الإجابة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو ترجيع الشيء كجواب الاستفهام والكلام والطلب.
الجوب قيل: هو
القطع والخرق والنقب والتجويف والحفر.
ومنه قوله تعالى: «وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ»
أي
خرقوه ونقبوه.
وجوب البلاد أي قطعها
، والجوبة:
الفجوة والحفرة.
والجواب: رجع الشيء، ومنه جواب
الكتاب ، والكلام
والطلب
و
الاستفهام.
وجواب
الكتاب و
الكلام الردّ عليهما
بسلب أو إيجاب
، وجواب
الطلب الطاعة والاستجابة فلا يكون إلّا
بالإيجاب، يقال: «أجاب قوله واستجاب له إذا
دعاه إلى شيءٍ فأطاع، وأجاب اللَّه دعاءه قبِله واستجاب له كذلك».
ومنه قول اللَّه عزّ وجلّ: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما»
أي اعطيتما ما سألتما.
وجواب
الاستفهام تقريره بنعم أو لا و
بيان ما استفهم عنه.
وابن فارس جعل الجواب أصلًا
مستقلًاّ عن معنى الجوب المتقدّم
، لكنّ الراغب أرجعه إليه، قال:
«جواب الكلام: هو ما يقطع الجوب فيصل من فم
القائل إلى سمع المستمع، لكن خُصّ بما يعود من الكلام دون
المبتدأ من
الخطاب...».
وكذا صنع أبو البقاء حيث جعل الإجابة عبارة عن قطع سؤال
السائل.
والإجابة:
إبداء الجواب- وزان إفعالة-
كإقالة وإمالة
مصدر أجاب يجيب، أصلها إجوابة، حذفت الواو منها تخفيفاً لثقل التلفّظ بها بسبب وقوعها مفتوحة قبل ألف بعد حرف ساكن. والإجابة والاستجابة بمعنى واحد.
والجابة اسم منها نحو طاعة وطاقة اسمان من إطاعة وإطاقة
، وقيل: الجابة مصدر كالإجابة.
وقد تطلق الإجابة على نتيجة
الفعل فتكون بمعنى الجواب كالجابة والجيبة
، يقال: إجابة سريعة، وإنّه لحَسَن الجيبة، والجابة أي الجواب.
ولا تختلف الإجابة في المصطلح
الشرعي عن معناها
اللغوي، فقد استعملها
الفقهاء في معناها اللغوي ذاته.
وهي
الانقياد وموافقة
الإرادة الحادثة إلى الفعل، ولا تكون إلّا عن
أمرٍ من
العالي إلى
الداني ، كطاعة
العبد للَّه و
للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولولاة الأمر، وكطاعة
المولى لسيّده، و
الولد لأبويه، وهكذا. أمّا الإجابة فلم تؤخذ فيها هذه الحيثيّة.
هي الإعانة
، والنصرة.
والإجابة قد تكون
إعانة وقد لا تكون. وتقدّم أنّ الإجابة لا بدّ أن يسبقها فعل؛ لأنّها بمعنى الردّ، بخلاف
الإغاثة فقد تكون مسبوقة به كالطلب، فتسمّى حينئذٍ
استغاثة، وقد لا تكون.
عن
ابن الأعرابي: «اللَّبُّ الطاعة، وأصله من
الإقامة».
وقولهم:
«لَبَّيك، أي أطعتك مرّتين».
وقال
الفيّومي: «وقيل: (لبّيك وسعديك) أي أنا ملازم، طاعتَك لزوماً بعد لزوم».
«وفي حديث
الإهلال بالحجّ: لبّيك اللّهمّ لبّيك
، هو من التلبية، وهي إجابة
المنادي، أي إجابتي لك يا ربّ».
فالإجابة يسبقها
فعل وتكون ردّاً عليه فقد يكون طلباً وقد يكون
أمراً غيره، والتلبية مسبوقة بالطلب فقط، و
التلبية طاعة، أمّا الإجابة فقد تكون طاعة وقد لا تكون.
هو
التصديق، والأخذ، والرضا
، فالفعل قبلت، والقبول
كرسول مصدره ، يقال: قبِلْتُ القول:
صدَّقْتُهُ، وقبلتُ الهديَّة: أخذْتُها.
ويقال: قَبلْت الشيء قَبُولًا، إذا رضيته.
