الإيقاع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الوقوع بمعنى السقوط ويأتي أيضاً بمعنى
الحصول والثبوت والوجود.
الإيقاع:
إفعال من الوقوع بمعنى السقوط، يقال: وقع المطر، أي سقط ونزل، وأوقع الشيء: أسقطه.
ويأتي أيضاً بمعنى
الحصول والثبوت والوجود ، فيقال: وقع الصيد في الشرك، أي حَصل، ووقع القول، أي حصل مضمونه،
كما في قوله تعالى: «وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا».
والوقاع
والمواقعة يكنّى بهما عن الجماع؛ لاشتماله على هذا المعنى.وقد يطلق الإيقاع ويراد به خصوص إيقاع الألحان وتبيينها في
الغناء ، وقد صنّف الخليل كتاباً في هذا المعنى وسمّاه كتاب الإيقاع،
وهو ما يعرف اليوم بالإيقاع الموسيقي.
يطلق الإيقاع عند الفقهاء بمعناه اللغوي كثيراً، كما في قولهم: اللازم إيقاع
التلبية مقارنة للنيّة، وقولهم: من أوقع الصلاة أو العبادة كذا، وهو بمعنى
الإيجاد .ويطلق ويراد به
الموسيقى وأنواعها ممّا يراجع في مصطلح (غناء).ولكنّ الإيقاع صار اصطلاحاً عندهم في باب المعاملات في مقابل العقد، فيقولون: العقود والإيقاعات،
ويريدون بالعقد: ما لا يتمّ إنشاؤه إلّا
بالإيجاب والقبول، وبالإيقاع: ما لا يحتاج إلى
القبول بل يحصل بمجرّد
الإنشاء من طرف واحد.
قال
المحقّق النجفي في تعريفه: «وهو اللفظ الدال على إنشاء خاص من طرف واحد».
فتشترك العقود والإيقاعات في كونها إنشاءً لا
إخباراً، وتختلف فيما ذُكر، قال
المحقّق الكركي : «وأمّا
الإقرار فليس من العقود والإيقاعات في شيء؛ لأنّه ليس بإنشاء، وإنّما هو إخبار جازم عن حقّ لازم للمخبر».
لم يتعرّض الفقهاء لبيان حقيقة الإيقاع إلّا قليلًا في مقام التفرقة بين العقد والإيقاع، والمستفاد من كلماتهم- كما مرّ التصريح به عن المحقّق النجفي- أنّ الإيقاع يطلق على ما لا يحتاج في إنشائه إلى قبول، بل يحصل بالإنشاء من طرف واحد.إلّاأنّ هذا لا يبيّن الفرق
الجوهري بين العقد والإيقاع، ومن هنا تصدّى بعض الفقهاء الكبار إلى توضيح الفرق الدقيق بينهما.قال
السيّد الحكيم : «والأولى أن يقال:إنّ المائز بين العقد والإيقاع أنّ المفهوم المنشأ إن كان متعلّقاً بطرفين على وجه يكون تعلّقه بكلّ منهما خلاف السلطنة عليه يكون عقدياً، أو لا يكون كذلك فيكون إيقاعاً، مثلًا: تمليك مال
إنسان لآخر لمّا كان على خلاف سلطنة المالك والمتملّك- فإنّ خروج مال إنسان عن ملكه إلى ملك غيره خلاف سلطنة المالك على ماله، وخلاف سلطنة المتملّك على نفسه- كان التمليك مفهوماً عقدياً.
وإسقاط ما في الذمّة لمّا لم يكن خلاف سلطنة من له الذمّة كان إيقاعاً، فيجوز وقوع الثاني بلا حاجة إلى إعمال سلطنة صاحب الذمّة، ولا يجوز وقوع الأوّل بلا سلطنة المتملّك. ومن ذلك تعرف أنّ إنشاء المفهوم العقدي لا يكون إلّابإعمال سلطنة كلّ من الطرفين، فيكون إيجاباً من طرف وقبولًا من طرف آخر».
