المضاربة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عقدُ شركة في الرِّبح بمالٍ من رَجُلٍ وعَمَلٍ من آخرَ .
مأخوذة من الضرب في الأرض؛ لأنّ العامل يضرب فيها للسعي على
التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكان الضرب مسبّب عنهما، فتحققت المفاعلة لذلك.أو من ضرب كلّ منهما في
الربح بسهم. أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه.
وهذه لغة
أهل العراق ، وأهل الحجاز يعبّرون عنها بالقراض من القرض وهو
القطع ، كأنّ صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلّمها إلى العامل، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله؛ أو من
المقارضة ، وهي
المساواة ، ومنه قول أبي الدرداء : قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك.
ووجه التساوي هنا أن المال من جهةٍ والعمل من اخرى والربح في مقابلهما، فقد تساويا في قوام العقد، أو أصل
استحقاق الربح وإن اختلفا في كمّيته.
(وهي) على ما ظهر من وجه التسمية (أن يدفع
الإنسان إلى غيره مالاً) مخصوصاً (ليعمل فيه بحصّة) معيّنة (من ربحه) من نصف أو ثلث أو نحو ذلك بحسب ما يشترطانه.ولو اشترط جميعه للمالك فهو بضاعة، ولو انعكس فاشترط جميعه للعامل فقرض ومداينة، وإن لم يشترطا شيئاً أو فسد العقد بفساد بعض شروطه فالربح كله للمالك وللعامل
أجرة المثل، كذا ذكره في المسالك تبعاً للتذكرة.
ولعل المراد أن اشتراط الربح لهما معاً إنما يكون في القراض، واشتراطه للعامل خاصّة إنما يكون في القرض، وللمالك خاصة إنما يكون في
البضاعة ، وهذا لا يدل على حصول القراض بمجرد هذا
الاشتراط كما يوهمه ظاهر كلامهما، ولا على حصول
القرض بذلك، فاندفع ما يرد عليهما من عدم حصول كلّ من القرض والقراض بمجرّد الدفع واشتراط ما يناسبهما، بل يشترط فيهما صيغ مخصوصة.
مع أنه يحتمل
الاكتفاء به في الأوّل؛ للمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما : «من ضمن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله، وليس له من الربح شيء».
لظهورها في أنّه بمجرّد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً ويخرج عن
المضاربة ، وإن لم يتقدّم هناك عقد القرض، وهو في معنى اشتراط الربح للعامل، فإن
الأمرين من لوازم القرض، فتأمّل.
نعم، يتوجّه عليهما في حكمهما بلزوم الأُجرة في الصورة الأخيرة أنّه لا دليل عليه، مع كون
الأصل عدمه، ومرجعه إلى قيام احتمال التبرّع، ولا أجرة معه.ويمكن دفعه بتخصيص ما ذكراه بصورة جريان عقد القراض. ووجه الدفع حينئذٍ أن صدور عقده منهما
إقدام منهما على عدم خلوّ عمل العامل عن الأجر وسلب التبرّع عنه، غاية الأمر أنهما لم يشترطا أو اشترطا شيئاً معيّناً، وهو لا يوجب كون العمل تبرّعاً، وحيث انتفى احتماله وجب أجرة المثل، بلا خلاف في الظاهر.
ووجهه أن الحكم بعدم وجوبها يستلزم الضرر على العامل الناشئ عن
إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلاً لما بإزائه من الأجر المطلق أو المعيّن، وحيث بطل تعيّن المثل.ولذا حكم الأصحاب بوجوب مثل ذلك لمن عمل لآخر عملاً يحكم العرف بعدم كونه متبرّعاً، كأن يكون دلاّلاً أو سمساراً.
وظاهر عبارتهما كباقي الأصحاب عدم لزومه للعامل في البضاعة. وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه، وإلاّ فالمتّجه لزومه؛ ولذا فصّل الفاضل المقداد في شرحه على الكتاب فقال فيها أي : في البضاعة. إن قال مع ذلك : ولا أجرة لك، فهو توكيل في
الاسترباح من غير رجوع عليه بأُجرة، وإن قال : لك أجرة كذا، فإن كان عيّن عملاً مضبوطاً بالمدة أو العمل فذاك
إجارة ، وإن لم يعيّن فجعالة، وإن سكت وكان ذلك الفعل له أجرة عرفاً فله أجرة مثله.
ولنعم ما فصّل، وينبغي تنزيل كلمة الأصحاب عليه.
(و) يجوز (لكلّ منهما الرجوع) وفسخ العقد (سواء كان المال ناضّاً) منقوداً دراهم ودنانير (أو مشتغلاً) بالعروض غير منضوض، بناءً على جوازها من الجانبين، بلا خلاف يظهر، وبه صرّح في
المسالك وغيره؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى التأيّد بالأصل، وأنها وكالة في
الابتداء ثم قد تصير شركة، وكلتاهما جائزتان، فلتكن هي كذلك. ثم إن كان الفاسخ العامل ولم يظهر ربح فلا شيء له، وإن كان المالك ضمن للعامل أُجرة المثل إلى ذلك الوقت، صوناً للعمل المحترم عن الخلوّ من الأجر.ويحتمل العدم؛ للأصل، وإقدام العامل عليه لمعرفته جواز العقد واحتمال
الانفساخ قبل ظهور الربح. بل وبعده مع تحقّق الوضيعة المستغرقة له، لكونه وقاية لرأس المال، بلا خلاف يظهر.
ولو ظهر ربح في الصورتين فهو على الشرط لا غير.قيل : ومن لوازم جوازها وقوع العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه.
وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيّاً أو جوازه بالفعل أيضاً قولان، قوّى ثانيهما في الروضة تبعاً للتذكرة.
ويظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه وفي الاكتفاء في طرفي
الإيجاب والقبول بكلّ لفظٍ. فإن تمّ، وإلاّ فالأولى خلافهما؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على أن الربح تابع للمال وللعامل أجرة المثل، المنطبق مع المضاربة تارةً والمتخلّف عنها أخرى على المتيقّن؛ ولعلّه لهذا اعتبر فيها التواصل بين الإيجاب والقبول، والتنجيز، وعدم التعليق على شرط أو صفة.
