الاطمئنان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
السكون و
الطمأنينة و
الاستئناس بعد
الانزعاج .
الاطمئنان هو
الاستقرار و
السكون بعد
الانزعاج، يقال: اطمأنّ في المكان: أي أقام به واتّخذه
وطناً .
واطمأنّ
الرجل اطمئناناً وطمأنينة إذا سكن واستأنس، و
النفس المطمئنّة هي التي اطمأنّت
بالإيمان واخبتت
لربّها ، قال اللَّه تعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطمَئِنَّةُ»،
وقال أيضاً: «أَلَا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ
الْقُلُوبُ ».
وعليه فمرجع الاطمئنان إلى
الاستقرار .
وقد استعمله
الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه إلّاأنّهم كثيراً مّا يعبّرون عن الاطمئنان الحسّي ب
الطمأنينة ، ومرادهم الاستقرار في حال
الصلاة ، والبحث فيه يقع في مصطلح طمأنينة، فينحصر
الكلام هنا في الاطمئنان غير الحسّي، وهو
عبارة عن سكون النفس
وقرارها بحيث لا تتزلزل ولا تلتفت إلى
احتمال الخلاف.
وعرّفه الاصوليّون بأنّه درجة عالية من الظنّ يقارب
اليقين و
العلم على نحو يبدو احتمال
العكس ضئيلًا بحيث يلغى عملياً عند
العقلاء ، كما إذا كان احتمال العكس واحداً في
المئة مثلًا،
وهو الذي يعبّر عنه بالعلم
العادي أو الظنّ المتاخم للعلم.
وهو
اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل
الثقة ،
أي
القطع الذي لا يحتمل فيه
الخلاف أصلًا.
وهو الذي يعبّر عنه باليقين أيضاً، و
الفرق بينه وبين الاطمئنان: أنّ احتمال الخلاف في العلم يكون
منتفياً وجداناً
وبالإحراز ، بخلاف الاطمئنان؛ لأنّ احتمال الخلاف فيه موجود، إلّاأنّ العقلاء يلغونه ولا يلتفتون إليه في مقام
العمل ، ويسمّونه بالعلم العادي، قبال العلم
البرهاني الذي لا يحتمل فيه الخلاف عقلًا.
نعم، ذهب بعض الإخباريين إلى أنّ العلم بهذا المعنى
اصطلاح منطقي فيما هو في
اللغة العربية، بمعنى يشمل الاطمئنان.
وهو مرتبة متوسطة بين الوهم
الشك والعلم، إلّاأنّ له مراتب مختلفة من حيث
الشدّة و
الضعف ، فإذا بلغ أعلى مرتبته يسمّى بالاطمئنان حسب ما تقدّم، فالنسبة بينهما
العموم و
الخصوص المطلق.
نعم، هذا بناءً على عدّ الاطمئنان من جملة الظنون، وإلّا فعلى
القول بخروجه عنها موضوعاً تكون
النسبة بينهما
التباين ، كما هو واضح».
وهو في اللغة بمعنى
الائتمان ، يقال: وثق به إذا ائتمنه، وأوثقه فيه بمعنى شدّه.
وبما أنّ الاطمئنان أمر محكم قابل للائتمان و
الاعتماد بحيث يسكن النفس عنده كثيراً ما يعبّر عنه
بالوثوق بحيث صارا كأنّهما
حقيقة واحدة إلّاأنّهما مختلفان مفهوماً كما تبيّن،
فالملازمة بينهما في
الخارج كانت منشأً
للالتباس و
استعمال كلّ منهما في مقام الآخر.
وهو ثلج
الصدر بما علم، أو سكون النفس
المستند إلى
اعتقاد الشيء بأنّه لا يمكن أن يكون إلّاكذا.
أمّا الاطمئنان فهو سكون النفس المستند إلى غلبة
الظن ، وعلى هذا فإنّ اليقين أقوى من الاطمئنان.
ظاهر مشهور الفقهاء حجّية الاطمئنان، بل هو صريح بعضهم؛
وذلك
للسيرة العقلائيّة على
الاعتماد عليه في امورهم من غير أن تردع عنها
الشريعة المقدّسة.
من هنا عملوا به في مختلف الأبواب الفقهية ما لم يقم دليل خاص على
الخلاف .
قال
السيد الخوئي في وجه ثبوت
العدالة بالاطمئنان: «لا إشكال في
ثبوتها بالاطمئنان
البالغ مرتبة العلم العادي الذي لا يعتني العقلاء
باحتمال الخلاف فيه؛ لكونه موهوماً غايته؛ لجريان
السيرة العقلائية على الاعتماد عليه في امورهم من غير أن يردع عنها في الشريعة المقدّسة، ولا تشمله الأدلّة الناهية عن العمل بالظنّ؛ لخروجه عن
موضوعها في نظرهم؛ لأنه علم عندهم، ومن هنا يعاملون معه معاملة العلم
الوجداني ».
