الأسير (تصرفاته المالية)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابه، انظر
الأسير (توضيح).
يتنوّع الحديث حول الوضع المالي للأسير وتصرّفاته المالية تبعاً له، فتارةً يكون أسيراً مسلماً في يد الأعداء، واخرى
أسيراً كافراً في يد
المسلمين؛ من هنا لزم الحديث عن كلا الصورتين من هذه الناحية:
وفيه عدّة بحوث:
لو اسِر الرجل وانقطع عن ماله بحيث لا يصدق عليه التمكّن من
التصرّف ، لم تجب عليه
الزكاة ؛
لما روي عنهم عليهم السلام:أنّه لا زكاة في مال الغائب،
ولأنّ الملاك في وجوب الزكاة صدق التمكّن من التصرّف في المال.
قال
الشيخ الأنصاري : «التحقيق أن يحكم بنفي الزكاة في جميع ما ورد النصّ بنفي الزكاة عنه،
كالإرث الغير الواصل إلى صاحبه، والمال المفقود ونحوهما، ويرجع في غير الموارد إلى صدق التمكّن من التصرّف المصرّح باعتباره في الفتاوى».
تصحّ التصرّفات الماليّة للأسير-
كالبيع والهبة والصدقة وغيرها- إذا وقع الأسير بأيدي مشركين معروفين
بالإحسان إلى أسراهم، فلا يحكم عليه كالحكم على المريض الذي لا تتنجّز تصرّفاته الماليّة إذا كان مرضه مخوفاً.وأمّا إذا وقع في أيدي مشركين معروفين بقتل أسراهم، فقد انفرد
ابن الجنيد بإلحاقه بالمرض المخوف؛ لأنّه ممّن يخاف عليه من
التلف ، خلافاً للمشهور
الذين اختاروا عدم إلحاقه به، معتبرين تصرّفاته نافذة كتصرّفات الصحيح؛ لعدم الدليل على الإلحاق.وما ورد في بعض نصوص المرض المخوف من أنّه: «حضرته الوفاة»
فالظاهر
اختصاصها بالمريض دون غيره كالأسير الذي يخاف عليه من القتل.
ثمّ بناءً على إلحاقه بالمرض المخوف فإنّ
الاختلاف في تنجّز هباته وعطاياه تجري في الأسير أيضاً، حيث اختار الأكثر
إخراجها من الثلث كغير المنجّزة،
واختار آخرون
إخراجها من الأصل.
لو تخلّص الأسير
المسلم من أيدي
المشركين ولحق بالمسلمين الغانمين فله عدّة حالات:
الالتحاق بهم مع
المشاركة في القتال قبل حيازة الغنائم، وفي هذه الحالة يكون له سهم في
الغنيمة ؛
لأنّه مسلم حضر وقاتل فاستحقّ السهم كغيره من المجاهدين.
الالتحاق بهم قبل
انقضاء الحرب وحيازة المال مع عدم المشاركة في القتال، وحكمه الإسهام في الغنيمة أيضاً؛ لأنّه لو قاتل استحقّ السهم
إجماعاً ، وكلّ من يستحقّ مع القتال يستحقّ مع عدمه،
حيث يحضر
الحرب والحيازة .
الالتحاق بهم بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة، فإنّه يظهر من بعضٍ دعوى الإجماع على أنّه يكون له سهم في الغنيمة.
الالتحاق بهم بعد انقضاء القتال وبعد حيازة الغنيمة، فإنّه يسهم له أيضاً كذلك ما لم تقسّم الغنيمة،
وإن اعتبر ابن الجنيد إسهامه مستحبّاً، حيث قال: «أمّا من لحق بالغانمين ممّن أسلم في بلاد الحرب أو كان أسيراً فلحق بالمسلمين، فتستحبّ القسمة له إذا كان لحوقه بالمسلمين قبل قسمة الغنيمة ما لم يخرجوا من دار الحرب».
وفصّل
العلّامة الحلّي في المختلف بين لحوقه بالمسلمين طلباً للمعاونة، فيستحقّ السهم إذا كان ذلك قبل القسمة، وبين لحوقه بهم
للاحتفاظ لا
للمقاتلة ، فلا يستحقّ شيئاً؛ لأنّه ليس بمجاهد ولا حضر
للجهاد .
الالتحاق بهم بعد انقضاء الحرب والقسمة، وحكمه في هذه الحالة هو عدم ثبوت سهم له؛ للإجماع،
ولأنّ العدوّ لو لحقهم بعد القسمة لم يسهم له، فكذا الأسير.
تارةً يتوفّى أحد أقارب الأسير فيستحقّ الأسير الإرث كسائر المسلمين إذا عُلم أنّه على قيد الحياة ويوقف نصيبه؛
لعموم قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»
الشامل للأسير وغيره،
وللإجماع.
واخرى يكون المتوفّى- ولو احتمالًا- هو الأسير نفسه، فمع العلم بموته تقسّم أمواله على ورثته.
وأمّا مع عدم العلم فقد ألحقه الفقهاء
بالمفقود الذي اختلفوا فيه على عدّة أقوال:
الأوّل: أنّه لا يُورَث حتى يثبت موته
بالتواتر أو بالبيّنة أو بالخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم، أو بمرور مدّة لا يعيش فيها مثله غالباً.
الثاني: أن يحبس ماله أربع سنين، ويبحث عنه في بقاع الأرض، فإن لم يعثر عليه قسّم بين ورثته، وإلّا فلا.