وهو حسن على ما حقّقناه، ولكن على ما ذكره من الاكتفاء بالفعل في طرف القبول وبكلّ لفظ في طرف
الإيجاب بناءً على جواز العقد مشكل، وسؤال الفرق بينه وبين اعتباره إيّاهما متّجه.
(ولا يلزم فيها اشتراط الأجل) هذه العبارة تحتمل معنيين، أحدهما : أنه لا يجب أن يشترط فيها الأجل ولا ضربها إليه، بل يجوز مطلقاً؛ للأصل، والعمومات.والثاني : أن
الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم، بل جائز يجوز لكلّ منهما الرجوع فيه؛ لجواز أصله بلا خلاف، كما مضى، فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزاً بطريق أولى، ولعلّ هذا هو المراد، وإن صحّ
إرادة الأوّل أيضاً.
وفي التعبير بعدم اللزوم حيث يراد من العبارة المعنى الثاني إشارة إلى ثبوت الصحة؛ والوجه فيه أنه يثمر المنع من التصرّف بعد الأجل إلاّ بإذن جديد، لأن التصرف تابع للإذن، ولا
إذن بعده.وكذا لو أجّل بعض التصرفات
كالبيع أو الشراء خاصّة، أو نوعاً خاصاً من التجارة.
ولا كذلك اشتراط لزومها إلى أجل أو مطلقاً، فإنه باطل ومبطل، على الأشهر الأقوى، أمّا لمنافاته لمقتضى
العقد ، أو لعدم دليل على لزومه سوى الأمر بالوفاء بالعقود ولزوم الوفاء بالشروط، وليس على ظاهره هنا من الوجوب بلا خلاف، كما مضى، فإذا فسد الشرط تبعه العقد في الفساد، بخلاف شرط الأجل، فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاصّ، وهو غير منافٍ، ولا موجب لفساد العقد، لعدم توقّفه عليه كما في الأوّل.
(و) يجب على العامل أن (يقتصر) في التجارة (على ما يعيّن له) المالك (من التصرف) بحسب نوعها ومكانها وزمانها، ومن يشتري منه ويبيع عليه، وغير ذلك؛ لأن جواز التصرف تابع لإذن المالك ولا إذن مع
المخالفة .ولا خلاف فيه وفي صحة المضاربة المشتملة على التعيين بمثل ذلك، وإن ضاقت بسببه التجارة، بل صريح المسالك وظاهر الغنية
أن عليه إجماع
الإمامية ؛ وهو الحجة، مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.
(ولو أطلق) له الإذن (تصرّف في
الاستنماء )
والاسترباح (كيف شاء) من وجوه التصرفات، ولو بغير نقد البلد وثمن المثل بشرط المصلحة، وفاقاً لجماعة.
خلافاً للطوسي في المبسوط والخلاف،
فاشترطهما.
ولا وجه له إذا اقتضت المصلحة غيرهما، وإن كان فرضها في الأخير نادراً.ويمكن حمل كلامه على ما يلائم المختار بصرفه إلى الغالب؛ نظراً إلى أنه الذي يتضمن المصلحة دون غيره.والصرف إلى الغالب هو
الأصل في حمل إطلاق الإذن على المصلحة؛ لعدم
انصرافه إلى غيرها إلاّ أن يصرّح بغيره، فيجوز مطلقاً قولاً واحداً، ولا إشكال فيه جدّاً لو لم يتضمّن الإذن بذلك سفاهة، وإلاّ فيشكل أصل المضاربة من جهتها، بل الظاهر حينئذٍ عدم صحّتها.
واعلم أنه لما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان إطلاق العقد مقتضياً للترخيص فيما اعتيد تولّي المالك له بنفسه من عرض القماش على المشتري، ونشره، وطيّه،
وإحرازه ، وبيعه، وشرائه، وقبض ثمنه،
وإيداعه الصندوق، ونحو ذلك.وهذا النوع لو استأجر عليه فلا أجرة له، عملاً بالمعتاد، مضافاً إلى الأصل.
وما جرت العادة بالاستيجار عليه كالدلالة، والحمل، والكيل، والوزن، ونقل الأمتعة الثقلية التي لم تجر عادة التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر جاز له
الاستيجار عليه، ولو عمل بنفسه لم يستحقّ اجرة بحسب ما يقتضيه إطلاق كلامهم. لكن لو قصد بالعمل الأُجرة كما يأخذ غيره أو أقلّ، وقلنا بجواز أن يستأجر الوكيل في الاستيجار نفسه، لم يبعد القول باستحقاقه الأُجرة، سيّما في الأقل؛ للأولوية.
(ويشترط) في صحّة المضاربة (كون الربح مشتركاً) بينهما، بلا خلاف فيه فتوًى ونصّاً مستفيضاً، ففي الموثق : عن مال المضاربة، قال : «الربح بينهما، والوضيعة على المال».
ونحوه النصوص الآتية.
مع أنه لو اختصّ الربح بأحدهما كان بضاعةً أو قرضاً ومداينة، كما مضى إليه
الإشارة ، لكن ذلك إذا لم يكن الدفع بصيغة المضاربة، وإلاّ فيحتملهما وعدمهما، وعليه يكون الربح كلّه للمالك وللعامل اجرة المثل،كما تقدّم، وكذا على الأوّل في صورة البضاعة، لكن لا أجرة للعامل إمّا مطلقاً، كما يقتضيه إطلاق عبائر الجماعة، أو على التفصيل الذي قدّمنا إليه الإشارة، وعليه في الصورة الثانية يكون الربح كلّه للعامل وللمالك رأس المال بلا خلاف.
(ويثبت للعامل ما شرط له) المالك (من الربح) من النصف أو الثلث أو نحوهما (ما لم يستغرقه) على الأشهر الأظهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وفي المسالك بل غيره
أيضاً إجماع المسلمين عليه، إلاّ شواذّ منّا لا يقدح خروجهم في
الإجماع جدّاً.
والأصل فيه المعتبرة المستفيضة الحاكمة في الربح بالشركة، وقد تقدّم جملة منها، وسيأتي إلى باقيها الإشارة. وأمّا ما ربما يتخيّل في دلالتها بأن الشركة فيه أعمّ من
الاستحقاق منه بحسب الشرط، فلعلّها بحسب ما يستحقه من الأُجرة،
والإضافة يكفي فيها أدنى الملابسة. فالمناقشة فيه واضحة؛ لأن استحقاق الأُجرة إنما هو على المالك لا على الربح، فإضافتها إليه لا وجه لها بالكلية، هذا.
