البطلان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الخسران وسقوط الحكم أو فساد
العقد القانوني وسقوطه.
البطلان: وهو بمعنى
الضياع والخسران والفساد وسقوط الحكم، وهو مأخوذ من بطل الشيء يبطل بُطلًا وبُطولًا وبطلاناً، إذا ذهب ضياعاً وخُسراً،
وفسد أو سقط حكمه، فهو باطل.
ومنه ذهب دمه بُطلًا، أي
هَدراً ،
وإذا قُتل لم يؤخذ له ثأر ولا
دية .
وقد يستعمل الباطل بمعناه، قال
الراغب : «الباطل نقيض الحقّ، وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه... وقد يقال ذلك في
الاعتبار إلى المقال والفعال»،
فإذاً البطلان اسم لما ضاع وفسد أو سقط حكمه.
جعل
الفقهاء البطلان مرادفاً للفساد واصطلحوا به عنه كما هو
المشهور ، إلّا
الحنفية فإنّ الفساد عندهم يباين البطلان في
المعاملات كما يأتي.
ولعلّه لأجل وضوح تقابل
الفساد مع الصحّة لذا تصدوا لتعريفه دون البطلان، فقيل: إنّ الفساد كلمة ظاهرة المعنى، والمراد منها ما يقابل الصحّة تقابل العدم والملكة، فما له قابلية أن يكون صحيحاً يصحّ أن يتّصف بالفساد، وما ليس له ذلك لا يصحّ وصفه بالفساد.
وصحّة كلّ شيء بحسبه، فمعنى الصحّة في
العبادة مطابقتها لما هو المأمور به، ومعنى فسادها عدم مطابقتها له. هذا بناءً على اعتبار الأمر في عبادية العبادة، وأمّا بناءً على كفاية الرجحان الذاتي لها فالصحّة والفساد أعم من مطابقة الأمر وعدم مطابقته له.
ومعنى صحّة المعاملة مطابقتها لما هو المعتبر فيها من
الأجزاء والشرائط، ومعنى فسادها عدم مطابقتها له وعدم ترتّب أثرها المرغوب فيه عليها.
فإذاً البطلان هو عدم
المطابقة للمأمور به في العبادات، وعدم المطابقة لما هو المعتبر من الأجزاء والشرائط، وعدم ترتّب الأثر في المعاملات.
نعم، اختلفوا في حقيقة الصحّة والفساد بأنّهما من المجعولات الشرعية أو الامور الانتزاعية التي تنتزع من الشيء عند تحقّقه بأنّ الصحّة تنتزع من الشيء بعد توفّره للخصوصية التي هي منشأ
لانتزاعها ، وأنّ الفساد ينتزع من عدم توفّر تلك الخصوصية.
وهو- لغة- ضدّ
الصلاح ، وهو مأخوذ من فَسَدَ- كنصر- فساداً وفُسوداً ضدّ صَلُحَ.
وهو عند الفقهاء مرادف للبطلان إلّا الحنفية فإنّهم فرّقوا بين المعاملات والعبادات فوافقوا الفقهاء في العبادات دون المعاملات، فإنّ الفساد عندهم في المعاملات مخالفة الفعل للشرع في شرط من شروط صحّته ولو مع موافقة
الشرع في أركانه وشرائط
انعقاده .
وأمّا البطلان فيها فهو مخالفة الفعل للشرع لخلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط انعقاده.
وهي ذهاب المرض
والبراءة من كلّ عيب،
وهي تقابل البطلان والفساد تقابل الملكة وعدمها؛بمعنى أنّه فيما يصحّ إطلاق الصحيح عليه صحّ إطلاق الفاسد فيما لم يتوفّر أحد أركان الصحّة فيه.
وهو بمعنى
الاكتفاء بالمأتيّ به وهو من آثار الصحّة، ويقابله عدم الإجزاء وهو من آثار الفساد والبطلان.
ويكنّى به عن الصحّة حينما تترادف أجزاؤها، فكأنّما ينعقد أحدهما بالآخر، والبطلان خلاف الانعقاد، فيكون ضدّه.
وهو أعم من البطلان، وينطبق عليه فيما استعمل بمعناه كما تقدّم.
وهو بمعنى البطلان، ومنه قوله تعالى: «حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ»،
أي بطلت.