وقال في موضع آخر: «لا يخفى أنّ الفرق بين الإيقاع والعقد أنّ الأوّل يكفي في حصوله إعمال سلطنة سلطان واحد، والثاني يتوقّف حصوله على إعمال سلطنة سلطانين، ولا يكفي في حصوله إعمال سلطنة واحدة، فإذا قال الإنسان لزوجته:(طلّقتك)، ثمّ قال لها: (تزوّجتك)،
فالطلاق إيقاع؛ لأنّه يكفي في حصوله إعمال سلطنة الزوج،
والتزويج عقد؛ لأنّه يتوقّف حصوله على إعمال سلطنة الزوج والزوجة معاً، فالطلاق وإن كان تصرّفاً في الزوجة كالتزويج، إلّاأنّ الأوّل لمّا جعله الشارع الأقدس تحت سلطان الزوج فقط كان إيقاعاً، والتزويج لمّا جعله الشارع تحت سلطان الزوجين معاً كان عقداً».
للإيقاع- كالعقد- أركان يتقوّم بها، وهي كما يلي:
وهو الشخص الذي يصدر منه التصرّف الإيقاعي، ويعتبر فيه ما يعتبر في المتعاقدين من الأهلية وعدم الحجر والقصد
والاختيار ونحو ذلك.والدليل على
اعتبار هذه الامور في الإيقاع هو أنّ ما استدلّ به عليها في العقود جارٍ هنا أيضاً، بل العنوان المبحوث فيه عند العلماء هو العنوان العام، فإنّهم يبحثون عن صحّة التصرّفات الناقلة الصادرة من
الصبي والمحجور وعدمها، سواء كان بإنشاء عقد أو إيقاع، فكما لا يجوز للصبي- مثلًا- بيع داره، كذلك لا يجوز عتق رقبته أو
إبراء مديونه عن دينه، وقد صرّح بالعموم بعض الفقهاء.
قال
السيّد الخوئي في معاملات الصبي:«يقع الكلام في معاملات الصبي- أعم من العقود والإيقاعات- في أربع جهات:
الجهة الاولى: في جواز تصرّفاته في أمواله مستقلّاً على وجه
الإطلاق : الظاهر أنّه لا خلاف ولا إشكال في أنّه لا يجوز للصبي
الاستقلال في التصرّفات في أمواله بدون إذن
الولي ، ولم يخالف فيه أحد فيما نعلم إلّاالحنفيّة... الجهة الثالثة: في صحّة مباشرة الصبي العقود أو الإيقاعات في أمواله
بإذن الولي، أو يكون وكيلًا من قبله في ذلك وعدم صحّتها... الجهة الرابعة: في جواز كونه وكيلًا عن غيره في عقد أو إيقاع... فيوقع الصبي العقد أو الإيقاع...» - وذهب في هذا الأخير إلى نفوذ وصحّة عقده وإيقاعه؛ للإطلاقات
- فإنّ هذا المقدار من
الاشتراك بين العقد والإيقاع متّفق عليه، وإن كان الإيقاع يختلف عن العقد في بعض الجهات، كجريان الفضولية، وكذا الخيار في العقود دون الإيقاعات، كما سيأتي تفصيله لاحقاً.
حيث إنّ الإيقاع تصرّف إنشائي فلابدّ فيه من الإنشاء
وإبراز المضمون الإيقاعي باللفظ أو بما يصلح للإنشاء.والدليل على ذلك كون التصرّفات الإيقاعية اعتبارية وإنشائية كالعقود، فتحتاج إلى الإنشاء والإبراز بما يكون صالحاً لذلك، كما يجري فيها أيضاً سائر ما يجري في صيغ العقود من اشتراطها
بالتنجيز والخلو عن التعليق، والعربية والماضوية وعدمهما، فإنّ من لاحظ كلماتهم واستدلالاتهم في هذه الأبحاث يجد عدم الفرق عندهم فيها بين صيغة العقد أو الإيقاع.
نعم، قد تجب صيغة خاصة لوقوع بعض الإيقاعات بحسب ما قام عليه الدليل كما في باب
الطلاق والقسم وغير ذلك ممّا يطلب تفصيله في محلّه.
