الاختضاب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاختضاب (توضيح).
الاختضاب- وزان
افتعال -
مصدر اختضب، مشتقٌّ من
الخضْب بمعنى
التلوين ، يقال: خضب
الشيء يخضبه خضباً وخضّبه غيّر لونه بحمرة أو صُفرة أو غيرهما، واستعمل
الفقهاء لفظ (اختضاب) بما له من معنى عند
أهل اللغة . لكن أغلب
استعمالاتهم تختصُّ
بالحنّاء ، بل هو
المراد لهم عند
الإطلاق .
الاختضاب- وزان افتعال- مصدر اختضب، مشتقٌّ من الخضْب بمعنى التلوين، يقال: خضب الشيء يخضبه خضباً وخضّبه غيّر لونه
بحمرة أو صُفرة أو غيرهما.
وخضب
الرجل شيبه يخضبه، وكلّ شيء غيّر لونه فهو
مخضوب و
خضيب .
وخضب
الشجر يخضِب خُضوباً، وخُضِب واخضوضب: اخضرّ.
وخضَب
النخل خضباً اخضرّ طلعُه، و
اسم تلك الخُضرة الخضب.
و
الخضوب :
النبت الذي يصيبه
المطر فيخضِب ما يخرج من
البطن ،
بل كلّ خارج عن المطر فهو خضوب.
وفي
الحديث : «بكى حتّى خضب دمعه
الحصى »،
قال
ابن الأثير : «أي بلّها من طريق
الاستعارة ». وقال: «و
الأشبه أن يكون أراد
المبالغة في البكاء حتّى احمرّ دمعه فخضب الحصى».
والمِخضَب- بالكسر-: شبه إجانة يُغسل فيها الثياب،
والمخضَب:
المركن .
فالخضب عند
أهل اللغة هو التلوين والبلّ.
لكنّ
الظاهر أنّ مرادهم من التلوين هو فعل ما يحصل به التلوّن بطلي ما يراد تلوينه بالمادة الموجبة للّون كالحنّاء أو
غمسه فيها كالدّم، فيكون قريباً من معنى
الطلي و
اللطخ والبلّ. كما أنّ ما يخضب به- وهو
الخضاب - لا يطلق على كلّ مادّة يطلى بها، بل لا بدّ أن تكون بحيث تكون ملوِّنة، ولا كلّ مادّة ملوّنة، بل لا بدّ أن لا تكون جافّة؛ إذ الجافّ لا يختضب به، ولا رقيقة لتضمّن الاختضاب معنى
العلوق فمثل ماء
العنب قد لا يعدّ خاضباً؛ لأنّه رقيق
القوام ، ولعلّه لذلك قال
السيد الشهيد الصدر رضى
الله عنه في بيان معنى الخضاب: «الخضاب بمعنى
إعطاء اللون الخاصّ
المساوق للكثافة».
لكن قد يجعل عدم صدق الخضب على ماء العنب لا باعتبار رقّته بل باعتبار عدم تلوينه
الإناء إذا لم يكن ثخيناً. بل يحتمل أن يعتبر في صدق الخضاب والاختضاب أن يكون اللون الذي تتركه المادّة على الشيء لوناً خاصّاً كالحمرة و
الصفرة والخُضرة؛ ولذلك كلّه ذكر اللغويّون أنّ الخضاب اسم ما يُخضب به من حنّاء و
كتم و
وسمة ونحوها،
وأنّ الخضيب هو ما غيّر لونه بحمرة أو صفرة أو غيرهما.
وقد حاول بعض أهل اللغة اختصاص الاختضاب والخضاب بما إذا كانت مادّة الخضاب الحنّاء، فأمّا إن كان
المستعمل غيرها فلا يقال: اختضب، بل يقال: صبغ.
وكيف كان فالاختضاب هو
التلطّخ و
الابتلال بالخضاب.
استعمل الفقهاء لفظ (اختضاب) بما له من معنى عند أهل اللغة. لكن أغلب استعمالاتهم تختصُّ بالحنّاء، بل هو المراد لهم عند
الإطلاق .
