القراءة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والقراءة الواجبة ليست مطلقة بل متعينة بالحمد والسورة في كل ثنائية كالصبح وفي الركعتين الأوليين من كل رباعية كالظهرين والعشاء وثلاثية كالمغرب، إجماعا في
الحمد ، وعلى الأشهر الأقوى في السورة، كما ستأتي إليه
الإشارة .
(وهي) واجبة بإجماع العلماء كافة إلاّ من شذّ،
و
الأصل فيه بعده فعل
النبي صلي الله عليه و آله وسلم و
الأئمة :، والنصوص المستفيضة، كالصحيح : «إن الله عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود، والقراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته».
وفيه دلالة على كون وجوبها من السنة لا الكتاب. فالاستدلال عليه بآية : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ)
فيه ما فيه، مضافا إلى
إجمالها ، واحتياج
الاستدلال بها على المدّعى إلى تكلّف أمور مستغنى عنها.
وفيه ـ كغيره ـ الدلالة أيضا على عدم الركنية، كما هو الأظهر الأشهر، بل المجمع عليه، إلاّ من بعض الأصحاب المحكي عنه القول بالركنية في
المبسوط ،
وتبعه ابن حمزة، فقد حكاه عنه في التنقيح.
وهو شاذ، وعن الشيخ على خلافه الإجماع.
نعم، في الصحيح : عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب، قال : «لا صلاة له، إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو
إخفات ».
وهو محمول على العامد جمعا.
والقراءة الواجبة ليست مطلقة بل (متعينة بالحمد والسورة في كل ثنائية) كالصبح (وفي) الركعتين (الأوليين من كل رباعية) كالظهرين والعشاء (وثلاثية) كالمغرب، إجماعا في الحمد، وعلى الأشهر الأقوى في السورة، كما ستأتي إليه
الإشارة .
والنصوص بذلك مستفيضة ستقف على جملة منها في تضاعيف الأبحاث الآتية زيادة على ما عرفته. وهل يتعين الفاتحة في النافلة؟ الأقرب ذلك، لأن الصلاة كيفيّة متلقّاة من الشارع، فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل، مضافا إلى عموم قوله عليه السلام: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب».
خلافا للتذكرة، فلا يجب، للأصل.
ويضعف بما مرّ، إلاّ أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي، فحسن، إذ الفرع لا يزيد على أصله.
ويجب قراءتها أجمع عربية على الوجه المنقول بالتواتر. مخرجا للحروف من مخارجها. مراعيا للترتيب بين الآيات، وللموالاة العرفية. آتيا بالبسملة، لأنها آية منها بإجماعنا وأكثر
أهل العلم، وللصحاح المستفيضة.
وما ينافيها من الصحاح
فمحمول على محامل أقربها
التقية ، كما يشعر به جملة من الأخبار.
و
الأصل في جميع ذلك ـ بعد عدم خلاف فيه بيننا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر
ـ التأسّي، ولزوم
الاقتصار على الكيفية المنزلة وما هو المتبادر من القراءة المأمور بها في الشريعة.
(و) على هذا فـ (لا تصح
الصلاة مع
الإخلال بها عمدا) حتى ركع (ولو بحرف) منها، حتى التشديد، فإنه حرف مع زيادة. (وكذا
الإعراب ) والمراد به ما يعمّ حركات البناء توسّعا. ولا فرق فيه بين كونه مغيّرا للمعنى وعدمه، على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا، عدا
المرتضى ـ في بعض رسائله فيما حكي عنه
ـ فخصّ
البطلان بالأول، تبعا لبعض العامة العمياء. وهو شاذّ، بل عن الماتن على خلافه
الإجماع ،
وهو الحجة، مضافا إلى ما عرفته. مع عدم وضوح حجّة له عدا ما يستدل له من أن من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمّى عرفا. والظاهر أن أمثال تلك التغييرات مما يقع فيه
التسامح والتساهل في الإطلاقات العرفية.
والمناقشة فيه واضحة سيما في مقابلة ما عرفته من الأدلة.