مع منافاة ذلك لسياقها وما هو المتبادر منها جملة، مع وقوع التصريح في بعضها بأن الربح بينهما على حسب ما شرط، وليس إلاّ ما يحصل من الربح بقدر نصيبه دون أجرة المثل فهو ضعيف جدّاً،
كالاستدلال للحكم بعمومي الأمر بالوفاء بالعقد
والالتزام بالشرط؛
لإفادتهما الوجوب من حينهما، ولم يقل به أحد أصلاً.
(وقيل) كما عن النهاية والمفيد والقاضي والتقي
(للعامل أجرة المثل) والربح كله للمالك؛ لأن
النماء تابع للمال. وفي إطلاقه منع.
ولجهالة العوض الموجبة لفساد المعاملة. وهو منتقض بكثير من العقود
كالمزارعة ، ومرجعه إلى منع إفادة الجهالة فساد المعاملة على الإطلاق، وسنده مع عموم دليل الإفادة ما قدّمناه من الأدلّة، وما ذكروه اجتهادات في مقابلتها غير مسموعة.
مع أن مرجعها بل صريح بعضها إلى الحكم بفساد هذه المعاملة، والنصوص بخلافه زيادةً على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة
والعامة، وقد استعملها الصحابة، فروي ذلك عن
علي عليه السلام وابن مسعود وحكيم بن حزام وأبي موسى الأشعري،
ولا مخالف لهم فيه.
(و) يجوز أن (ينفق العامل في السفر) الذي يعمل فيه للتجارة (من الأصل كمال النفقة) وجميع ما يحتاج إليه فيه من مأكول وملبوس ومشروب ومركوب، وآلات ذلك كالقربة والجواليق ونحوها، وأُجرة المسكن ونحو ذلك، على الأشهر الأظهر، وعليه عامة من تأخّر، وعن الخلاف الإجماع عليه؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرين، أحدهما الصحيح : في المضارب : «ما أنفق في سفره فهو من جميع المال، وإذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه»
ونحوه الثاني القوي.
قيل : بل الزائد عن نفقة الحضر خاصة؛ لأنه الحاصل بالسفر، وأما غيره فليس السفر علة له.
وقيل : بل نفقة السفر كلّها على نفسه كنفقة الحضر؛ لأن
الأصل عدم جواز التصرف إلاّ بما دلّ عليه
الإذن ولم يدلّ إلاّ على الحصّة المعيّنة.وكلاهما
اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر، إلاّ أن يحمل «ما» في «ما أنفق» على ما خصّ بالسفر، وهو خلاف الظاهر.
وحيث قلنا بجواز
الإنفاق وجب عليه أن يراعي فيها ما يليق به عادة مقتصداً، فإن أسرف حُسِب عليه، وإن أقتر لم يحسب له، وإذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها ولو من الزاد يجب ردّه إلى
التجارة ، أو تركه إلى أن يسافر إن كان ممن يعود إليه قبل فساده.
ثم إنّ كلّ ذا ما لم يشترط، ولو شرط عدمها لزم، ولو أذن بعده فهو تبرّع محض. ولو شرطها فهو تأكيد، إلاّ أن يزيد المشترط على ما لَه إنفاقه، ويشترط حينئذ تعيينها؛ لئلاّ يتجهّل الشرط، بخلاف ما يثبت بأصل الشرع. ولا يعتبر في ثبوتها حصول الربح، بل ينفق ولو من الأصل؛ لإطلاق الفتوى والنصّ، ومقتضاهما إنفاقها من الأصل ولو مع حصول الربح، ولكن ذكر جماعة
إنفاقها منه دون الأصل، وعليه فليقدّم على حصّة العامل.
ومئونة المرض في السفر، وكذا المدّة التي لم يشتغل فيها بالتجارة على العامل، وكذا سفر لم يؤذن فيه وإن استحقّ الحصّة.والمراد بالسفر العرفي لا الشرعي؛ لانصراف
الإطلاق إليه دون الأخير، فإرادته منه مخالف للإطلاق، فيقتصر فيه على مورد الدليل، وليس هنا لا من نصّ ولا فتوى، فينفق من الأصل وإن كان قصيراً أو أتمّ الصلاة، إلاّ أن يخرج عن اسم المسافر، أو يزيد عما يحتاج التجارة إليه، فينفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.
ولو كان لنفسه أو لغيره غير هذا المال فالوجه التقسيط.وقيل : إنه لا نفقه على مال المضاربة هنا.
وهو أحوط وأولى.وعلى الأوّل فهل هو على نسبة المالين أو العملين؟ فيه وجهان.
(و) اعلم أنه لما كان المقصود من العقد أن يكون ربح المال بينهما وجب أن (لا يشتري العامل إلاّ بعين المال) فإن ذلك لا يحصل إلاّ به؛ لأن الحاصل بالشراء في الذمّة ليس ربح هذا المال؛ مضافاً إلى أن في الشراء كذلك
احتمال الضرر على المالك؛ إذ ربما يتلف رأس المال فتبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك، وقد لا يقدر عليه، أو لا يكون له غرض في غير ما دفع.
(و) يتفرّع عليه أنه (لو اشترى في الذمة وقع الشراء له والربح له) ظاهراً وباطناً إن عيّن ذمّته أو أطلق ولم يعيّن ذمّة، وللمالك إن عيّن ذمّته لفظاً مع إذنه سابقاً أو لاحقاً، وبدونه يبطل. ولو عيّنه قصداً لا لفظاً حكم بالشراء له ظاهراً ووقع للمالك باطناً بشرط الإذن ولو لاحقاً، وإلاّ بطل بالإضافة إليه، كما تقدم.
