و الفرق بينها وبين الأمان، أنّه لا يجوز لأحد أن يعقد عقد الهدنة والكفّ عن القتال لأهلإقليم أو صقع من الأصقاع إلّا الإمام أو من يقوم مقامه بأمره، وأمّا عقد الأمان لآحادهم و النفراليسير منهم، فإنّه يجوز لآحاد المسلمين أيضاً.
و العلم بهذا المعنى مفهوم يشتمل على إعطاء الأمان، لكنه لا يرادفه؛ لأنّ المقصود به هنا وقوف حالة الحرب بين المسلمين و الكافرين ، لا حصول الآخر من فرد أو مجموعة على أمان مؤقّت مع بقاء حالة الحرب قائمة.
وهو العقد مع الكفّار بعد التراضي على أن ينزلوا على حكم حاكم، فيعمل على مقتضى حكمه. والأمان أعمّ- من جهة- من التحكيم ، فقد يكون من خلال التحكيم، وقد يكون من دونه.
فلا يشترط فيه قبول الحربي.
والظاهر أنّ الأمان على قسمين: فقد يكون من خلال تعاقد ، وقد يكون من دون ذلك وهو إيقاع، بل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أهل مكّة دليل على أنّ الأمان ليس عقداً دائماً، بل قد يكون إيقاعاً.
الأصل في الأمان الإباحة ، لكن قد يجب، كما لو أراد الكافر الأمان لأن يدخل بلاد المسلمين ليسمع كلام اللَّه ويعرف شرائعالإسلام ، وقد أشارت الآية المتقدّمة إلى هذا القسم من الأمان.
وقد يحرم، كما لو كان في أمان الكافر ضرر على المسلمين، مثل ما لو كان قصده التجسّس في بلاد المسلمين للكفّار.
وربّما يكره أو يستحبّ لاعتبارات اخرى تبلغ في الرجحان مستوى الاستحباب ، وفي المرجوحية مستوى الكراهة .
وقال العلّامة الحلّي : «إذا نادى المشركون بالأمان، وكانت المصلحة تقتضيه أمّنهم، وإلّا فلا، فإذا طلبوا الأمان لأنفسهم كانوا مأمونين على أنفسهم... ولو طلبوا أماناً لأهليهم فقالوا: أمِّنوا أهلينا، فقال لهم المسلمون: أمّنّاهم، فهم فيء وأهلهم آمنون؛ لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحاً ولا كناية ، فلا يتناولهم الأمان».
وكما يصحّ الأمان مطلقاً، كذا يصحّ الأمان مشروطاً؛ للإطلاقات و العمومات .
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «إذا أمّنوهم بشرط مال أو نساء أو صبيّة أو نحو ذلك، وعملوا بشرطهم اخذ منهم شرطهم، ولم يجز التعرّض لهم»؛
يتعارف في عصرنا أخذالمواطنالتابع لبلد تأشيرة دخول لزيارة بلدٍ آخر للسياحة أو التجارة أو نحو ذلك، وقد يحصل على إجازةإقامة في هذا البلد لمدّة محدّدة كسنة أو خمس سنوات أو عشر، وهذه الموارد يمكن أن تندرج في الأمان إذا كان الطرف الآخر كافراً ولم يكن تحت ذمّة الإسلام ولم توقع الدولة الإسلامية معاهدة على تبادل الزوّار والسائحين من أهل البلدين، وإلّا كانت بنفسها تعاقداً على الاستيمان .
ولا يبعد أن تكون الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية اليوم تتضمّن التعهّد بالاستئمان، فإذا كانت الدولة الإسلامية داخلة ضمن تلك المواثيق والمعاهدات الدولية وموقّعة عليها كانت ملزمة بتطبيق بنودها، ومنها: الاستئمان على أبناء الدول الاخرى و احترام نفوسهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم، فإنّ هذا كلّه من صلاحياتالحكومة الإسلامية .