(و) كذا لو أخلّ ب(ترتيب آيها) وحروف كلماتها. ولا يختلف الحال (في) جميع ذلك بين (الحمد والسورة) على القول بوجوبها، بل يحتمل مطلقا. (وكذا) الحال في الإخلال ب(
البسملة ) عمدا (في) كل من (الحمد والسورة) تبطل الصلاة به، لما عرفته. واحترز بقوله : عمدا، عما لو أخلّ بشيء من ذلك حتى ركع نسيانا، فإنه لا يبطل به الصلاة، بناء على عدم ركنية القراءة، كما مضى.
(ولا تجزئ الترجمة) مع القدرة على القراءة العربية، بإجماعنا المحقق، المصرّح به في كلام جماعة حدّ
الاستفاضة ، كالخلاف والمنتهى والذكرى والمدارك والناصرية،
بل ظاهرها ـ كالأوّلين ـ الإجماع على عدم إجزائها مطلقا، كما هو ظاهر العبارة ونحوها، وحكي عن ظاهر الكافي والغنية والتحرير و
المعتبر وصريح البيان أيضا.
وعن الفاضل في
نهاية الإحكام وجوبها، وفي التذكرة جوازها مع العجز عن القرآن وبدله من الذكر،
ونحوه عن الذكرى، إلاّ أنه اقتصر على العجز عن القرآن.
وفيه مخالفة لما دلّ على أنه بعد العجز عنه يبدل بالذكر، من النص الصحيح الآتي.
ومنه يظهر ضعف ما في النهاية بطريق أولى، لكن الموجود فيها عين ما في
التذكرة ، إلاّ أنه عبّر فيها بالوجوب وفي التذكرة بالجواز، كما عرفته. وأما القول بالمنع مطلقا فمردود بما دلّ على جواز الترجمة عن التكبيرة مع العجز عنها،
فهنا أولى، فما في التذكرة أقوى، فتأمّل. لكن هل الواجب ترجمة القراءة أو بدلها من الذكر؟ وجهان، أظهرهما الأول، كما هو ظاهر ما فيها. خلافا للمحقق الثاني، فالثاني، معلّلا بأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا باختلاف الألسنة بخلاف
القرآن .
وفيه : أنه وإن لم يخرج عن كونه ذكرا لغة، إلاّ أنه يخرج عن الذكر المأمور به فيما سيأتي من النص،
فتأمّل جدّا.
واعلم أن من لم يحسن القراءة تعلّمها وجوبا، كما يأتي
(ولو) تعذر أو (ضاق الوقت) قيل : ائتمّ إن أمكنه، أو قرأ في المصحف إن أحسنه، أو اتّبع القارئ الفصيح إن وجده، لأنه أقرب إلى القراءة المأمور بها، بل لعلّه عينها.
ولا ريب أنه أحوط وأولى، وإن لم يذكره الماتن وكثير، حيث اقتصروا في جزاء الشرطية عن ذلك على قولهم (قرأ ما يحسن منها) إجماعا، كما في
الذكرى وغيرها،
فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.
ولو كان بعض آية ففي وجوب قراءته مطلقا، كما هو مقتضى الدليل، أو العدم كذلك، أو الأوّل لو سمّي قرآنا وإلاّ فالثاني، أقوال، أحوطها ـ بل وأولاها ـ الأول. وعليه ففي وجوب التعويض عن الباقي وعدمه قولان، أحوطهما ـ بل أظهرهما وأشهرهما، كما قيل
ـ الأوّل. وعليه ففي وجوب التعويض منها، بأن يكرّر ما يحسنه مرارا بقدرها، أو من غيرها من القرآن إن عرفه وإلاّ فمن الذكر، أو مخيّرا بينهما، أوجه، بل وأقوال. ويجب مراعاة الترتيب بين
البدل والمبدل، فإن علم الأوّل أخّر البدل، أو الآخر قدّمه، أو الطرفين وسّطه، أو الوسط حفّه به.
