العارية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي ما تعطيه غيرك على أن يعيده إليك.
(وأمّا العاريّة) بتشديد الياء، كما عن
الصحاح وغيره،
وقد تخفّف، كما عن بعض أهل اللغة،
نسبة إلى العار، لأن طلبها عار، أو إلى العارة مصدر ثانٍ لأعرته إعارة كالجابة
للإجابة ، أو من عار إذا جاء وذهب، لتحوّلها من يدٍ إلى أُخرى، أو من التعاور وهو
التداول .
(فهي) شرعاً (
الإذن في
الانتفاع بالعين تبرّعاً) والأصل فيها بعد
الإجماع من الأُمة كما عن التذكرة وفي المهذب
وغيرهما من كتب الجماعة
الكتاب والسنة، قال الله سبحانه (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى).
وقال (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)
وهو بكما عن
مجمع البحرين اسم جامع لمنافع البيت، كالقدر، والدلو، والملح، والماء، والسراج، والخمرة، ونحو ذلك مما جرت العادة بعاريته.
وفي الخبرين : «هو
القرض يقرضه، والمعروف يصنعه، ومتاع البيت يعيره».
وفي المرسل : «نهى
رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم أن يمنع أحد الماعون جاره، وقال : من منع الماعون جاره منعه الله سبحانه خيره يوم القيامة ووكّله إلى نفسه، ومن وُكِّل إلى نفسه فما أسوأ حاله».
ويستفاد منه ومن الآيتين وجوبها، لكن ضعفه سنداً وقصورهما عن
إفادة الوجوب صريحاً، مع الإجماع على عدمه ظاهراً،
واختصاص الجميع بالماعون المفسّر فيما مرّ بالأخص يوجب الحمل على تأكّد
الاستحباب . وأما السنة فزيادة على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة والعامة كادت تكون متواترة، بل متواترة، وسيأتي إلى جملة منها
الإشارة .
(وليست لازمة لأحد المتعاقدين) فلكل منهما فسخها متى شاء، إجماعاً كما في المسالك وغيره،
سواء أُطلق أو جعل لها مدة، إلاّ إذا أعاره
للرهن فرهن كما تقدّم، أو لدفن المسلم ومن بحكمه فدفن فيه، بلا خلاف فيه، بل عليه الإجماع عن التذكرة؛
لاستلزامه النبش المحرّم وهتك الحرمة، إلاّ إذا صار ميماً.
ولو رجع قبل الدفن جاز وإن كان الميت قد وضع، على الأقوى؛
للأصل ، واختصاص دليل المنع من
الاعتبار والإجماع بغير الفرض ومئونة الحفر لازمة لولي الميت؛ لقدومه على ذلك، إلاّ ان يتعذّر عليه غيره مما لا يزيد عنه عوضه، فيقوى كونه من مال الميت؛ لعدم التقصير، وفاقاً للمسالك والروضة.
خلافاً للمحكي عن التذكرة، فأطلق الغرامة على الحفر.
ولا يلزم وليه طمّه؛ للإذن فيه من المعير أو حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك، كما لو أعار لوحاً ليرقع به السفينة فرقع ثم لجج في البحر ولم يمكن الخروج بها إلى الشاطئ ولا
الإصلاح مع النزع من غير ضرر.خلافاً للشهيد الثاني،
فجوّزه وقال بثبوت المثل أو القيمة مع تعذّره؛ لما في ذلك من الجمع بين المصلحتين.
وهو قوي إن لم يكن
إجبار ربّ السفينة على بذل البدل يوجب الضرر عليه، وإلاّ فعدم الرجوع لعلّه حينئذٍ أقرب، إلاّ أن يقال بجوازه وعدم وجوب تعجيل التسليم حينئذٍ إلى أن يزول الضرر، ولا بأس به.وتظهر الفائدة في وجوب المبادرة بالرّد بعد زوال الضرر من غير مطالبة جديدة ولا كذلك لو لم يرجع، فإنه لا تجب المبادرة به إلاّ بعد
المطالبة .
أو أعار حائطاً ليضع أطراف خشبه عليه وكان طرفه الآخر في ملكه، عند الطوسي؛
لأدائه إلى قلع جذوعه جبراً من ملكه. أو أرضاً للزرع ولم يدرك بعد، عنده وعند الحلّي؛
لإقدامه أوّلاً على
إبقائه المدّة.
