الأرش
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو دية الجراحة،و ما وجب من المال في الجناية على ما دون النفس.
من معاني الأرش دية الجراحات، وأيضاً ما يأخذه المشتري من البائع إذا اطّلع على عيب في المبيع، وهو في
الأصل اسم للفساد كما في المصباح أو للخصومة
والنزاع كما في غيره.ففي
المصباح : «أرش الجراحة ديتها، والجمع اروش- مثل فلس وفلوس- وأصله الفساد، يقال: أرشت بين القوم تأريشاً إذا أفسدت، ثمّ استعمل في نقصان الأعيان؛ لأنّه فساد فيها، ويقال: أصله هرّش».
وفي الغريبين: «الأرش: الذي يأخذه الرجل من البائع إذا وقف على العيب لم يكن البائع أوقفه عليه وقت
البيع ، فهو بالشين لا غير، ومن ذلك اروش الجراحات، وسمّي أرشاً؛ لأنّه سبب من أسباب الخصومة، يقال: هو يؤرِّش بين القوم، أي يوقع بينهم الخصومات...».
ونحوه في
النهاية ،
وأكثر تفصيلًا وتوضيحاً في لسان العرب حيث جاء فيه: «الأرش من الجراحات: ما ليس له قدر معلوم، وقيل: هو دية الجراحات، وقد تكرّر في الحديث ذكر الأرش المشروع في الحكومات، وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطّلع على عيب في المبيع، واروش الجنايات والجراحات جابرة لها عمّا حصل فيها من النقص، وسمّي أرشاً؛ لأنّه من أسباب النزاع، يقال: أرشت بين القوم إذا أوقعت بينهم... وقال
أبو منصور : أصل الأرش الخدش، ثمّ قيل لما يؤخذ دية لها: أرش، وأهل الحجاز يسمّونه النذر... وقال
القتيبي : يقال لما يدفع بين السلامة والعيب في
السلعة أرش؛ لأنّ المبتاع للثوب على أنّه صحيح إذا وقف فيه على خرق أو عيب وقع بينه وبين البائع أرش أي خصومة واختلاف، من قولك: أرشت بين الرجلين إذا أغريت أحدهما بالآخر وأوقعت بينهما الشرّ، فسمّي ما نقص العيب الثوب أرشاً؛ إذ كان سبباً للأرش».
ويطلق الأرش في اللغة على معاني أخرى كالخدش وطلب الأرش وأخذه والرشوة
والإغراء وغيرها-مضافاً إلى المصادر اللغوية المتقدّمة-.
يطلق في لسان الفقهاء على ما يؤخذ في
المعاوضة بدل نقص أو عيب في أحد العوضين، أو نقص في عين أو منفعة مضمونة باليد كما في الغصب وغيره، وعلى ما يدفع بدل جناية لم يقدّر لها في الشرع مقدّر، وعلى عوض
البكارة وغير ذلك، وكلّ هذه المعاني مأخوذة من نفس المعنى اللغوي.وقد انتزع
الشيخ الأنصاري قدس سره تعريفاً كلّياً جامعاً، وهو أنّه «مال يؤخذ بدلًا عن نقص مضمون في مال أو بدن، لم يقدّر له في الشرع مقدّر».
وعن حواشي الشهيد: أنّ الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معانٍ: منها: الأرش في المعاوضة، ومنها: نقص القيمة لجناية
الإنسان على عبد غيره في غير المقدّر الشرعي، ومنها: ثمن التالف المقدّر شرعاً بالجناية كقطع يد العبد، ومنها: أكثر الأمرين من المقدّر الشرعي والأرش، وهو ما تلف بجناية الغاصب.
قال الشيخ الأنصاري بعد نقل كلام الشهيد المزبور: «وفي جعل ذلك من
الاشتراك اللفظي إشارة إلى أنّ هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كلّ من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كلّ منها وبين الآخر، فلا يكون مشتركاً معنويّاً بينهما، ولا حقيقة ومجازاً، فهي كلّها منقولات عن المعنى اللغوي بعلاقة
الإطلاق والتقييد، وما ذكرناه في تعريف الأرش فهو كلّي انتزاعي عن تلك المعاني كما يظهر بالتأمّل».
ومعنى كون ما أفاده قدس سره من التعريف كلّياً انتزاعيّاً هو أنّه ليس من المعاني اللغويّة ولا من مصطلحات الفقهاء، بل هو جامع انتزاعي من مصطلحات الفقهاء. نعم، حيث أخذ في حدّه قيد (لم يقدّر له في الشرع مقدّر) فلا محالة لا يصدق على بعض ما ذكره الشهيد رحمه الله الغير المنافي للتقدير الشرعي.
وهي لغة ما يلزم أداؤه، يقال: غرم الرجل الدية: دفعها،
وفي الاصطلاح ما يلزم
أداؤه تعويضاً أو عقوبة وتأديباً
فالأرش على هذا نوع من الغرامة أوجبه العيب أو التعيّب بسبب جناية أو معاوضة أو يد. نعم، الظاهر أنّ الغرامة ما يدفعه المغرم من ماله تعويضاً أو عقوبة، وفي أرش المعاوضة وقع الخلاف في أنّ الأرش هنا هل هو جزء من الثمن يسترجعه البائع مقابل تخلّف وصف الصحّة أو هو غرامة استحقّت شرعاً بسبب العيب في المبيع- مثلًا-؟ وعلى الأوّل لا يكون غرامة بل هو جزء من الثمن يسترجع، بخلافه على الثاني. ثمّ إنّه لا يعبّر عن الأرش في عبارات الفقهاء بالغرامة إلّا قليلًا.
