الأسير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابه انظر
الأسير (توضيح) .
الأسير لغة: مأخوذ من
الإسار ، وهو ما يشدّ به من حبل وقِدٍّ (القِدّ- بالكسر-: سير يقطع من جلد غير مدبوغ)
وغيرهما،
فسمّي بعد ذلك كلّ أخيذ أسيراً وإن لم يشدّ به.
ومنه قوله تعالى: «فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُم وَخُذُوهُم»
بمعنى ائسِروهم.
ويستعمله الفقهاء بنفس
المعنى اللغوي مع تقييده بما يؤخذ في
الحرب ونحوها
كالإغارة ولو بعد
انتهائها ، كما سيتّضح ذلك من خلال البحوث المقبلة.
وهو الأسر
أو أخذ الناس عبيداً وإماءً،
ويرى بعضهم أنّه يطلق على سبي النساء دون الرجال،
لكنّ الوارد في كثير من كتب اللغة
وكذا الكتب الفقهية
أنّه يطلق على أسر النساء والرجال والأطفال معاً.
وهو
المحبوس ،
وقد ورد في قوله تعالى: «كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ»،
أي محبوسة.
ويقال: رِجْله رهينة، أي مقيّدة.
ومن هنا تطلق الرهينة التي عند الدائن بإزاء
الدين لكونها محبوسة عنده.
والأسير وإن كان كالرهين كلاهما محبوسان، إلّاأنّه لابدّ من كونه في الأوّل
آدمياً ، سواء كان
احتباسه في مقابل حقّ أو لا، بخلاف الرهين الذي يعمّ الأعيان
والإنسان مع اشتراط أن يكون بإزائه شيء.
من الحبس، وهو ضدّ
إخلاء السبيل ،
وكلّ محبوس في قدٍّ أو سجن أسير.
وقيل: الأسير في قوله سبحانه وتعالى:«وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً»
بمعنى المسجون،
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ المفسّرين ذكروا أنّ المراد من الأسير هو الأخيذ من المشركين أو المحبوس وغيرهما.
فالحبس والأسر كلاهما يمنع الإنسان عن التوجّه حيث يشاء.
تارة يقوم المسلمون بأسر أحد من الطرف المقابل، واخرى يقع
المسلم نفسه في الأسر، وهو ما يسمّى
بالاستئسار .
أمّا على الصعيد الأوّل فلا خلاف
في مشروعيّة أسر كلّ من لم يحكم بقتله كالذكور
البالغين بعد انتهاء
الحرب ، ونساء
الكفّار وأطفالهم حتى قبل انتهاء الحرب، وكذا شيوخهم إذا لم يشاركوا في رأي أو قتال، وإلّا ادخلوا في حكم المقاتلين البالغين، فلا يؤسروا إلّابعد انتهاء الحرب.ويدلّ عليه- مضافاً إلى
السيرة القطعية - قوله تعالى: «فَإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ».
ولا تنافي بينها وبين قوله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسرَى حَتَّى يُثخِنَ فِي الأرضِ»؛
لأنّ هذه تنهى عن الأسر قبل الإثخان، وتلك تأمر به بعد الإثخان،
بناءً على تفسير الإثخان فيهما معاً بإيقاع القتل والجرح الشديد فيهم، فيحصل بينهما الوفاق.وقيل
: إنّ الأسر كان محرّماً بقوله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ»، ثمّ نسخ بقوله:«حَتَّى إذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ».إلّاأنّ رفع
التنافي بين الآيتين بما تقدّم قد يكون أولى من القول
بالنسخ .
وممّا يدلّ على مشروعيّته خبر
طلحة ابن زيد ، قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «كان
أبي يقول إنّ للحرب حكمين... والحكم الآخر: إذا وضعت الحرب أوزارها واثخن أهلها، فكلّ أسير اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم،
فالإمام فيه
بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، وإن شاء
فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً».
وأمّا على الصعيد الثاني، أي
الاستسلام للأسر في الحرب، وهو الاستئسار، فلا يجوز لمن يقاتل في سبيل اللَّه أن يستأسر للعدوّ ويستسلم له إلّامع التأثّر بالجراح وعدم
إمكان المقاومة.