المحلّ أو الموضوع الذي يتعلّق به ذلك الأمر الإنشائي الإيقاعي كالزوجة في الطلاق والعبد في
العتق وهكذا.ويشترط فيه نفس ما يشترط في العقود من أن يكون تحت ملك الموقع وولايته طلقاً، وأن لا يكون مزاحماً مع حقّ الغير أو ممنوعاً عن التصرّف فيه، وقد يشترط في بعض أقسامه شروط خاصة كوقوع الطلاق- مثلًا- في طهر غير مواقع فيه، واشتراط
الرجحان أو عدم المرجوحية في متعلّق
النذر أو اليمين وغير ذلك ممّا ثبت اشتراطه في صحّة بعض الإيقاعات بالأدلّة الخاصة.
ويطلب تفصيل ذلك من محالّه.
•
الفضولية في الإيقاع،اختلف الفقهاء في صحّة العقود الفضولية بعد لحوق
الإجازة ،وأمّا الإيقاعات فقد يدّعى اتّفاقهم على
بطلان الفضولي فيها جميعاً أو بعضا.
•
الخيار في الإيقاع،وقع الكلام بين الفقهاء في جريان شرط
الخيار في الإيقاعات وعدمه، وقد يدّعى عدم الخلاف في عدم الجريان.
•
التنجيز في الإيقاع،التنجيز هنا ضد التعليق، وهو في العقود والإيقاعات: أن لا يكون العقد أو
الإيقاع معلّقاً على شرط أو صفة.
وهي- لغة-: المال المجعول على عمل معيّن.
واصطلاحاً: إنشاء
الالتزام بعوض على عمل محلّل مقصود بصيغة دالّة عليه.
الجعالة عقد أو إيقاع؟والضابط العام للفرق بين العقد والإيقاع هو أنّ العقد التزام من الطرفين فلابدّ فيه من
افتراض شخصين يكون التزام أحدهما مربوطاً بالتزام الآخر- كما في المعاملات مثل البيع
والإجارة ونحو ذلك- والإيقاع:التزام من جانب واحد.وهذا الضابط له مصاديق واضحة في
الفقه ، فمن العقد، البيع والصلح ومن الإيقاع، الإطلاق والعتاق، وهناك جملة من المصاديق مختلف فيها والتي من جملتها
الجعالة ،
والوصية ، والوقف وأنّها من أيّ النوعين بعد
انتفاء النوع الثالث في عرض العقد والإيقاع.
وقد اختلفوا في كون الجعالة من العقود أو الإيقاعات،
فالشيخ وابن حمزة وسلّار أدرجوها في العقود، وهذا معناه أنّها بحاجة إلى القبول، وحيث إنّ القبول اللفظي منفي عندهم فيكون القبول الفعلي كافياً كما في
الوكالة .
واستدلّ له بخبر
علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن رجل قال لرجل أعطيك عشرة دراهم وتعلّمني عملك وتشاركني، هل يحلّ له ذلك؟ قال: «إذا رضي فلا بأس»»، ممّا يعني توقّف صحّة الجعالة على قبول العامل.ونوقش بأنّ الرضا الوارد في الرواية لا دلالة فيه على الرضا العقدي بل على مجرّد
التراضي بينهما.ويؤيّده صدق الجعالة حتى مع رفع اليد عن العمل مدّةً ثمّ رجوعه إليه مرةً اخرى، مع أنّ الفعل لو كان بمثابة القبول لكان رفع اليد عنه وتركه بمثابة الفسخ، فلابدّ من إيجاب آخر من الجاعل لتحقّق جعالة ثانية بإيجاب وقبول جديد، مع أنّه لا قائل بذلك.
وفي مقابل ذلك ذهب جماعة إلى كونها من الإيقاعات، ومنهم
المحقّق والعلّامة والشهيد ،
بل ادّعي عليها الشهرة؛
لصدق عنوان الجعالة حتى مع عدم تعيين العامل، ممّا يعني عدم توقّفها على القبول.فالمقتضي- وهو صدق الجعالة- موجود والمانع من تأثيره مفقود.
