الأمن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأمن (توضيح).
هو ضدّ
الخوف مطلقاً، سواء كان من عدوّ أو غيره، ويأتي أيضاً بمعنى
الدين و
الخُلُق ، و
الأصل أن يستعمل في
سكون القلب.
الأمن و
الأمان - لغة-: ضدّ الخوف مطلقاً، سواء كان من عدوّ أو غيره، وهو عدم
توقّع مكروه في
الزمان الآتي.
ويأتي أيضاً بمعنى الدين والخُلُق، يقال: ما أحسن أمنك وأمَنك، أي
دينك وخلقك.
و
الأصل أن يستعمل في
سكون القلب .
ومنه: قوله تعالى: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ
النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ»،
أي أنّ النصر والإمداد
بالبشرى و
اطمئنان القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس للأمن الذي أفاضه اللَّه على قلوبكم.
واستعمله
الفقهاء في نفس
المعنى اللغوي.
المنع و
الحبس ، وهو أن يُحصر الحاجّ عن بلوغ
المناسك بمرض أو عدوّ وما ماثلهما.
ومنه: قوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْي »،
أي إن منعتم من
السير ، من أحصره
المرض : منعه من
السفر أو من حاجة يريدها.
والنسبة بين
الإحصار والأمن أنّ الأمن لا يكون مع إحصار.
وهو عدم الخوف،
يقال: أمنت
الأسير ، أي أعطيته الأمان فأمن.
وأمّا عند الفقهاء فهو عقد معه يترك
القتال مع الكفّار مؤقّتاً أو
أبداً، وبهذا يختلف معناه
الاصطلاحي عن الأمن، وإلّا فهما
مترادفان لغةً.
قال اللَّه تعالى: «ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ »،
أي
موضع أمنه إن لم يُسلِم.
وهي طلب
الجار رفع
الأذى عن صاحبه،
ومنه: قوله سبحانه وتعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّهِ»،
أي وإن استأمنك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم ليسمع ما تدعو إليه من
القرآن والدين، فأمّنه وامنحه
المجال للتفكير حتى يتبيّن له محتوى دعوتك، فإذا أشرقت أنوار
الهداية في قلوبهم فسيؤمنون بدعوتك.
ومن الواضح أنّ
النسبة حينئذٍ هي
العموم والخصوص المطلق؛ لأنّ في كلّ
استجارة و
إجارة بهذا المعنى أمنٌ، وليس كلّ أمنٍ يكون عن استجارة.
تتّصل بالأمن في
الفقه الإسلامي أحكام كثيرة، نشير إلى أهمّها
إجمالًا فيما يلي:
•
الأمن (استهداف الشريعة)،
الإنسان اجتماعي بالطبع والذات، و
المجتمع الإنساني لم يوجد حين وجد تامّاً كاملًا، بل هو كسائر الامور لم يزل يتكامل بتكامل الإنسان في كمالاته المادّية والمعنوية. وبما أنّ
الاختلاف من
طبيعة الإنسان، والاختلاف و
التشتّت في الآراء ممّا ينجرّ غالباً إلى
الحرب و
التنازع ، لذا كان أوّل وأهمّ ما اريد في الاجتماع توفّر الأمن في
الحياة البشرية؛ إذ مع وجود الأمن يتمكّن الفرد والمجتمع من الوصول إلى
السعادة و
تهذيب الأفراد و
طهارتهم من الرذائل.
ويطمئنّ الناس في
التفكير باتّباع الحقّ في النظر والعمل، وبواسطته يتوصّل إلى
معرفة اللَّه عن طريق العبوديّة، وفيه تتحقّق سعادة الإنسان بسعادة جميع قواه.
وقد اتّفقت كلمة عقلاء
البشر و
المهتمّين بالدراسات الإنسانية على أنّ الأمن يمثّل أحد الركائز الرئيسة للتنمية
السياسية و
الثقافية والفكرية و
الاقتصادية في المجتمعات البشرية.
•
الأمن (الواجبات والمحرمات)، صرّح الفقهاء في مواطن مختلفة بأنّه يجب على الإنسان
حفظ نفسه وماله، وهذا من أهمّ ما توجّه إليه
الشارع ، فلو كان
القيام بعملٍ ما موجباً لتلف الإنسان أو توجّه ضرر عليه، عرضاً أو مالًا، فقد خفّف عنه الشارع المقدّس، أو أسقط
الوجوب رأساً، حفظاً لأمنه وأمانه.
اعتبرت
الشريعة بعض
البقاع المقدّسة بمثابة حرم أمن يأمن كلّ من دخله كائناً من كان، وهذه البقاع هي
الحرم الإلهي في
مكّة المكرمة، فالحرم محلّ أمنٍ
لأهله ولمن لجأ إليه، ولذلك ذكر الفقهاء من
محرّمات الحرم
صيد الحيوان البرّي، وهكذا الجاني في خارج الحرم لو لجأ إليه يكون في أمن، والمديون لو التجأ إلى الحرم لم يجز
إفزاعه بمطالبته، وهو ما كان معروفاً في زمن الجاهليّة أيضاً.
واستدلّ لذلك بقوله تعالى: «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً».