ولا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر، ولا إشكال أيضاً إلاّ في صورة الشراء في ذمّة المالك أو الذمة مطلقاً، فيحتمل الحكم بالشراء للمالك ظاهراً وباطناً مطلقاً، وإن لم يأذن للعامل بالشراء كذلك صريحاً؛ لما مرّ من
اقتضاء إطلاق الإذن تولّي العامل ما يتولاّه المالك كعرض القماش ونحوه، ومنه الشراء كذلك، بناءً على غلبة تحقّقه منه ومن العامل، بل ومطلق التجار، فينصرف الإطلاق إليه أيضاً، ولم أرَ من تنبّه لهذا
الإشكال إلاّ المقدس الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد
وخالي العلاّمة دم ظلّه العالي في حواشيه على الكفاية ورسالته الفارسية في التجارة.
ويمكن تنزيل إطلاق كلمة الأصحاب عليه بصرفه إلى غير صورة غلبة ذلك ويكون مقصودهم بيان ما يقتضيه الإذن الحاصل من نفس العقد، دون الحاصل به مع ضميمة أمر آخر من عادة أو غيرها، فإن ذلك أمر آخر، ولكن على هذا يتّجه سؤال الفرق بين جعلهم جواز تولّي العامل ما يتولاّه المالك من مقتضيات العقد معلّلين باقتضاء العرف ذلك فيحمل إطلاق الإذن عليه، وحكمهم هنا بوجوب الشراء بالعين معلّلين
باقتضاء العقد ذلك، مع أن هذا مشارك للأوّل في قضاء العرف بالشراء في الذمّة، كما مرّ إليه الإشارة.
اللهم إلاّ أن يجعل وجه الفرق
الاطمئنان بقضائه ثمّة وعدم
اختلاف العرف فيه دون المسألة؛ للشك فيه، أو لاختلاف العرف، فلا يمكن جعل الشراء في الذمّة من مقتضى العقد على الإطلاق، بل يناط
الأمر فيه بالعرف حيث حصل، فلا سبيل إلى جعل ذلك قاعدة كلّية، بل القاعدة في مثله كما يقتضيه النظر والرجوع إلى حكم الأصل هو الذي أسّسوه من وجوب الشراء بالعين إلاّ مع إذن المالك به في الذمّة، فيتبع حينئذٍ بما يستعقبه من تعلّق عهدة الثمن بذّمته ووجوب أدائه عليه دون العامل، بقي مال المضاربة أم لا.
وعليه يكون المبيع مالاً للمضاربة إن أدّى ثمنه من مالها، وفاقاً للشيخ وغيره،
وتبعه الفاضل المقداد، قال : وحكى فيه هنا أقوالاً غير محصّلة لا فائدة في ذكرها.
وبما ذكرناه من وجه الفرق تفطّن الفاضل المقدس، فقال بعد
الاستشكال بنحو ما ذكرنا : فتأمّل، إذ قد لا يفهم يعني الإذن بالشراء في الذمة ويتلف قبل
الأداء لمانع غير اختياري.
(ولو أمره) المالك (بالسفر إلى جهة) معيّنة (فقصد غيرها ضمن) مع التلف، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
السرائر والغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الأُصول، والنصوص المستفيضة، منها زيادة على ما يأتي إليه
الإشارة الصحيح : في الرجل يعمل بالمال مضاربةً، قال : «له الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء، إلاّ أن يخالف عن شيء ممّا أمر به صاحب المال»
ونحوه الموثق
وغيره.
(و) يستفاد منها بناءً على الأقوى من رجوع
الاستثناء المتعقّب للجمل المتعاطفة إلى الأخيرة خاصّة أنه (لو ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط) الذي وقع بينهما من نصف أو ثلث أو غيرهما.مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة، منها الصحيحان، في أحدهما : عن الرجل يعطي المال مضاربة وينهى أن يخرج به فخرج، قال : «يضمن المال، والربح بينهما»
ونحوه الثاني،
والموثق،
والخبر القريب من الصحيح،
بل عدّ منه عند جماعة من المحقّقين.
(وكذا لو أمره
بابتياع شيء معيّن فعدل إلى غيره) ضمن مع التلف؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة حتى الإجماع المنقول في السرائر والغنية. ولو ربح كان بينهما؛ للموثّق، بل الصحيح كما قيل
: في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً، فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال : «هو ضامن، والربح بينهما على ما شرط».
مضافاً إلى عموم الصحيح : في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً فيخالف ما شرط عليه، قال : «هو ضامن، والربح بينهما».
وهذه النصوص مع اعتبار أسانيدها،
واستفاضتها ،
واعتضادها بعمل الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل ظاهر المسالك
الإجماع عليه خالية عن المعارض، إلاّ ما يقتضيه القاعدة من فساد المضاربة ووقوع المعاملة فضوليّاً تقف على
الإجازة تصحّ معها، والربح كلّه للمالك، وليس للعامل شيء، وتبطل بدونها. ولكن لا مندوحة عن تخصيصها بهاء؛ لما مضى. وربما وجّهت بما تلتئم به معها.
فقيل : وكان السبب في ذلك أن الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح وباقي التخصيصات عرضية لا تؤثّر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات.وهو كما ترى، ولذا صرّح الموجّه في محلّ آخر
باختصاص الحكم بموارد النصوص، فقال : أمّا لو تجاوز بالعين والمثل والنقد من وجوه التصرف حيث تعيّنت وقف على الإجازة، فإن لم يُجز بطل.
وهو كما ترى في غاية الجودة من حيث الدلالة على فساد التوجيه المتقدّم إليه الإشارة، ومحلّ مناقشة من حيث تخصيصه الحكم بموارد الأخبار المذكورة؛ لقوة احتمال
التعدية إلى ما ذكره من الأمثلة، لدلالتها عليها بالأولوية، فإن الحكم فيها بصحة المضاربة مع المخالفة لما شرط عليه صريحاً يستلزم الحكم بصحّتها مع المخالفة لما دلّ عليه عقد المضاربة التزاماً، كالأمثلة المذكورة بطريق أولى.هذا إن أراد بالأمثلة ما يستفاد منها ضمن العقد التزاماً.
أمّا لو أراد بها ما شرط منها في ضمنه كان التعدية بالنص أيضاً واضحة؛ لعموم الصحيحين فيما شرط عليه الشامل لاشتراط ما ذكره من الأمثلة، ومرجع المناقشة على هذا إلى فساد دعوى أخصّية الموارد بل لا مورد خاصّاً إلاّ في بعضها، كما لا يخفى.
