس المعنيين اللّغويين المتقدّمين، فيقولون- مثلًا-: يُكره إقعاد
الميّت ، أي إجلاسه، أو يُشترط في
إمام الجماعة انتفاء الإقعاد- أي انتفاء ذاك الداء المؤدّي للإقعاد- إن كان
المأموم سليماً.
وهو من الجلوس، بمعنى القعود. وقد ذكر بعض اللغويين فرقاً بينهما وهو: أنّ الجلوس عبارة عن الانتقال من الأسفل إلى علو، فيما القعود انتقال من العلو إلى الأسفل.
يختلف الإقعاد بكلا معنييه وما يترتّب عليه من
أحكام بحسب موارده المختلفة وذلك كما يلي:
:
صرّح جماعة من
الفقهاء بعدم صحّة إمامة القاعد للقائم،
وقد نسب ذلك إلى المشهور،
بل ادّعي عليه إجماع علمائنا،
وعليه فإذا لم تصحّ إمامة القاعد للقائم فبالأولى أن لا تصحّ إمامة المقعد.
وقد ذكر
العلّامة الحلّي في شرائط الجماعة: «اتّصاف الإمام
بالبلوغ ... وانتفاء الإقعاد إن كان المأموم سليماً».
كما وذكر جماعة من الفقهاء عدم جواز إمامة
المفلوج للأصحّاء.
نعم، صرّح
ابن حمزة بكراهة إمامة القاعد إلّالمثله وكذا المفلوج،
وكذلك الشيخ
الحرّ العاملي ، حيث عقد باباً تحت عنوان «باب كراهة إمامة الجالس القيّام وجواز العكس».
واعترض
المحقّق البحراني عليه، فقال: «ومن غفلات صاحب
الوسائل أنّه تفرّد بالقول بالكراهة... مع إجماع الأصحاب- كما عرفت- على التحريم».
واستدلّ على التحريم برواية
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحّاء».
وما رواه
الصدوق مرسلًا، قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: «إنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بأصحابه جالساً، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّن أحدكم بعدي جالساً».
وقال
المحقّق النجفي - بعد الاستدلال على التحريم بإمكان دعوى تبادر غير القاعد من الإطلاقات، وبإمكان استفادة اعتبار عدم النقصان من استقراء الأدلّة-: «وكذا الكلام في جميع المراتب، لا يؤمّ الناقص الكامل، فلا يجوز اقتداء الجالس
بالمضطجع حينئذٍ، وهكذا».
ذكر
الفقهاء من جملة الأعذار الموجبة لسقوط صلاة الجمعة عن المكلّف الإقعاد.
قال
العلّامة الحلّي : «الأعرج والشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهما عند علمائنا أجمع إن بلغ العرج الإقعاد؛ للمشقّة».
وصرّح بعضهم بأنّ من شروطها ارتفاع
العرج البالغ حدّ الإقعاد،
ولكن أطلق جماعة القول بمانعية العرج عن الوجوب.
قال
المحقّق الحلّي : «ويراعى فيه (فيمن يجب عليه) شروط سبعة»،
وذكر منها: السلامة من
العمى والمرض والعرج، ولم يقيّده بما قيّده بعضهم من
البلوغ إلى حدّ الإقعاد، فكأنّ العرج البالغ حدّ الإقعاد لا كلام في كونه مانعاً عن الوجوب، وأنّه مفروغ عنه في كلامهم، وإنّما الخلاف في العرج غير البالغ هذا الحدّ.
وقال
المحقّق النجفي : «خلاصة الكلام فيما لا إطلاق نصّ فيه أنّه إن حصل ما يصلح لسقوط التكليف من ضرر أو مشقّة لا تتحمّل، ونحوها ممّا يندرج به تحت
العسر والحرج، أو أهمّية واجب آخر مع التعارض ونحوها، توجّه السقوط، وإلّا فلا»،
فكأنّ الدليل على ذلك عنده هو نفي العسر والحرج.
يسقط فرض
الجهاد لعدّة أعذار، منها:
الإقعاد؛
نظراً إلى أنّ من شرائط وجوبه
الاستطاعة له بالصحّة والقدرة على الركوب
والعدو وغير ذلك.
ولعلّهم يطبقون ذلك بحسب طبيعة
الحرب في زمانهم وإلّا فالإقعاد يمكن أن يجتمع في مثل عصرنا بسبب تطوّر الصناعات الحربية مع
الجهاد ببعض أنواعه.
ذكر
الفقهاء أنّه لا يجوز قتل الشيخ الفاني عند محاربة
الكفّار إذا لم يكن يقاتل
المسلمين ، ولم يكن له رأي بحيث يرجع إليه الكفّار.
