الإنضاض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو من النضّ بمعنى
الظهور والحصول والناضّ من المال هو ما له المادّة و البقاء، واستعمل
الفقهاء الناضّ إذا تحوّل المال عيناً وورِقاً بعد أن كان
متاعاً .
الإنضاض- لغة- من نضّ الماء نضيضاً، إذا سال قليلًا قليلًا، ونضاضة الماء: بقيّته، والنضّ:
الإظهار والحاصل، يقال: خذ ما نضّ لك من غريمك، أي ما ظهر وحصل. وإنّما يسمّونه ناضّاً إذا تحوّل عيناً وورِقاً بعد أن كان
متاعاً .
واستعمله
الفقهاء في نفس هذا المعنى، أي جعل المال نقداً بعد أن كان متاعاً.
جمع عَرض وهو جميع صنوف الأموال غير
الذهب و
الفضّة ، وقال
الأصمعي : ما كان من مال غير
نقد .
وقال
أبو عبيد :
العروض : هي الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيواناً ولا عقاراً، وحينئذٍ لا يشمل الفلوس ولا
النقرة .
وفي
اصطلاح الفقهاء عرّف بتعريفات لا تخرج عن المعنى اللغوي، منها: هو ما عدا الأثمان من المال على
اختلاف أنواعه من النبات والحيوان والعقار وسائر الأموال. وسمّي عرضاً؛ لأنّه يعرض ليباع أو يشترى.
والفرق بين العروض والإنضاض أنّ العروض يكون لسوى النقدين، والإنضاض خاصّ بالنقدين.
وهو التمتّع و
المنفعة ، وكلّ شيء ينتفع به ويتبلّغ به ويتزوّد، ويأتي عليه الفناء
في الدنيا. وقيل: كلّ ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها.
وجاء في الكتاب العزيز: «وَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»،
وهو تنبيه على أنّ لكلّ
إنسان في الدنيا تمتّعاً ومنفعة مدّةً معلومة.
والفرق بين المتاع والإنضاض أنّ المتاع يعمّ كلّ شيء ينتفع به ويتبلّغ به، والإنضاض خاصّ بالنقدين.
تحدّث الفقهاء عن الإنضاض في بعض المواضع من أحكام
الزكاة و
الشركة و
المضاربة ، نذكرها إجمالًا فيما يلي:
لو ظهر في عروض مال المضاربة ربح كانت زكاته على ربّ المال، ولكن اختلف الفقهاء في خروج الزكاة هل يكون قبل الإنضاض أو بعده؟
ذهب جمع من الفقهاء إلى عدم جواز
إخراج الزكاة قبل الإنضاض والتقسيم مع المالك؛ لأنّ
الربح وقاية لرأس المال، فإذا أخرجه واتّفق خسران رأس المال كان النقص على المالك.
واختار آخرون جوازه قبل الإنضاض؛ لأنّ
استحقاق الفقراء له يخرجه عن كونه وقاية لرأس المال،
ولأنّه أشبه باصول المذهب وقواعده، بناءً على تعلّق زكاة التجارة بالعين؛ إذ مقتضاه كونها كغيرها من أقسام الزكاة تدخل في ملك الفقراء بمجرّد تعلّق الخطاب.
وجمع
العلّامة الحلّي بين القولين حيث قال: «الأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية، فيضمن العامل الزكاة لو تمّ بها المال».
وتفصيله في محلّه.
إذا أوقع المتعاملان عقد الشركة ثمّ أذن كلّ واحد منهما لصاحبه في التصرّف فتصرّفا، ثمّ فسخ أحدهما الشركة انفسخت، وكان لصاحبه أن يتصرّف في نصيبه دون نصيب الآخر، وأمّا المال فهو بعدُ مشترك بينهما؛ لأنّه مختلط غير متميّز، فلا يتميّز بالفسخ، فإن كان المال قد نضّ كان لهما أن يتقاسماه وإن أرادا بيعه كان لهما ذلك.
وقال
المحقّق السبزواري : «ولكلّ منهما الرجوع في
الإذن والمطالبة بالقسمة؛ لأنّها غير لازمة وليس له المطالبة بالإنضاض».
وتفصيل ذلك في محلّه.
المشهور بين الفقهاء
أنّ العامل يملك حصّته من الربح بمجرّد ظهوره من غير توقّف على الإنضاض أو القسمة،
بل
الإجماع عليه؛
لأنّه مقتضى
اشتراط كون الربح بينهما.