نعم، استعملوا الخضاب في
العصير العنبي بعد
اشتداده وجعلوه- تبعاً للروايات- من علائم حلّيته. وهو ما يأتي بحثه في (عصير عنبي).
وهو
اكتساء الشيء لوناً غير اللون الذي كان له،
والفرق بينهما وبين الاختضاب ما تقدّم من أنّ الاختضاب هو التلطُّخ بما يحصل به التلوّن لا أنّه نفس
التلوّن ، مضافاً إلى ما ذكر من اختصاص إطلاق الاختضاب بموادّ خاصّة تترك ألواناً خاصّة.
له معانٍ منها: التلوين والغمس و
التغيير وغيرها،
وقد يجمع بين هذه المعاني القول بأنّ الصبغ هو طلي الشيء بما يحسُن ويستملَح. والفرق بينه وبين الاختضاب يظهر في عدم
اشتراط ثخانة القوام ولا بمادّة خاصّة، بل ولا بما يوجب اللون، فيعمّ
الصبغ لمثل الدهن حيث يقال: صبغ
اللقمة يصبغها صبغاً: دهنها وغمسها.
وهو خضاب
الأصابع ، و
الأطراف : الأصابع، يقال: طرّفت
الجارية بنانها إذا خضبت أطراف أصابعها بالحنّاء.
فالتطريف أخصّ من الاختضاب؛ لشمول الاختضاب لخضب الأصابع وغيرها.
العلامة الفارقة في
السطح الصافي، ومنه وشم
المرأة جسدها بغرزه
بالإبرة ، ثمّ ذرّ دخان
الشحم ونحوه عليه ليدخل تحت
الجلد فيتلوّن ويبقى أثره.
ومنه أيضاً نقش اليد بالحنّاء، يقال: فلانة موشومة اليد، أي منقوشتها بالحناء.
فبين
الوشم والاختضاب عموم وخصوص من وجه؛ إذ يشتركان في استعمال الحنّاء، ويختلفان في أنّ الوشم يطلق على النقش الحاصل من الاختضاب لا أنّه نفسه، وفي أنّ الوشم قد يكون بغير الحنّاء بل يطلق على كلّ علامة فارقة حتّى
ظهور النبات في الأرض ولمعان
البرق في السماء، بخلاف الاختضاب. وفي أنّ الاختضاب لا يختصّ بالسطح الصافي بل يعمّ شعر الرأس ومواضع البدن غير الصافية.
تخطيط الشيء وتلوينه
بغرض
تحسينه ونفي المعايب عنه. ويفترق عن الاختضاب بأنّه قد يكون النقش بغير الحنّاء، وبأنّه يطلق على ما يحصل من الاختضاب لا على نفس الاختضاب، وفي أنّ الاختضاب يعمّ ما كان على شكل خطوط وأشكال، وما لم يكن كذلك كخضب شعر
الرأس بالحنّاء. ويشتركان في استعمال الحنّاء.
الوسم:
التأثير ، يقال: وسمت الشيء وسماً إذا أثّرت فيه. و
التوسُّم : الاختضاب بالوسمة وهي نبت يختضب بورقه.
والتوسُّم أخصّ من الاختضاب؛ لشمول الاختضاب لما خضب بالحنّاء والكتم والوسمة وغيرها.
هو مسح شيء بشيء بحيث يلتصق به. وهو أعمّ من الاختضاب؛ لعدم اختصاصه بنوع معيَّن من الموادّ.
هو
التلطيخ ، يقال: طلى الشيء بالهناء و
القطران و
الدهن وغيرها إذا لطخه به.
وفرقه عن الاختضاب ما تقدّم في التلطّخ.
تعرّض الفقهاء- تبعاً للروايات- لأنواع عديدة من الخضاب بعضها يرتبط بمادّة الخضاب والبعض الآخر باللون الذي تخلّفه. وممّا تعرّضوا له:
والخضاب بها هو
المقصود بالخضاب عند إطلاقه، وقد وردت روايات عديدة تدلّ على استحباب الاختضاب بها. ففي صحيح
معاوية بن عمّار قال: رأيت
أبا جعفر عليه السلام يختضب بالحنّاء خضاباً قانياً» . ونحوه صحيحه الآخر.
