الإقدام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الإسراع في
إنجاز العمل بدون
توقّف .
للإقدام في اللغة عدّة معاني:
منها:
الشجاعة والإسراع في
إنجاز العمل بدون
توقّف .
ومنها:
الرضا ، يقال: أقدم على
العيب إذا رضي به.
واستعمله
الفقهاء في المعنيين المتقدّمين، لكنّ المبحوث عنه هنا هو المعنى الثاني فقط.
وهو الأمر العظيم، يقال: قحم الرجل في الأمر يقحم قحوماً واقتحم، إذا رمى بنفسه فيه من غير رويّة.
والفرق بين
الاقتحام والإقدام أنّ الاقتحام هو الإقدام في
المضيّق بشدّة، يقال: تقحّم في الغار وتقحّم بين
الأقران ، ولا يقال: أقدم في الغار. وأصل التقحّم الإقدام على القحم، وهي الامور الشديدة واحدها قحمة، والإقدام هو حمل النفس على
المكروه من قدام، ويخالف التقدّم في المعنى؛ لأنّ التقدّم يكون في المكروه
والمحبوب ، والإقدام لا يكون إلّا على المكروه.
وهو
الجدّ . عزم على الأمر يعزم
عزماً ومعزماً وعزيماً وعزيمة وعزمة واعتزمه واعتزم عليه: أراد فعله.
والصلة بين العزم والإقدام أنّ العزم
إرادة يقطع بها المريد رويّته في الإقدام على الفعل أو
الإحجام عنه، ويختص بإرادة المريد لفعل نفسه؛ لأنّه لا يجوز أن يعزم على فعل غيره.
ولذلك يقع العزم في مرحلةٍ تسبق الإقدام.
الإحجام: ضد الإقدام، يقال: أحجم عن الأمر، أي كفّ أو نكص
هيبة .
ثمّة مواضع للإقدام يجري الحديث عنها فقهياً، ونذكر أهمّها إجمالًا فيما يلي:
والمقصود منه هو
اختيار الشخص
البالغ العاقل بنفسه
الخسارة في
أمواله أو في
روحه وبدنه.
وهذا الإقدام قد ينتهي إلى ثبوت
الضمان عليه، وقد ينتهي إلى
سقوطه ، أمّا ثبوت الضمان عليه فله موارد في
الفقه ، كإقدام
الغاصب على الغصب عالماً، فهو ضامن بالنسبة إلى المغصوب منه،
فإذا تلف المغصوب في يد الغاصب أو نقص أو أتلفه، أو حدث
عيب مفسد فيه، أو صنع شيئاً منه حتى سمّي باسم آخر-
كخياطة القماش، وصياغة
الفضّة حليّاً،
وصناعة النحاس قدراً- وجب على الغاصب ضمانه، وحقّ للمالك المغصوب منه تضمينه، بأن يدفع له مثله إن كان مثليّاً،
وقيمته إن كان قيميّاً، فمن حقوق المغصوب منه ردّ عين المغصوب والثمار
والغلّة ونحوهما إذا كانت باقية بحالها؛ لقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
وليس في هذا الإقدام خصوصية؛ إذ الضمان يثبت بوضع اليد أو
التصرّف في المال على وجه الضمان أو ما شابه ذلك، فليست الأحكام مترتبة على الإقدام بعنوانه وإن ورد في كلماتهم كتعبير لغوي عن الفعل نفسه.
وأمّا سقوط الضمان فله موارد كثيرة في الفقه، ومن جملة المسقطات في ظاهر كلماتهم هو الإقدام؛ بمعنى أنّ المالك البالغ العاقل إذا أقدم على إسقاط
احترام ماله وبنى على عدم
العوضية وأنّ
الخسارة المالية على نفسه، سقط الضمان.
ومنشأ كونه مسقطاً للضمان: أنّ السبب للضمان إنّما هو احترام ماله، وهو قد أسقطه بنفسه.
وما دلّ من
الخبر على أنّه «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب من نفسه»،
فإذا أقدم على عدم الضمان فقد طابت نفسه في تصرّف الغير به بلا عوض، فلا وجه للضمان.
وما دلّ من
الروايات الكثيرة على
جواز الإباحة والعطية والتبرّع بالأعمال والأموال من دون
غرامة على المتبرّع إليه.
وما ورد في أدلّة
الضرر والضرار من أمر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقلع
النخلة من دون ضمان؛ نظراً إلى أنّ صاحبه أسقط احترامه وأقدم على ضرر نفسه وفقاً لبعض التخريجات المذكورة في
قاعدة (لا ضرر) .
ومن ذلك يظهر أنّ الضمان إنّما هو لرفع ضرر المالك المنفي في
الشرع ، فإذا أقدم المالك على ضرر نفسه بنفسه فلا وجه للضمان.