(ويجب التعلم) لما لا يحسنه (ما أمكن) إجماعا من كل من أوجب القراءة، كما في
المنتهى ،
لتوقفها عليه، فيجب من باب المقدمة.
(ولو عجز) عنها طرّا (قرأ من غيرها) من القرآن (ما تيسّر) له منه، ولو آية، مقتصرا عليها، أو مبدلا عن الباقي منها بتكرارها، أو من الذكر، على
الاختلاف الذي مضى. (وإلاّ) يتيسّر له شيء من القرآن (سبّح الله تعالى وكبّره وهلّله) على المشهور، للصحيح : «إن الله تعالى فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن، أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلي».
وظاهره الاكتفاء بمطلق الذكر، كما هو المشهور. خلافا للذكرى، فاعتبر الواجب في الأخيرتين، لثبوت بدليته عنها في الجملة،
وهو أحوط.
ثمَّ إن ظاهره
اشتراط العجز عن القرآن مطلقا في بدلية الذكر عن الفاتحة، كما هو الأشهر الأقوى، بل قيل : لا خلاف فيه،
وهو حجة أخرى، مضافا إلى النبوية الآمرة بقراءة القرآن بعد العجز عنها.
فالقول بالتخيير بينها وبين الذكر ـ كما هو ظاهر
اختيار الماتن في الشرائع
ـ ضعيف لا أعرف وجهه. وهل يجب أن يكون البدل من القرآن أو الذكر (بقدر القراءة) أم لا؟ قولان، أشهرهما الأوّل، وهو أحوط. وعليه ففي وجوب المساواة في الآيات، أو الحروف، أو فيهما معا، أقوال، خيرها أوسطها، بل قيل : إنه أشهرها.
واعلم أن ظاهر
إطلاق العبارة ونحوها
اشتراك الحمد والسورة في جميع ما مرّ من الأحكام، حتى وجوب التعويض عما لا يحسن منها كلا أو بعضها، كما حكي التصريح به عن التذكرة.
ولعل مستنده إطلاق الصحيحة المتقدمة، وهو أحوط. وإن كان في تعينه نظر، لمصير عامة الأصحاب ـ عداه ـ إلى العدم، حتى الماتن هنا، لأنه وإن أطلق العبارة ـ بحيث تشمل مطلق القراءة حتى السورة ـ إلاّ أنه سيصرّح باختصاص الخلاف في وجوبها بصورة
إمكان التعلّم، معربا عن
الاتفاق على عدمه في صورة عدمه، كغيره من الأصحاب، وفي صريح المنتهى والمدارك والذخيرة وظاهر التنقيح نفي الخلاف عنه.
قالوا : اقتصارا في التعويض المخالف للأصل على موضع الوفاق، مع أن السورة تسقط مع الضرورة، والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها. وهذه الأدلّة وإن كانت لا تخلو عن شوب مناقشة، إلاّ أنها ـ مع الشهرة العظيمة التي لعلّها إجماع في الحقيقة ـ معاضدة لنفي الخلاف المحكي في كلام هؤلاء الجماعة، مضافا إلى
أصالة البراءة .
(ويحرّك
الأخرس ) ومن بحكمه (لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه) لما مر في بحث التكبيرة مع جملة ما يتعلّق بالمسألة.
•
قراءة السورة في الصلاة، وفي وجوب قراءة سورة كاملة مع الحمد أي بعده في الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلم أو استحبابه قولان، أظهرهما الوجوب.
(ولا) يجوز أن (يقرأ في الفرائض عزيمة) من
العزائم الأربع، على الأشهر الأظهر، بل لا خلاف فيه بين القدماء يظهر إلاّ من الإسكافي، حيث قال : لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، وإن قرأ في الفريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد.
وليس نصّا في المخالفة، وإن فهمها منه الجماعة، إذ ليس فيها التصريح بجواز القراءة، بل غايته أنه لو قرأ فعل كذا، ويحتمل
الاختصاص بصورة القراءة ناسيا أو تقيّة. وعلى تقدير ظهور مخالفته فهو شاذّ، بل على خلافه الإجماع في
الانتصار والخلاف والغنية وشرح القاضي لجمل السيد ونهاية الإحكام والتذكرة.