وعن
أحمد بن عبدوس بن إبراهيم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام وقد خرج من
الحمّام وهو من قرنه إلى قدمه مثل
الوردة من
أثر الحنّاء.
ومثله المروي عن أبيه.
والاختضاب به مستحبّ أيضاً؛ للصحيح عن
الحلبي ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن خضاب الشعر فقال: «قد خضب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم و
الحسين بن عليّ وأبو جعفر عليهم السلام بالكتم».
وقد وردت في استحباب الاختضاب بها عدّة روايات:
منها: ما عن
أبي بكر الحضرمي قال: كنت مع
أبي علقمة و
الحارث بن المغيرة و
أبي حسّان عند أبي عبد اللَّه عليه السلام و
علقمة مختضب بالحنّاء، والحارث مختضب بالوسمة، وأبو حسّان لا يختضب، فقال كلُّ رجل منهم: ما ترى في هذا رحمك اللَّه؟ وأشار إلى لحيته، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما أحسنه»، قالوا: أ كان أبو جعفر عليه السلام مختضباً بالوسمة؟ قال: «نعم، ذلك حين تزوّج الثقفيّة أخذنه جواريها فخضّبنه».
ومنها: ما عن
عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الوسمة؟ فقال: «لا بأس بها للشيخ الكبير».
ومنها: ما عن
محمّد بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يمضغ علكاً، فقال: «يا محمّد نقضت الوسمة أضراسي فمضغت هذه العلك لأشدّها».
قال
الحرّ العاملي : «هذا يدلّ على
ملازمته لها للوسمة فيفيد الاستحباب وليس بصريح في الذمّ».
وعن
يعقوب بن سالم قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «قتل
الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة».
وهو مستحبّ أيضاً؛ لورود عدّة روايات تدلّ على استحبابه، منها: ما روي عن
أبي شيبة الأسدي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن خضاب الشعر، فقال: «خضب الحسين وأبو جعفر عليهما السلام بالحناء والكتم».
ونحوه ما رواه
مسعدة بن زياد عن
جعفر بن محمّد عليه السلام .
كما روى
عبيد اللَّه بن الحرّ أنّه سأل
الحسين بن علي عليه السلام عن خضابه، فقال: «أما أنّه ليس كما ترون، إنّما هو حنّاء وكتم».
ورد في بعض كلمات الفقهاء استحباب الاختضاب
بالسواد والحمرة والصفرة،
وقد دلّت على ذلك بعض الروايات، منها: ما رواه
المثنّى اليماني قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : «أحبّ خضابكم إلى اللَّه الحالك».
وستأتي روايات اخرى تدلّ على ذلك. ويستفاد من بعض الروايات جواز الخضاب بأقسامه، فعن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بالخضاب كلّه».
•
الاختضاب (حكمه التكليفي) ، الاختضاب مستحبّ عند علمائنا
أجمع ؛ لدلالة الروايات الكثيرة و
السيرة القطعيّة المستمرّة إلى زماننا عليه.
يستحبّ الاختضاب للمرأة والرجل على السواء، ويتأكّد في
المرأة وإن كانت مسنّة.
قال
الشهيد الأوّل : «يتأكّد الخضاب للنساء وإن طعنّ في السن».
وقال
المحقّق الثاني : «يستحبّ مؤكّداً الخضاب، ويتأكّد للنساء».
ذكر الفقهاء لاستحباب الخضاب مراتب بعضها آكد وأشدّ استحباباً من البعض الآخر، فمن ذلك:
ما ذكروه من أنّ أدنى ما يستحبّ من الخضاب الاختضاب بالصفرة ثمّ بالحمرة ثمّ بالسواد.
قال
المحقّق الجزائري : «وليكن بالسواد؛ فإنّه آنس للنساء ومهابة للعدوّ و
إيمان و
إسلام و
نور ، وأدنى منه الخضاب بالحمرة؛ فإنّه إسلام وإيمان، ثمّ بالصفرة؛ فإنّه إسلام».
