المساقاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي معاملة على أصول ثابتة ودفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه .
(فهي) لغة : مفاعلة من السقي، واشتقّ منه دون باقي أعمالها، لأنه أنفعها وأظهرها في أصل الشرعية وهو نخل
الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مئونته. وشرعاً : (معاملة على الأُصول) الثابتة، كالنخل والرمان (بحصّة من ثمرها).
والمراد بالثمرة معناها المتعارف؛ للتردّد في صحة هذه
المعاملة على ما يقصد ورقه وورده، كالحنّاء، لمخالفتها كالمزارعة، لما مرّ فيها من
الاشتمال على الغرر والجهالة للأُصول القطعية، فيقتصر فيها على مورد
الإجماع والمعتبرة، وليس منه مفروض المسألة. ولو لوحظ إدخاله أُريد بالثمرة نماء الشجرة، ليدخل فيه الورق المقصود والورد.
والأصل في مشروعيّتها عندنا هو الإجماع عليه في الظاهر، وصرّح به في الغنية والتذكرة،
والنصوص المعتبرة به مستفيضة، منها الصحيحة المتقدمة في صدر
المزارعة .
(وتلزم المتعاقدين
كالإجارة ) بلا خلاف بيننا، كما في المسالك وغيره؛
لعين ما مرّ في المزارعة فلا تنفسخ إلاّ بالتقايل.
(وتصحّ) المساقاة (قبل ظهور الثمرة إجماعاً) -كلمة إجماعاً ليست في المختصر المطبوع- كما هنا وعن التذكرة وفي المسالك وشرح الشرائع للمفلح الصيمري وغيرها من كتب الجماعة؛
وهو الحجة. مضافاً إلى أدلّة مشروعية هذه المعاملة؛ إذ لا فرد لها أظهر من مفروض المسألة.
(و) كذا (بعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد) في الثمرة، على الأشهر الأظهر بين الطائفة، بل لعلّه عليه عامّتهم، لجهالة القائل بعدم الصحة وإن اشتهر حكايته في كتب الجماعة،
فغير بعيد كونه إجماعاً كالأوّل، فيمكن أخذه حجّة.
مضافاً إلى الأصل، وعموم النصوص الدالّة على المشروعيّة، وفحوى ما دلّ على الصحّة في الصورة السابقة، فإن المعاملة حينئذٍ أبعد عن
الغرر ؛ للوثوق بالثمرة، فتكون أولى مما لو كانت معدومة. ووجه عدم الصحة أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود، فصار بمنزلة
المضاربة بعد ظهور الربح، وأن المقصود من المساقاة ظهور الثمرة بعمله. وفيهما منع ظاهر.
ولو كان العمل بحيث لولاه لاختلّ حال الثمرة لكن لا يحصل به زيادة، كحفظها من فساد الوحش والآفة، فمقتضى القاعدة المتقدم إليها
الإشارة غير مرة هنا وفي المزارعة فساد المعاملة.والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث والسقي ورفع أغصان الكرم على الخشب وتأبير ثمرة النخل، دون نحو الجدار والحفظ والنقل وقطع الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي لا يستزاد بها الثمرة،
فإن المساقاة لا تصحّ بها إجماعاً، كما عن التذكرة وفي المسالك والروضة وغيرها من كتب الجماعة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ من القاعدة. وحيث لا تصحّ صحّت الإجارة على بقية الأعمال بجزء من الثمرة والصلح
والجعالة بلا
إشكال ؛ لعموم أدلّتها السليمة عما تصلح للمعارضة.
(ولا تبطل بموتهما) ولا بموت أحدهما (على الأشبه) الأشهر، بل لعلَّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مر في المزارعة. خلافاً للمبسوط، فقال : يبطل عندنا.
وهو شاذّ، والإجماع المستفاد من ظاهر كلامه بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه مع عدم عثور على موافق له موهون، فالمصير إليه ضعيف.
