الهبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فهي تمليك العين تبرّعاً مجرّداً عن
القربة ولا بدّ فيها من
الإيجاب والقبول.
(فهي تمليك العين تبرّعاً مجرّداً عن) قصد (القربة) أي من دون اشتراطها بهما وإلاّ لانتقض بالهبة المعوّض عنها والمتقرب بها إلى الله تعالى فإنهما هبة أيضاً، إجماعاً، فتوًى ونصّاً. والدليل على عدم اشتراطها بالقربة بعد الوفاق و
الأصل ظواهر كثير من المعتبرة :
منها الصحيح : «إنما
الصدقة محدثة، إنما كان الناس على عهد
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ينحلون ويهبون، ولا ينبغي لمن أعطى لله عزّ وجلّ شيئاً أن يرجع فيه» قال : «وما لم يعط لله وفي الله فإنّه يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تُحَزْ»
الحديث، ونحوه الموثق
وغيره.
ولذا صارت أعمّ من الصدقة؛ لاشتراطها بالقربة دونها. كما أنها أعمّ من
الهدية ، لافتقارها إلى قيدٍ دونها، هو : أن تحمل من مكان إلى مكان الموهوب له
إعظاماً له وتوقيراً، ولهذا - لا - يطلق لفظها على
العقارات الممتنع نقلها. ويعبّر عنها تارةً بها، وأُخرى بالنِّحلة والعطيّة، ويطلق كلّ منهما على مطلق
الإعطاء المتبرّع به، فيشملان الوقف والصدقة والهبة والسكنى فهما أعمّ منها.
(ولا بدّ فيها) بعد
أهليّة التصرف في الواهب، وقابلية الملك في الموهوب له (من
الإيجاب ) الدالّ على تمليك العين ولو من غير عوض، كوهبتك، وملّكتك، وأعطيتك، ونحلتك، وأهديت إليك، وهذا لك مع نيتها، ونحو ذلك. (والقبول) الدالّ على الرضاء، كقبلت، ورضيت.
بلا خلاف ولا إشكال إن أُريد مطلق ما يدلّ عليهما ولو فعلاً.
ويشكل إذا أُريد ما يدلّ عليهما لفظاً؛ لصدق الهبة مع عدم اللفظ الدال عليهما حقيقة إن تحقّق ما يدل عليهما فعلاً، فتدخل في العمومات الدالة على جوازها أو لزومها وسائر أحكامها، إلاّ أن ظاهر الأصحاب
الاتّفاق على اعتبار العقد القولي، كما يظهر من الكفاية،
وصرّح به في المسالك، قال : فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظٍ يدلّ على إيجابها وقبولها لا يفيد الملك، بل مجرّد
الإباحة ، حتى لو كانت جارية لم يحلّ له الاستمتاع بها، لأن الإباحة لا تدخل في
الاستمتاع .
وحينئذٍ لا إشكال في
اعتبار اللفظ وسائر ما وقع عليه الاتّفاق أو يحكى عليه إن كان، من العربية والفورية، دون الماضوية، فإنه لا يشترط فيه هنا قولاً واحداً، كما حكاه بعض أصحابنا، قال : لجوازها على كثير من الوجوه.
ودون الهدية؛ لعدم الاتّفاق على ذلك، فقد احتمل في
الدروس وفاقاً لظاهر التذكرة وصريح التحرير
عدم اعتبار اللفظ فيها؛ لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من كسرى وقيصر وسائر الملوك فيقبلها ولا لفظ هناك، واستمرّ الحال من عهده إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع، ولهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعباراتهم، قال : و
مارية القبطية كانت من الهدايا. واستحسنه في
المسالك .
وهو كذلك؛ لا لما مرّ من التعليل، فإنه كما قيل عليل؛ بل لما مرّ من لزوم
الاقتصار فيما خالف العمومات على مورد الوفاق المقطوع به أو المحكي، وهما مفقودان في المقام، لوجود الخلاف، و
استحسان الحاكي له القول بالعدم الذي حكاه عمن مرّ، وهو لا يجتمع مع الإجماع الذي حكاه لو عمّ المقام، وإلاّ لما استحسن.
•
القبض في الهبة، «الهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها».
(ويشترط
إذن الواهب في القبض) بلا خلاف أجده، بل عليه في نهج الحق والدروس والمسالك
إجماع
الإمامية ؛ وهو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ في بحث الصدقة.
هذا إذا لم يكن بيده مقبوضاً من قبل. ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد، ولا إذن فيه، ولا مضي زمان يمكن فيه قبضه على الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر. قيل : لحصول القبض المشترط، فأغني عن قبض آخر وعن مضيّ زمان يسعه؛ إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضاً، وإنّما كان معتبراً مع عدم القبض، لضرورة امتناع حصوله بدونه.
وفيه نظر؛ فإنّ دعوى حصول القبض المشترط أوّل البحث، لعدم عمومٍ يدلّ على كفاية مطلقه لا من إجماع ولا غيره؛ للخلاف، وظهور النصوص المشترط له بحكم التبادر في القبض بعد العقد، فاللازم في غيره الرجوع إلى حكم الأصل الدالّ على عدم الصحّة أو اللزوم إلى أن يتحقّق القبض المتيقّن إيجابه لهما، وليس إلاّ المجمع عليه، وهو القبض الجديد، أو المأذون فيه ثانياً للهبة. ولعلّه لهذا اعتبر بعض الأصحاب
ما أسقطه الأكثر، وهو أظهر إن لم يكن
الإجماع من المتأخّرين على خلافه انعقد.