وقال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء في
آداب الحمّام: «ثانيها: خضاب اللحية خصوصاً للنساء وللقاء الأعداء، وأدناه الصفرة وأوسطه الحمرة وأفضله السواد».
وبهذا المعنى وردت بعض الروايات، منها: ما رواه
مسكين بن أبي الحكم عن رجل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إلى
الشيب في لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نور، ثمّ قال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً
يوم القيامة ، قال: فخضب الرجل بالحنّاء، ثمّ جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا رأى الخضاب قال: نور وإسلام، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نور وإسلام وإيمان و
محبّة إلى نسائكم و
رهبة في قلوب عدوّكم».
وبمضمونها روايات اخرى.
وما ذكروه أيضاً من
رجحان الكتم أو هو مع الحنّاء على غيره من موادّ الخضاب.
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء:«الظاهر أنّ الكتم وحده أو مع الحنّاء له مزيد رجحان».
وما ذكروه كذلك في تأكّد الاستحباب لبعض الأغراض كتزيّن الرجل للنساء و
لقاء الأعداء، وقد تقدّم قول الشيخ جعفر كاشف الغطاء تأكّد استحباب الاختضاب لأجل
النساء .
وقد وردت بذلك عدّة روايات تقدّم بعضها، وفي رواية
العباس بن موسى الورّاق عن أبي الحسن عليه السلام قال: دخل قوم على أبي جعفر عليه السلام فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه فقال: «إنّي رجل احبّ النساء فأنا أتصنّع لهنّ».
النساء، حيث صرّح كثير من الفقهاء بتأكّد الاختضاب لهنّ، وقد تقدّمت بعض عباراتهم في ذلك.
قال الشهيد الأوّل: «... ويتأكّد الخضاب للنساء».
يستحبّ الاختضاب في مواضع من البدن:
فيستحبّ خضابهما للمرأة بلا خلاف في ذلك، قال
ابن سعيد : «ولا تُخلِ المرأة كفّها من الخضاب».
وقال الشهيد الأوّل: «ولا تُخْلِ كفّيها منه».
وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «واستحبابه للمرأة في الكفّين لا كلام فيه»،
بل صرّح بعض الفقهاء باستحبابه في الرجلين أيضاً، قال
المحقّق النراقي بعد ذكر رواية الحكم تأتي عن قريب: «وإطلاقه يقتضي استحباب الحنّاء في اليدين والرجلين أيضاً».
فيستحبّ خضابهما للرجال، قال ابن سعيد: «ولا بأس بخضاب اللحية بالسواد، وقد قتل
السبط عليه السلام وهو مخضوب بالوسمة».
وقال الشهيد الأوّل: «ويجوز خضب الشيب بالسواد في الرأس واللحية».
وقال المحقّق النراقي: «يستحبّ خضاب اللحية بالحنّاء وبالسواد، واستفاضت بهما الروايات».
وقد تقدّم قول الشيخ جعفر كاشف الغطاء في خضب اللحية أيضاً.
هذا، والظاهر أنّ خضابهما إنّما يكون بعد
انتشار الشيب وأمّا قبله فلا، وهو ما صرّح به بعض الفقهاء في بعض عباراتهم المتقدّمة كما صرّح به
السيد الجزائري أيضاً حيث قال: «ويستحبّ للشائب الخضاب إلّا لأهل
المصيبة ».
ومعه يحتمل حمل
الأمر الوارد في الروايات على
الإرشاد إلى ذلك لا المطلوبيّة الشرعيّة المولويّة.
واختضابها بالحنّاء مستحبّ أيضاً، قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في ذكر آداب الحمّام: «ثالثاً: خضاب
الأظفار بالحنّاء».
وبهذا المضمون صرّحت الروايات، فمن ذلك ما رواه
الحكم بن عتيبة قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام وقد أخذ الحنّاء وجعله على أظافيره فقال: «يا حكم ما تقول في هذا؟» فقلت: ما عسيت أن أقول فيه وأنت تفعله وإنّ عندنا يفعله الشبّان، فقال: «يا حكم إنّ الأظافير إذا أصابتها
النورة غيّرتها حتّى تشبه أظافير الموتى فغيّرها بالحنّاء».
