الإظهار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو تبين الشيء المستتر وإظهاره.
الإظهار: مصدر أظهر، بمعنى التبيين، وقيل: هو الإبراز بعد الخفاء، يقال: أظهر الشيء، إذا أبرزه بعد أن كان مخفيّاً،
سواء علم به أحد أو لم يعلم.
ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللغوي.
وهو الإظهار والنشر.
وقال في
معجم الفروق اللغوية: «إنّ
الإفشاء هو كثرة الإظهار، ولا يصحّ استعماله إلّافيما لا تصحّ فيه الكثرة، بخلاف الإظهار فإنّه يستعمل في كلّ شيء».
وعليه يكون الإفشاء أخصّ من الإظهار.
وأصله رفع الصوت، يقال: جهر بالقراءة إذا رفع صوته بها.
والفرق بينه وبين الإظهار: أنّ الجهر عموم الإظهار والمبالغة فيه، ألا ترى أنّك إذا كشفت الأمر للرجل والرجلين قلت: أظهرته لهما، ولا تقول: جهرت به إلّاإذا أظهرته للجماعة الكثيرة،
من هنا يقال: الجهر بالدعوة، ويعنون إعلانها للملأ. فالجهر أخصّ من الإظهار، فإنّ الجهر هو المبالغة في الإظهار.
وقد يكون الجهر ضدّ الإخفات، قال تعالى: «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى»،
وهذا ما يعنونه في باب القراءة في الصلاة؛ إذ لا يعني الجهر فيها المبالغة في الإظهار وإنّما ما قابل الإخفات.
وهو ضدّ
الإسرار والكتمان،
وهو المبالغة في الإظهار بالإبراز على العموم، وهو أيضاً: المجاهرة، وعلن الأمر، إذا شاع وظهر. ومن هنا قالوا: يستحبّ إعلان
النكاح ، ولم يقولوا: إظهاره؛ لأنّ إظهاره يكون
بالإشهاد عليه، أمّا إعلانه فإعلام الملأ به.
وهو الإظهار بعد الخفاء،
وأبرزت الشيء أظهرته». وعلى ما تقدّم في التعريف اللغوي للإظهار سيكون الإبراز مرادفاً له في بعض هذه التعاريف.
وهو على - وزان إفْعال-: وهو الإظهار للغير بنحو يعلم به، من بدا الشيء يبدو، إذا ظهر، فهو بادٍ.
وأبدى الأمر: أظهره،
وكلّ شيء أظهرته فقد أبديته وبدّيته.
والبداء بمعنى الظهور،
كما في قوله تعالى: «فَبَدتْ لَهُما سَوآتُهُما».
يختلف حكم الإظهار باختلاف متعلَّقه، فتارة يكون راجحاً، واخرى مرجوحاً:
يرجح الإظهار في موارد عديدة، بعضها بنحو الوجوب، وبعضها الآخر بنحو الندب والأفضلية، وذلك على الشكل التالي:
لم يتعرّض الفقهاء صريحاً لحكم إظهار
الإسلام ، لكن الذي يفهم من كلامهم في إظهار الشعائر الإسلامية والإيمانية أنّ الإظهار راجح، وربما استند في ذلك إلى السيرة النبوية أيضاً. نعم، لو توقف حقن دمه وحفظ ماله على إظهار إسلامه وجب كما هو واضح.
ويتحقّق إظهار الإسلام بالقول، وهو إظهار الشهادتين،
وبالفعل وهو إتيان الفرائض- كالصلاة والصوم والحجّ ونحوها- إذا صدر ممّن لم نعرف سابقة الكفر منه.
وأمّا من كان مسبوقاً به فقد اختلفت كلمات الفقهاء في ذلك.
ويكفي في
الأخرس الإشارة المفهمة.
ويترتّب على إظهار الإسلام امور: منها: عصمة دم المظهر للإسلام، وعصمة ماله وطهارة بدنه
وولده الصغار التابعين له.