هذا مضافاً إلى أنّ المتفاهم لدى العرف والعقلاء اعتبار الجعالة من الإنشاءات القائمة بشخص واحد بنحو التسبّب الذي لا ينطبق إلّاعلى الإيقاعات.
ويؤيّد ذلك أوّلًا:
استحقاق العامل للجعل حتى ولو لم يقصد بعمله تحصيله، بل حتى ولو كان غافلًا عنه، فلو كانت من العقود لما صحّت ولما استحقّ العامل على عمله الجعل لاشتراط العقود بالقصود.وثانياً: أنّ الجعالة لو كانت من العقود لكان لابدّ من
اقتران الإيجاب فيها بالقبول- كما هو المشهور في سائر العقود- مع أنّه لا قائل به حتى ممّن يرى أنّها من العقود.
واختار هذا القول عدّة من فقهائنا المعاصرين،
ومنهم السيّد الخوئي فإنّه قال: «الجعالة من الإيقاعات لابدّ فيها من الإيجاب عاماً أو خاصاً، ولا يحتاج إلى القبول؛ لأنّها ليست معاملة بين الطرفين حتى تحتاج إلى قبول، بخلاف
المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها».
الوصية من وصي: كوعي خَسَّ بعد رِفْعَة واتَّزَنَ بعد خِفَّة واتّصل ووَصل، والأرض وَصْياً ووُصِيّاً ووَصاءً ووِصاءَةً:اتّصل نباتها، وأوصاه ووصّاه توصيةً عهد إليه، والاسم الوَصاة والوِصاية والوصيّة.
وَصَيتُ الشيء بالشيء (أصِيهِ من باب وَعَدَ وصَلتُهُ).
وفي الاصطلاح: تمليك عين أو منفعةٍ بعد الوفاة.
قال
السيّد اليزدي : وهي إمّا مصدر وصى يصي، بمعنى الوصل حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة، وإمّا اسم مصدر بمعنى العهد من وصي يوصّي توصية أو أوصى يوصي
إيصاءً .
وهي إمّا تمليكية أو عهدية،
بمعنى أنّها إمّا تمليك عين أو منفعة للآخر، أو تسليط على حقّ أو فكّ ملك أو عهد متعلّق بالغير أو عهد بنفسه، كالوصيّة بما يتعلّق بتجهيزه.
وقد اختلفوا في كونها من العقود أو الإيقاعات.أمّا الوصيّة العهدية فلا تحتاج إلى القبول،
وهذا يعني أنّها ليست من العقود؛ ولذا قال المحقّق النجفي: «إنّها بهذا المعنى ليست من العقود قطعاً بل ضرورةً».
وقال السيّد الحكيم: «هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه».
ولكن أورد عليه بأنّه: إنّما يتمّ بالنسبة إلى الموصى إليه، أي (الوصي) فإنّه بالنسبة إليه لا يعتبر القبول بلا خلاف بين الفقهاء، دون الموصى له فإنّه بالنسبة إليه لابدّ من ملاحظة متعلّق الفعل الذي تعلّقت به الوصيّة، فإن كان ممّا يحتاج إلى القبول- كالبيع والإجارة ونحوهما- اعتبر قبوله جزماً، وإلّا- كالوقف والعتق ونحوهما- فلا يحتاج إلى القبول.
فقد نسب إلى المشهور أنّه يعتبر فيها القبول،
بل ادّعي
الإجماع عليه في بعض الكلمات،
وهذا يعني أنّها من العقود؛ ولذا قال السيّد الحكيم: «وكأنّ الوجه في جزئية القبول ممّا طفحت به عباراتهم من كون الوصيّة التمليكية من العقود ممّا يظهر منه أنّه إجماعي».
واستدلّ له: بعدم الإطلاق في أدلّة الوصيّة كي يستكشف منه عدم الحاجة إلى القبول، والأصل عدم
الانتقال إلى الموصى له قبل القبول،
وهذا ممّا يعني عدم
الاقتضاء لأدلّة نفوذ الوصيّة حالة عدم
استتباعها للقبول فيشكّ فيه، وعندئذٍ يجري أصل عدم الانتقال.