ذكر الفقهاء في آداب الحمّام طلي مواضع النورة بالحنّاء.
قال السيد الجزائري: «ويختضب بعده استعمال النورة بالحنّاء؛ فإنّه
أمان من
الجذام و
البرص و
الأكلة إلى طلية غيرها كما في الحديث النبويّ، ولا سيّما الأظفار؛ فإنّها إذا أصابت النورة اشبهت أظافير الموتى فأمر بتغييرها بالحنّاء».
وقال المحقّق النراقي: «ويستحبّ بعد النورة الطلي بالحنّاء... وكذا يستحبّ أخذ الحنّاء بالأظافير بعدها».
وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في ذكر آداب الحمّام: «ومنها: طلي موضع النورة بالحنّاء».
وبهذا المعنى وردت روايات يأتي بعضها. لكن مقتضى القواعد في مثل هذه الموارد حمل الأمر بالاختضاب فيها على الإرشاد إلى ما ترتفع به آثار النورة وأضرارها عن البدن، لا مرغوبيّة ذلك للشارع في نفسه.
وردت باستحبابه بعض الروايات، منها: ما تقدّم من روايتي عبدوس بن إبراهيم و
ابنه ، لكنّا لم نعثر على من أفتى باستحبابه من الفقهاء سوى صاحب
الحدائق في عبارته المتقدّمة، بل من الفقهاء من أفتى بعدمه أيضاً.
قال السيد الجزائري: «وأمّا
الاستغراق بالاختضاب كما هو ظاهر العبارة، فلم أظفر بما يدلّ عليه إلّا ما ورد من أنّ أبا جعفر عليه السلام خرج من الحمّام، وهو من قرنه إلى قدمه مثل الوردة من
أثر الحنّاء، وفي دلالتها نظر».
تعرّضت العديد من الروايات لغايات الاختضاب وفوائده، نذكرها فيما يلي:
صرّحت كثير من الروايات بأنّ الاختضاب يمنع من
الإصابة ببعض الأمراض، منها:
الجنون والجذام والبرص والاكلة وغيرها. فمن ذلك ما رواه
الحسين بن موسى عن
أبيه موسى بن جعفر عليه السلام - في حديث- عن أبيه، عن جدّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من دخل الحمّام فاطلى، ثمّ اتبعه بالحنّاء من قرنه إلى قدمه كان أماناً له من الجنون والجذام والبرص والاكلة إلى مثله من النورة».
ونحوها أو بمضمونها روايات اخرى،
وردت به بعض الروايات، منها: رواية عبدوس بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من أطلى في الحمّام فتدلك بالحنّاء من قرنه إلى قدمه نفي عنه
الفقر ».
ومثله ما رواه
أحمد بن أبي عبد اللَّه مرسلًا .
وقد وردت بذلك بعض الروايات، فعن عبدوس بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الحنّاء يذهب بالسهك، ويزيد في ماء الوجه، ويطيّب
النكهة ، ويحسّن الولد»،
و
السهك :
رائحة البدن الكريهة.
وهذه الفوائد وردت في روايات اخرى، فعن
حريز عن مولى لعلي بن الحسين عليه السلام قال: سمعت
علي بن الحسين عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: اخضبوا بالحنّاء؛ فإنّه يجلو
البصر ، وينبت الشعر، ويطيِّب الريح، ويسكن
الزوجة ».
وهو
الإغماء، وهذه الفوائد وردت في بعض الروايات أيضاً، فعن
عبد اللَّه بن مهران رفعه قال:قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ فيه أربع عشرة خصلة: يطرد
الريح من الاذنين، ويجلو
الغشا عن البصر، ويليّن
الخياشيم ، ويطيّب النكهة، ويشدّ
اللثة ، ويذهب بالغشيان ويقلّ
وسوسة الشيطان ، وتفرح به الملائكة، ويستبشر به
المؤمن ، ويغيظ به
الكافر ، وهو زينة، وهو
طيب ، وبراءة في قبره، ويستحيي منه
منكر ونكير ».