نعم، إذا اكره
الكافر على إظهار الإسلام نفذ وحكم بإسلامه، إلّاإذا كان ممّن يقرّ على دينه
كأهل الكتاب ، فلا يحكم بإسلامه؛ لعدم صحّة إكراهه.
مع هذا كلّه، حثّت الشريعة على إظهار شعائر الإسلام من الفرائض وبعض السنن، كالأذان والصلاة والصوم ودفع
الزكاة وأداء
الحجّ ونحوها، بل أفتى بعض الفقهاء بوجوب الهجرة عن بلد الشرك إذا لم يتمكّن فيه من إظهار شعائر الإسلام، سواء أسلم فيها أو سكنها بعد إسلامه في غيرها؛
وذلك
للإجماع ،
والنص، مثل قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائكَةُ ظالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيراً• إِلَّا الْمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّساءِ والْوِلْدَانِ لَايَستَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يهْتَدُونَ سَبِيلًا».
كما صرّح بعض الفقهاء بحرمة المقام في بلاد الشرك على من يضعف عن إظهار
شعائر الإسلام مع القدرة على المهاجرة.
وأمّا إظهار شعائر الإيمان- مثل: الجهر بالبسملة في الفرائض، والمسح على القدمين في الوضوء وعدم غسلهما، والتزام السجود على ما يصحّ السجود عليه، وقول: (حيّ على خير العمل) في الأذان، ونحو ذلك- فالمستفاد من كلمات الفقهاء وجوبه مع القدرة وعدم المانع.
وأمّا الخروج من البلاد التي يعجز عن إظهار شعائر الإيمان فيها فقد قال
المحقّق النجفي : «قد يظهر من النصوص
عدم وجوب المهاجرة في زمن الغيبة وإن تمكّن من بلاد يظهر فيها شعار الإيمان؛ لأنّ الزمان زمان تقيّة حتّى يظهر وليّ الأمر روحي فداه، بل ذلك معلوم من مذهب الإماميّة قولًا وفعلًا».
لكن قال
الشهيد الثاني : «وألحق المصنّف- فيما نقل عنه- ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لايتمكّن فيها المؤمن من إقامة شعائر الإيمان، مع إمكان انتقاله إلى بلد يتمكّن فيه منها».
يجب إظهار العلم في الموارد التالية:
إذا ظهرت البدع وجب على أهل الحقّ أن ينشروا ما علموه ويظهروا ما كتموه لو لم يكن لهم مانع، مثل التقيّة؛ لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ والْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ»،
الشاملة لحالة ظهور البدع.
ولما ورد عن
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «إذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللَّه».
ومن موارد وجوب إظهار العلم استفتاء العامي
المجتهد مع عدم وجود فقيه آخر؛ لما ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ما أخذ اللَّه عزّوجلّ على الجهال أن يتعلّموا حتى أخذاللَّه على العلماء أن يعلّموا».
وحول أصل جواز ذلك ومرغوبيته يقول
السيّد المرتضى : «إنّ للعالم أن يفتي العامي فيما يستفتيه من العبادات والأحكام، ولا توجد طائفة من طوائف الامّة تتوقّف عن ذلك وتمنع منه وتنكر على فاعله، بل جميعهم يرى القرب بذلك».
ومن ذلك إظهار الحكم عند
القضاء بين المتخاصمين مع عدم توفّر القضاة؛
لما دلّ على وجوب القضاء- كفائياً- بين الناس، وكذلك أداء الشهادة وإظهارها إذا توقّف ثبوت الحقّ عليها؛
لقوله تعالى: «وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا»،
وقوله: «وَلَا تَكتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فإِنَّه آثِمٌ قَلْبُه»،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن كتمها أطعمه اللَّه تعالى لحمه على رؤوس الخلائق».
كلّ ذلك مع توفّر شروط الأهليّة وعدم المانع شرعاً وعقلًا.
