رجوع الزوجين في الهبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولو وهب أحد الزوجين الآخر ففي الرجوع تردّد.
(ولو وهب أحد الزوجين) الأجنبيّين (الآخر) شيئاً وأقبضه منه (ففي الرجوع) له فيه (تردّد) ينشأ من
الأصل ، وعموم الوفاء بالعقد، والمستفيضة المتقدمة المانعة عن الرجوع في مطلق
الهبة ، وخصوص الصحيح : «لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ولا
المرأة فيما تهبه لزوجها، حيز أو لم يُحَز، لأن الله تعالى يقول (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً)
وقال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)
وهذا يدخل فيه
الصداق والهبة».
ومن المعتبرة المستفيضة المتقدمة الحاكمة بجواز الرجوع في مطلق الهبة، وخصوص الصحاح المتقدمة المصرّحة بجواز الرجوع في الهبة لمطلق من ليس له قرابة، فيخصّ بها عموم الأدلّة السابقة المانعة، كما خصّصت بها فيمن عدا الزوجين من مطلق غير ذي قرابة، ويحمل بها الصحيحة الخاصة على
الكراهة الشديدة، أو على الزوجين اللذين لهما قرابة. ولا يمكن أن يخصّص بهذه إطلاقات تلك الصحاح؛ لفقد التكافؤ، لاعتضادها دون هذه بالكثرة، والشهرة العظيمة، و
الإجماع المحكي الذي سيأتي إليه الإشارة .
مع وهن هذه بتضمّنها اللزوم مطلقاً ولو لم تكن الهبة مقبوضة، ولم يقل به أحد من الطائفة، كما اعترف به جماعة.
مع تضمّن صدرها الذي لم ننقله هنا جواز الرجوع في الهبة مطلقاً،
وعمومه يشمل ما لو كانت لذي قرابة، وفيه مخالفة للإجماعات المحكيّة. مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة، وهي وإن خصّصت بها إلاّ أن التخصيص كما تقدّمه من الشذوذ عيب يوجب المرجوحية في مقام التعارض بين الأدلّة، وإن لم يخرج الرواية عن الحجّية في نفسها، هذا.
مع قوة
احتمال معارضتها بخصوص الصحيح : عن رجل كانت له جارية، فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة، فقال : «إن كان ذلك لله تعالى، فليمضها، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها».
وهو وإن ورد في
الصدقة ، إلاّ أن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الهبة من هذه الجهة، ولعله لهذا أن شيخنا في
التهذيب رواه في كتاب الهبة والصدقة.
فإذاً (أشبهه) الجواز مع (الكراهة) وفاقاً للطوسي والحلّي وابن زهرة العلوي
مدّعياً عليه إجماع
الإمامية ؛ وهو الحجة الزائدة على ما قدّمناه من الأدلّة، المؤيّدة بالشهرة المحكية في عبائر جماعة،
وبحكاية إجماع
الانتصار المتقدّمة،
الدالة على جواز الرجوع في مطلق الهبة، وهو وإن كان لما قدّمناه غير صالح للحجّية، إلاّ أنه قابل هنا للاعتضاد والتقوية.
خلافاً لجماعة من المتأخّرين، كالفاضل في
التذكرة وولده في شرح القواعد والشهيد الثاني،
وربما مال إليه الأوّل في النكت على
الإرشاد،
فاختاروا المنع.
والعجب من صاحب الكفاية، حيث اختار هذا القول للصحيحة المتقدّمة وجوّز الرجوع في الهبة لذي القرابة،
مع أن الصحاح المتقدمة أقوى من هذه بمراتب عديدة من حيث الكثرة، و
الاعتضاد بالشهرة، والإجماعات المحكية ولو في الجملة. فلو كانت هذه الصحيحة مع ما هي عليه مما قدّمنا إليه
الإشارة تصلح لتخصيص المعتبرة الثلاث المتقدمة وما في معناها المبيحة للرجوع في مطلق الهبة كما ذكره فأولى أن تكون تلك الصحاح لصرفها عن ظاهرها بما قدّمناه صالحة. وإن كانت المعتبرة الثلاث أقوى منها لا يصلح صرفها بها إلى ما ذكرنا، فهي لأن تكون أقوى من هذه الصحيحة لا يصلح تخصيصها بها أولى بمراتب شتّى.
وليت شعري ما الداعي له على هذا وترجيح هذه الصحيحة على تلك المعتبرة المرجّحة عنده على تلك الصحاح وما في معناها المستفيضة؟! مع اشتراكها مع تلك الصحاح في وجه المرجوحية، بل وأدون منها بمراتب عديدة، واحتمالها الحمل على الكراهة المرجّح عنده على حمل المطلق على المقيّد بعنوان الكلية في مواضع كثيرة ولو لم يوجد له فيها شاهد ولا قرينة ، فتأمّل.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۲۲- ۲۲۵.