واستظهر الحرّ العاملي:
الغثيان بدل الغشيان .
وفي رواية اخرى: «
الصنان » بدل الغشيان،
وهو ريح البدن و
الإبط الكريهة،
وقد تقدّمت
الإشارة إليها، وفي ثالثة: «الضنى» بدل الصنان والغشيان،
وهو المرض و
هزال الجسم.
وقد تقدّمت الإشارة إلى منع الحنّاء من بعض الأمراض أيضاً، وأمّا منعها من مطلق المرض فهو فائدة اخرى لكن
احتمال كونه مراداً بعيد.
فإنّه من فوائد الاختضاب وهو مؤثّر في بعث المحبّة و
الأنس بين الزوجين، وبهذه وردت عدّة روايات تقدّم بعضها، وهناك بعض آخر، منها: ما عن
إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «في الخضاب ثلاث خصال: مهيبة في
الحرب ، ومحبّة إلى النساء، ويزيد في
الباه ».
والباه:
النكاح ، وقيل: الحظّ منه.
وعن
الحسن بن الجهم قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام وقد اختضب بالسواد، فقلت: أراك اختضبت بالسواد، فقال: «إنّ في الخضاب أجراً، والخضاب و
التهيئة ممّا يزيد اللَّه عزّ وجلّ في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ لهنّ التهيئة».
وعن
عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «الخضاب بالسواد انس للنساء، و
مهابة للعدوّ».
وربّما كانت للخضاب فوائد اخرى لم تأتِ الروايات على ذكرها، أو لم نعثر عليها فيها وفي كلمات الفقهاء.
۱-نفي الرائحة الكريهة عن البدن و
تطييب الريح، ۲-
نظارة الوجه، ۳-تطييب نكهة
الفم ، ۴-
تقوية البصر وجلاء
الغشاوة عنه، ۵-طرد الريح من الاذنين وهو داء يعتري
الإنسان ، ۶-
تليين الخياشيم، ۷-تقوية اللثة، ۸-تقليل
الوسوسة ، ۹-بعث
النشاط في
المؤمن ، ۱۰-
إغاظة الكافر، ۱۱-بعث
الفرح في
الملائكة ، ۱۲-
الخلاص من عذاب القبر، ۱۳-
تخفيف سؤال منكر ونكير في القبر، رفع هزال البدن، وقد تقدّم بناءً على صحّة رواية الضنى. ۱۴-
تخويف الأعداء، ۱۵-الزيادة في
الباه .
تعرّضت الروايات لبعض مضارّ الاختضاب نذكرها فيما يلي:
وردت به بعض الروايات التي تقدّمت في الاختضاب بالوسمة.
وبه وردت عدّة روايات، منها: ما رواه
هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الحنّاء يزيد في
ماء الوجه ، ويكثر الشيب».
وما رواه محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «الحنّاء يشعل الشيب».
لكن عن الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: بلغنا أنّ الحنّاء يزيد في الشيب، قال: «أيّ شيء يزيد في الشيب، الشيب يزيد في كلّ يوم».
•
الاختضاب (اختضاب المرأة) ،
الاختضاب بالنجس ليس بحرام قطعاً إلّا أنّه ينجّس الموضع ما دام لم يغسل، فإن غسل بما يحصّل
طهارته طهر وإن بقي لونه؛ لأنّ
الألوان ليست من
الأعيان النجسة ولا المتنجسة ليحكم بنجاستها أو
نجاسة ملاقيها.
قال
السيد الخوئي في
تطهير الثوب
المصبوغ بالدم: «حكمنا بطهارة الثوب الذي صبغ بالدم النجس بعد غسله وإن كان لونه باقياً في الثوب، وكذا في الحنّاء المتنجس؛ لأنّ الألوان بحسب الدقّة وإن كانت من
الجواهر كالدم والحنّاء ونحوهما إلّا أنّها بالنظر العرفي من
الأعراض ، فهي ليست دماً ولا حنّاء ولا غيرهما من الأعيان النجسة أو المتنجّسة، فلا تتنجّس في أنفسها كما لا تؤثّر في ملاقيها».