لا ريب في وجوب تبليغ الدين والأحكام الكلّية الشرعية على الناس جيلًا بعد جيل إلى
يوم القيامة وإظهارها للجاهلين بها،
وقد دلّ عليه قوله تعالى: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَليُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»،
والروايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلّمه.
وأمّا الأحكام الجزئيّة المترتّبة على الموضوعات الشخصيّة فلا دليل على وجوب الإظهار فيها. وعلى هذا فلا يجب تنبيه المصلّي إذا صلّى بالطهارة الترابيّة مع الغفلة عن وجود الماء عنده، إلّاإذا كان ما ارتكبه الجاهل من الامور المهمّة.
وقد اتّفق الفقهاء على وجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كلّ مكلّف، علم أو ظنّ بترك معروف أو فعل منكر، ومقابلته بما يستحقّه الفاعل من قتل أو جلد أو تعزير أو نحو ذلك.
فإذا اخذ في موضوع الحكم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عصيان المأمور والمنهي، بما يعني علمه المسبق بالحكم، فإنّ الأمر والنهي لا يكونان إظهاراً حينئذٍ، بل تذكيراً، أمّا لو عمّمنا مفهومهما لمطلق الدعوة إلى المعروف وترك المنكر صارا من مصاديق الإظهار الواجب.
إذا أنعم اللَّه تعالى على امرئ نعمةً فينبغي أن يظهر أثرها عليه؛
لقوله تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ»،
بناءً على إرادة العموم منها دون نعمة الهداية بقرينة المقابلة مع ما سبقها من آيات.
ولما ورد عن
بريد بن معاوية ، قال: قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام
لعبيد بن زياد : «إظهار النعمة أحبّ إلى اللَّه من صيانتها، فإيّاك أن تتزيّن (أو ترينَّ) إلّافي أحسن زيّ قومك» قال: فما رؤي عبيد إلّافي أحسن زيّ قومه حتى مات.
وروي عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: «إنّني لأكره للرجل أن يكون عليه من اللَّه نعمة فلا يظهرها».
وعن
أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ اللَّه يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ اللَّه إذا أنعم على عبد نعمة أحبَّ أن يرى عليه أثرها»، قيل: كيف ذلك؟ قال: «ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق».
يختلف حكم إظهار السرور باختلاف موارده، فقد يكون مسنوناً، كإظهار البَهجة والسرور في المواسم والأعياد- خاصّة
عيد الغدير ومواليد
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام،
والختان والأعراس
وولادة المولود- وإظهار البُشر عند لقاء الضيف ولقاء الإخوان،
ولكن كلّ ذلك بما يناسب شأن من يظهر له الفرح، وعدم احتوائه على محرّم.
وقد يكون حراماً، كإظهار السرور شماتةً
بالمؤمن ؛ لما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام: «لا تبدي الشماتة
لأخيك فيرحمه اللَّه ويصيّرها بك»،
أو في يوم حزن كيوم عاشوراء؛ لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «من صام
يوم عاشوراء أو تبرّك به حشره اللَّه تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطاً عليه».
المعروف بين الفقهاء أنّه يستحبّ إظهار الفرائض وكتمان النوافل؛
وذلك لقوله تعالى: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ»،
فقد ورد في الحديث عن
أبي جعفر عليه السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ» قال: «يعني الزكاة المفروضة»، قال: قلت: «وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ»،
قال: «يعني النافلة، إنّهم كانوا يستحبّون إظهار الفرائض وكتمان النوافل».
نعم، يستحبّ إظهار النوافل أيضاً لمن كان قدوةً للناس يقتدون به؛ لرئاسة في الدين أو الدنيا؛ ليكون باعثاً على عملهم، فإنّ الداعي إلى الخير قولًا أو فعلًا كفاعله، أو كان الشخص متّهماً بعدم إتيانها والتهاون بها وأراد أن يجبّ الغيبة عن نفسه، وربّما وجب لذلك، ولمن أراد ترغيب الناس إلى الطاعات، وإيقاعهم في الغيرة ليرغبوا في العبادات.