ومن هنا يظهر وجه لما يحكى عن بعض الأصحاب في القبض بعد العقد، من اشتراط كونه بنيّة الهبة.
فإن هذا هو المتيقّن فتوى ورواية، إلاّ أن الأشهر هنا أيضاً
الاكتفاء بمطلق القبض، وعليه عامّة من تأخّر كالسابق. وربما قيّده بعضهم بعدم التصريح بأن القبض لغير الهبة، واستحسن هذا التفصيل في الكفاية.
وهو كذلك إن وجد من العمومات أو المطلقات ما يدل على الاكتفاء بمطلق القبض، وأمّا مع عدمهما كما هو الظاهر لما ذكر فهو كسابقه، إلاّ أن ينعقد الإجماع على خلافه، أو يظهر من قرائن الأحوال كون القبض للهبة دون غيرها.
ويحتمل قوياً المصير إلى مختار الأكثر؛ لما مرّ في
الوقف ،
وسيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد، للنصوص الدالّة عليه، المعلّل بعضها له بحصول القبض من دون أن يذكر فيها ما مرّ من القيود، وهذا التعليل جارٍ في المفروض، والعلّة المنصوصة يتعدّى بها إلى غير المورد، كما تقرّر في الأُصول.
(ولو وهب
الأب أو الجد) له (للولد الصغير) الذي تولّيا عليه ما هو ملكهما ومقبوضهما قبل الهبة (لزم) بلا خلاف (لأنه مقبوض بيد الوليّ) فيكفي عن القبض الجديد، كما مرّ في الوقف؛ وللمعتبرين المتقدمين في
اشتراط القبض، المتضمّنين لقوله عليه السلام: «وإن كان لصبي في حجره وأشهد فهو جائز».
وإطلاقهما كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة، ونسبه في المسالك وغيره إلى الشهرة،
كفاية مطلق القبض السابق ولو خلا حين العقد أو بعده عن نيّة القبض عن المتّهب له بالكلية.
خلافاً للعلاّمة فاشترطها.
وهو شاذّ، ومستنده
اجتهاد في مقابلة النص المعتبر. نعم، لا يبعد اعتبار عدم القصد لغيره، كما في المسالك وغيره.
ولو وهباه ما ليس بيدهما كالمال الذي ورثاه ولم يقبضاه، أو اشترياه كذلك، أو آجراه لغيره افتقر إلى القبض عنه، بلا خلاف ولا إشكال.
أمّا الوديعة فلا يخرج بها عن يد المالك، فلا يحتاج إلى قبض جديد.
وفي
العارية وجهان، وفي المسالك والكفاية : الأقرب أنها خارجة عن يده.
ثم مفهوم العبارة وغيرها من عبائر الجماعة
وصريح آخرين
اشتراط القبض الجديد أو نيته عن الهبة إذا كانت للولد الكبير، ذكراً كان أو أُنثى. ولا خلاف إلاّ من
الإسكافي ، فألحق الأُنثى مطلقا بالصغير ما دام في حجره بالنسبة إلى هبته.
وهو شاذّ، ومستنده قياس.
وإذا وهب غير الولي للطفل فلا بدّ من القبض، ويتولاّه الولي أو الحاكم. وفي الوصي تردّد، ولعلّ الأظهر (أن له
الولاية أيضاً). وقيل بإلحاقه بالولي.
ومستنده غير واضح.
•
هبة المشاع، (وهبة
المشاع ) مطلقا (جائزة كالمقسوم) بلا خلاف بيننا، بل عليه في الغنية ونهج الحق إجماعنا؛
وهو الحجّة.
مضافاً إلى الأصل، والإطلاقات، وخصوص المعتبرين المتقدمين،
والصحيح : عن دارٍ لم تقسم، فتصدّق بعض
أهل الدار بنصيبه من الدار؟ فقال : «يجوز» قلت : أرأيت إن كان هبة؟ قال : «يجوز».
•
رجوع الأرحام في الهبة، (ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض و) كذا (في غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف) فيهم.
ظاهر العبارة هنا وصريحها في الشرائع كعبارة التحرير
الإجماع على المنع من الرجوع فيها إذا كانت لأحد
الأبوين واختصاصه بهما، وقال في المختلف : وإذا وهب الأب ولده الصغير أو الكبير وأقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعاً، ولو كان لغير الولد من ذوي
الأرحام فللشيخ فيه قولان.
•
رجوع الزوجين في الهبة، (ولو وهب أحد الزوجين) الأجنبيّين (الآخر) شيئاً وأقبضه منه (ففي الرجوع) له فيه (تردّد) ينشأ من الأصل، وعموم الوفاء بالعقد، والمستفيضة المتقدمة المانعة عن الرجوع في مطلق الهبة، وخصوص الصحيح : «لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ولا
المرأة فيما تهبه لزوجها، حيز أو لم يُحَز، لأن الله تعالى يقول (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً)
وقال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)
وهذا يدخل فيه الصداق والهبة».
•
رجوع الأجنبي في الهبة، (و) يجوز أن (يرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين) الموهوبة (باقية) ولم يتصرف فيها بشيء بالكلّية (ما لم يعوض عنها) أو يقصد بها التقرّب إلى الله تعالى، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
الغنية والمختلف والتنقيح وغيرها من كتب الجماعة؛
وهو الحجة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۰۳- ۲۳۲.