(إلاّ أن يشترط) المالك (تعيين العامل) فتنفسخ بموته، بلا خلاف ولا إشكال وأمّا الأحكام المترتّبة على موت كلّ منهما فبيانها في المزارعة قد مضى.
(و) إنما (تصحّ) المساقاة (على كلّ أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه) فتصحّ على النخل والكرم وشجر الفواكه، بلا خلاف فيها وفي عدم الصحة في الشجر الغير الثابت، ونحو الوديّ بالدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشدّدة أخيراً وهو صغار النخل، كما في المسالك،
بل عليه الإجماع في
التذكرة في نحو البطّيخ والباذنجان وقصب السكّر والبقول؛
وهما الحجة فيهما بعد القاعدة المقتضية لفساد هذه المعاملة في الثاني، وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به، كالتوت الذكر الذي يقصد منه الورق دون الثمر، والحنّاء.
وفيه وجه للصحة عند جماعة؛
بناءً على أن الورق المقصود منه كالثمرة في المعنى، فيكون مقصود المساقاة حاصلاً به، وفي
المسالك : وفي بعض الأخبار ما يقتضي دخوله.
فإن كان وصحّ
الاعتماد عليه باعتبار السند، وإلاّ فالأجود المنع، وفاقاً لظاهر العبارة وغيرها،
من حيث ظهور الثمرة فيهما في المعنى الخاص وقوفاً على ظاهر القاعدة المتّفق عليها بين الجماعة.
اللهم إلاّ أن يكون هنا تنقيح مناط وعلّة، وليس؛ إذ ليس المنقّح إلاّ الإجماع، وهو مفقود لقضيّة الخلاف، والعقل وغايته المظنّة، وليست بمنقّحة حتى تبلغ درجة
القطع ، وليست هنا ببالغة إليها بالضرورة.قالوا : لو ساقاه على وديّ مغروس إلى مدّة يحمل مثله فيها غالباً صحّ ولو لم يحمل فيها، وإن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالباً أو كان
الاحتمال على السواء لم يصحّ.
وعلّل الصحة في الصورة الأُولى بأن مرجع المساقاة إلى تجويز ظهور الثمرة وظنّه بحسب العادة، فإذا حصل المقتضي صحّ مطلقا وإن تخلّف، كما لو ساقاه على شجرة كبيرة واتّفق عدم الثمرة في المدّة.ومنه يظهر وجه عدمها في الثانية.
وفي الاولى لا أجرة له على جميع العمل؛ لقدومه على ذلك، والمعتبر في صحة المساقاة ظنّ ثمرة ولو في آخر المدة، كما لو ساقاه عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلاّ في العاشرة، وحينئذٍ فتكون الثمرة في مقابلة جميع العمل، ولا يقدح خلوّ باقي السنين، فإنّ المعتبر حصول الثمرة ظنّاً في مجموع المدة لا في جميع أجزائها.وفي الثانية له اجرة المثل مع جهله بالفساد، كما قالوه في هذه المعاملة حيثما خرجت فاسدة.
(ويشترط فيها) ذكر (المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالباً) ولو بالمظنة، كما مرّ إليه الإشارة، وعليه في الجملة
الإجماع في المسالك؛
وهو الحجة.مضافاً إلى لزوم هذه المعاملة، ولا معنى لوجوب الوفاء بها دائماً ولا إلى مدة غير معلومة، ولا سنة واحدة؛
لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.
وفي اشتراط تعيينها بما لا يحتمل الزيادة والنقيصة دون غيره كقدوم الحاج
وإدراك الغلّة وإن كانت هي الغلّة المعامل عليها، أم
الاكتفاء بتقديرها بثمرة المساقي عليها قولان. والأوّل أشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلاّ من ندر ممن تأخّر؛
وقوفاً فيما خالف
الأصل واحتمل الجهالة والغرر على موضع اليقين من الإجماع والنص.