وذكر بعضهم أنّ الحبط هو السقوط مع المحو وليس مرادفاً للبطلان.
لا شكّ في أنّ بطلان العمل يلزم منه بطلان أثره، بمعنى أنّه لا يترتّب عليه عندئذ
الأثر المرغوب منه، فإذا كان العمل عبادياً لا يترتّب عليه عدم
الإعادة في الوقت وسقوط أمره، ولا يحصل على
الثواب والغفران الموعود به في
الآخرة ، قال سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى».
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ»،
وعليه فلو عمل مرائياً أو منّاً فقد أبطل عمله، فلا يجتزى به ولا يثاب عليه؛ إذ ورد في رواية
موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث- قال: «إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرءٍ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللَّه فقد وقع أجره على اللَّه عزّوجلّ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالًا لم يكن له إلّاما نوى».
وفي
رواية اخرى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:«إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لامرأة يتزوّجها أو لدنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وكذا في المعاملات، فإنّ بطلان الفعل يستلزم بطلان أثره، فإذا بطل
البيع والإجارة والنكاح - مثلًا- فلا يترتّب عليه أثره من
النقل والانتقال،
والعلقة الزوجية ونحوها.
وقد صيغ ذلك صياغة
القاعدة الفقهية بعنوان: (إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه).
وأرجعه الشيخ محمّد حسين
كاشف الغطاء إلى قاعدة: (إذا سقط الأصل سقط الفرع)،
وفسّر المرجوع إليه بقوله:«لعلّ المراد بالأصل مثل
الدين، والفرع هو
الكفالة ، فإذا سقط الدين بإبراء ونحوه تسقط الكفالة. ومثل:
الطاعة والتمكين من الزوجة الذي يتفرّع عليه وجوب
النفقة ، فإذا سقطت بالنشوز سقط الفرع، وهو النفقة. وليست هي قاعدة مطّردة، بل تختلف الموارد، والمتّبع هو الدليل في كلّ مورد بخصوصه».
وأبدى رأيه في المرجوع بقوله:والذي «ينبغي أن يكون المراد بها:أنّ الشيء إذا فسد فسد ما يبتني عليه، فإذا بطل البيع بطل ما في ضمنه من
الإقباض والقبض واستحقاق
المشتري لمنافع المبيع والبائع لمنافع الثمن، وهكذا»،
كما في
استلزام العقد الفاسد لفساد
الشرط الذي في ضمنه إذا كان مخالفاً لمقتضاه.
ثمّ تصدّى للردّ على ما مثّل له في فقه
الجمهور - من قولهم: «لو قال رجل لآخر: اقتلني فدمي
حلال لك فقتله، يجب على
القاتل الدية لا
القصاص ، وإذا قال:اقتلني بعتك دمي بكذا فقتله، يجب على القاتل الدية والقصاص؛ لأنّ البيع باطل،
والإذن بالقتل الواقع في ضمنه باطل أيضاً»
- بأنّ «كلّ هذا لا نعرف له وجهاً صحيحاً، بل يجب القصاص في المقامين، ولا تجب الدية في المقامين، والبيع باطل مطلقاً؛ فإنّ الحرّ لا يباع، والعبد لا يملك نفسه حتى يبيعها، والإذن- في حدّ نفسه- باطل، لا لبطلان البيع»».
نعم، في جانب الصحّة قد لا يكون هناك تلازم بين العمل الصحيح وترتّب الأثر عليه اخروياً من
الأجر والثواب والغفران، فربّما يكون العمل صحيحاً فقهياً ولكن لا يترتّب عليه الأجر الاخروي؛ لإمكان اقتران العمل بما يبطل ويمنع عن ترتّب الأثر، كما ورد في الحديث بأنّ اللَّه تعالى لا يقبل
صلاة شارب الخمر أربعين يوماً.
تلحق البطلان أحكام أو تترتّب عليه أحكام نذكرها
إجمالًا فيما يلي:
والمراد به
اشتمال التصرّف على ما يجوز وما لا يجوز، وما يصحّ وما لا يصحّ، فيكون في شقّ منه صحيحاً وفي آخر باطلًا، وله نوعان:
ما يكون الترابط فيه بين الأبعاض بحيث يبطل المجموع ببطلان البعض، فهنا لا يقبل متعلّق البطلان التجزئة والانفكاك، فلو بطل ركوعه بطلت صلاته، ولو بطل
وقوفه في
عرفة بطل حجّه. والمعيار فيه: أن تكون العلاقة بين الأبعاض ترابطية لا
انحلالية ، والمرجع فيه إلى دلالة الأدلّة وما يرتكز شرعاً وعقلائياً في المورد.