من مراتب الأمر بالمعروف وإنكار المنكر إظهار ما يدل على إرادة ترك المنكر من فاعله وفعل المأمور من تاركه، بأن يظهر الآمر أو الناهي الكراهة في وجهه، أو لا يتكلّم معه، أو يعرض عنه بوجهه حين التكلّم، أو يهجره.
فعن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: أمرنا
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة».
يرجح إظهار القوّة أمام الأعداء لإلقاء الرهبة في قلوبهم ومنعهم من التفكير في الاعتداء على
المسلمين ؛ وذلك لقوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطعْتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكمْ»، وهو أمر فطري، بل غريزي تفعله حتى الحيوانات.
يجب إظهار أداء الحقّ لذي الحقّ
بالإشهاد عليه إذا خاف
الجحود .
وقيّده بعضهم بما إذا لم يؤدّ الإشهاد إلى تأخير الحقّ.
يستحبّ للحاكم إظهار الحجر على المحجور؛ لئلّا يستضرّ معاملوه.
يستحبّ للفقير إظهار
الاستغناء وعدم الحاجة؛ لقوله تعالى: «يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ»،
وقد عقد
الحرّ العاملي في الوسائل باباً بهذا العنوان أدرج فيه عدّة روايات.
بل يكره إظهار الاحتياج والفقر؛ لرواية
حارث الهمداني : أنّه سمع
أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «سمعت
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الحوائج أمانة من اللَّه في صدور العباد، فمن كتمها كتبت له عبادة».
وعن
كميل بن زياد ، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «يا كميل، لا تري الناس افتقارك واضطرارك، واصبر عليه احتساباً تعرف بستر».
يستحبّ لكلّ من
الزوجين إظهار زينته للآخر، فقد ورد في الحديث عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إنّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة»، ثمّ قال: «ومن أخلاق الأنبياء:... التنظّف والتطيّب وحلق الشعر وكثرة الطروقة».
وكذلك يستحبّ للمطلّقة الرجعية إظهار زينتها لزوجها،
والتزيّن بما يتوقّع به رغبة الزوج في رجعتها.
لا إشكال في جواز إظهار الحزن عند المصيبة بالبكاء والنوح بالكلام الحسن؛
لخبر
محمّد بن مسلم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإنّ
فاطمة لما قبض أبوها أسعدتها بنات
هاشم ، فقالت: اتركن التعداد، وعليكنّ بالدعاء».
قال
الرضا عليه السلام: «من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب...»، ويستحبّ ذلك في مصائب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأهل بيته المعصومين عليهم السلام،
خصوصاً
الإمام الحسين عليه السلام الشهيد بكربلاء؛
لأنّه إظهار للحقّ الذي من أجله ضحّى
الحسين عليه السلام بنفسه، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو امية، ولذلك بكى
الإمام زين العابدين عليه السلام على أبيه مدة طويلة؛ إظهاراً لمظلوميّة الحسين عليه السلام، وانتصاراً لأهدافه.
ولا يخفى أنّ بكاء
الزهراء وزين العابدين عليهما السلام فترة طويلة من المسلّمات عند
الشيعة الإماميّة.
فقد ورد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إن البكاء
والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور».
وما ورد عن
الإمام الرضا عليه السلام في حديث أنّه قال له: «
يابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي عليهما السلام، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلًا، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله» - إلى أن قال:- «يابن شبيب، إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خديك غفر اللَّه لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلًا كان أو كثيراً».
يطلق علماء
التجويد كلمة الإظهار، ويريدون بها: إخراج كلّ حرف من مخرجه بغير غنَّةٍ، وهم يقسِّمون الإظهار إلى قسمين:
ويكون عندما يأتي بعد النون الساكنة أو التنوين أحد الحروف التالية: الهمزة- الهاء- العين- الغين- الحاء- الخاء.
