الغناء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والغناء) وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيح المطرب، أو ما يسمّى في العُرف غناء وإن لم يطرب، سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما، على الأصح الأقوى، بل عليه
إجماع العلماء، كما حكاه بعض الأجلاّء؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحيح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، المروية جملة منها في
الكافي في بابه في كتاب الأشربة،
وجملة أخرى منها في باب كسب المغنيّة من كتاب
المعيشة .
فمن الأوّل الصحاح المستفيضة، اثنان منها في قوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)
قال : «هو الغناء».
ومنها : «بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة».
ومن الثانية النصوص المستفيضة، منها : «المغنيّة ملعونة، ملعون من أكل كسبها».
ومنها : عن بيع الجوار المغنيّات، فقال : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام، وتعليمهنّ كفر، واستماعهنّ نفاق».
وبالجملة : النصوص في ذلك كادت تبلغ
التواتر ، وهي مع ذلك مطلقة، ولا ريب فيه.
(عدا) ما استثني، كغناء (المغنيّة لزفّ العرائس) خاصّة (إذا لم تتغنّ بالباطل، ولم يدخل عليها الرجال) ولم تلعب بالملاهي، وفاقاً للنهاية وجماعة؛
للصحيح : «أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال».
ونحوه الخبر : «المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها».
خلافاً لظاهر المفيد والحلبي والديلمي، وصريح التذكرة والحلّي،
فالحرمة مطلقاً؛ ولعلّه لقصور الخبرين عن المقاومة لما مرّ سنداً وعدداً ودلالةً؛ إذ غايتهما نفي البأس عن الأُجرة، وهو غير ملازم لنفي الحرمة، إلاّ أن يثبت
الملازمة بعدم القول بالفرق في المسألة،
والاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة بينهما في كثير من الأُمور المحرّمة، والأحوط الترك البتة.
وينبغي القطع بعدم
استثناء شيء آخر،
كالحداء ، وهو سوق
الإبل بالغناء، والغناء في مراثي
الحسين عليه السلام ، وقراءة
القرآن ، وغير ذلك، وإن اشتهر استثناء الأوّل، وحكي الثاني عن قائل مجهول،
واستثنى الثالث بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين؛
لإطلاق أدلّة المنع، مع عدم ما يخرج به عنها سوى النصوص في الثالث.
وهي مع عدم مكافأتها للإطلاقات المجمع عليها هنا في الظاهر المصرّح به في كلام بعض المشايخ
قاصرة الأسانيد، ضعيفات الدلالة، فإنّها ما بين آمرة بقراءة القرآن بالحزن، كالمرسل كالصحيح : «إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن».
وآمرة بقراءته بالصوت الحسن، كالخبر : «لكلّ شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن».
ولا ريب أن الأمرين غير الغناء، سيّما على المختار في تعريفه، من كونه ما يسمّى به عرفاً، ولا يسمّيان به فيه مطلقاً.ولذا ورد أن الصوت الحسن من شعار
الأنبياء وأئمّة الهدى وشيعتهم.
ففي الخبر : «ما بعث الله نبيّاً إلاّ حسن الصوت».
وفي آخر : «كان
علي بن الحسين علیهما السلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته»
ونحو غيره.
وفي ثالث : «لم تعط أُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال، والصوت الحسن، والحفظ».
نعم في العامي المروي في مجمع البيان : «فإذا قرأتموه أي القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنّوا به، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا».
وهو مع ضعف سنده،
واحتماله التقيّة، كما ذكره بعض الأجلّة
معارض برواية خاصيّة، وفيها : «اقرءوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون
أهل الفسوق وأهل الكبائر، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم».
مضافاً إلى الإجماع على عدم
إبقائه على ظاهره، فقد ذكر
الطبرسي بعد نقله أنّه تأوّله بعضهم بمعنى : استغنوا به، وأكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحزينه.
رياض المسائل، ج۸، ص۱۵۵-۱۵۹.