ما لا تكون العلاقة فيه بين الأبعاض ترابطيّةً، بل يتصوّر فيها الانحلال وتكون لكلّ جزء أصالة قائمة بنفسها بصرف النظر عن المجموع، كما إذا باع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة، أو باع ما يُملك شرعاً وما لا يُملك-
كالخمر والخنزير مع
الشاة والخلّ- صفقة واحدة، فهنا يتجزّأ الباطل من البيع عن صحيحه، فيحكم بالبطلان بالنسبة إلى غير المملوك أو ما لا يملك شرعاً، ويحكم بالصحّة في القسم الآخر.
والتجزّء يتصوّر في جميع العقود
والإيقاعات القابلة للتجزئة؛ ولذلك بحث عنه الفقهاء في مواطن عديدة- كالبيع والإيجار
والمزارعة والمساقاة والوقف والنكاح
والطلاق والظهار وغيرها- فلو نكح ثلاث نساء بعقد واحد، ثمّ ظهر بطلان عقد واحدة منهنّ فيبطل العقد بالنسبة إليها، ويصحّ بالنسبة إلى غيرها.وكذا لو طلّق زوجاته الثلاث، ثمّ تبيّن أنّ إحداهنّ أمة فيبطل فيها دون غيرها، وكذا في الظهار.
وحيث إنّ مردّ تجزّء متعلّق البطلان إلى انحلال العقود والإيقاعات، بأن ينحلّ عقد واحد إلى عقود متعدّدة أو إيقاع متعدد،
فيحال بحثه وتفصيله إلى محلّه.
هذا، وقد يطلق البطلان ويراد به
الانفساخ والانحلال، وهما مصطلحان يستخدمهما الفقهاء في موارد بطلان العقد الصحيح في الأثناء لمّا طرأ عليه ما يوجب بطلانه فلا يمكن
استمراره صحيحاً، كما إذا تلف المبيع قبل قبض المشتري له، أو تلفت العين المستأجرة بعد
استيفاء مقدار من
المنفعة دون تمامها، فيقال حينئذٍ: تبطل الإجارة، بمعنى تنفسخ وتنحلّ.
تختلف آثار البطلان باختلاف الآثار الطارئة، وبيان ذلك كما يلي:
تترتّب على بطلان العبادات بعض الآثار، كاستمرار اشتغال الذمّة بالعبادة إلى أن يؤدّيها إذا لم يكن لها وقت محدّد-
كالزكاة والخمس والحجّ - وما له وقت محدّد- كالصلاة اليومية- ففي الوقت يؤدّي الصلاة صحيحة ويسمّى ب (الأداء) ويقضيها خارج الوقت، سواء قلنا بأنّ
القضاء تابع
للأداء أو بأمر جديد.
نعم، لو كان بأمر جديد فلا يكون القضاء من آثار البطلان إلّابالعناية والمجاز، باعتبار أنّه سبب لموضوع الأمر بالقضاء، وهو الفوت.
بل الأمر كذلك في ناحية الأداء أيضاً؛ إذ الحاكم بتكرار العمل صحيحاً هو العقل من حيث اشتغال ذمّة المكلّف بالأمر الذي لم يمتثل بعد، فليس الأداء من آثار البطلان إلّابالعناية والمجاز بعلاقة أنّه سبب بقاء الذمّة مشغولة
بالتكليف .
البطلان في الحجّ والعمرة :
أ- بطلان العمرة:
تبطل
العمرة المفردة بمجامعة المعتمر زوجته عالماً عامداً إذا كان قبل
السعي ، ويترتّب عليه عندئذٍ
الكفّارة ، والقضاء،
والإقامة بمكّة إلى شهر آخر،
والإتمام .
وألحق بها أكثر الفقهاء
عمرة التمتّع ،
بل صرّح بعضهم بعدم
الخلاف فيه، حيث قال: «وكأنّ عدم إشكالهم في فسادها لعدم الخلاف فيه».