وهو إظهار الميم الساكنة إذا جاء بعدها أيّ حرفٍ من حروف الهجاء غير الباء والميم، والأصل في حروف الهجاء الإظهار، ولكنَّ بعض الحروف- ولا سيَّما النون والميم- قد تدغم أحياناً، ولهذا عني ببيان أحكامها من حيث الإظهار والإدغام. وقد تعرّض الفقهاء لهذا البحث في
الصلاة في باب القراءة.
قال
السيّد اليزدي : «يجب إدغام اللام من الألف واللام في أربعة عشر حرفاً، وهي: التاء والثاء والدال والذال والراء والزاء والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون، وإظهارها في بقية الحروف، فتقول في (اللَّه) و (الرحمن) و (الرحيم) و (الصراط) و (الضالين) مثلًا بالإدغام، وفي (الحمد) و (العالمين) و (المستقيم) ونحوها بالإظهار».
يقع الإظهار مرجوحاً في عدّة موارد:
ينبغي لمن أتى الفاحشة أن يسترها ابتداءً واستدامة، ولا يفضح نفسه على رؤوس الملأ، ويتوب عنها بينه وبين اللَّه، فإنّ العفو في حقوق اللَّه قريب من التائبين؛
وذلك لما ورد عن
أمير المؤمنين : «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته، فواللَّه، لتوبته فيما بينه وبين اللَّه أفضل من إقامتي عليه الحدّ».
وتحرم إشاعة الفاحشة الصادرة من الآخرين، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَاتَعْلَمُونَ»،
بناءً على تفسيرها بالإشاعة الخبرية لا نفس ترويج الفاحشة في المجتمع.
يجب على أهل الذمّة الكفّ عن إظهار المنكرات في دار
الإسلام وإن كانت مباحة عندهم، ولا ضرر على
المسلمين فيه، كشرب
الخمور وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرّمات
والزنا ، ونحوها ممّا يعدّ من المنكرات عندنا.
قال
المحقّق السبزواري : «من جملة شرائط الذمّة ترك إظهار المنكر في دار الإسلام».
لا ينبغي التجاهر بالمعصية والذنوب، بل في بعض الموارد يكون التجاهر بفعل محرّماً، كالتجاهر بالإفطار في شهر رمضان.
يحرم إظهار عيوب المؤمنين؛ لما فيه من
الغيبة والمهانة والسقوط من أعين الناس.
لا يجوز إظهار العورة بحيث يراها غيره ممّن لا يجوز إبداء العورة أمامه؛
لقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ».
وقوله تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ• وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظنَ فُرُوجَهُنَّ»،
بناءً على تفسيرها- بقرينة المقابلة والإطلاق- بحفظ الفرج حتى من النظر إليه.
ويدلّ على ذلك أيضاً جملة من الأخبار،
وتفصيله في محلّه.
لا إشكال في حرمة إظهار الحسد والعمل بمقتضاه. وأمّا مجرّد وجوده في النفس فليس محرّماً، بل هو مكروه، كما هو صريح جماعة من الفقهاء،
وهو مقتضى حديث الرفع، فعن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: وضع عن امّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون...
والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد»؛
لأنّ نفس الحسد لا يعرى- أو لا ينجو- منه أحد، كما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه: التفكّر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد، إلّا أنّ المؤمن لا يستعمل حسده».
وعدّ
الشهيد الأوّل إظهار الحسد من
الكبائر لا نفسه،
والظاهر أنهم يقصدون من الإظهار ترتيب الآثار العملية، كما يبدو من الخبر الأخير.
ويحرم إظهار الصناعات المحرّمة
كالقمار والسحر ونحوهما. وأمّا مجرّد التعلّم لغرض صحيح كتعلّم السحر لإبطاله، فإنّه قد يقال بعدم حرمتها، وإنّما المحرّم إظهارها.
إظهار الجيّد من الشيء وإخفاء الرديء غشّ محرّم.
