الاستئناس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
سكون وذهاب توحش.ولكن في
الفقه يأتي بمعان مختلفة.
الاستئناس- لغة- خلاف
الاستيحاش ، من
الأنَس والانس ضدّ الوحشة، كما أنّ الإيناس خلاف
الإيحاش ، وكذلك التأنيس،
ويقال: استأنس، أي ذهب توحّشه.
ومن معانيه
الطمأنينة ،
يقال:استأنستُ به وتأنّست به إذا سكن إليه
القلب ولم ينفر.
ومنها أيضاً
الاستعلام ، يقال: استأنست أي استعلمت.
وكذا
الاستئذان ، ومنه قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها»،
فإنّ المراد به الاستئذان، إمّا من الاستئناس خلاف الاستيحاش؛ لأنّ الذي يطرق باب غيره لا يدري يؤذن له أم لا، فهو كالمستوحش لخفاء الحال عليه، فإذا اذن له استأنس، والمعنى: حتى يؤذن لكم، فوضع الاستئناس موضع
الإذن .
وإمّا من الاستئناس بمعنى الاستعلام، فيكون
المعنى حتى تستعلموا الحال، فإنّ المستأذن مستعلم هل يراد دخوله أم لا.
ولا يخرج
استعمال الفقهاء له عن
المعاني اللغوية المذكورة.
وهو طلب الإذن والسماح،
وقد عرفت أنّ من معاني الاستئناس الاستئذان، والظاهر أنّه يستعمل في خصوص طلب الإذن في دخول
البيت ، بمعنى استعلام حال من فيه وأنّه هل يأذن أم لا، كما ورد ذلك في
القرآن الكريم في
الآية المتقدّمة آنفاً، بل في حديث
ابن مسعود عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان إذا دخل
داره استأنس وتكلّم، أي استعلم وتبصّر قبل
الدخول .
الاستئناس بهذا المعنى غير متداول على
لسان الفقهاء وإنّما هو تعبير قرآني المراد به وجوب الاستئناس على من أراد دخول بيت الغير كما في الآية المتقدّمة آنفاً، والمتداول في الفقه في هذه المسألة وغيرها
التعبير بالاستئذان والإذن.
الموارد التي وردت فيها هذه اللفظة بهذا المعنى ما يلي:
أ- ذكر بعض الفقهاء أنّ
الحكمة من القسمة بين
الأزواج - على حدّ تعبير بعضهم-
والثمرة - على حدّ تعبير آخر- هي الاستئناس.
وممّا رتّب على ذلك
وجوبها حتى لو كان الزوج
عنّيناً أو
خصيّاً ، قال
الفاضل الاصفهاني في المقام: «وهو ( القسم)حقّ بخصوصه على الزوج... حرّاً كان الزوج أو
عبداً ،
مسلماً كان أو
كافراً ،
عاقلًا كان أو
مجنوناً ، خصيّاً كان أو مجبوباً... أو عنّيناً أو سليماً؛ لعموم الأدلّة، ومنها: اشتراك الحكمة في
القسم ، وهي الاستئناس وإن خلا عن
الاستمتاع ».
وكذا ممّا رتّب على ذلك عموم هذا
الحق للزوج والزوجة، قال
المحقق النجفي : «وأمّا القسمة بين الأزواج فهي حقّ على الزوج وله؛ لاشتراك ثمرته، وهو الاستئناس...».
وفي
المجنون الأدواري قالوا: إذا جنّ في نوبة إحداهنّ قضى لها؛ لقصور حقّها من الاستئناس. واستظهر سقوط حقّ المجنونة إذا لم يكن لها شعور تنتفع بالقسم وتستأنس. وفي ما لو اجتمعت حرّة وأمة، حيث إنّه يكون للحرّة مثلي ما يقسّم
للمملوكة ممّا اشكل به على القول بإمكان
التثليث وتحقّقه بتنصيف
الليلة للأمة ، وتتميمها للحرّة فلهما ليلة ونصف من أربع ليال وليلتان ونصف له يضعها حيث يشاء أنّه في تنصيف الليلة تنقيصاً
للعيش ودفعاً للاستئناس.
ولا بأس
بالإشارة هنا إلى ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ أحد
فوائد الزواج استئناس
النفس به.
ب- عدّى بعض الفقهاء الحكم
بحرمة أو
كراهة التفريق بين
الطفل وامّه إلى غير
الامّ من
الأرحام المشاركة لها في الاستئناس
والشفقة ،
كالأُخت والعمّة والخالة ؛ لدلالة بعض
الأخبار عليه.
ج- ذكر بعض الفقهاء بأنّه لا بأس باتّخاذ
الحمام للاستئناس بها
وانفاذ الكتب، ولا يقدح ذلك في
العدالة .
د-
الحيوان الوحشي المحلّل
اللحم إذا استأنس يذكّى
بالذبح والنحر لا
بالصيد والعقر ، وفي هذا المقام ذكر بعض الفقهاء: أنّ التأمّل في نصوص الصيد والذباحة يقتضي أنّ
الشارع شرّع فردين
للتذكية :
أحدهما: الذبح والنحر في الحيوان المقدور على ذلك فيه ولو كان وحشيّاً قد استأنس أو جرح- مثلًا- بحيث لا يستطيع
الامتناع بفرار ونحوه.
ثانيهما: العقر
بكلب أو
سلاح للحيوان الممتنع ذكاته بالكيفية المزبورة ولو لاستيحاش بعد الاستئناس أو
لصيرورة سبعية فيه بصول ونحوه.
والمستفاد من هذا الكلام أنّ المدار على
القدرة عليه وعدمها، لا على الاستئناس والتوحّش.
ورد في بعض
الروايات : «غبن المسترسل
سحت ».
و «لا تغبن المسترسل فإنّ
غبنه لا يحلّ».
وفسّر
الاسترسال في اللغة بالاستئناس والطمأنينة إلى
الإنسان والثقة فيما يحدثه.
واستدلّ بهذه الروايات على كراهة أو حرمة غبن المسترسل، ووقع الكلام في مدى دلالتها على ثبوت خيار الغبن.
وربما استدلّ بها بعضهم على بطلان
البيع مع قصد الغبن.
هذا، وربما احتمل بعض الفقهاء إمكان إرادة الأعمّ من الغبن في
المال وفي
الرأي .
والتفصيل في محالّه.
قد يرد
الاستئناس بهذا المعنى في كتاب
الحجر عند الكلام عن سببيّة الصغر للحجر والمنع عن التصرف إلّا مع
البلوغ والرشد، فيعبّر أحياناً باستئناس الرشد، كما ورد التعبير بذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ»،
ويتكلّم الفقهاء هناك في ما يعلم به البلوغ والرشد.
الاستئناس في مقام
الاستدلال تعبير يستعمله الفقهاء في المواضع التي لا صراحة في ما يراد الاستدلال به، ولا ظهور في ما يستدلّ عليه، وإنّما هو إمّا في مقام آخر أو مناقش فيه، أو يحتاج الاستدلال به إلى تجميع قرائن أو شواهد أو أوجه شبه أو غير ذلك، فلا يصلح للاستدلال به، وإنّما يمكن أن يعتبر مؤيّداً وداعماً في المقام المستدلّ عليه.
.
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۳۳۲-۳۳۵.