(وموت كلّ واحد منهما يُبطل المضاربة) بلا خلاف؛
لانتقال المال إلى الوارث في موت المالك، فلا أثر لإذنه السابق في ملك الغير؛ واختصاصِ الإذن في التصرف بالعامل، فلا يتعدّى إلى وارثه بعد موته، مع أنها في معنى
الوكالة والحكم فيها ذلك إجماعاً، ولذا يلحق بالموت الخروج عن أهليّة التصرف بنحو من الجنون
والإغماء والحجر عليه لسفه، ويظهر وجهه مما قدّمناه في
بطلان الشركة بذلك.
ثم إن كان الميت المالك وكان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث، وإن حصل فيه ربح اقتسماه بالشرط. ويقدّم حصّة العامل على جميع الغرماء؛ لملكه لها بالظهور، فكان شريكاً للمالك، ولتعلّق حقّه بعين المال دون الذمّة فليقدّم. وإن كان المال عرضاً فللعامل بيعه مع رجاء
الربح ، وإلاّ فلا، كذا في المسالك.
وتأمّل فيه صاحب الكفاية،
ولعلّه في محله؛ لانتقال المال إلى الوارث فليس له التصرف فيه إلاّ بإذنه، ومجرّد رجاء الربح غير مجوّزٍ لذلك.
وقال فيه : وللوارث إلزامه
بالإنضاض إن شاء مطلقا.
وتأمّل فيه أيضاً في الكفاية؛
ولعلّ وجهه الأصل، وعدم موجب لتسلّط الوارث عليه، إلاّ أن يقال : إنه حقّ للمورّث فينتقل إليه، فتأمّل.
وإن كان الميت العامل فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك.وإن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصّتهم منه. ولو كان هناك متاع واحتيج إلى
البيع والتنضيض فإن أذن المالك للوارث فيه جاز، وإلاّ نصب له الحاكم أميناً يبيعه، فإن ظهر فيه ربح أوصل حصّة الوارث إليه، وإلاّ سلّم الثمن إلى المالك. وحيث حكم ببطلان المضاربة بالموت وأُريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الاولى من إنضاض المال والصيغة وغيرهما؛ والوجه فيه واضح.
(ويشترط في مال المضاربة أن يكون عيناً) لا ديناً، إجماعاً، كما يأتي (دنانير أو دراهم) إجماعاً، كما في الروضة والمسالك وعن التذكرة؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى مخالفة المضاربة للأصل الدالّ على تبعيّة الربح للمال، واستحقاق العامل الأُجرة مطلقاً أو في الجملة، حيث يحكم فيها
باشتراكهما في الربح على حسب الشرط، ولا دليل على صحّتها ولزوم الوفاء بمقتضاها سوى عمومات الأمر بالوفاء بالعقود والشروط. ومرّ الجواب عنه غير مرّة.وإطلاقاتِ أخبار المضاربة. وفي شمولها لمفروض المسألة وما ضاهاه
ممّا وقع فيه الخلاف
والمشاجرة محلّ مناقشة؛ لعدم ما يدلّ فيها على العموم سوى الإطلاق، ويشترط في
انصرافه إليه عدم ذكره لبيان أمر آخر غير محل الإطلاق، وهذا الشرط فيها مفقود، لوضوح ورودها لبيان أحكام خاصّة فيه دون بيان جواز المضاربة على الإطلاق، وهذا واضح لمن تدبّرها، فينبغي
الاقتصار في مثلها على المتيقّن من النص
والفتوى ، وليس إلاّ النقدين جدّاً.
(و) عليه فـ (لا تصحّ) المضاربة (بالعروض) ولا الفلوس وغيرهما حتى النقرة، بلا تردّد، وإن حصل من الماتن فيها في الشرائع.
وليس في محلّه، سيّما مع صراحة الإجماعات المحكية
في اشتراط النقدية والنقش بسكّة المعاملة، ومع ذلك صرّح في المسالك بمخالفة تأمّله الإجماع، وعدم موافق له فيه.
(ولو قوّم عرضاً وشرط للعامل حصّته من الربح) فسد المضاربة؛ لفقد الشرط. و (كان الربح للمالك، وللعامل الأُجرة) كما هو الحكم في كلّ مضاربة فاسدة، وتقدّم إلى وجهه الإشارة.
(و) الأظهر الأشهر بل لعله عليه عامة من تأخّر أنه لا بُدّ أن يكون معلوم القدر فـ (لا تكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر) إمّا للجهالة، أو للاقتصار فيما خالف الأصل المتقدم على المجمع عليه المتيقّن. (وفيه قول بالجواز) للمبسوط
وربما يُعزى إلى المرتضى؛
لزوال معظم الغرر بها. وهو ضعيف.
وأضعف منه
الاكتفاء بالجزاف وإن لم يشاهد، كما حكاه في المختلف عن الطوسي وقوّاه؛
لعموم : «المؤمنون عند شروطهم».
وهو كما ترى يظهر وجه النظر فيه مما مضى مراراً.
(ولو اختلفا في قدر رأس المال) فادّعى العامل النقصان والمالك الزيادة ولا بيّنة له (فالقول قول العامل مع يمينه) لأنه منكر والأصل معه. وكذا يقبل قوله في قدر الربح؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه.
ولا خلاف فيهما إلاّ من
المحقق الثاني والشهيد الثاني في الأوّل وفي الجميع : المسلمون..،
فقيّداه بصورة عدم ظهور الربح، وحكما فيه بأن القول قول المالك؛ لرجوع
الاختلاف حينئذ إلى الاختلاف في مقدار حصّة العامل، والقول فيه قول المالك على الأظهر الأشهر؛ لتبعيّة النماء للملك، فجميعه له إلاّ ما أقرّ به للعامل. وهو حسن، إلاّ أن في إطلاق الحكم بذلك مع ظهور الربح إشكالاً؛ لعدم
التلازم بين الاختلافين، فقد يختلفان في قدر رأس المال ويتفقّان مع ذلك على كون الحاصل من الربح مقداراً معيّناً.
نعم، لو اختلفا في مجموع ما في يد العامل فادّعى المالك : أن ثلاثة أرباعه مثلاً رأس المال والباقي ربح، والعامل : أن نصفه مثلاً رأس المال والباقي ربح اتّجه ما ذكراه، ولعلّ هذا هو محطّ نظرهما وإن ادّعيا
التلازم بين الاختلافين مطلقاً.
(ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينضّ) على المشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منّا، كما في المسالك،
ويفهم من التذكرة؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة المتقدّمة وغيرها الدالّة بإطلاقها على أن الربح بينهما، وهو يتحقّق بمجرّد ظهوره لغةً وعرفاً. وخصوص الصحيح : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، قال : «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل».
وهو كما ترى ظاهر في غاية الظهور؛ إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته بمجرد الظهور لم ينعتق عليه
أبوه ، مع أنه عليه السلام حكم
بالانعتاق بمجرّد زيادة القيمة على رأس المال، ولا وجه له سوى دخوله في ملكه بنصيبه من الزيادة، فيسري العتق في الباقي، كما هو القاعدة في العتق. وحكى فخر الإسلام
عن والده أنّ في المسألة أقوالاً أُخر ثلاثة : بين حاكم بتوقّف التملّك على الإنضاض؛ نظراً إلى عدم وجود الربح في الخارج، بل هو مقدّر موهوم، والمملوك لا بُدّ أن يكون محقّق الوجود، فيكون الظهور موجباً لاستحقاق الملك بعد التحقق.
وقائلٍ بتوقّفه على القسمة؛
لاستلزام التملّك قبلها شيوع النقصان الحادث بعد ذلك في المال كسائر الأموال المشتركة، والتالي باطل،
لانحصاره في الربح، ولأنه لو ملك لاختصّ بربحه، ولأنّ المضاربة معاملة جائزة والعمل فيها غير مضبوط فلا يستحقّ العوض فيها إلاّ بتمامه كمال
الجعالة . ووافقه ثالث في اعتبار القسمة إلاّ أنه جعلها كاشفة عن الملك لا مُملّكة؛ لأن القسمة ليست من الأسباب المُملّكة، لانحصار المقتضي للملك في العمل خاصّة، وهي دالّة على تمامه الموجب للملكيّة.
وهذه الأقوال مع كونها اجتهادات صرفة في مقابلة النصوص المعتبرة، غير معروفة القائل بين الخاصّة والعامّة، إلاّ الثاني خاصّة فقد جعله في التذكرة
للشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين، ووافقا في الباقي على الأوّل ومراده من الأوّل قول المشهور، وهو تملّك الربح بمجرّد ظهوره.
مضعَّفة، فالأوّل : أوّلاً بمنع عدم وجود الربح قبل الإنضاض؛ لعدم انحصار المال في النقد، فإذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل رأس المال والزائد ربح، وهو محقّق الوجود.وثانياً : بعدم تسليم أنّ غير متحقق الوجود غير مملوك؛ فإن الدين مملوك وهو في الخارج غير موجود.
والثاني : بعدم
الملازمة بين الملك وضمان الحادث على الشياع، ويجوز أن يكون مالكاً ويكون ما يملكه وقاية لرأس المال، فيكون الملك متزلزلاً
واستقراره مشروط بالسلامة.ومنه يظهر وجه عدم
المنافاة بين ملك الحصة وعدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك.
ولأنه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر مما شرط له، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه.ولأن القسمة ليست من العمل في شيء، فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك، فلا وجه
لإلحاقها بالجعالة. ومنه يظهر الوجه في ضعف الثالث.وبعض وجوه الضعف وإن كان لا يخلو عن نظر إلاّ أن الخطب فيه بعد استناد الضعف حقيقة إلى ما قدّمناه سهل، ومع ذلك ما ذكر أيضاً معاضد.
وعلى المختار ليس الملك تامّاً ولا على قرار؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فلا بُدّ للاستقرار من إنضاض جميع المال أو قدر رأس المال، مع الفسخ أو القسمة أو لا معهما على قول، وبدونه يجبر ما يقع في
التجارة من تلف أو خسران، وهو محلّ وفاق، كما في المسالك؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى أن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال زمن العقد، فإذا لم يفضل شيء فلا ربح. ولا فرق في ذلك بين كون الربح والخسران في مرّة واحدة أو مرّتين، وفي صفقة أم اثنتين، وفي سفرة أو سفرات؛ لعموم الحجتين.
(ولا خسران على العامل) وكذا لا تلف (إلاّ) أن يكون كلّ منهما (عن تعدّ أو تفريط) منه في المال، بلا خلاف، وبه صرّحت النصوص المستفيضة المتقدمة، القائلة إنّ له الربح ولا شيء عليه من الوضيعة إلاّ أن يخالف أمر صاحب المال.
(وقوله مقبول في) دعوى (التلف) مطلقاً، بأمر ظاهر كان كالحرق أو خفيّ كالسرق، أمكنه
إقامة البينة عليه أم لا؛ لأنه أمين، بلا خلاف فيه وفي قبول قوله في دعوى عدم التفريط
والخسارة ورأس المال، كما مرّ.
(ولا يقبل) قوله في نصيبه من الربح على الأظهر الأشهر، كما مر ولا (في الردّ) أي ردّ المال (إلاّ ببيّنة على الأشبه) الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لأصالة العدم، ولأن المالك منكر فيكون القول قوله بيمينه، والعامل مدّعٍ فعليه البينة، كما هو القاعدة المطّردة فتوى ورواية. خلافاً للمبسوط،
فيقبل قوله بلا بينة؛ لأنه أمين كالمستودع.
وكلية الكبرى ممنوعة، وقياسه على المستودع مع فساده في الشريعة قياس مع الفارق بلا شبهة؛ لكون قبض المستودع لنفع المالك، فهو محسن محض، فلا سبيل عليه ببيّنة أو غيرها، ولا كذلك قبض العامل، فإنه لنفسه، فلا
إحسان يوجب نفي السبيل عنه والعدول به عن الأصل، فالاستدلال به ضعيف. كالاستدلال باستلزام عدم تقديم قبول قوله الضرر المنفي؛ لجواز أن يكون صادقاً، فتكليفه بالردّ ثانياً تكليف بما لا يطاق.