وقد أفرد كلّ من
الحرّ العاملي والمحدّث النوري باباً في
الوسائل والمستدرك سمّياه باب (... عدم جواز الاستسلام للأسر بغير جراحة)،
وأوردا فيه عدّة روايات:
منها: ما رواه
مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام قال: «لمّا بعث
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
ببراءة مع
علي عليه السلام بعث معه اناساً، وقال: من استأسر من غير جراحة مثقلة فليس منّا».
ومنها: ما رواه
السكوني عنه عليه السلام أيضاً:«أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: من استأسر من غير جراحة مثقلة فلا يفدى من بيت المال، ولكن يفدى من ماله إن أحبّ أهله».
لكن إذا علم أنّه يقتل مع عدم الاستسلام يجب عليه الاستسلام، فإنّ الأسر يحتمل معه
الخلاص .
هناك عدة امور يمكن أن تكون هي الحكمة من تشريع الأسر:
منها: كسر شوكة الأعداء
وإذلالهم ،
وإحساس المسلمين بأنّ العزّة للَّهولرسوله وللمؤمنين.
ومنها: أن يكون ذلك عبرة للآخرين، فلا تسوّل لهم أنفسهم
الاعتداء على دولة
الإسلام .ومنها: جرّهم إلى حضيرة الإسلام؛ ليطّلعوا على نظامه وقوانينه المتطوّرة وحججه الدامغة التي لا تدع للإنسان المنصف مجالًا
للشكّ والترديد في
اعتناق الإسلام.
ومنها:
استغلال كفاءاتهم وطاقاتهم لخدمة
المجتمع الإسلامي ، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أسرى بدر، حيث جعل
فدية كلّ أسير منهم تعليم عشرة من أطفال المسلمين
القراءة والكتابة .
ومنها: استغلال الأسرى للضغط من خلالهم على الكفّار؛ لتحرير أسرى المسلمين أو أخذ الفدية منهم وصرفها في مصلحة المسلمين.
إلى غير ذلك من المصالح والحكم.
ليس لغير
الإمام الحكم على الأسير بعد أسره، وهو مخيّر لو حصل الأسر قبل
الإثخان في قتله بالطريقة التي يراها، كما أنّه مخيّر لو حصل الأسر بعد انتهاء الحرب بين المنّ والفداء
والاسترقاق ،
وقد ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه خبر
طلحة بن زيد ، قال:سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «كان أبي يقول: إنّ للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة ولم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها، فكلّ أسير اخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغيرحسم، وتركه يتشحّط في دمه حتى يموت... والحكم الآخر: إذا وضعت الحرب أوزارها واثخن أهلها، فكلّ أسير اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم، فالإمام فيه بالخيار، إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً».
وعندما نتحدّث عن حقّ الإمام في البتّ في قضايا الأسير فلابدّ من
الإشارة إلى ما ذكره غير واحد من الأعلام، من أنّ الإمام إنّما يكون مخيّراً في الخصال المذكورة إذا تساوت المصلحة بينها، وإلّا تعيّن عليه ما كان فيه مصلحة منها؛ لأنّ الإمام وليّ المسلمين
ووكيلهم ، فلابدّ أن يتحرّى مصالحهم.
وهناك من أطلق الحكم في جعل الخيار للإمام من دون تقييده بالمصلحة،
واستدلّ له بعضهم بظاهر النصّ.
علماً أنّ الموارد التي تقع ضمن صلاحيات الإمام عليه السلام أو
الحاكم الشرعي لها معاييرها العامّة التي تبحث في موضعها.وتأكيداً لمرجعية الإمام في تحديد مصير الأسرى تحدّث الفقهاء عن حالة الأسير الذي لا يقدر على المشي، فقد يصادف في الحرب أسر مقاتل من الأعداء، لكن لا يمكن نقله من ساحة القتال إلى مناطق المسلمين؛ لعدم وجود المحمل، وعدم قدرته على المشي، ففي هذه الحالة لا كلام في جواز تركه وعدم وجوب قتله.
وإنّما الكلام في حرمة قتله كما يظهر من بعضهم،
بل صرّح به آخرون،
وإن اكتفى
المحقّق الحلّي في
الشرائع والعلّامة في بعض كتبه
بنفي الوجوب،مع أنّ هناك من فسّره بنفي الجواز.