وبه قال
المحقّق النراقي ؛
استناداً إلى إطلاق كثير من الأخبار المتضمنة لقضاء الحجّ والتفريق إذا واقع
المحرم أهله، فإنّها تشمل
إحرام الحجّ وإحرام عمرة التمتّع، خرجت عنه صورة ما إذا كان الوقت موسّعاً لإنشاء عمرة اخرى فبقي الباقي تحته.
بينما يرى
السيّد الخوئي عدم بطلان عمرة التمتّع بذلك، وإنّما هي محرم يجب فيها الكفّارة، والأحوط
إعادتها مع
الإمكان ، وإلّا أعاد حجّه في العام القابل.
ب- بطلان الحجّ:
تعرّض الفقهاء إلى جملة من الأمور ممّا يفسد الحجّ فيكون حجّه عندئذٍ باطلًا، وهي ارتكاب بعض محرّمات الإحرام، وترك الإحرام نفسه، وترك الوقوف بالموقفين أو أحدهما، وحيث إنّ الآثار المترتّبة على كلّ من أسباب البطلان مختلفة صحّ القول بتنويع البطلان:
الأوّل- ارتكاب بعض محرّمات الإحرام:
إذا ارتكب المحرم بعض محرّمات الإحرام عالماً به وعامداً- كما لو جامع زوجته بشروط ذكروها هناك- فقد أفسد حجّه فيكون حجّه باطلًا،
وقد ادّعي عليه عدم الخلاف،
بل
الإجماع .
ولكن رغم ذلك أنّ المسألة خلافية حتى مدّعي عليه الإجماع حكى القول بعدم الفساد.
ومن هنا قال المحقّق النراقي بأنّ «الإجماع على الفساد غير ثابت».
وعلى أيّ حال، سواء قلنا بالفساد أو عدمه فإنّه يترتّب على ارتكاب هذا العمل في الحجّ جملة من الأحكام كما يلي:
۱- يجب عليه إتمام الحجّ الذي بيده.
۲- يجب عليه الكفّارة.
۳- لزوم التفريق بين الزوجين قدراً خاصاً.
۴- يجب عليه الحجّ في العام القابل.
النوع الثاني- ترك إحرام الحجّ:
من ترك إحرام الحجّ عالماً عامداً من غير تداركه قبل الوقوف بعرفات فقد أفسد حجّه، فيكون باطلًا ولزمته الإعادة في العامل القابل.
النوع الثالث- ترك الوقوفين:
من ترك الوقوف في الموقفين معاً أو في أحدهما عالماً عامداً فإنّه مفسد للحجّ ويكون حجّه باطلًا.
ويترتّب عليه:
أوّلًا: انّه يجب عليه
الإتيان بالعمرة المفردة للخروج عن الإحرام.
وثانياً: يجب عليه الحجّ في العام القادم.
ثمّ إنّه في كلّ ما تقدّم تفاصيل واختلافات تراجع في محلّها.
والكلام فيها تارة من حيث
الحكم التكليفي ، واخرى من حيث
الحكم الوضعي :
أمّا من حيث الحكم التكليفي فيجب ردّ كلّ طرف ما أخذه من الآخر؛ لأنّه ما زال
المالك الحقيقي له، ولا يجوز له أخذه إلّابإذنه، ومن ثمّ حكموا بعدم جواز التصرّف في المال المقبوض بالعقد الفاسد دون إذن غير مقيّد بتحقق المعاملة.
ويترتّب على ما ذكرناه بعض الآثار الموردية الراجعة إلى حرمة التصرّف قبل النظر إلى الأمة المشتراة أو المرأة المزوّجة بالعقد الفاسد؛ لفرض كونها أجنبية.
وهكذا فلابدّ أن تلاحظ مصاديق التصرّف بحسب نوعية العقد والمال الواقع مثمناً أو ثمناً.
وأمّا من حيث الحكم الوضعي، فيترتّب
الضمان على تقدير
التلف أو الإتلاف في العين، وكذلك ما يطرأ من نقصان القيمة بعد استعمال العين، كما في وطء الأمة بشبهة بما يوجب نقص قيمتها، وقد يترتّب ضمان مستقل بحكم الشرع كما في ثبوت مهر المثل عند ظنّ صحّة النكاح وغير ذلك ممّا يراجع في موارده المختلفة.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۷۶-۳۸۵.