الاشتراط
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الالتزام بالشيء.
الاشتراط: مصدر اشترط من شرط عليه، بمعنى ألزمه به.
و
الشرط:
إلزام بالشيء و
التزام به.
وشرط عليه شرطاً: ألزم
شيئاً فيه،
فإذاً يرجع الاشتراط إلى الشرط، فيكون معناه الإلزام بالشيء والالتزام به.
ويبدو من
الفقهاء أنّهم ليس لهم
اصطلاح خاص به سوى ما اصطلحوا على الشرط من كونه إمّا
مستعملًا في إلزامهم على
أنفسهم، وإمّا مستعملًا في
ملتزماتهم،
فالاشتراط إذاً يطلق عندهم على أحد
المعنيين من الإلزام أو ما يلتزمون به.
ونذكّر بأنّنا نتعرّض هنا للاشتراط بوصفه
فعلًا و
حدثاً، أمّا الشرط الذي هو ناتج عن الاشتراط فقد بحث
بالتفصيل في مصطلح شرط.
مصدر علّق بمعنى
الإلقاء و
النصب، يقال: علّق
القاضي الحكم، أي لم يقطع به، وعلّق على
كلام غيره، أي تعقّبه
بنقد أو
بيان أو
تصحيح.
وحكي في
الفرق بين
التعليق والاشتراط أنّ التعليق: ما دخل على أصل
الفعل بأداته- كإن وإذا- والشرط: ما جزم فيه الأصل وشرط فيه أمر آخر.
أو التعليق:
ترتّب أمر لم يوجد على أمر يوجد بأن أو إحدى
أخواتها، والشرط:
التزام أمر لم يوجد في أمر يوجد
بصيغة مخصوصة.
ويطلق على معنيين:
۱- المعنى
الحدثي، وهو بهذا المعنى
مصدر شرط،
فإذاً هو بمعنى الاشتراط.
۲- ما يلزم من عدمه
العدم من دون
ملاحظة أنّه يلزم من وجوده
الوجود أو لا، فهو بهذا المعنى اسم
جامد.
مغاير للاشتراط بالمعنى المتقدم.
وهو
العبرة بالحالة التي يتوصّل بها من معرفة
المشاهد إلى ما ليس بمشاهد.
وفي الاصطلاح هو
قسم من أقسام الوجود يسمّونه بالوجود
الاعتباري، بمعنى أنّ وعاءه عالم الاعتبار و
الذهن في قبال
الوجود العيني والخارجي.
كما أنّ
الشائع لدى الفقهاء
إطلاق الاعتبار مكان الاشتراط في عدّة مواضع من
الفقه كقولهم باعتبار الكرّية في عدم انفعال
الجاري وعدمه،
بمعنى أنّه هل يشترط كون
الماء الجاري كرّاً حتى لا ينفعل بملاقاة
النجس؟
وكقولهم باعتبار دوام
النبع في الجاري وعدمه،
بمعنى أنّه هل يشترط في صدق كون الماء جارياً دوام نبعه؟ إلى غيرها من
النماذج الكثيرة، مثل يعتبر في
العقد كذا وكذا، وفي
الوضوء كذا وكذا.
وعليه، فظاهر
كلماتهم أنّهم استعملوا الاعتبار بمعنى الاشتراط، وإن لم يكن
مرادفاً له دوماً بحسب أصل معناه.
وللتفصيل انظراعتبار.
قيّدته
تقييداً: جعلتُ
القيد في رجله. ومنه تقييد
الألفاظ بما يمنع
الاختلاط و
الالتباس.
والتقييد مثل الاشتراط غير أنّ القيد يعتبر من
أجزاء الماهية المقيّدة دون الشرط، فإنّه خارج عن الماهية، وإن كان التقييد به داخلًا فيها.
الإيقاف، ومنه
التوقّف في الأمر وهو
الوقوف عنده من غير
مجاوزة له.