أمّا الاولى: بأنّه لا مجال للالتزام بكون الوصيّة من العقود؛ لأنّ العقد عبارة عن ضمّ التزام بالتزام وربط أحدهما بالآخر، كما هو الحال في عقد حبل بحبل آخر، وهو غير متحقّق في الوصيّة؛ إذ لا يبقى التزام للموصي بعد وفاته كي ينضمّ إليه التزام الموصى له، فإنّ الميّت لا التزام له.
وأمّا الثانية: فبناءً على أن نعتبر القبول ناقل المال من حينه- يعني أنّ المال ينتقل إلى الموصى له من حين القبول لا أنّه كاشف عن انتقاله من حين الوصيّة- فيلاحظ عليه أنّ الذي أنشأه الموصي هو
الملكية بعد الموت، وهذا ممّا لم يمضَ من قبل الشارع، وما يدعى إمضاء الشارع له وهو الملكية بعد القبول لم ينشأه الموصي، فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.
وأمّا بناءً على كونه كاشفاً- فعلى فرض
إمكانه عقلًا وتسليمنا صدق العقد عليه، مخالف لما هو المعهود في العقود، والمرتكز في الأذهان من تأخّر الأثر عن القبول- بناءً على اعتباره- نفرض تحقّق العقد وكون الأثر قبله ممّا لا يمكن
المساعدة عليه.
وفي قبال المشهور ذهب الفقهاء المعاصرين
إلى أنّها من الإيقاعات حيث المستفاد من آية الوصيّة وغيرها والنصوص الواردة في المقام أنّ الوصيّة نافذة ولازمة على الإطلاق ومن غير اعتبار القبول من موصى له، حيث لم يذكر ذلك في شيء من الآيات والروايات ومعه فلا تصل النوبة إلى
الأصل .
قال
السيّد البروجردي : «والذي يقتضيه التحصيل هو أنّ القبول وإن كان معتبراً في تحقّق الموصى به جزءً أو شرطاً لكنّه غيرمعتبر في تحقّق الوصيّة حتى تكون من العقود بذلك، فالإيجاب من الموصي كاف في صدق أنّه أوصى بكذا».
نعم، إنّ
السيّد الگلبايگاني كأنّه لم يعترف بانقسام الوصيّة إلى عهدية وتمليكية، بل يراها بمعنى واحد، وهو أنّها بمعنى العهد، ولذا أبدى رأيه بأنّها في كلّ مورد تابعة لما يتعهّد به، فيقول: إنّ الوصيّة في الاصطلاح بمعنى العهد المتعلّق بامور راجعة إلى ما بعد الموت، وهي ليست عنواناً مستقلّاً قبال سائر العناوين من العقود والإيقاعات حتى يبحث في أنّها من أيّهما، فكما أنّ العهود الراجعة إلى أمور الناس حال حياتهم مختلفة، بعضها عقود، وبعضها إيقاع، وبعضها شرائط وبعضها وعد، وبعضها
استدعاء ، فكذلك العهود الراجعة إلى ما بعد الموت، فإن كان تمليك عين أو منفعة فهو عقد، وإن كان عتقاً أو إبراء أو اسقاطاً فهو إيقاع، وإن كان عهداً راجعاً إلى تجهيزه وردّ أمانة فهو إذن استدعاء....
ولعلّ ما أبداه
كاشف الغطاء من أنّ الوصيّة برزخ بين العقد والإيقاع ومثلها الوكالة والجعالة والوقف في بعض أنواعه،
مردّه إلى ما ذكر السيّد الگلبايگاني.
وهو- لغةً-: الحبس، يقال: وقف الأرض على المساكين أو للمساكين وقفاً أي حبسها.
وهو عند الفقهاء عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة.