لجريانه بعينه في عدم تقديم قول المالك؛ لاستلزامه الضرر عليه، لجواز أن يكون المدّعى كاذباً في دعواه. والمالك صادقاً في
إنكاره ، وتكليفه برفع اليد عما دفعه فيه ما ادّعي في سابقه، ومع ذلك مطّرد في كل مدّعٍ، مع أن الأدلّة القاطعة فتوًى ورواية قد نهضت على فساده. وهو على تقدير تماميته وسلامته عن النقضين
استبعاد محض واجتهاد صرف، غير ملتفت إليه في مقابلة تلك الأدلّة.
(ولو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح، وسعى العبد) المعتق (في باقي ثمنه) للمالك، بلا خلاف فيه في الجملة، بل مطلقاً، كما صرّح به الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد،
ويفهم من المسالك
أيضاً، وعليه الإجماع في الغنية وعن السرائر؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة في بحث تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره. وإطلاقها كالفتاوى والإجماع في العامل يشمل صورتي يساره
وإعساره ، وفي الربح صورتي ظهوره حال
الشراء وبعده، بل النص عامّ؛ لترك
الاستفصال فيه المقتضي له. وقيل
باختصاص الحكم
بالاستسعاء وعدم السراية بإعسار العامل، والحكم بها عليه مع يساره؛
لاختياره السبب الموجب لها، كما يأتي في بابه، وحملت الرواية عليه جمعاً بين الأدلّة.
وربما فرّق بين ظهور الربح حالة الشراء وتجدّده، فيسري في الأوّل دون الثاني، قيل : ويمكن حمل الرواية عليه.
وهما اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المعتضد بعدم ظهور الخلاف، والإجماع المحكي.مع ابتنائهما على القول بالسراية في
العتق القهري، وهي مع أن الأشهر على خلافها كما حكي مخالفة للأصل القطعي. مع أن القائل بهما غير معروف، وإن حكي الأوّل في الروضة قولاً ولكنه في المسالك جعله كالثاني وجهاً.
وذكر فيهما ثالثاً وهو بطلان البيع مطلقاً؛ لأنه منافٍ لمقصود القراض، إذ الغرض منه هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، والشراء المتعقّب للعتق ينافيه؛ لأنه ربما يعجز عن السعي والعامل عن أداء القيمة، وكلّ ما كان فيه خطر على المال أو كان مما لا مصلحة فيه لا يجوز للعامل فعله.
وهو كسابقيه في الضعف والمخالفة لإطلاق النص والفتاوى والإجماع المحكي.نعم، له وجه في صورة علم العامل بالنسب وعدم إذن المالك له في شرائه؛
لاختصاص النص بصورة الجهل. إلاّ أن الحجة في
انسحاب الحكم فيها ليست بمنحصرة فيه؛ لما عرفت من إطلاق الفتاوى
والإجماع المحكي.
ولكن الخروج بمجرّده عن الدليل القطعي وجعله خاصّاً
بالإضافة إليه ليس على ما ينبغي؛ لاشتراط الصراحة أو ما يقرب منها في الخاص حيث يراد تقديمه على العام، سيّما القطعي، ولا ريب في فقدهما، فالأخذ بالعام هنا لعلّه أقوى، وفاقاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الشيخ علي.
(ومتى فسخ المالك المضاربة) قبل العمل أو بعده مطلقاً، كان المال ناضّاً أم لا، حصل فيه ربح أم لا (صحّ) إجماعاً، بناءً على جواز العقد.وليس للعامل شيء مع عدم عمل، بلا خلاف (و) معه (كان للعامل أُجرته إلى ذلك الوقت) الذي فسخ فيه إن لم يكن ظهر ربح، وإلاّ فله حصّته منه.
بلا خلاف في شيء من ذلك، إلاّ من الشهيد الثاني
وتبعه المحقق الأردبيلي وغيره،
فاستشكل في الحكم بالأُجرة على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصّة خاصّة إن حصلت لا غيرها، وتسلّط المالك على الفسخ من مقتضياتها، فالعامل قادم على ذلك، فلا شيء له سوى ما عيّن.
ولعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، ومرّ ما يزيد في تقريبه.وظاهر العبارة وغيرها
وصريح جماعة
اختصاص ثبوت الأُجرة بصورة فسخ المالك خاصّة، فلو فسخ العامل خاصّة أو مع المالك أو حصل الفسخ لعارض من موت أو جنون أو غيرهما لم يكن له أجرة.
وهو كذلك؛ للأصل، وعدم جريان تعليل ثبوتها في الصورة الأولى من تفويت المالك على العامل ما شرط له فيستحق الأُجرة على تقدير تمامه هنا، سيّما في صورة استناد الفسخ إلى العامل خاصّة أو في الجملة؛ لحصول التفويت من جهته. خلافاً للتذكرة، فأثبت له الأُجرة كالصورة السابقة.
ولا وجه له بالكليّة. هذا على تقدير ثبوتها في تلك الصورة، وإلاّ فعدمها هنا ثابت بطريق أولى.
(ولو ضمّن صاحب المال العامل) أي جعله ضامناً لمال المضاربة متى تلف انفسخت و (صار الربح له) للمعتبرة، وفيها الصحيح وغيره : «من ضمّن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله، وليس له من الربح شيء».
وإطلاقها كالعبارة يشمل صورتي قصدهما
القرض أم المضاربة.
وربما يستشكل في كلتا الصورتين، فالأُولى : بعدم
اشتمال العقد على ما يدلّ على القرض من العبائر المعتبرة في عقده، كأقرضتك ونحوه؛ إذ المفروض وقوع العقد بلفظ القراض، وأنه إنما ذكر فيه تضمين
التاجر خاصّة.
والثانية : بأن العقود تابعة للقصود، وهما قد قصد المضاربة كما هو المفروض، فكيف يجعل قرضاً بمجرّد التضمين مع عدم دلالته عليه صريحاً، بل ولا ظاهراً. ومنافاته لمقتضى
العقد لا تستلزم صيرورته قرضاً، فليكن قراضاً فاسداً يكون المال للمالك وللعامل أجرة المثل، كما هو الضابط في كلّ قراض فاسد.ولكن العدول بذلك عن المعتبرة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا القاعدة إشكال.
اللهم إلاّ أن تحمل على صورة وقوع القراض بغير لفظه، بل بنحو قوله : خذه واتّجر به وضمانه عليك، فإنه يكون حينئذٍ قرضاً إجماعاً، كما في المهذب البارع قال معلّلاً : نظراً إلى المعنى، وصوناً للعقد عن الفساد، وللفظ المسلم عن الهذر.