أو للبناء والغرس مدّة معلومة، عند الإسكافي
وأكثر المتأخّرين، بل لعلّه عليه عامّتهم، على جواز مطالبة المعير
بالإزالة في هذه الثلاثة مع
الأرش وهو تفاوت ما بين كونه منزوعاً وثابتاً.وهو قوي؛ لبناء العارية على الجواز إلاّ ما خرج بدليل وهو في الفرض مفقود.
وحديث نفي الضرر بين المعير والمستعير مشترك فيسقط اعتباره؛ للتعارض، ويرجع إلى الأصل الدال على ثبوت السلطنة لكل مالك على ملكه، مع إمكان الجمع بين الحقين بدفع المعير الأرش الموجب لدفع الضررين. وليس له الإزالة حيث جازت له بنفسه؛ لاستلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه. ولا قبل دفع الأرش؛
لاحتمال الضرر بتعذّر الرجوع عليه بإفلاس ونحوه فيضيع حق المستعير.
(ويشترط) فيها ما يدل على
الإيجاب والقبول وإن لم يكن لفظاً، كما لو فرش لضيفه فراشاً فجلس عليه، وكأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها، وفاقاً لجماعة؛
لجريان العادة بمثله.ومنهم من اشترط لفظاً كما في نظائره.
وهو أوفق بالأصل الدالّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير
القطع بإذنه حيث لا يحصل من جهة الفعل، إلاّ أن العادة في نحو الأمثلة المذكورة ربما أفادت القطع به. ولا شبهة مع
الإفادة ، ولا دليل على اعتبار اللفظ في هذه الصورة بعد أن العارية من العقود الجائزة. ومع عدمها فيحلّ إشكال وإن أفادت المظنّة؛ حيث لا دليل على اعتبارها وتخصيص الأصل بها في نحو المسألة.
ومن هنا ينقدح وجه القدح فيما حكي عن التذكرة
من الاكتفاء بحسن الظن بالصديق في جواز
الانتفاع بمتاعه إن لم يقيّد بكون منفعته مما يتناوله
الإذن الوارد في
الآية بجواز
الأكل من بيته بمفهوم الموافقة.ولا كذلك لو قيّد به؛ لاستناد الرخصة في المقيد حقيقة إلى الآية لا إلى نفس حسن المظنّة.ومنه يظهر جواز تعدية الجواز إلى الأرحام الذين تناولتهم الآية في الصورة المذكورة.
و (في المعير) المالكية ولو للمنفعة خاصّة، فلا يجوز للغاصب
الإعارة ، وفي معناه المستأجر الذي اشترط عليه
استيفاء المنفعة بنفسه،فلا تجوز له كالأوّل إلاّ مع إذن المالك، فيجوز حينئذٍ بلا شبهة.
و (كمال العقل)
بالبلوغ وعدم الجنون (جواز التصرف) في المال برفع الحجر عنه فيه، فلا تجوز إعارة فاقدي الشرائط كالصبي والمجنون والسفيه ونحوهم إلاّ بإذن الولي بالإعارة لمالهم أو ماله؛ لأن المعتبر إذن الولي، وهو المعير في الحقيقة حيث حصل منه الرخصة، ولا كذلك الحكم في إذنه للمجنون والصبي في
إيقاع نحو البيع مما يشترط فيه الألفاظ المعتبرة ولا يكتفي فيه بإذن الولي خاصة؛ لعدم الاعتبار بعبارتهما وإن كانت بإذن الولي مقرونة.
وبالجملة الضابط في تحقق البيع ونحوه من العقود اللازمة هو العبارات المعتبرة دون الإذن خاصة، ولا كذلك العارية؛ فإن الضابط في تحققها مجرّد الإذن بها ولو خلا عن العبارة بالكلية كما مرّ إليه
الإشارة ، فحيث حصل ممن له الأهلية بنحو من المالكية أو الولاية تحقّقت بلا شبهة، فمناقشة البعض في الفرق واهية.
هذا إذا علم المستعير بإذن الولي، وإلاّ لم يقبل قول
الصبي في حقه إلاّ أن تنضمّ إليه قرينة هي للظن المتاخم للعلم به مفيدة، كما إذا طالبها من الولي فجاء بها الصبي مثلاً وأخبر أنه أرسله بها، ونحو ذلك، كما يقبل قوله في الهدية والإذن في دخول الدار بالقرينة.