والتوقّف
كالتلبّث، واستلبثه: استبطأه.
وبهذا
التفسير قد يشمل التوقف الشرط أيضاً، بمعنى أنّه يتوقّف عند الشرط ولا يتجاوز عنه، أو بمعنى توقف المشروط على شرطه بوقوفه وعدم
تحققه بدونه.
يتحقّق الاشتراط باللفظ- كأشترط وأمثاله- كما يتحقّق بغيره-
كالإشارة- إذا أفاد ذلك، كما وقد يتحقّق
بالبناء على شرط مذكور خارج العقد أو معلوم و
معهود قبله، فيوقع العقد مبنياً عليه وإن لم يصرّح به، فيكون شرطاً ضمن العقد أيضاً.
وقد يكون
الابتناء المذكور
نوعياً وكلّياً عند
العرف و
العقلاء ومنه الشروط العامة للعقود كاشتراط صحّة المبيع وسلامته، وتسمّى بالشروط ضمن العقد العامة أو الشروط العقلائية.
رابعاً- الحكم الإجمالي ومواطن البحث:
الاشتراط قد يكون بمعنى الإناطة والتقييد، وقد يكون بمعنى الالتزام بشيء، كما أنّ الأخير قد يكون ابتدائياً ومن طرف واحد ويسمّى بالشرط الابتدائي، وقد يكون بالتعاقد فيكون عقداً أو عهداً، وقد يكون ضمن عقد أو عهد ويسمّى بالشرط الضمني، كما أنّ الشرط بمعناه الأعم قد يكون ضمن
عبادة.
وهناك بحوث
فقهية مبسوطة حول كلّ قسم من هذه
الأقسام يطلب في مصطلح شرط، ونشير هنا إلى بعض أنحاء الاشتراط.
جاء في بعض
النصوص أنّه يستحب» للمحرم عند
الإحرام أن يشترط على
اللَّه سبحانه وتعالى أن يحلّه إذا عرض له
مانع من
إتمام نسكه من
عمرة أو حجّ، وأن يتمّ إحرامه عمرة إذا كان للحجّ ولم يمكنه
الإتيان به.
ومن هذه النصوص ما رواه
الفضيل بن يسار عن
الإمام الصادق عليه السلام قال:
«
المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث
حبسه، ومفرد
الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة»،
واختلفوا في موضع هذا الاشتراط، عند الإحرام أو فيه أوعقيب
صلاة الإحرام أو يكون مستحبّاً عند
الدعاء المأثور بعد عقد الإحرام، كلّ ذلك منشؤه
اختلاف تفسير النصوص الواردة في
المقام.
وذكروا أنّ ثمرة هذا الاشتراط سقوط الهدي عند التحلّل بالحبس وتعجيل التحليل وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه، أو هي سقوط الحجّ من قابل، أو هي
إدراك ثواب الحجّ والعمرة، فيكون الاشتراط
تعبّدياً محضاً.
والتفصيل في محلّه.
يستحبّ الاشتراط-
باتّفاق كلمة الفقهاء
- عند
الاعتكاف في
المسجد للعبادة؛ وذلك لما ورد من النصوص في ذلك والتي منها: قول الإمام الصادق عليه السلام:
«إذا اعتكف
العبد فليصم، واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك من
إعتكافك عند عارض إن عرض لك من
علّة تنزل بك من أمر اللَّه تعالى».
و
أثر الاشتراط- كما ذكره في
المدارك وغيره- جواز
الرجوع عند
العارض أو متى شاء وإن مضى
اليومان، أو كان واجباً
بالنذر وشبهه. وسقوط
القضاء فيما كان الاعتكاف
مستحبّاً أو واجباً معيّناً.
المعروف أنّ من يشترط لآخر بفعل من دون
تعاقد و
تعاهد فهو شرط
ابتدائي كالوعد لا يجب
الوفاء به وإن كان خلف
الوعدقبيحاً أخلاقياً ومرجوحاً شرعاً، بل قد تبلغ
مرجوحيته في بعض الموارد حدّ الحرمة.