وقد تعرّض الفقهاء لنفي الضمان- إذا أقدم المالك على إسقاط احترام ماله- في مواضع عديدة من الفقه نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
۱- صرّح الفقهاء بأنّه إذا تلف
المبيع عند
المشتري في
البيع الفضولي ، فلا يجوز للمشتري الرجوع إلى البائع فضولية لأخذ
الثمن إذا كان المشتري عالماً بالفضولية، وقد ادّعي عليه
الإجماع .
وعلّلوه بأنّ المشتري قد أقدم على ذلك.
۲- إذا أقدم المشتري على
الشراء مع العلم
بالعيب الموجود في المبيع، فإنّه لا ضمان على البائع؛
لأنّ المشتري أسقطه بإقدامه على شرائه على ما هو عليه من العيب،
وادّعي عدم الخلاف فيه.
۳- ذهب الفقهاء إلى أنّه لو عاوض الكامل مع من لا
أهلية له-
كالمجنون والصغير - أو أعاره أو أودعه شيئاً فتلف عنده، لم يكن المجنون أو الصغير ضامناً؛ لأنّ الكامل هو الذي أقدم على
إتلاف ماله،
حيث وضعه في موضع لا يؤمن فيه.
۴- إذا أعار أرضاً لبناء أو
زرع أو
غرس ، ثمّ رجع عن إعارته في أثناء المدّة، لم يضمن ما يتلف بسبب
رجوعه ؛
لأنّ المستعير أقدم على ذلك مع علمه
بجواز رجوع المالك.
وفي المسألة خلاف معروف، ولذلك قال
المحقق النجفي : «فاحتمال
تسلّط المعير على
الإزالة مطلقاً بلا
أرش ؛ للأصل، ولأنّ المستعير هو الذي أدخل
الضرر على نفسه بإقدامه على
العارية التي يجوز
فسخها في كلّ وقت، لا يخفى عليك ما فيه؛ لانقطاع الأصل بما عرفت من القاعدة، والإقدام على العارية أعمّ من الإقدام على الضرر المبني على اقتضاء التسلّط بفسخها على ذلك، وهل هو إلّا
مصادرة ؟».
۵- ذهب الفقهاء إلى عدم
ضمان مال الغاصب المصروف في المغصوب-
كالنفقة وغيرها- وإن زاد به المغصوب زيادة متّصلة ووصل إلى يد المالك؛ لاقدامه على إتلاف مال نفسه.
وكذا كلّ باغٍ وعادٍ وظالم وسارق وغاصب- ونحو ذلك- بالنسبة إلى ما يترتّب على أعمالهم من
الغرامات وإتلاف النفوس والأطراف كلّها، إنّما هو بإقدامهم على ذلك بأعمالهم الشنيعة، وإلّا فدم
المسلم وماله وعمله
وعرضه محترم ما لم يسقط احترامه.
۶- يشترط لقيام
خيار الغبن أن يكون المغبون جاهلًا بوقوعه في الغبن عند
التعاقد ، أمّا إذا كان عالماً بالغبن وأقدم على التعاقد فلا خيار له؛ لأنّه اتي من قبل نفسه، وهو أقدم على ذلك دون
إكراه أو
إجبار أو
تغرير ، فكأنّه أسقط حقّه راضياً.
۷- في العيوب التي يثبت للزوجين معها
خيار فسخ العقد ، إذا أقدم أحدهما مع علمه بالعيب على العقد يسقط خياره، فلا يجوز له فسخ العقد؛
للعلّة نفسها.
وهناك تطبيقات اخرى في كلمات الفقهاء، تراجع في محالّها.
إلّا أنّ المراجع لمستنداتهم في هذه الموارد وأمثالها، وما ذكره المتأخّرون من المحقّقين أنّه لا توجد قاعدة بنفسها تعبّر عن الضمان بالإقدام، وإنّما ذلك نتيجة أدلّة اخرى تمّمت ببياناتهم في الإقدام، مثل الإتلاف واليد ونحوها من القواعد والأحكام.
ذكر بعض الفقهاء فيما لو أقدم شخص على
سفر المعصية ثمّ تاب في السفر أنّه لو كان
ابتداء سفره معصيةً ثمّ عدل
للطاعة فإنّه يقصر إذا كان الباقي مسافة ولو ملفقة، وإلّا أتم.
<مسافةref>
المنهاج (الروحاني)، ج۱، ص۲۵۹.
ولعلّ المستند في ذلك أنّ ما قطعه من
مسافة بنيّة المعصية يكون بحكم العدم؛ إذ لا تترتّب أحكام القصر على سفر المعصية، وعليه فإذا كان الباقي مسافةً عدّ سفراً مستقلّاً تترتّب عليه الأحكام، وإلّا فلا يصدق عليه أنّه قد سافر سفراً موجباً للقصر.