ولا بُدّ مع إذن الولي لهما في إعارة مالهما من وجود المصلحة، بأن تكون يد المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت، أو لانتفاع الصبي بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله، أو تكون العين ينفعها
الاستعمال ويضرّها الإهمال، ونحو ذلك (وللمستعير الانتفاع) بالعين المعارة حيث يطلق له (بما جرت به العادة) نوعاً وقدراً ومكاناً وزماناً، ولا يجوز التعدي عن شيء من ذلك
بعد ثبوته فيها؛ للأصل،
وانصراف الإذن الذي هو الأصل في حلّ الانتفاع إلى ما تعارف فيها كالفرش في البساط، والتغطّي في اللحاف، ونحو ذلك، وهذا مع وحدة الوجه في الانتفاع المتعارف في العين المعارة واضح، وكذا مع التعدد وتعيين المعير وجهاً منها مع النهي عن غيره، فلا يجوز التعدي إليه مطلقاً، بلا خلاف، وكذا مع عدم النهي إذا كان المتعدّى إليه أضرّ، وأما إلى المساوي والأقل ضرراً فقولان، وسيأتي تمام الكلام.
•
ضمان المستعير، هنا يأتي أحكام ضمان المستعير و عدم ضمان المستعير.
(و) اعلم أن ضابط العين المعارة هو (كلّ ما يصحّ الانتفاع به مع بقائه) كالعقارات، والدواب، والثياب، والأقمشة، والأمتعة، والصفر، والحليّ، ونحو ذلك، فإنه الذي (تصحّ إعارته) دون غيره مما لا يتمّ الانتفاع به إلاّ بإتلاف عينه، كالأطعمة والأشربة، فإنه لا تجوز إعارتها؛ لأن المنفعة المطلوبة لا تحصل إلاّ بإتلافها،
والإباحة لم تقع على
الإتلاف .
وكذا ما لا يجوز
الانتفاع به شرعاً فإنه لا تصحّ إعارته، كأواني الذهب والفضة للأكل والشرب فيها، وكذا كلب الصيد إن أستعير للهو والطرب، والجواري
للاستمتاع ؛ لاستلزام الأوّل
الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب والسنة، والثاني مورد نصّ وإجماع كما يأتي في
النكاح .
ولا خلاف في شيء من ذلك ولا إشكال إلاّ في المقصود بقولهم : لا تجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلاّ بإتلافه، فإنه غير واضح إن ظهر من المعير الرضا بإتلاف العين بقوله : أعرتكه، مع القرينة، فإن المعيار في جوازه هو رضاه به وقد حصل في محل الفرض، وإن هو حينئذٍ إلاّ
كالهبة والإباحة وإن عبّر عنهما بلفظ العارية، ولا مدخل للّفظ الفاسد معناه في اللغة والعرف.
نعم، حيث لا يعلم الرضا بالإتلاف إلاّ به اتّجه ما ذكروه؛ لاشتراط
استفادته منه بدلالته عليه ولو بالالتزام، ودلالة لفظ العارية بمجرّده على الإتلاف فاسدة؛ لعدم استنادهما إلى عرف أو لغة؛ لأن وضع العارية فيهما بحكم الوضع
والتبادر إنما هو لما يتم الانتفاع به مع بقاء عينه، ولعل هذا مراد الأصحاب.
ويستثنى من مورد المنع حيث يثبت المِنحة بالكسر، وهي الشاة المعارة للانتفاع بلبنها، وقد أجمعوا عليه كما في المسالك والتذكرة وغيرهما من كتب الجماعة؛
وهو الحجة دون الرواية،
لضعفها. ثم منهم من حمل على المجمع عليه، ومنهم من عدّى الحكم إلى غير الشاة من الأنعام، وإلى غير اللبن من الصوف والشعر. والأوّل أظهر، ولعلّه مختار الأكثر؛ اقتصاراً فيما خالف
الأصل على المتيقّن.
(و) يجب أن (يقتصر المستعير) في الانتفاع (على ما يؤذن له) منه، فلو عيّن له جهة لم يتجاوزها ولو إلى المساوي والأدون عند جماعة؛
عملاً بمقتضى التعيين، واقتصاراً على المأذون.