الثالث: ما ذهب إليه ابن الجنيد من أنّ المأسور في قيد العدوّ يوقف ماله ما جاء خبره، فإذا انقطع ينتظر عشر سنين من زمن
الانقطاع وبعدها يقسّم، ففي المختلف: «قال ابن الجنيد: والنظرة في ميراث من فُقد في عسكر قد شهدت هزيمته وقُتل من كان فيه أو أكثرهم، أربع سنين... والمأسور في يد العدوّ يوقف ماله ما جاء خبره، ثمّ إلى عشر سنين».
الرابع: ما ذهب إليه
الشيخ المفيد من
الانتظار عشر سنين في بيع عقاره خاصّة، واقتسام ما عداه من سائر أمواله بين الورثة إذا كانوا متمكّنين من
إرجاع سهمه إليه على تقدير ظهوره.
لا يعصم مال
الكافر مع عدم إسلامه إذا استولى عليه جيش المسلمين بالقهر
والغلبة ، فتكون أمواله غنيمة للمجاهدين.
وأمّا مع إسلامه في دار الحرب أو قبل الظفر به ووقوعه في الأسر فلا خلاف،حيث قال: «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك».
في عصمة ماله المنقول-
كالذهب والفضّة والأمتعة- دون ما لا ينقل كالأراضي والعقار، فإنّها فيء للمسلمين؛
لخبر
حفص بن غياث ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: «إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار، وهم أحرار، وولده ومتاعه ورقيقه له، فأمّا
الولد الكبار فهم فيء للمسلمين إلّاأن يكونوا أسلموا قبل ذلك، فأمّا الدور والأرضون فهي فيء ولا تكون له...».
وكذا الحكم لو أسلم بعد
الظفر حال الأمان
والهدنة وقبل صدور الحكم عليه، فإنّه يعصم ماله من
الاستغنام ؛
لاندراجه في قاعدة من أسلم حقن ماله ودمه.
ولو أسلم بعد صدور الحكم سقط القتل عنه دون مصادرة المال،
بل ادّعي عدم وجود خلاف في عدم سقوط السبي وأخذ المال؛
لأنّ الإسلام وإن كان يحقن الدماء إلّاأنّه لا يصون من
الاسترقاق وغنيمة المال؛ إذ لا مانع من الجمع بينهما وبين أن يكون الشخص مسلماً.
ولو عقد الحربي لنفسه الأمان ليسكن في دار الإسلام فقد حقن ماله تبعاً له.ولو التحق بدار الحرب
للاستيطان وخلّف في دار الإسلام مالًا انتقض أمانه لنفسه دون ماله.
ولو أسره المسلمون لم يزل
الأمان على ماله، لكن لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه
الإمام أو يفاديه أو يقتله أو يسترقّه، وفي الأوّلين يردّ ماله إليه، وفي الثالث يكون ماله للإمام عليه السلام إذا لم يكن له وارث غير حربي، وفي الرابع يُملك ماله تبعاً لرقبته
بناءً على أنّ العبد لا يملك شيئاً،
لكنّ ملكيّته تعود إلى الإمام لا إلى من ملكه؛
لأنّه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
وإذا كان على الأسير الحربي دين لمسلم أو ذمّي فلا يسقط بالسبي والاسترقاق؛ عملًا
باستصحاب البقاء وعدم سقوط ما ثبت في الذمّة شرعاً،
إلّا أن يكون الدين للسابي فيسقط؛
للإجماع.
ويقضي العبد دينه من ماله المغنوم إن سبق
الاغتنام الرقّ؛ لتقدّم حقّ الدين على حقّ الغنيمة، وحفظاً لمال المسلم.
إلّاأنّ هذا الدليل لا يجري إلّافيما إذا كان الدائن مسلماً.وأمّا
العلّامة الحلّي فقد استشكل في
قضاء دينه من ماله المغنوم.
ولو استُرِقّ بعد الاغتنام فلا يقضى الدين من ماله المغنوم، بل يطالب به بعد
العتق ؛ لتقدّم حقّ الغنيمة عليه.
وفي نسخة: «على إشكال».
وخالف في ذلك
فخر المحقّقين مؤكّداً لزوم قضائه من ماله المغنوم؛ حفظاً لمال المسلم من الضياع،
وهذا الدليل لا يشمل ما لو كان الدائن ذمّياً.ولو اقترنت الغنيمة مع الاسترقاق فذهب بعضهم
إلى تقدّم حقّ الغنيمة؛ لتعلّقه بالعين التي هي نفس المال المغنوم، بخلاف الدين المتعلّق بالذمّة.وعكس
المحقّق الثاني فقدّم الدين على الغنيمة؛
لأنّ الدين وإن كان محلّه الذمّة إلّا أنّه يقضى من المال الخارجي عند المطالبة فيتعلّق به، ولذا يجوز للحاكم أخذه قهراً إذا امتنع المديون عن أدائه، والأصل بقاء هذا التعلّق بعد الاسترقاق.
وإذا لم يوجد للحربي مال يقضى منه فهو في
ذمّته إلى أن يعتق.
ولو كان على الأسير الحربي دين لحربي آخر فقد استقرب العلّامة الحلّي سقوطه،
كما قوّاه ولده فخر المحقّقين؛
لأنّ
الدين في ذمّة المسترقّ، وذمّته تحت سلطة المسلم وقهره، وما فيها تحت
السلطنة تبعاً، والحربي وماله يملكان للمسلم بالقهر؛ لأنّهما فيء.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۱۴۵-۱۵۱.