وأمّا الإجابة فقد تكون
تصديقاً وأخذاً ورضاً، وقد لا تكون كذلك، فهي أعمّ من القبول
من وجه.
والقبول في عرف
الفقهاء في باب المعاملات ما قابل الإيجاب، وفي باب
العبادات بمعنى
الرضا من اللَّه تعالى.
للإجابة تقسيمات مهمّة:
۱- الإجابة من اللَّه تعالى: أي
الاستجابة لما يرجوه الإنسان من اللَّه بدعائه وعمله، وقد ذكروا لإجابة
الدعاء أو لتعجيلها شروطاً متعدّدة وأوقات و
مواطن خاصّة مفصّلة في مواطنها.
۲- الإجابة من
الإنسان: والتي قد تتضمّن
الإقرار و
الطاعة أو الرفض و
عدم الانقياد.
۱- الإجابة القوليّة: وهي التي تبرز باللفظ سواء كانت جملة كردّ
السلام، أو كلمة كنعم وبلى كما في جواب السائل أو المنادي.
۲- الإجابة الفعليّة: كإجابة الدعوة إلى الوليمة وإجابة
الزوجة لزوجها وغير ذلك، وقد تكون بالإشارة المفهمة التي يؤخذ بها في
الإحكام كما هو الحال في إجابة
الأخرس.
۳- الإجابة التقريريّة: فقد يعتبر السكوت إجابة في بعض الحالات كسكوت
الباكرة عند استئذانها في عقد النكاح
، فإنّ هنا
قرينة حالية تدلّ على الرضا والإجابة. وقد يلحق بذلك إقرار فعل الغير، الذي يعتبر إجابة ورضاً بفعله مع سبقه بطلب أو سؤال.
۴- الإجابة الكتابيّة: وهي الإجابة ببعث كتاب إلى الشخص ونحوه وتسمّى
الكتب المبعوثة بالجوابات.
۱- الإجابة الواجبة، كإجابة
الإمام للجهاد أو
المستغيث لحفظ
نفسه أو عرضه أو
ماله وإجابة السلام.
۲- الإجابة المستحبة كإجابة
المؤذّن وهي أن تحاكيه في
الأذان فتقول مثل ما يقول.
۳- الإجابة المحرّمة كالإجابة للمعصية أو إجابة الظالم.
۴- الإجابة المكروهة كالإجابة حال
التخلّي.
۵- الإجابة المباحة كالإجابة في
العقود والإجابة في
الوليمة.
ذكر
الفقهاء للإجابة
أحكاماً كثيرة بعضها يتعلّق بالإجابة بمعنى إجابة الكلام، وبعضها بمعنى إجابة السؤال، وثالثة بمعنى
الاستجابة، وفيما يلي إشارة إلى أهمّها:
۱- يجب إجابة المسلِّم وردّ السلام عليه، وإن كان
المسلَّم عليه مشتغلًا بما يمنع من الكلام كالصلاة
، قال تعالى:
«وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً».
وقد ذكر الفقهاء لردّ السلام أحكاماً كثيرة تطلب في محلّها.
۲- يكره حال
التخلّي أو في
بيت الخلاء الكلام وإن كان جواباً على نداء أو سؤال
، ففي خبر
صفوان عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب
الرجل آخر وهو على
الغائط، أو يكلّمه حتى يفرغ».
نعم، يستثنى من ذلك ذكر اللَّه أو حاجة يضرّ فواتها؛ لانتفاء الحرج.
۳- ورد في صحيح
عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام، والبادئ بالسلام أولى باللَّه و
برسوله صلى الله عليه وآله وسلم».
واستفاد منه بعض
الفقهاء وجوب ردّ
السلام الوارد في الكتاب مضافاً إلى وجوب ردّ جواب
الكتاب نفسه.
لكن ناقش في وجوبه آخرون بأنّ الردّ لو كان واجباً لصار لعموم
الابتلاء به واجباً، مع أنّ
السيرة لم تستقرّ على الالتزام به.
وتردّد بعض ثالث بين الوجوب والاستحباب.
تجب إجابة
المستفتي في
أحكام الإسلام إذا خيف عليه وقوعه في
الحرام بدون ذلك.