ومن معانيها في اللغة أرش الجراحات التي ليس فيها دية مقدّرة، وفي الحديث: «في أرش الجراحات الحكومة».
قال اللغويّون: معنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس لها دية مقدّرة أن يجرح الإنسان في موضع من بدنه جراحة تشينه ويبقى شينها ولا يبطل العضو فيقتاس الحاكم أرشها، بأن يقول: هذا المجروح لو كان عبداً غير مشين بهذا الشين كانت قيمته ألف درهم ومعه تسعمائة درهم، فقد نقصه الشينُ عشر قيمته فيجب على الجاني عشر ديته في الحرّ؛ لأنّ المجروح حرّ.
وهذا هو معنى الحكومة التي يستعملها الفقهاء في أرش الجراحات، فهم يسمّون ما يجب بالجناية على ما ليس له مقدّر في الشرع بالأرش والحكومة، وما له مقدّر بالدية، والمراد أنّ ما لا مقدّر فيه شرعاً المرجع فيه نظر
الحاكم حتى لا يذهب حقّ المسلم هدراً وتجدر
الإشارة إلى أنّ كون المرجع في ذلك نظر الحاكم مذهب السيد الخوئي أمّا غيره من الفقهاء فأطلقوا الأرش والحكومة وبيّنوا كيفية التقويم ولم يوكلوا ذلك إلى نظر الحاكم إلّا في الجناية التي لم توجب تفاوتاً أو لا طريق إلى معرفة
التفاوت فيها.
قال
الشهيد في الروضة: «ومعنى الحكومة والأرش فيما لا تقدير لديته واحد، وهو أن يقوّم المجنيّ عليه مملوكاً وإن كان حرّاً، تقديراً صحيحاً على الوصف المشتمل عليه حالة الجناية وبالجناية، وتنسب إحدى القيمتين إلى الأخرى، ويؤخذ من الدية، أي دية المجنيّ عليه كيف اتّفقت بنسبته».
وقال المحقّق النجفي في الجواهر مضمّناً عبارة الشرائع: «كلّ موضع قلنا فيه الأرش أو الحكومة فهما واحد) اصطلاحاً، (والمعنى أنّه يقوّم) المجروح (صحيحاً لو كان مملوكاً) تارة (ويقوّم مع الجناية) أخرى (وينسب إلى القيمة) الأولى، ويعرف التفاوت بينهما (ويؤخذ من الدية) للنفس لا العضو (بحسابه) أي التفاوت بين القيمتين».
فالحكومة بهذا المعنى والأرش في الديات واحدة، إلّا أنّ الأرش يطلق أيضاً على ما يؤخذ بدل مال مضمون بمعاوضة أو يد فهو أعمّ من الحكومة لشموله لها ولبدل المال.
وهي المال الواجب بالجناية المؤدّية إلى
إتلاف النفس أو ما دونها من الأعضاء ممّا له مقدّر في الشرع عند تعيّنها كما في الخطأ أو سقوط
القصاص بسبب من أسبابه، فهي بدل النفس أو العضو الذي له مقدّر في الشرع، وقد عرفت أنّ الدية وبدل ما ليس له مقدّر يسمّى بالأرش أو الحكومة، وقد يطلق عليه
الدية فيقال- مثلًا-: في قطع كلّ عضو من أعضاء الإنسان أو ما بحكمه الدية، وهي على قسمين: الأوّل: ما ليس فيه مقدّر خاص في الشرع، والثاني: ما فيه مقدّر كذلك، ثمّ يقال: أمّا الأوّل ففيه الأرش ويسمّى بالحكومة، ونحو ذلك.
ولا عكس، فلا يطلق على دية النفس وما له مقدّر من الأعضاء الأرش في فقهنا.هذا في الاصطلاح، وأمّا في اللغة فقد عرفت أنّهم عرفوا الأرش بدية الجراحات، بل في القاموس أنّه الدية.
ولعلّ مراده دية الجراحات بقرينة تعريف غيره من اللغويّين.
•
موجبات الأرش ،الموجب للأرش هو العيب أو النقص المضمون، إلّا أنّ سبب ضمان المنقوص أو المعيوب إمّا أن يكون
المعاوضة حيث إنّ كلّاً من المتعاقدين يجب عليه
تسليم ما بيده من العوضين إلى الآخر تامّاً سالماً.
•
كيفية تقدير الأرش،يعرف
الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح والمعيب ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ بنسبة ذلك التفاوت من الثمن وفي عبارات بعض الفقهاء أنّ طريق معرفته أن يقوّم المبيع صحيحاً ومعيباً، وينظر في نسبة النقيصة فيؤخذ من الثمن بنسبتها، أو ما يقرب من ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۹-۹۸.