خلافاً لآخرين،
فجوّزوا التخطّي إليهما، وظاهر التذكرة
القائل به عدم الخلاف فيه كما حكي، فإن تمّ إجماعاً، وإلاّ فلا ريب في ضعفه في المساوي؛ لضعف دليله، إذ ليس إلاّ
القياس ، وهو باطل.
نعم، لا يبعد المصير إليه في الثاني؛ لما مرّ في
الوديعة ، وما يقال عليه من منع الأولوية
لاختلاف الغرض في ذلك مرّ جوابه ثمة.نعم، لو علم
إرادة الخصوصيّة من التعيين توجّه المنع، كما لو نهاه عن غير المعيّن مطلقاً، بلا خلاف.
وحيث يتعيّن المعيّن فتعدّى إلى غيره ضمن العين ولزمه
الأُجرة لمجموع ما فعل، من غير أن يسقط عنه ما قابل المأذون، على الأصح؛ لكونه تصرفاً بغير إذن المالك فيوجب الأُجرة، والقدر المأذون فيه لم يفعله فلا معنى
لإسقاط قدره.
نعم، لو كان المأذون فيه داخلاً في ضمن المنهي عنه كما لو أذن له في تحميل الدابة قدراً معيّناً فتجاوزه، أو في ركوبه بنفسه فأردف غيره تعيّن إسقاط قدر المأذون؛ لأنه بعض ما استوفى من المنفعة وإن ضمن الدابة أجمع لتعدّيه.
(ولو اختلفا في) التلف أو (التفريط فالقول) فيهما (قول المستعير مع يمينه) بلا خلاف في أصل القبول في الأوّل؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه كغيره، سواء ادّعاه
بأمر ظاهر أو خفي. وكذا في الثاني، وفاقاً للطوسي والتقي وابن حمزة والقاضي والحلي
وعامة المتأخرين، بل في ظاهر الغنية
الإجماع عليه؛ وهو الحجة، مضافاً إلى الأصل، فإنه منكر فعليه اليمين مع عدم البينة.خلافاً للمفيد والديلمي،
فقول المالك. ولا وجه له.
(ولو اختلفا في الرد) فادّعاه المستعير (فالقول قول المعير) بلا خلاف فيما أعلم؛ لأصالة العدم، وقد قبضه لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه، بخلاف الودعي؛ لأن قبضه لمصلحة المالك
والإحسان إليه خاصّة، كما مرّ في الوديعة. ومعنى عدم قبول قوله فيه الحكم بضمانه المثل أو القيمة حيث يتعذر العين، لا الحكم بالعين مطلقاً؛ للزومه إيداعه الحبس مخلّداً.
(ولو اختلفا في القيمة) بعد
اتفاقهما على التلف بالتفريط (فقولان) يستندان إلى ما مرّ في الوديعة (أشبههما) ما مضى ثمّة من أن القول (قول) المستعير (الغارم مع يمينه) وفاقاً للحلّي وأكثر المتأخرين.
خلافاً لآخرين، كالشيخين والتقي والقاضي وابني حمزة وزهرة في الغنية،
مدّعياً فيها هنا إجماع
الإمامية ، فإن تمّ، وإلاّ كما هو الظاهر، بل كاد أن يكون على خلافه الإجماع الآن كان المصير إلى الأوّل متعيناً. واعلم أن اعتبار اليمين هاهنا بأقسامه هو المشهور، بل لا خلاف فيه فيما أعلم، ويأتي احتمال الخلاف فيه مما في الوديعة قد تقدم.
(ولو استعار) للانتفاع (ورهن) المستعار (من غير إذن المالك) بالرهن (انتزع المالك العين) لتسلّطه على ماله، مع عدم صدور شيء منه يوجب رفع سلطنته سوى
الإعارة للانتفاع، وهي غير
الإذن بالرهانة (ورجع المرتهن بماله على الراهن) حيث أُخذت منه العين، بل مطلقاً؛ لعدم
الاستيثاق بما لمالكه الرجوع فيه متى شاء.
هذا مضافاً إلى الخبرين،
أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل : في رجل استعار ثوباً ثم عمد عليه فرهنه، فجاء أهل المتاع إلى متاعهم، فقال : «يأخذون متاعهم».
رياض المسائل، ج۹، ص۴۳۹-۴۵۶.