وتفصيله متروك إلى محلّه.
ويسمّى بالنذر أو
العهد للَّهسبحانه وتعالى، وهو واجب الوفاء إذا تمّت شرائطه.
وتفصيله في مصطلح عهد و نذر.
ويسمّى بالشرط
المعاملي أو ضمن العقد، وهو أيضاً واجب الوفاء إذا كان ضمن عقد لازم، وبعض عمّمه للشروط ضمن العقود الجائزة أيضاً إذا لم يرجع عنها
تمسّكاً بعموم «
المؤمنون عند شروطهم».
وليس
المراد بالشرط في باب العقود و
الإيقاعات التقييد والتعليق فإنّه مبطل لها، بل المراد
الالتزام ضمن العقد أو
الإيقاع، وأثره وجوب الوفاء به، كما أنّ أثره
الآخر الخيار للطرف الآخر من العقد إذا كان العقد لازماً و
تخلّف الشارط عن الوفاء بشرطه إلى أحكام وآثار اخرى، يطلب تفصيلها من محالّها.
ولا
إشكال في أنّ الاشتراط من كلّ أحد إنّما يكون
نافذاً وصحيحاً، ويترتب عليه
الأثر إذا توفّرت فيه امور:
أ- أن يكون الشارط ممّن له
قابلية الاشتراط بأن يكون حائزاً لشرائط
التكليف العامة من
البلوغ و
العقل و
الاختيار، فلا يصحّ من
الصبي و
المجنون و
المكره؛ إذ هؤلاء مرفوع عنهم
قلم التكليف كما في
الحديث.
ب- أن يكون
الشرط مقدوراً له بحيث يمكنه تحقيقه في
الخارج، فلا يصحّ اشتراط ما لا يكون قادراً عليه.
ج- أن لا يكون المشروط مخالفاً
للكتاب و
السنّة، فلا يصحّ اشتراط ما هو
محرّم، مثل:
الخمر و
خدمة الظالمين وأكل
الميتة و
الدم من المحرّمات المصرّح بها في الكتاب والسنّة.
د- أن لا يستلزم
المحال العقلي الذي منه اشتراط شيء يكون
منافياً للعقد نفسه، بأن يشترط في العقد أن لا يتحقّق هذا العقد، فإنّ هذا يندرج في
قاعدة ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.
ه- أن لا يكون
مجهولًا، فلو كان مجهولًا غير محدّدٍ لم يصحّ.
و- أن يكون فيه غرض عقلائي، أي العقلاء يعتبرونه أمراً معقولًا غير
سفهي.
ز- أن يكون ضمن العقد أو الإيقاع، وقد اختلفوا في معنى ذلك بعد أن اتفقوا على أنّ
المقصود منه ليس هو تعلّق العقد على تحقق المشروط به، وإلّا كان باطلًا؛ لاشتراط التنجيز في العقود، والمعروف أنّه بمعنى الارتباط بين الالتزام العقدي والالتزام الشرطي، أي أنّ التزام
الطرف بمضمون العقد مشروط بالتزام الشارط وتعهده بالشرط، لا بفعل المشروط به.
وتفصيل ذلك في محلّه.
فلو توفّرت هذه الشروط فله الاشتراط بكلّ ما يصلح اشتراطه من
الوصف أو
غاية أو
نتيجة عمل أو اشتراط عمل على نفسه أو لنفسه، فيكون
مسؤولًا تجاه شرطه ويجب الوفاء به.
وهذه الشروط هي في
الحقيقة شروط لصحة الشرط و
نفوذه وترتّب الأثر عليه، ونحن هنا لا نتعرّض- كما قلنا- لأحكام الشرط، وإنّما للاشتراط بوصفه فعلًا وحدثاً.
فتفصيل هذه المباحث المذكورة هنا ينظر في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۰۴-۲۰۹.