ولما رواه
محمّد بن ميسر ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، فقال: «يقوّم، فإذا زاد درهماً واحداً اعتق واستسعى في مال الرجل»؛
إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق
أبوه .
لكن ملكية كلّ واحد من العامل والمالك حصّته من الربح بالظهور تظلّ ملكية غير مستقرّة، فلا يتسلّط
العامل عليها، وليس له التصرّف فيها؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به ما دامت المضاربة باقية إلى أن تستقرّ ملكيّته، و
الاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقيمة، فبعدها إذا تلف شيء لا يحسب من الربح، بل يقع تلف كلّ على صاحبه،
بالإجماع.
وتفصيل ذلك في محلّه.
إذا فسخ المالك
القراض وكان المال ناضّاً قبل التصرّف أو بعده ولا ربح، أخذه المالك، وليس للعامل شيء مع عدم عمل بلا خلاف، وللعامل
أجرة عمله إلى ذلك الوقت؛ لأنّ عمله محترم بإذن المالك، وليس على وجه التبرّع، بل في مقابلة الحصّة.
لكن قال
المحقّق الأردبيلي : إنّ الحكم باجرة عمل العامل على تقدير كون المال ناضّاً بلا ربح مشكل، خصوصاً إذا كان الفاسخ هو العامل باختياره، فإنّ ما تقرّر لعمله هو الربح على تقدير وجوده، فإذا لم يوجد والعقد ممّا يجوز فسخه وفسخ فلا وجه للُاجرة له.
وكذا إن كان الفاسخ هو المالك، وإن لم يرض العامل؛ لأنّ العقد جائز، وإنّما شرط له الربح، ولا ربح، ولا يجب عليه
إبقاء المال دائماً حتى يحصل الربح للضرر؛ إذ قد لا يحصل الربح أصلًا فلا يفسخ.
ولو كان ربح اقتسماه على الشرط.
وأمّا لو طلب المالك من العامل الإنضاض من غير
إرادته ذلك، فظاهر كلام بعضهم وجوب ذلك على العامل؛
لأنّ استحقاقه الربح وإن ثبت بالظهور إلّا أنّ استقراره مشروط بالإنضاض؛
لاحتمال ما يقتضي سقوطه.
واورد عليه بأنّ ذلك إنّما يتمّ قبل الفسخ، حيث إنّه مقتضى عقد القراض، وأمّا بعده وصيرورة العامل كالأجنبي الشريك في ذلك المال،
فإلزامه بما قالوه يتوقّف على دليل واضح، لا سيما مع
إمكان أخذ الحصّة من العروض، فإنّ غايته أنّه يكون شريكاً في تلك العروض، والشريك لا يجب عليه الإنضاض بطلب شريكه.
والتفصيل في محلّه.
المعروف أنّ المضاربة من العقود الجائزة وتبطل بما تبطل به، من موت كلّ منهما وجنونه و
إغمائه ، كالوكيل.
فإن كان الميّت هو المالك وكان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث، وإن كان فيه ربح اقتسماه، وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء؛ لملكه لها بالظهور فكان شريكاً للمالك.
وإن كان المال عرضاً فللعامل بيعه إن رجي الربح، وإلّا فلا، وللوارث إلزامه بالإنضاض إن شاء مطلقاً.
واورد عليه بأنّه ليس للعامل البيع من دون إذن الوارث الذي قد انتقل إليه، وإن رجي الربح، كما أنّه ليس للوارث إلزامه بالإنضاض مطلقاً بعد
انفساخ المضاربة، اللهمّ إلّاأن يقال: إنّه حقّ للميّت فينتقل إلى وارثه.
وإذا مات المالك وأراد هو والوارث
الاستمرار على العقد، فإن كان المال ناضّاً، لم يكن لهما ذلك إلّابتجديد عقد و
استئناف شرط بينهما، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها، وسواء كان هناك ربح أو لا. وإن كان الميّت العامل وكان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك، وإن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصّتهم منه.
ولو كان هناك متاع واحتيج إلى البيع والتنضيض، فإن أذن المالك للوارث فيه جاز، وإلّا نصب له الحاكم أميناً يبيعه، فإن ظهر فيه ربح اوصل حصّة الوارث إليه، وإلّا سلّم الثمن إلى المالك.
وحيث حكم
ببطلان المضاربة بالموت واريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الاولى من إنضاض المال والصيغة وغيرهما.
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۵۴-۲۵۸.