وفيها موارد:
۱- الإجابة لدعوة
الإسلام واتّباع
فرائض الدين واجبة؛ لقوله تعالى: «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي»
، وقوله عزّ شأنه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ».
۲- إجابة
الإمام العادل عند
أمره بشيء كطلبه تحمّل
ولاية القضاء من قبله واجبة أيضاً.
وكذا إذا
دعا إلى
الجهاد أو
طلب الزكاة ونحو ذلك، بل قد تجب إجابة
الجائر أيضاً بشروط ذكرها
الفقهاء في محلّها.
۳- إجابة
المستغيث ودفع
الضرر عنه ما أمكن واجبة أيضاً
[الوسائل، ج۱۵، ص۱۴۱، ب ۵۹ من جهاد العدوّ، ح ۱.
]
، ففي الحديث
المعروف: «من سمع رجلًا ينادي يا
للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» ، وعن
أبي الحسن عليه السلام قال: «من قصد إليه
رجل من
إخوانه مستجيراً به في بعض
أحواله، فلم
يجِره بعد أن يقدر عليه فقد قطع
ولاية اللَّه عزّ وجلّ».
هذا، وقد قيّدها
المشهور بما إذا كان لدفع
ضرر هلاك النفس ونحوه ممّا يعلم عدم رضا الشارع بعدم حفظه. (انظر: إغاثة)
۴- إذا سلّم
الزوج الصداق للعروس فعليه أن يمهلها مدّة استعدادها
بالتنظيف و
الاستحداد، وهنا قول بعدم الوجوب
، بخلاف ما لو طلبت الإمهال لأجل تهيئة
الجهاز، وكذا لو كانت
حائضاً فطلبت الإمهال إلى
الطهر فإنّه لا تجب الإجابة فيهما.
(انظر: نكاح، مهر)
۵- الإجابة إلى أداء
الشهادة وعدم
كتمانها بعد تحمّلها واجبة
، قال اللَّه تعالى: «وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا»
و «وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ».
(انظر: قضاء، شهادة)
۶- إجابة كلّ من له حقّ واجب على
الآخر واجبة، كوجوب إجابة
الزوجة لزوجها في الحقوق التي له عليها
كالتمكين من
الاستمتاع ، وكوجوب إجابة
المعير في قلع
البناء أو
الغرس لو أذن فيهما ثمّ
أمر المستعير بالإزالة.
۷-
يستحبّ إجابة المؤمن في كلّ
طلب غير مرجوح كما لو
دعا إلى
الطعام وليمة كانت أم غيرها
، وكذا دعوته إلى
الإقالة ، وكذا إجابة
الخاطب المؤمن القادر على
النفقة.
ويتأكّد
الاستحباب في بعضها كالأخير، بل
نسب إلى
المشهور الوجوب.
۸- يستحبّ
للحالف إجابة
الحاكم لو طلب هو أو
الخصم التغليظ في اليمين عليه.
۹- يستحبّ إجابة
السيّد العبد لو طلب
النكاح، ولكن لا يجب.
۱۰- يحرم إجابة
طلب السلطان الجائر في قبول
الولاية من قبله أو إعانته
، قال تعالى: «وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»
، نعم قد يجوز بل يجب الإجابة بشروط مذكورة في محلّها.
۱۱- يكره إجابة الدعوة في خفض
الجواري.
۱- إنّ الإجابة المتعقّبة
للإيجاب و
الإنشاء المعاملي لو أبرزت بمبرز معيّن، يتمّ بها
العقد، كما في
البيع و
الإجارة ونحوهما.
۲- كما أنّه قد يترتّب
الأثر المعاملي على الإجابة لو تمثّلت بالسكوت و
عدم الردّ، كما هو
الحال في
سكوت البكر عند سؤالها
النكاح.
وأيضاً
سكوت الموصى له وعدم ردّه للوصية يكون سبباً
للزوم الوصيّة عليه.
۳- ثمّ إنّه قد يترتّب الأثر على عدم الإجابة، كما لو طلب من المنكر
اليمين فلم يجِب ولم
يحلف، ففي مثل هذه الصورة يعدّ
ناكلًا، ولكن لو
الطلب منه تغليظ اليمين فامتنع عن الإجابة إلى التغليظ لا يتحقّق بامتناعه النكول.
الموسوعة الفقهية ج۳، ص۴۶۶-۴۷۳