وقوله عزّ من قائل: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا
بَلَداً آمِناً».
وقوله سبحانه وتعالى: «وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ
أَرْضِنَا أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ».
وقوله سبحانه وتعالى: «أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ
النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ».
وهذه الآيات تدلّ على
استقرار الأمن و
استمراره في الحرم، وليس ذلك إلّالما يراه الناس من حرمة هذا
البيت ووجوب
تعظيمه الثابت في شريعة
إبراهيم عليه السلام .
وفي رواية
ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ:
«وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»،
البيت عنى أو الحرم؟ فقال: «من دخل الحرم من الناس
مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه عزّوجلّ، ومن دخله من
الوحش و
الطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».
يجب على
الأمين أن يضع
الأمانة التي عنده في مأمن، فلو قصّر في ذلك بحيث أفرط أو فرّط كان
ضامناً، وقد اشترط الفقهاء في جواز نقل الزكاة والخمس وسائر الأمانات الشرعيّة من بلد إلى آخر أن لا يكون الطريق مخوفاً غير آمن، فإن نقلها وهلك كان ضامناً.
وكذا لو كانت
أمانة مالكيّة -
كالوديعة و
الشركة و
العارية - لا يجوز السفر بها مع ظهور
أمارة الخوف؛ ضرورة عدم كونه حفظاً لها؛ إذ السفر في نفسه
مخاطرة ، ولأنّ هذا ممّا يصدق عليه
التفريط في
الحفظ أو
التعدّي ؛ لأنّ السفر ولو كان في نفسه
بإذن الشارع أو
المالك جائز، ولكن بما أنّ
العامل يحتمل
النقصان أو
التلف في السفر فيكون ضامناً.
صحّح المتأخّرون من الفقهاء
عقد التأمين الذي هو عبارة عن
التزام المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدّي إلى المؤمن له، أو إلى
المستفيد الذي اشترط
التأمين لصالحه، مبلغاً من المال، أو أيّ عوض في حال وقوع حادث أو تحقّق
الخطر المبيّن في العقد، مقابل أقساط أو دفعات مالية يؤدّيها المؤمّن له للمؤمِّن، فالتأمين
اتّفاق بين الطرفين على
تعويض الخسائر المحدّدة في العقد والواردة على المؤمّن له على
تقدير حدوثها مقابل دفعات يقدّمها المؤمَّن له إلى المؤمِّن.
وإلى جانب عقد التأمين الشخصي على النفس أو الأشياء، هناك التأمينات
الاجتماعية، والتي هي
عبارة عن عقود تلتزم بموجبها
الدولة تجاه فئة معينة من الناس- كالعمّال- بتقديم
المساعدة لهم حين
العجز عن العمل أو حدوث
إصابات بسبب العمل فيهم، ممّا تجبيه منهم ومن
أرباب العمل وما تساهم هي به.
ولا يجوز في التأمين أن يقوم المؤمّن له
بإيقاع الخطر على نفسه أو على مورد التأمين كي يستولي على مبلغ التأمين في أيّ وقت أراد بفعله ذلك؛ لأنّه غشّ و
خيانة و
مخالفة للعقد المتّفق عليه، فليس عقد التأمين بمثابة إذن المؤمن للمؤمن له
بإتلاف ماله كي يعطيه عوضه.
وهذا معناه أنّ المؤمّن له مطالبٌ بوضع مورد التأمين في أمن وأمان دون
إفراط أو تفريط؛ لأخذ ذلك ضمناً في العقد.
نعم، لو صرّح في العقد بما يشمل التأمين من الفعل العمدي للمؤمّن له، كما في بعض حالات التأمين على
الانتحار فلا بأس.
عدّ الفقهاء من جملة
الكبائر الأمن من مكر اللَّه عزّوجلّ،
وكذا اليأس من روح اللَّه؛ لقوله تعالى: «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»،
وقوله عزّ من قائل: «إِنَّهُ لَايَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».
ولبعض الروايات:
منها: صحيحة ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ من الكبائر
عقوق الوالدين، واليأس من
روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه».
ومنها: خبر
الحسن بن أبي سارة، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً
راجياً حتى يكون عاملًا لما يخاف ويرجو».
وهذا يدلّ على أنّ الخوف و
الرجاء ينبغي أن يكونا كاملين في النفس، ولا تنافي بينهما، فإنّ ملاحظة
سعة رحمة اللَّه و
لطفه على عباده سبب الرجاء القاطع لليأس، والنظر إلى شدّة بأس اللَّه وما أوعد
العاصين موجب للخوف
القاضي على الأمن من مكر اللَّه.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ الأمن المحرّم ليس إلّاما كان مع
معصية ، أمّا لو كان حيث لا معصية أو مع
التوبة المقرونة
باعتقاد قبولها و
الغفران بها أشكل القول بالحرمة، فضلًا عن كونه كبيرة؛
لانصراف النصوص عن مثل ذلك؛ إذ ظاهرها أنّها تريد الأمن الذي لا يناسب وعيد اللَّه تعالى، لا ما كان ناشئاً عن اعتقاد عدم وعيده.
•
الأمن (الاجتماعي العام)،
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۲۷۸-۲۹۴.