وعلى أيّ حال، فقد استدلّ القائل بالحرمة بما روي عن
علي بن الحسين عليهما السلام «... إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه».
والمقصود بالأسير هنا الذي اخذ والحرب قائمة؛
لأنّه لا يُدرى ما حكم الإمام فيه، وأمّا الذي اسر بعد
انقضاء الحرب فلا إشكال في عدم جواز قتله على كلّ حال؛
لأنّ الإمام مخيّر فيه بين الامور التي ليس القتل أحدها، وهي: المنّ أو الفداء أو الاسترقاق،
والتعليل الوارد في الرواية يشعر بذلك.
بل يمكن أن يشمل الحكم هذه الحالة أيضاً حتى عند من يقول بتخيير الإمام بين قتله وغيره لو اسر بعد انتهاء الحرب، كماسيأتي عن
ابن البرّاج ؛ انطلاقاً في ذلك كلّه من حصر حقّ
التصرّف في مصير الأسير بالإمام.وإذا كان الإمام عليه السلام غائباً كان هذا الحقّ لمن عيّنه، فعلى تقدير القول
بالولاية العامة للفقيه يثبت له هذا الحقّ أيضاً، وهكذا يجري للنائب الخاص أو العام ما جرى للإمام
المعصوم تبعاً لمقدار
الإذن .
•
الأسير (مصيره)،يختلف حكم الأسير باختلاف نوع الأسر من حيث كونه في الحرب مع الكفّار أو البغاة أو غير ذلك، ومن حيث كونه مقاتلًا أو غير مقاتل، أو امرأة أو طفلًا، ومن حيث كون الحرب قائمة أو منتهية، فلابدّ من التعرّض لكلّ قسم من هذه الأقسام ثمّ بيان حكمه وصفته.
•
الأسير (حقوقه في الإسلام)،حثّ
الإسلام على حسن التعامل مع
الأسير والرفق به
والإحسان إليه وحفظ كرامته ، وذلك يعرف من خلال الموارد التالية كحق الحياة والغذاء والسكني..
•
الأسير (إسلامه)،هناك صور متعدّدة لإسلام
الأسير،كإسلامه قبل وقوعه في الأسر وبعده..
•
الأسير (تصرفاته)،من الطبيعي أن تكون للأسير أفعال يمارسها أو تصدر عنه، وهنا توجد عدّة أنواع لأفعاله، فبعضها عبادي، وبعضها مالي، وبعضها غير ذلك، ولابدّ من بحثها لمعرفة حكم الفقهاء فيها من حيث خصوصية الأسير لا من حيث ما يشترك بينه وبين غيره.
•
الأسير (تصرفاته المالية) ،يتنوّع الحديث حول الوضع المالي للأسير وتصرّفاته المالية تبعاً له، فتارةً يكون
أسيراً مسلماً في يد الأعداء، واخرى أسيراً كافراً في يد المسلمين ؛ من هنا لزم الحديث عن كلا الصورتين من هذه الناحية.
•
الأسير (علاقاته الزوجية) ،هناك يأتي موارد متعددة من علافاته الزوجية وبقاءها بين الأسير المسلم
والكافر و...
•
الأسير (أحكامه الجزائية وعقوباته) ، هناك يأتي أحكام الجزائية وعقوبات للأسير الكافر والمسلم.
•
الأسير (التترس بأسرى المسلمين)،إذا تترّس الأعداء بأسرى
المسلمين ولم تكن الحرب قائمة أو كانت قائمة وأمكن دفع الكفّار والتسلّط عليهم من دون قتل الأسرى، فإنّه لا يجوز حينئذٍ
رميهم،ووجب
الكفّ عنهم ما أمكن.
•
الأسير (انتهاء الأسر)،ينتهي الأسر إمّا بالمنّ أو
الفداء أو مبادلة الأسرى، فمن حقّ
الإمام أن يمنّ على
الأسير بإطلاق سراحه والعفو عنه، كما من حقّه أن يأخذ الفدية في مقابل ذلك بعد أن تضع الحرب أوزارها: «فَإِمَّا مَنَّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً».
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۱۱۸-۱۶۳.