ومنه إظهار حُسنٍ في المتاع ليس فيه، وهو تدليس أيضاً.
لا يجوز إظهار المرأة ذات محاسن فيما لا تكون كذلك، وهذا هو التدليس، فإنّه محرّم بلا خلاف،
بل عليه دعوى
الإجماع ظاهراً.
لا يجوز للمرأة أن تظهر زينتها لغير محارمها إلّاما ظهر منها؛ لقوله تعالى: «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا».
أمّا المحارم فيجوز لها الإظهار- في غير الإحرام- مع جواز نظرهم إليها سوى العورة- أي القبل والدبر- مع عدم التلذّذ والريبة؛
لقوله تعالى: «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَت أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظهَرُوا عَلى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ».
ولعلّ الحكمة في ذلك هي الحاجة إلى مخالطتهم وصحبتهم في الأسفار وغيرها.
أمّا في حالة الإحرام فيحرم عليها إظهار زينتها لزوجها وغيره من الرجال،
إلّا ما هو متعارف من زينتها، فقد ورد في حديث عبد الرحمن بن الحجاج أنّه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها، وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها، أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟
قال: «تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها».
أمّا الرجل فإظهاره للزينة ليس محرّماً في حدّ نفسه ما لم يصاحبه محرّم كلبس الذهب والحرير ونحو ذلك.
من أظهر عن الناس ما هو مستور من البلايا والأمراض وجب عليه بذلك التأديب وإن كان محقّاً فيما قال؛ لإيذائه وإيلامه
المسلمين بما يؤلمهم من الكلام.
لا يخرج إظهار المرء غير ما يبطن من اصول الإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر عن حالين: إمّا أن يظهر الإيمان بها ويبطن الكفر، أو يظهر الكفر بها ويبطن الإيمان. فإن أظهر الإيمان بها وتلبّس بشعار
المسلمين وكان باطنه واعتقاده فاسداً فهو
نفاق مخلِّد لصاحبه في النار.
وأمّا إذا أظهر
الكفر وأبطن الإيمان فإنّ ذلك لا يخلو من حالين:
الأوّل: أن يكون إظهار الكفر عن اختيار فيحكم على صاحبه بالكفر؛
لأنّ الظاهر حجّة والأحكام الفقهيَّة تجري على الظاهر، وقيّد بعضهم بما إذا لم يحرز مخالفة الظاهر للباطن.
الثاني: أن يكون إظهار الكفر عن إكراه وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، وهنا صورتان:
إمّا أن يكون في رتبة من يكون إظهار الإيمان منه إعزازاً للدين- كرؤساء المسلمين في العلم والدين والعبادة وتنفيذ الأحكام- فالأولى به إظهار الإيمان والامتناع من إظهار كلمة الكفر، فإن قتل على ذلك فهو شهيد، ويجوز له ما اكره عليه.
وإمّا أن يكون ممّن لا يؤثّر فعله ما اكره عليه أو اجتنابه عزّاً في الدين ففرضه ما دعي إليه فليورِّ في كلامه ما يخرج به عن
الكذب ،
ولا
أثر لإظهار كفره، وعندئذٍ تبقى أحكام الإيمان جاريةً عليه؛
لأنّ الضرورة تجيز إظهار كلمة الكفر.
وقد فصّل الفقهاء ذلك في بحثهم في الردّة وفي الإكراه؛ مستندين في ذلك لقوله تعالى: «مَن كفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلّا مَنْ أُكرِهَ وقَلْبُهُ مُطمَئنُّ بِالايمَانِ ولَكِن مَن شرَحَ بِالْكُفْرِ صدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضبٌ مِنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
ولا يجب على المكرَه إظهار الإسلام بعد رفع
الإكراه .
يكره إظهار السلاح
بمكّة أو الحرم، بل يغيّب في الجوالق أو يلفّ عليه شيء،
وقد عقد في الوسائل باباً بهذا العنوان.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۲۴۰-۲۵۴.