وقد ألحق به بعضهم المقعد فأجرى عليه حكم الشيخ في جواز القتل مع الرأي والقتال أو أحدهما، وعدم جوازه مع فقدهما.
قال
المحقّق النجفي : «ويلحق به (الشيخ الفاني) المقعد والأعمى... لكن ينبغي تقييد ذلك أيضاً بما إذا لم يكونا ذا رأي في الحرب، ولم يقاتلا، ولم تدع الضرورة إلى قتلهما، كما إذا تترّسوا بهما ونحو ذلك».
واستدلّ عليه بخبر
حفص بن غياث ، حيث جاء فيه: أنّه سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
النساء ، كيف سقطت
الجزية عنهنّ ورفعت عنهنّ؟ قال: فقال: «لأنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء
والولدان في
دار الحرب ، إلّاأن يقاتلن- إلى أن قال-:
وكذلك المقعد من
أهل الذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية».
يشترط في وجوب
الحجّ التمكّن من المسير، فلو كان مريضاً بحيث يتضرّر بالركوب الذي يتوقّف عليه الحجّ ولو بالمشقّة التي لا تتحمّل، أو صحيحاً يتضرّر به كذلك لكبر أو زيادة ضعف أو نحو ذلك لا يجب عليه الحجّ؛
نظراً إلى أنّ التكليف مع هذه العوارض ضرر وحرج وعسر، والكلّ منفي،
لكن مجرّد المرض لا يسقط معه الوجوب مع إمكان الركوب والسير إلى الحجّ.
وعلى هذا فالإقعاد إن كان مانعاً من الركوب والسير سقط الحجّ معه،
وأمّا إذا أمكنه السير ولو بواسطة آلة يمكن تحصيلها وجب عليه الحجّ، ولا يسقط عنه.
قال
المحقّق الحلّي في جملة شرائط وجوب الحجّ: «الخامس: إمكان المسير، وهو يشتمل على الصحّة، وتخلية
السَّرب ،
والاستمساك على الراحلة، وسعة الوقت لقطع المسافة، فلو كان مريضاً بحيث يتضرّر بالركوب لم يجب، ولا يسقط باعتبار المرض مع إمكان الركوب».
وهل يجب
الاستنابة مع المانع من مرض أو عدوّ؟ فيه خلاف يأتي في محلّه.
تعرّض كثير من
الفقهاء إلى أنّ الإقعاد في المرأة عيب يوجب تسلّط
الزوج على فسخ
النكاح إذا لم يكن عالماً به.
قال
المحقّق الحلّي : «عيوب المرأة سبعة:
الجنون والجذام والبرص والقَرَن والإفضاء والعمى والإقعاد».
يجب
الإنفاق على
الأبوين والأولاد مع فقرهم والعجز عن الاكتساب اللائق بحالهم، وقد ادّعي عدم الخلاف
فيه، بل الإجماع على ذلك.
فالمعتبر في وجوب الإنفاق عليهم إنّما هو
الفقر والعجز عن الاكتساب، وأمّا الإقعاد أو غيره من سائر الأمراض والعيوب فلا تعتبر في ذلك أصلًا.
قال
المحقّق الحلّي : «ولا عبرة بنقصان الخلقة ولا بنقصان الحكم مع الفقر والعجز».
وقد فسّر بعضهم نقصان الخلقة بالنقصان بالعمى أو الإقعاد
أو غيرهما؛ تمسّكاً بإطلاق الأدلّة، فتجب حينئذٍ
نفقة الصحيح الكامل في الأحكام إذا كان فقيراً غير مكتسب، كما أنّها لا تجب للأعمى ولا للمقعد وغير الكامل مع الغنى بالمال أو بالتكسّب؛
لأنّ الملاك في وجوب الإنفاق هو الفقر.
قد تعرض على المملوك بعض العوارض فتوجب
انعتاقه قهراً على
مولاه ، وقد ذكر
الفقهاء من جملة تلك العوارض الإقعاد، فإذا ابتلي المملوك بذلك انعتق قهراً على مولاه،
وقد ادّعي عليه الإجماع.
قال
ابن إدريس : «
والمملوك إذا عمي من قبل اللَّه تعالى أو جذم أو اقعد بزَمانة مِن قِبل اللَّه تعالى انعتق بغير اختيار مالكه».
لكن قال
الشهيد الثاني : «وأمّا الإقعاد فلم نقف له على
شاهد ، والمصنّف في
النافع نسبه إلى الأصحاب مؤذناً بعدم وقوفه على دليله، ولكن لا يظهر فيه مخالف حتّى
ابن إدريس وافق عليه بشبهة أنّه إجماع.