وقيل بأنّه أطبق الفقهاء على أنّ الوقف من العقود كما صرّح به الشهيد الثاني والمحقّق الثاني معتذراً عمّا لا يشترط فيه القبول- كما في الوقف للمصالح والجهات العامة، كوقف المسجد
والوقف للعلماء ونحو ذلك- بأنّ الوقف في هذه الموارد فكّ الملك لوجه اللَّه تعالى، فلا يتصوّر فيه القبول- بالمعنى المصطلح- حتى يشترط فيه ذلك».ولكن حكي تصريح بعض الفقهاء بالخلاف بأنّه عقد أو إيقاع ويؤيّده اختلافهم في اشتراط القبول في الوقف، وقد اختلفوا على ثلاثة أقوال، نذكرها تباعاً:
عدم اشتراط القبول مطلقاً، سواء كان الوقف للأشخاص والأعيان أو للمصالح العامة، وهذا ظاهر فقهائنا المتقدّمين،
وهو اختيار السيّد اليزدي
والإمام الخميني والسيّد الخوئي؛
وعلّل ذلك بأنّ الأصل عدم اشتراط القبول بعد شمول عمومات الوقف للوقف الخالي عن القبول.ودعوى معلومية عدم دخول عين أو منفعة في ملك الغير بسبب اختياري
ابتداءً من غير قبول- كما ترى- مصادرة مع أنّه لا فرق بين الطبقة السابقة واللاحقة في ذلك، وكذلك لا إشكال في عدم اعتبار القبول من الطبقة اللاحقة.مضافاً إلى خلوّ الأخبار المشتملة على أوقاف الأئمّة عليهم السلام عن ذكر القبول فإنّها دالّة على عدم اعتباره، سواء جعلنا ما ذكر فيها صيغة الوقف أو بياناً لأحكامه.
الاشتراط مطلقاً، غير أنّه لا قائل به، ولا مقرّب له عندنا- كما قال
السيّد العاملي - نعم قال
المحقّق الثاني :إنّه أولى،
وعليه فالأقوال التي ذكرها
فخر المحقّقين وغيره ليست لنا وإنّما حكاها في التذكرة عن الشافعية.
وعلّل ذلك
بإطباق الفقهاء على أنّ الوقف من العقود- كما تقدّم- ولا تتحقّق إلّا بالإيجاب والقبول. مضافاً إلى أنّ
إدخال شيء في ملك الغير بإيقاع لفظي
ابتداءً بغير رضاه بغير ولاية شرعية بعيد جدّاً، بالإضافة إلى مخالفة الوقف للأصل فيقتصر في لزومه على القدر المتيقّن، وهو ما اشتمل على القبول.
ونوقش: بأنّ
الإجماع المذكور موهون بدعوى الإجماع من فخر المحقّقين على عدم اعتبار القبول في الوقف، مضافاً إلى أنّه لم يصرّح به أحد من الفقهاء، وإنّما يذكر ذلك بعض المتأخّرين في تقسيم أبواب الفقه، وقد بنى الخلاف فخر المحقّقين على أنّه من العقود أو الإيقاعات.
هذا، بالإضافة إلى ما تقدّم من
الاستدلال على القول الأوّل فإنّه وارد عليه أيضاً.
التفصيل بين الوقف للأشخاص والجهات الخاصة والوقف للمصالح والجهات العامة، فيشترط القبول في الأوّل دون الثاني، وهذا ممّا استقربه العلّامة في بعض كتبه.
واختاره ولده والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم.
وعلّل في جانب الاشتراط بما تقدّم في تعليل القول الثاني، وفي جانب عدم الاشتراط، فبأنّ الوقف للجهات العامة مردّه إلى تحرير الشيء عن أن يكون ملكاً لأحد لوجه اللَّه تعالى، فلا يمكن القبول فيه من أحد، ولذلك لم يشترط القبول فيه.
ونوقش: بإمكان القبول في هذه الموارد من ناحية الناظر على الوقف والمتولّي عليه
والحاكم الشرعي فإذن يمكن القبول بالواسطة،
فعدم إمكان القبول بلا واسطة لا يكون مبرّراً لعدم اعتباره ما دام المقتضي له تامّاً.ولكن تقدّم أنّ أخبار وقف الأئمّة عليهم السلام خالية عن ذكر القبول أو اعتباره في الوقف، فإذن هو إيقاع كما وقع التصريح به من السيّد اليزدي.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۰۳-۳۲۲.