وعلى الثاني الإسكافي؛
نظراً إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم، وأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها، وأن العقد مبني على الغرر والجهالة، فلا يقدحان فيه.
وللصحيح : عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة فيقول : اسق هذا واعمره ولك نصف ما خرج، قال : «لا بأس».
وله وجه؛ للدليل الأوّل دون الباقي، لضعفها، سيّما الأخير، لما مرّ في المزارعة، ولكنه شاذّ فالمصير إليه ضعيف.
(ويلزم العامل من العمل) مع إطلاق العقد (ما) دلّ عليه العرف والعادة مما (فيه مستزاد الثمرة) خاصّة، كما عن
الإسكافي ، وتشعر به ظاهر العبارة، أو
إصلاحها أيضاً، كما عليه أكثر متأخّري الطائفة.
وضابطه كما ذكره الأصحاب ما يتكرّر كلّ سنة، كإصلاح الأجاجين -الأجاجين جمع
الإجّانة وهي موقع الماء تحت الشجرة.،
وإزالة الحشيش المضرّ بالأُصول، وقطع ما يحتاج إلى القطع من أغصان الشجر والنخل، وإصلاح الأرض بالحرث والحفر حسب ما يحتاج إليه، والسقي، والتلقيح، والعمل بالناضح، وتعديل الثمرة بإزالة ما يضرّ بها من الأغصان والأوراق
لإيصال الهواء إليها وما تحتاج إليه من الشمس، ولقاط الثمرة بمجرى العادة، وحفظها، إلى غير ذلك. (و) على المالك القيام بما يقتضي العرف والعادة قيامه به.
وضابطه كما ذكروه ما لا يتكرّر كلّ سنة، وإن عرض له في بعض الأحوال التكرّر، ممّا يتعلّق نفعه بالأُصول بالذات وإن حصل منه النفع للثمرة بالعرض، فإنه (على المالك) دون العامل، ك (بناء الجدران وعمل النواضح) وحفر الأنهار والآبار، وما يسقى بها من دالية أو دولاب أو نحو ذلك.
والأكثر كما في المسالك وغيره
على أن الكُشّ -الكُشّ : ما يُلْقح به النخل.
للتلقيح على المالك. خلافاً للحلّي، فعلى العامل.
وفي التذكرة أنّ شراء الزبل وأُجرة نقله على ربّ المال.
والأقوى في ذلك كلّه الرجوع إلى المتعارف في كلّ بلد أو قرية فإنه الأصل في أمثال هذه المسائل.(و) كذا (خراج الأرض) على المالك؛ لعين ما مرّ في
المزارعة .
(إلاّ أن يشترط) شيء من ذلك (على العامل) فيلزمه بعد أن يكون معلوماً. ولا فرق بين أن يكون المشترط عليه جميعه أو بعضه، بلا خلاف إلاّ من الإسكافي
في اشتراط المالك على العامل
إحداث أصل جديد من حفر بئر أو غرس يأتي به لا يكون للمساقي في ثمرته حقّ.وهو شاذّ، والمصير إلى الأوّل متعيّن؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.
ومنه يظهر الوجه في لزوم الشرط في صورة العكس، وهي اشتراط العامل ما عليه على المالك، لكن فيها يفرق بين صورتي اشتراط الجميع والبعض، فيبطل في الأُولى؛ لمنافاته لمقتضى العقد.
ولا خلاف فيه وفي أصل
الاشتراط مطلقاً، كان المشروط أقلّ أو أكثر، بل في ظاهر المسالك الإجماع عليه،
إلاّ من
المبسوط ، كما في المختلف
فيما إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل ربّ المال معه، فأبطل به المساقاة، بناءً على أن وضعها على أن مِن ربّ المال المال ومِن العامل العمل كما في القراض.
وفيه على إطلاقه منع، مع أنه منقوض بتسويغه اشتراط العامل على المالك أن يعمل معه غلامه، وأن يكون على المالك بعض العمل، فيلكن هذا مثل ذلك؛ لأنه من قبيله، بل قيل : إنه نفسه.