وفي الحقيقة الحكمة في انعتاق المملوك بهذه العوارض غير واضحة؛ لأنّ عجزه عن
الاكتساب يناسبه
استصحاب الرقّ لتجب نفقته على
المولى ، فليقتصر منه على محلّ الوفاق أو النصّ الصالح لإثبات الحكم».
وينتج عن انعتاقه بالإقعاد أمران:
ذكر
الفقهاء أنّه يشترط في
عتق الرقبة في
الكفّارة السلامة من عيب يوجب انعتاقه على مولاه، وعدّوا من جملة العيوب الإقعاد، فلا يجزي عتق المقعد،
وقد نفي عنه الخلاف.
قال
الشهيد الثاني : «العيوب الكائنة بالمملوك إن كانت موجبة لعتقه- كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل من مولاه- فلا اشتباه في عدم إجزائه في الكفّارة».
وقد استدلّ له بخبر
أبي البختري عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد...».
وبخبر
غياث بن إبراهيم عن [[|جعفر بن محمد]] عن أبيه عليهما السلام، قال: «لا يجزي الأعمى في الرقبة... ولا يجوز المقعد».
ذكر الفقهاء أنّه بعد الانعتاق بالإقعاد لا ولاء لأحد عليه؛
نظراً إلى عدم إعتاق المولى له،
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الولاء لمن أعتق».
ذكر بعض
الفقهاء أنّه إذا كان للمالك عبد مرهون لزمه
فطرته ؛ لعموم الأخبار، وإن كان مقعداً- وهو
المعضوب - لا يلزمه فطرته؛ لأنّه ينعتق عليه وليس بملك له.
ثمّة موارد فقهية تتحدّث عن أحكام الإقعاد بالمعنى الثاني، وهو
الإجلاس ، وهي ما يلي:
يكره إقعاد
الميّت حال تغسيله،
بل ادّعي عليه الإجماع.
قال
الشيخ الطوسي : «لا يُجلس
الميّت في حال غسله، وهو مكروه».
وقال
المحقّق النجفي : «ويكره أيضاً أن يقعده، وفاقاً للمحكي عن
المعظم ».
لكن ذهب
ابن زهرة الحلبي إلى حرمة إقعاده، حيث قال: «لا يجوز أن يقعد».
وتبعه في ذلك يحيى بن سعيد.
ولعلّه للنهي الوارد في خبر
الكاهلي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «وإيّاك أن تقعده أو تغمز بطنه»،
.
ونوقش فيه بوجوب حمله على
الكراهة ؛ للأصل والإجماع المنجبر بالشهرة.
وبناءً على مجمل ما تقدّم يظهر أنّ ما في صحيح
الفضل عن
الإمام الصادق عليه السلام حيث سأله عن
الميّت ، فقال: «أقعده، واغمز بطنه غمزاً رفيقاً»
محمول على
التقيّة ، أو على أصل الجواز، أو لكونه في مقام توهّم الحظر؛ للنهي عنه في غيره.
بما أنّ
الصبيّ غير
مكلّف بتكليف فلا يتوجّه إليه
الحكم بحرمة استقبال
القبلة واستدبارها عند
التخلّي ، لهذا تركّز حديث
الفقهاء هنا على أوليائه من حيث الحكم بحرمة إقعادهم له عند
التخلّي مستقبلًا أو مستدبراً أو لا.
قال
المحقّق النجفي : «الظاهر أنّه لا يجب على الأولياء تجنيب
الأطفال المميّزين أو غير (ال) مميّزين؛ للأصل والسيرة»، ثمّ قال: «وربما احتمل الوجوب؛ للتعظيم كما في كلّ ما كان منشأ الحكم فيه ذلك، كحرمة المسّ ونحوها، وهو ضعيف».
وقال
السيّد اليزدي : «
الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلًا أو مستدبراً».
وذكر بعض الفقهاء في مبرّر هذا الاحتياط أنّه يصدق عليه أنّه استقبال بالغير، فكأنّ
البالغ يستقبل القبلة بغيره، وهو
الصبي ، فيحتمل شمول أدلّة الحرمة له حينئذٍ باعتبار صدق عنوان استقبال القبلة عليه ولو بالغير.
لكن نوقش فيه بأنّ الظاهر من الروايات الناهية عن استقبال القبلة واستدبارها أثناء التخلّي هو الاستقبال ببدنه نفسه لا غير.
بل قد يشكك في صدق عنوان استقباله
القبلة ولو بالغير في حالة الصبي، فإنّ
العرف لا يقول: استقبل فلان القبلة بغيره.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ۱۷۳-۱۸۱.