•
الاختضاب (كراهته) ،
•
الاختضاب (المسح على الخضاب) ،
صرّح كثير من فقهائنا بحرمة الاختضاب للمحرم، والحكم بذلك يرجع إلى إحدى جهتين:
تغطية الرأس وستره للرجل، فإنّها من جملة تروك
الإحرام التي لا خلاف بين الفقهاء فيها. نعم، لكنّهم اختلفوا في شمول الحكم بحرمة
تغطية الرأس لما لم يعتد تغطيته به كالطين والحنّاء ونحوهما. فذهب مشهور الفقهاء إلى
الحرمة وألزموا الفاعل الفداء، بل ادّعي نفي الخلاف في ذلك.
قال
الشيخ الطوسي فيما يلزم
المحرم من الكفّارة بما يفعله: «من خضب رأسه أو طيّبه لزمه
الفداء كمن غطّاه بثوب بلا خلاف».
وقال
العلّامة الحلّي : «لا فرق في
التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد
كالعمامة و
القلنسوة ، أو بغيره
كالزنبيل و
القرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء... عند علمائنا».
وذهب البعض إلى عدم الحرمة.
قال السيد العاملي: «صرّح العلّامة وغيره بأنّه لا فرق في التحريم بين أن يغطّي رأسه بالمعتاد... أو بغيره حتّى الطين والحنّاء، وهو غير واضح؛ لأنّ المنهي عنه في الروايات المعتبرة
تخمير الرأس ووضع
القناع عليه، والستر بالثوب، لا مطلق الستر. مع أنّ النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو
المتعارف منه، وهو الستر بالمعتاد، إلّا أنّ المصير إلى ما ذكروه أحوط».
وقد اتّضح من خلال ما تقدّم أنّ حرمة الاختضاب للمحرم- بناءً على القول بها- تختصّ بالرأس دون غيره من أعضاء البدن.
الزينة فإنّ بعض الفقهاء عدّها من جملة المحرّمات على المحرم، لكنّ المشهور على
الكراهة . قال العلّامة الحلّي: «المشهور كراهة
استعمال الحنّاء للزينة، والوجه التحريم».
وقال الشهيد الأوّل في محرّمات الإحرام: «الثامن عشر: الحنّاء للزينة على قول؛ لأنّه زينة، والكراهة مشهورة؛ لصحيح ابن سنان حيث أطلقت استعماله، وحملت على غير الزينة، وحكم ما قبل الإحرام إذا قارنه حكمه بعده».
وهذه الحرمة لا تختصّ بالاختضاب في الرأس بل تعمّ جميع مواضع البدن التي يتمشّى من خضابها عنوان الزينة كشعر الرأس واللحية والوجه والكفّين بل غيرها أيضاً.
ولذلك قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «الثالث والعشرون من محرّمات الإحرام: الحنّاء للزينة في الكفّين والرأس والقدمين، ويلحق بها جميع ما يتزيّن به- إذ لا خصوصيّة لها- من حمرة أو كتم أو
خطاط أو
وسم أو نحوها».
ثمّ إنّ الفقهاء اختلفوا في اشتراط القصد إلى التزيّن في ثبوت الحرمة المذكورة أو عدمه، فيكفي تحقّقه واقعاً وإن لم يقصد المختضب سوى العمل بالسُنّة. وكيف كان فالحرمة أو الكراهة الثابتة في اختضاب المحرم ليست متعلّقة بذات الاختضاب وعنوانه، بل بما هو مصداق من مصاديق
التزيّن وتغطية الرأس.
جاء في بعض الروايات النهي عن
الصلاة حال الاختضاب، والمراد به الطلي به وفعله دون نتيجته.
قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يصلّي وعليه خضابه؟ قال: «لا يصلّي وهو عليه، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي»، قلت: إنّ حناءه وخرقته نظيفة، فقال: «لا يصلّي وهو عليه، والمرأة أيضاً لا تُصلّي وعليها خضابها».