ومنه أيضاً
فيما إذا ساقاه على أن أجرة الأُجراء الذين يعملون معه ويستعان بهم من الثمرة، فأفسد به المساقاة؛ لاستلزامه كون المال والعمل معاً من ربّ المال، وهو منافٍ لوضعها، كما مرّ.
وهو حسن إن لم يبق للعامل عمل يستزاد به الثمرة، وإلاّ فهو محلّ مناقشة، بل ظاهر المختلف وصريح المهذب
الاكتفاء في الصحة بمجرّد العمل وإن لم يكن فيه مستزاد للثمرة، كالحفظ والتشميس والكبس في الظروف ونحو ذلك. ولا ريب في ضعفه.
(ولا بُدّ أن تكون الفائدة مشاعة) كما في المزارعة، بلا خلاف؛ لعين ما مرّ فيها من الأدلّة (فلو اختصّ بها أحدهما لم تصحّ) المساقاة؛ لفقد شرطها.لكن يختلف الحكم في ذلك بين ما لو كان المشروط له جميعها العامل أو المالك، فإن كان الأوّل كان الثمرة كلها للمالك، وللعامل
أجرة المثل مع جهله بالفساد، كما هو الحكم في كلّ مساقاة باطلة، وسيأتي إليه وإلى وجهه الإشارة.
وإن كان الثاني فالأقوى أنه لا أجرة له؛ لدخوله في العمل على وجه التبرّع فلا أجرة له ولا حصّة، كما في البضاعة.وفيه احتمال ضعيف بثبوت الأُجرة. ونحو اختصاص أحدهما بالفائدة في بطلان المعاملة ما لو شرط لنفسه شيئاً معيّناً وما زاد بينهما، أو قدّر لنفسه أرطالاً أو ثمرة نخلة معيّنة. ووجه البطلان فيهما بالخصوص مرّ في المزارعة فيما حكيناه من كلام ابن زهرة.
ويجوز
اختلاف الحصّة في الأنواع، كالنصف من العنب والثلث من الرطب، أو النوع الفلاني، إذا علما الأنواع؛ حذراً من وقوع أقلّ الجزءين لأكثر الجنسين مع الجهل بها فيحصل الغرر. ولو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت، على الأشهر الأظهر؛ لأن الحصّة لم تتعين، وإن هي حينئذٍ إلاّ
كالبيع بثمنين إلى أجلين مختلفين، والمعتمد فيه
البطلان ، كما مرّ في بحثه.
ويحتمل الصحة إن قيل بها ثمّة وكان مستندها منع الجهالة دون الرواية خاصّة. وإن كانت هي الحجة خاصّة فيها ثمة كانت الصحة هنا ممتنعة؛ للجهالة، مع عدم وجود مخصّص لحكمها من إجماع أو رواية، وإلحاقها بالبيع قياس فاسد في الشريعة.
(وتملك) الفائدة (بالظهور) من دون توقّف على بدوّ الصلاح، بلا خلاف بيننا كما في المسالك، وفيه عن التذكرة الإجماع عليه؛
وهو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ في المضاربة، ولذا تجب
الزكاة على كلّ من المالك والعامل إذا بلغ نصيبه الزكاة، لوجود شرط الوجوب وهو تعلّق الوجوب بها على ملكه. خلافاً للغنية،
فأسقطها من العامل؛ محتجّاً بأن حصّته كالأُجرة.
وهو ضعيف غايته، بل انعقد الإجماع ممن بعده على فساد ما ذكره؛ لأن الأُجرة إذا كانت ثمرة أو زرعاً قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على الأجير، كما لو ملكها كذلك بأيّ وجه كان، وإن أراد كالأُجرة بعد ذلك فليس محل النزاع إلاّ أن يذهب إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور،بل بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الزكاة، لكنه خلاف الإجماع، ومع ذلك لا يتمّ التعليل بالأُجرة؛
لاجتماعها مع وجوب الزكاة فيها كما عرفت، بل اللازم التعليل بتأخّر ملكه عن الوجوب.