لو أقدم الإنسان على
الحرام وفعله وتحقّق في الخارج
عامداً عالماً كان
عاصياً معاقباً، لكن تحدّث الفقهاء
والاصوليون عمّا إذا أقدم
المكلّف على فعل الحرام دون أن يتحقّق منه ذلك، كما لو شرب في
الإناء بظن أنّه
خمر فبان أنّه
ماء ، وقد سمّوا هذه الحالة
بالتجرّي ، فالمكلّف هنا تجرّأ على اللَّه سبحانه وتعالى بفعله حتى لو لم تتحقّق المعصية في الخارج، فلا يسمّى عاصياً بلحاظها؛ لعدم تحقّقها.
لكن هل التجرّي بنفسه مصداق للحرام أي أنّه حرام مستقل في نفسه أم لا؟
ذهب بعضهم إلى أنّ التجرّي ليس حراماً في نفسه وإنّما يوجب
الذم فقط، فيما رأى آخرون أنّه يكون
مأثوماً بذلك، ويستحقّ
العقاب بسوء سريرته وتجرؤه على
مولاه وخبث نيّته، فإنّ ما فعله
قبيح يعاقب عليه.
ويعني أن يقدم المكلّف على
ارتكاب جريمةٍ من الجرائم دون أن تحصل هذه الجريمة في الواقع، كما لو حمل سلاحاً وأطلق النار على شخص فتبيّن أنّ السلاح غير سليم، أو رمى شخصاً بحجرٍ ليقتله فلم يصبه وهكذا، أو لامس المريض بمرضٍ معدٍ غيرَه ليضرّه به فلم تنتقل العدوى إلى الطرف الآخر.
ولم يضع
الفقهاء نظريةً خاصّة على حدة للإقدام على الجريمة أو الشروع بها، بل تركّزت أبحاثهم على التمييز بين الجريمة التامة والناقصة، لكنّ الذي يظهر من تحليل كلماتهم ومبانيهم المتصلة بالمسألة أنّ هناك حالتين:
أن يكون الإقدام على الجريمة بنفسه معنوناً بعنوان تترتّب عليه
عقوبة حدّية أو
تعزيرية ، كما لو قصد
قتل شخص برميه بالحجارة فأصابه فجرحه، أو قصد سرقته فاقتحم بيته وكسر زجاج منزله ولم يتمكن أو انصرف عن
السرقة ، ففي هذه الحال يتعامل الفقهاء مع ما وقع على أنّه جرم بحدّ نفسه، وكأنّ الفاعل لم يقصد القتل بل قصد الجرح، ولم يقصد السرقة بل قصد كسر الزجاج واقتحام المنزل بلا
إذن من مالكه.
ومن الواضح هنا أنّ العقوبة التعزيرية يفترض وفق القاعدة أن تقدّر بقدرها بحسب حجم المقدمات التي تمّ الإقدام عليها على المستوى الجرمي.
وهذه الصورة في الحقيقة يرجع التعزير فيها إلى ما وقع لا إلى الإقدام على الجرم بما هو إقدام؛ لأنّ الإقدام لم يكن له دخل في التعزير وإنّما ما تحقّق من الفعل هو الذي كان مؤثراً.
كما أنّه إذا كان هناك
ضمان في البين يلزم به الفاعل.
أن لا يكون الإقدام الذي وقع من المقدِم بحيث يتعنون بنفسه بعنوان يفرض حدّاً أو تعزيراً أو ضماناً، فهنا قد يقال
باستحقاق التعزير من باب
التجرّي بناءً على القول
بحرمة التجرّي أو باستحقاق العقاب عليه والمؤاخذة، فيعزر على ذلك لا على الفعل الذي فعله بعنوانه، فإنّ القاعدة التي ذكروها في التعزير تقتضي أن يكون كل محرّم مورداً له، والمفروض أنّ التجرّي من المحرّمات فيشمله التعزير.
وقد يقال باستحقاقه التعزير من باب الحق العام، فإنّ التعزير يكون ملاك
التأديب والحيلولة في الزمن المستقبل دون وقوع الجرم؛ لحفظ
أمن المجتمع وسلامته.
وهنا لا فرق بين وقوع الجرم وعدم وقوعه، فإنّ النكتة واحدة، وهي الحيلولة دون وقوع الجرم في المستقبل منه أو من غيره.
نعم، بناءً على هذا الوجه الثاني قد يقال بعدم الشمول لصورة ما إذا ترك الجريمة بعد إقدامه عليها بسبب
توبته وندمه ؛ لعدم تحقق الملاك المتقدّم؛ فإنّه بعد توبته
وإقلاعه عمّا فعل وعزمه على
الترك لا معنى لتعزيره بملاك الحيلولة بينه وبين ما كان يريد فعله.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۴۴۷-۴۵۳.