وعن
مسمع بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا يصلّي المختضب»، قلت: جعلت فداك ولِمَ؟ قال: «لأنّه
محتضر ».
وفي رواية اخرى قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا يختضب الجنب، ولا يجامع المختضب، ولا يصلّي المختضب»، قلت: جعلت فداك ولم؟ قال: «لأنّه محتضر».
و
الظاهر أنّ مراده هو حضور الجنّ عنده كما تقدّم في اختضاب الجنب والحائض.
لكن في روايات اخرى
تجويزه ونفي
البأس عنه، فعن
عليّ بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل والمرأة يختضبان، أ يصلّيان وهما بالحنّاء والوسمة؟ فقال: «إذا أبرز الفم و
المنخر فلا بأس».
وعن رفاعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكّن من
السجود و
القراءة أيضاً، أ يصلّي في حنّائه؟ قال: «نعم، إذا كانت خرقته طاهرة، وكان متوضّئاً».
وعن
سهل بن اليسع الأشعري عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته أ يصلّي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟ فقال: «نعم».
وعن
عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المرأة تصلّي ويداها مربوطتان بالحنّاء؟ فقال: «إن كانت توضّأت للصلاة قبل ذلك فلا بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان».
ونحوها رواية أبي بكر الحضرمي.
وقد حمل الفقهاء- بسبب
اختلاف الروايات- النصوص الناهية عن الصلاة حال الاختضاب على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين النصوص الصريحة في الجواز، أو على الإرشاد إلى لزوم رفع المانع من
إتيان الصلاة بصورة صحيحة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز مقيّداً بطهارة
الخرقة ووقوع الوضوء من المختضب وبروز الفم والمنخر للتمكّن من القراءة.
قال : «ولا بأس أن يصلّي الرجل والمرأة وهما مختضبان أو عليهما خرقة الخضاب إذا كانت طاهرة».
وقال : «ولا بأس للرجل والمرأة أن يصلّيا وهما مختضبان أو عليهما خرقة الخضاب إذا كانت طاهرة؛ عملًا
بالأصل . وما رواه الشيخ في الصحيح عن
رفاعة ثمّ قال: هذا وإن كان جائزاً إلّا أنّ الأولى نزع الخرقة وأن يصلّي ويده بارزة؛ لما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي...».
وقال : «ومنها: كراهة الخضاب عند الشيخ قدس سره ومن تبعه، والأخبار الواردة في الصلاة في الخضاب لا تخلو من تدافع، والشيخ جمع بينها بما ذكره من الكراهة فأثبته في مكروهات الصلاة. والظاهر أنّه غير متعيّن للجمع ليكون حكماً شرعيّاً بذلك. ولا بدّ من نقل الأخبار المتعلّقة بذلك و
بيان ما اشتملت عليه».
ثمّ أورد الروايات المتقدّمة وما رواه
يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما العلّة التي من أجلها لا يحلّ للرجل أن يصلّي وعلى شاربه الحنّاء؟ قال: «لأنّه لا يتمكّن من القراءة و
الدعاء ».
ثمّ قال: «وأنت
خبير بأنّه كما يحتمل حمل رواية الحضرمي على الكراهة كما ذكره الشيخ قدس سره ومن تبعه وجعلوه بذلك حكماً شرعيّاً ومسألة مستقلّة، يمكن- بل هو
الأظهر - حمل الخبر المذكور على المانع من القراءة أو من الإتيان بها على الوجه
الأكمل كما يدلّ عليه خبر يونس المذكور، وعلى هذا فالمنع محمول على التحريم على الأوّل، وعلى الكراهة على الثاني».
ومراده من التحريم لا بدّ وأن يكون التحريم المانعي، أي حرمة
الاكتفاء بالصلاة مع
تشكيل الخضاب مانعاً من أدائها بصورة صحيحة، فيكون إرشاداً إلى مانعيّته من صحتها.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۳۴۱-۳۷۳.