ولو كان المساقاة بعد تعلّق الزكاة وجوّزناها بأن بقي من العمل ما فيه مستزاد الثمرة حيث جوّزناها مع ذلك اتّجه ما ذكره من وجوب الزكاة في حصّة العامل على المالك؛ لتعلق الوجوب بها على ملكه.
(وإذا اختلَّ أحد شروط المساقاة) المعتبرة في صحتها (كانت الفائدة للمالك) لأنها تابعة لأصلها، ولا ناقل سوى العقد، وقد بطل بحكم الفرض. (وللعامل الأُجرة) أُجرة المثل إذا لم يكن عالماً بالفساد، ولم يكن الفساد بشرط عدم الحصّة للعامل؛ لأنه لم يتبرّع بعمله ولم يحصل له العوض المشروط له فيرجع إلى الأُجرة. ولا كذلك مع أحد الأمرين؛ لقدومه حينئذٍ على أن لا شيء له.
ولا خلاف ولا إشكال في شيء من ذلك إلاّ في
استحقاقه الأُجرة حيث يستحقها لو زادت عن الحصّة، فأحتمل في المسالك الاكتفاء بها عن الأُجرة؛ لقدومه على أن لا يكون له سواها في مقابلة عمله، حتى لو كانت في مقابلة عشر العمل لكان مسقطاً للزائد، فيكون متبرّعاً للزائد على هذا التقدير، كما تبرّع به على تقدير اشتراط جميع الثمرة للمالك، وعلى تقدير عليه بالفساد.
وفيه أوّلاً : أن ذلك لو صلح دليلاً للاكتفاء بالحصّة عن الأُجرة الزائدة لصلح دليلاً لنفي الأُجرة بالمرّة حيث لا تحصل فائدة بالكلية؛ لقدومه على أن لا شيء له لو فسدت الثمرة ولم تكن هناك فائدة، وليت شعري كيف لم يستدلّ به على ذلك مع كونه أوفق بالأصل؟!
وثانياً : بأن الحصّة إنما وجبت بحيث لا تجوز الزيادة ولا النقيصة، من حيث اشتراطها في العقد اللازم على تقدير الصحة، وصار الحكم في المسألة مبنياً على قاعدة أُخرى من كونه عملاً موجباً للأُجرة، وأن الداخل فيه إنما دخل بذلك ولكن لا تسلم له، لظهور فساد المعاملة، فلا بُدّ لعمله من اجرة، ورضا العامل بتلك الحصّة على تقدير صحة المعاملة لا مدخل له في مفروض المسألة، لمغايرتهما، ورضاه بالأقلّ ثمّة لا يوجب الحكم به عليه هنا إلاّ أن يتجدّد رضا آخر منه بذلك، والمفروض عدمه، وإلاّ فلا كلام معه.
وثالثاً : بما ذكره في الكتاب المشار إليه من أنه لم يقدم على التبرّع بعمله أصلاً، بل كما يحتمل أن تكون الحصّة قاصرة عن مقابلة العمل يحتمل مساواتها له وزيادتها عليه أضعافاً مضاعفة، فهو قادم على عمل محتمل للزيادة والنقيصة، فليس متبرّعاً به بالكلية، وإن احتمل قصورها في بعض الأزمنة، بخلاف العالم وشارط جميع الحصة للمالك، فإنه في
ابتداء الأمر قادم على التبرّع المحض على أيّ تقدير.
(ويكره أن يشترط المالك) -في المختصر المطبوع زيادة : مع الحصّة-على العامل (شيئاً من ذهب أو فضة و) لكن (يجب الوفاء به لو شرط) عملاً بما دلّ على لزومه من الكتاب والسنة (ما لم تتلف الثمرة) يُخرج منها شيء، ولو تلفت أو عدمت لم يجب الوفاء به.
بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الكراهة، كما في المسالك،
وعلّلت مع ذلك في المهذب وغيره
بجواز كون الخارج بقدر الشرط أو أقل، فيكون عمله ضائعاً موجباً للضرر المنفي عقلاً وشرعاً، مع احتمال خروج العامل بذلك عن الرشد ودخوله في السفهاء. وفيه نظر.
ووجّه في المسالك وغيره
سقوط المشروط مع تلف الثمرة أو عدمها بأجمعها أنه لولاه لكان أكل مال بالباطل؛ فإن العامل قد عمل ولم يحصل له عوض فلا أقلّ من خروجه رأساً برأس.نعم، لو كان الشرط للعامل على المالك اتّجه عدم سقوطه؛ لأن العوض من قبل العامل وهو العمل قد حصل، والشرط بالعقد قد وجب، فلا وجه لسقوطه. وربما قيل
بمساواته الأوّل.
وهو ضعيف.
ولو كان التالف في الصورة الأُولى البعض خاصة فهل يسقط من المشروط بالنسبة؛ لمقابلة الأجزاء بالأجزاء حيث قوبلت الجملة بالجملة؟ أو لا؛ لأصالة العدم، وأن المعتبر حصول عوض العمل ولا اعتبار بكثرته وقلّته، ومن ثمّ لا يسقط من العمل شيء بتلف بعض الثمرة أو أكثرها؟
قولان، أجودهما الثاني، وفاقاً للشهيد الثاني. خلافاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الثاني.ولا يخلو عن قوّة حيث لا يكون الباقي من الثمرة يوازي العمل لقلّته؛ بناءً على
انسحاب علّة السقوط في صورة تلف الثمرة بأجمعها هنا، إلاّ أنها لمّا لا يخلو عن شيء من أصلها وكان الإجماع هو العمدة في علّة
السقوط في تلك الصورة كان عدمه هنا أقوى؛ عملاً بالأصل الدالّ على لزوم الوفاء.
وهل يلحق باشتراط
الذهب والفضة في الجواز مع الكراهة اشتراط حصّة من الأُصول الثابتة؟
قولان؛ لعموم دليل الجواز في الملحق به، وأنّ مقتضى المساقاة جعل الحصّة من الفائدة، وأن الحصّة من الأُصول تدخل في ملكه، فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعاً في ملك المالك، ولا واجباً بالعقد؛ إذ لا يعقل أن يشترط العمل في ملك نفسه.
ومنه يظهر الوجه في الفرق بينه وبين اشتراط النقدين، وحاصله أنه فرق بين أن يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به وبين أن يكون منه؛ لأن جعل العوض الحاصل للعامل وهو الحصّة من
النماء إنما هو في مقابلة العمل بجميع المال المعقود عليه، وإذا صار له جزء من
الأصل لم يحصل العمل بجميع المال المملوك للمالك، فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة؛
لإخلاله بالشرط وهو العمل بالجميع، فيبطل العقد.
وفيه نظر؛ لاحتمال أن يكون اشتراط الحصة من الأصل
كالاستثناء من العمل بجميع المال المملوك، وبياناً لأن ما يستحقه من الحصّة من الثمرة بعضها في مقابلة العمل بما يخصّ المالك من الأُصول الثابتة والباقي بتبعيّته للملك الحاصل له بالشرط في العقد اللازم.
ومع هذا فالمنع أوجه، وفاقاً للأكثر، كالطوسي والحلّي وفخر الدين والمسالك والمفلح الصيمري،
بل لم أقف على مخالف صريحاً، بل ولا ظاهراً عدا الماتن في الشرائع،
حيث تردّد، ونحوه الفاضل في القواعد،
بعد جزمهما بالمنع، اقتصاراً في هذه المعاملة المخالفة للأُصول على المجمع عليه المتيقن.
رياض المسائل، ج۹، ص۳۹۴-۴۰۸.