وهو حسن إن اقتصر في العبارة على ما مرّ، وإلاّ فلو زاد
الشركة في الربح لم يجرِ فيه أكثر ما ذكره من التعليلات، بل كلها؛ لتصادمها من طرفي الفرض والقراض، هذا.وحمل المعتبرة على ذلك بعيد غايته، بل الظاهر أنه لا مندوحة عن العمل بها مطلقاً، كما في العبارة وتبعه جماعة.
(ولا يطأ المضارب) بكسر الراء، وهو العامل (جارية) اشتريت بمال (القراض) إجماعاً إذا لم يكن المالك قد أذن له في وطئها.
(و) كذا (لو كان المالك أذن له) فيه مطلقاً، أذن له سابقاً على الشراء أو لاحقاً مع ظهور الربح على الأشهر؛ استناداً في المنع في الصورة الأُولى إلى أن
الإذن فيها لا أثر له، لأن التحليل إمّا تمليك أو عقد، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء، فلا يتناوله الحصر في قوله تعالى (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).
وفي الثانية إلى الأدلّة المانعة عن تحليل أحد الشريكين للآخر حصّته من الجارية المشتركة.
(وفيه) أي في وطئها بالإذن السابق (رواية بالجواز) رواها في
التهذيب عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن
أبي الحسن عليه السلام : قال : قلت : رجل سألني أن أسألك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربةً يشتري له ما يرى من شيء وقال : اشتر جاريةً تكون معك والجارية إنما هي لصاحب المال، إن كان فيها وضيعة فعليه، وإن كان ربح فله، للمضارب أن يطأها؟ قال : «نعم».
وهي مع قصور سندها بعدم صحة طريق الشيخ إلى الحسن؛ لتضمنه واقفيّاً كهو وإن كانا ثقتين، واشتراك محمّد بن زياد، وعدم توثيق عبد الله وإن عُدّ من الحسن لا دخل لها بالمقام؛ لظهورها في عدم كون الجارية من مال المضاربة.
ومع ذلك (متروكة) لتضمّنها جواز الوطء بمجرّد إذن المالك في شرائها وكونها معه، وهو أعم من تحليله الوطء، ولا دلالة للعام على الخاص بالبديهة، مع عدم فتوى أحد بها سوى الشيخ في النهاية،
ولم يوافقه من بعده بل ولا قبله أحد من الطائفة، فلا يُخصّص بها ما قدّمناه من الأدلّة على الحرمة، وإن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة، لعدم الضعف بالحسن ومن قبله، لكونهما موثقين والموثق حجّة، ولا بالكاهلي، لحسنه، وهو كالسابقين حجّة،
واشتراك ابن زياد غير مضرّ، لظهوره في ابن أبي عمير، لغلبة التعبير به عنه.
وذهب جماعة
إلى الجواز في الصورة الثانية؛ قدحاً منهم في تلك الأدلّة المانعة.ولا يخلو عن قوّة، كما سيأتي في بحث
النكاح إليه الإشارة.وهنا صورة أُخرى ثالثة هي الإذن في الوطء بعد الشراء مع عدم ظهور ربح أصلاً. وحكمها الجواز عند جماعة
مطلقاً، وينبغي
القطع به مع
القطع بعدم ظهور ربح.
ويشكل مع عدم القطع به
واحتمال ظهوره إن قلنا بالمنع في صورته؛ لاحتمال حصول الشركة الموجبة للمنع في نفس الأمر، فيجب الترك من باب المقدمة.ويحتمل الجواز مطلقاً، كما قالوه؛ لأصالة عدم الظهور. ولا ريب أن الأحوط تركه.
(ولا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض) بلا خلاف، بل عليه
الإجماع عن التذكرة؛
وهو الحجة.مضافاً إلى بعض المعتبرة، كالقوي المرتضوي : «في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه، فيقول : هو عندك مضاربة، قال : لا يصحّ حتى يقبضه».
ومثله ما لو أذن للعامل في قبضه من الغريم، فإنه لا يخرج بذلك عن وقوع المضاربة بالدين، إلاّ أن يجدّد عقدها بعد القبض.
(ولو كان في يده) أموال (مضاربة) لمتعدّدين (فمات) وعُلم بقاؤها في تركته (فإن) كان (عيّنها لواحد) منهم (أو علمت منفردة) بالقرائن المفيدة للعلم فلا بحث (وإلاّ تحاصّ فيه) أي في المجتمع من أموال المضاربة (الغرماء) وأرباب الأموال على نسبة أموالهم؛ للخبر : «من يموت وعنده مال مضاربة فإن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان، فهو له، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء».
هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة، وأمّا إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجوداً فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك، إن وسعت التركة أموالهم أخذوها، وإن قصرت تحاصّوا، كذا قيل.
والوجه في حرمان الورثة مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع فرض وجود مال للمورث غير واضح، إلاّ مع ثبوت موجب ضمان التالف من أموالهم من تعدّ أو تفريط؛ لثبوت
أمانته وعدم ضمانه للتالف إلاّ مع أحد
الأمرين ، كما مرّ .
والاكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل. وعموم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»
مخصَّص بما دلّ على أمانته.
فالوجه ضرب الورثة مع الغرماء في التحاصّ، وأخذهم جميع ما لمورّثهم مع العلم بعدم تلف شيء منه، ومع احتماله يتحاصّون معهم بنسبة مالهم. ويمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب من
التغليب .ولكن يشكل بتوقّف ذلك على معرفة مقدار مال الميت ومعلوميّة نسبته
بالإضافة إلى أموالهم، ولو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاصّ. ثم كلّ ذا مع العلم ببقاء أموال المضاربة.
وأمّا مع الجهل به واحتمال تلفها يحكم بكون التركة ميراثاً؛ عملاً بظاهر اليد. ولكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط، ولعموم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» أم لا؛ لأصالة
براءة الذمة وكونه أمانة غير مضمونة. وأصالة بقائه لا تقتضي ثبوته في ذمّته مع كونه أمانة؟ وجهان، أجودهما الأخير، يظهر وجهه مما مرّ عن قريب.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۳۳۲-۳۶۳.