ومنها: ما رواه السكوني عنه عليه السلام أيضاً، قال: قلت له: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «يسعى بذمّتهم أدناهم؟» قال: «لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال: اعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم واناظره، فأعطاه أدناهم الأمان، وجب على أفضلهم الوفاء به».
ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي عنه عليه السلام أيضاً، قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثمّ يقول: سيروا بسم اللَّه وباللَّه وفي سبيل اللَّه وعلى ملّة رسول اللَّه، لا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة ، ولا تقطعوا شجراً إلّاأن تضطرّوا إليها، وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللَّه، فإن تبعكم فأخوكم في الدين ، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا باللَّه».
وأمّا تقريراً فقد أجارت امّ هانيبنتأبي طالب رجلًا من المشركين يوم فتح مكّة فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمانها، وقال: «قد أجرنا من أجرت وأمّنّا من أمّنت»،
بناءً على أنّه إنّما أمضى أمانها ورضي بما فعلت، وإلّا فلو فسّرنا الخبر بأنّه إنشاء أمان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم جديد بداعي القبولبرغبة امّ هاني كان ذلك من باب الفعلالنبوي لا التقرير، و الأرجح الأوّل؛ لأنّ ذيل الحديث وهو: «إنّما يجير على المسلمين أدناهم» ظاهر في أنّ النافذ إجارتها لا إجارته صلى الله عليه وآله وسلم.
وأيضاً روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إنّ عليّاً عليه السلام أجاز أمان عبدمملوك لأهل حصن من الحصون، وقال: هو من المؤمنين».
و الأفضل في تقريب التقرير أن يقال: إنّ عقود الأمان من العادات التي جرت عليها الحروب و الغزوات ، لا سيما بين القبائلالعربية ، وكانت تعدّ من معالم الثقافة العربية آنذاك، حيث كان يعطي بعض الأقرباء الأمان لبعض أو بعض من تربطهم رابطةرضاعة أو مصاهرة أو غيرها، وعندما جاء الإسلام لم يرد فيه النهي عن هذه العادة و السيرة القائمة بين الناس، لا في الكتاب ولا في السنّة، بل الوارد عكس ذلك كما اتّضح، فيكون ذلك خير دليل على مشروعية الأمان و إمضائه شرعاً.