نعم، وقع
البحث في أنّ حجيّته هل هي ذاتيّة وبحكم
العقل كالقطع، أو جعلية وببناء العقلاء كالظن؟
قد يقال بحجيته الذاتية عقلًا
تنجيزاً و
تعذيراً كالقطع، بمعنى أنّ حق
الطاعة الثابت عقلًا كما يشمل حالة القطع بالتكليف كذلك يشمل حالة الاطمئنان به، وكما لا يشمل حالة
القطع بعدم
التكليف كذلك لا يشمل حالة الاطمئنان بعدمه، فإن صحّت هذه
الدعوى لم نكن بحاجة إلى
تعبّد شرعي للعمل بالاطمئنان مع فارق وهو
إمكان الردع عن العمل بالاطمئنان، مع عدم إمكانه في القطع، وإن لم تصحّ
هذه الدعوى تعيّن طلب الدليل على التعبّد الشرعي بالاطمئنان، والدليل هو
السيرة العقلائية الممضاة بدلالة
السكوت وعدم
الردع عنها كما تقدّم، إلّاأنّه لابدّ من حصول القطع بركني هذا الدليل وهما السيرة وعدم الردع ولا يكفي الاطمئنان، وإلّا يكون من
الاستدلال على الاطمئنان بالاطمئنان، وهو باطل.
يقوم الاطمئنان مقام العلم في جميع ما يترتّب عليه من
الآثار ؛ وذلك لما تقدّم من حجّيته على
المشهور فيرتّب عليه ما يُرتّب على سائر
الحجج من المنجّزيّة والمعذّريّة وغيرهما من الآثار، فمتى حصل
للإنسان الاطمئنان بالنسبة إلى شيء وجب عليه
اتّباعه والعمل به وتحرم
مخالفته ، سواء كان ذاك الشيء حكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا حكم شرعي.
وكما أنّ الاطمئنان الطريقي حجّة في
إثبات متعلّقه وآثاره، كذلك الاطمئنان الموضوعي تترتّب عليه أحكام القطع الموضوعي إلّاإذا ثبت بدليل خاص خلافه، وأنّ
الموضوع خصوص
اليقين الجازم، كما ورد ذلك في
الشهادة على الحدود، أو مطلقاً.
وتفصيله في مصطلح
شهادة .
وما ذكرناه هو
المستفاد من كلمات الأصحاب في جميع أبواب الفقه من
الطهارة إلى
الديات .
ينقسم الاطمئنان- كاليقين والقطع- بتقسيمات عديدة:
الاطمئنان كالعلم واليقين قد يحصل عن منشأ حسّي
كالمشاهدة أو
السماع ونحو ذلك، وقد ينشأ عن
الحدس أو
الاجتهادات غير الحسّية، وكلا القسمين حجة عند المطمئن وبالنسبة لتكليفه، وهناك بحث في حجّيته في باب
القضاء والشهادات ونحوهما كما في اليقين والعلم.
وهذا
التقسيم أيضاً مشترك بين العلم والاطمئنان، فإنّهما قد يحصلان عن سبب
متعارف يحصل منه ذلك لنوع
الناس ، وقد يكون عن سبب لا يعرفه نوع الناس كالحاصل من
علوم غريبة، أو لشخص خاص سريع
الظن أو القطع على خلاف
المتعارف ، ويسمّى
بالقطّاع ، و
المعروف حجّية العلم واليقين غير المتعارف للقاطع دون غيره. وأمّا الاطمئنان غير المتعارف فليس بحجّة حتى لصاحبه؛ لعدم
شمول دليل الحجّية له.
ما يوجب الاطمئنان من
التواتر و
الشهرة وغيرهما من الأسباب، تارة من شأنه أن يفيد الاطمئنان وإن لم يحصل ذلك منه في مورد معيّن بالفعل،
واعتباره عند
الشارع إنّما يكون من هذه
الجهة ، وقد ادّعى بعض أنّ حجّية خبر
الثقة يكون من هذا
الباب ، واخرى يفيد الاطمئنان بالفعل، والأوّل يسمّى بالاطمئنان النوعي، والثاني يسمّى بالاطمئنان الشخصي أو الفعلي، وهذا على حدّ
الظنّ النوعي و الشخصي من دون فرق.
والمعروف أنّ
الحجّة إنّما هو الاطمئنان الشخصي الفعلي، وأمّا ما يوجب الاطمئنان النوعي من دون حصوله منه بالفعل فيحتاج حجّيته إلى
قيام دليل آخر عليه غير ما تقدّم من السيرة العقلائية، فإنّ المتيقن منها حجّية الاطمئنان الشخصي الفعلي.
تارة يؤخذ الاطمئنان طريقاً إلى الحكم كما في أغلب الموارد، واخرى يؤخذ موضوعاً للحكم كالقطع على حدّ سواء، مثال الأوّل: الاطمئنان
بالعدالة الذي هو شرط لجواز
الائتمام في
صلاة الجماعة؛ لرواية
أبي علي بن راشد عن
أبي جعفر عليه السلام : «لا تصلّ إلّاخلف من تثق بدينه»،
ومثال الثاني: جواز نقل
الفتوى أو
الشهادة لمن ليس متيقّناً بالحكم الشرعي أو المشهود له، وإنّما له اطمئنان بذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۲۲۱-۲۲۵.