وهو الحجة، مضافا إلى الخبرين الناهيين
معلّلا في أحدهما بأن السجود زيادة في المكتوبة.
وأما النصوص المخالفة فمع قصور سند أكثرها غير صريحة فيها، لأنها ما بين مطلقة للجواز، كالصحيح : عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال : «يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يركع ويسجد»
ونحوه غيره من الصحيح وغيره،
وهي محتملة للحمل على النافلة أو الفريضة على بعض الوجوه. ومصرّحة فيها بقراءتها فيها، كالصحيح : عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : «يقدّم غيره فيتشهّد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم»
ونحوه غيره،
وهي محتملة للحمل على صورة
النسيان أو غيره من الأعذار. والموجب للخروج عن ظواهر هذه الأخبار وحملها على ما مر في المضمار رجحان الخبرين المانعين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، الجابرة لضعفهما لو كان.
مضافا إلى الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها في حكم رواية صحيحة، والمخالفة للعامّة، كما صرّح به جماعة،
ويشهد لها أحد الخبرين وغيره من المعتبرة،
هذا. مضافا إلى ما احتجّ به الأصحاب زيادة عليهما : من أن قراءتها مستلزمة لأحد محذورين، إما الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود، وإما زيادة سجدة في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به. وما يقال : إن هذا ـ مع ابتنائه على وجوب
إكمال السورة
وتحريم القران ـ إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا، وأن زيادة السجدة مبطلة كذلك، وكل هذه المقدمات لا يخلو عن نظر.
فمنظور فيه، لصحة المقدمات : أما وجوب إكمال السورة فلما تقدم إليه الإشارة. وأما فورية السجود فللإجماع عليها على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر،
مع ظهور أخبار المسألة في ذلك، حتى الأخبار المخالفة، لتضمنها
الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة، ولو لا الفورية لما كان له وجه بالكلية.
وأما بطلان الصلاة بزيادة السجدة فلعلّه إجماعي، كما صرّح به في التنقيح.
ويشهد له خصوص ما مرّ من أحد الخبرين المعلّل للمنع باستلزام قراءتها الزيادة،
وعموم النصوص المانعة عنها مطلقا، منها الحسن : «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته
استقبالا ».
والخبر : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»
هذا. مع أنه مقتضى العبادة التوقيفية، ولزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل والنص
ـ على الثابت منها في الشريعة، من غير زيادة ولا نقيصة.
وأما تحريم
القران فهو الأظهر الأشهر، بل عن
أمالي الصدوق وفي الانتصار دعوى الإجماع عليه،
للمعتبرة المستفيضة،
وفيها الصحيح، والقريب منه، وغيره. والنصوص المعارضة
محمولة على التقية وإن تضمنت الصحيح وغيره، وذهب إليها جماعة.
لكن المحقّق من أخبار المنع ثبوته في القران بين السورتين لا سورة وبعض اخرى، وإن دلّ على المنع فيها أيضا بعضها المتقدم المتضمّن لقوله عليه السلام : «لا تقرأ في
المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر»
لعدم صراحته، لاحتمال تقييد الأكثر فيه بما إذا بلغ سورة كاملة، أو إذا قصد جزئية الزيادة لا مطلقا، والداعي إليه ما دلّ من النص
والإجماع على جواز
العدول من سورة إلى أخرى ما لم يبلغ النصف، ودعوى الإجماع على جواز قراءة القرآن وبعض الآيات في القنوت، وجواب السلام ونحوه بها. وعليه فيتجه ما مرّ من
الإيراد ، لعدم مانع حينئذ عن قراءة سورة السجدة إلى آيتها، أو مطلقا، وتركها ثمَّ قراءة سورة كاملة بعدها أو قبلها.
لكن التحقيق منع ما ذكر فيه من البناء، لتوقّفه على كون مراد الأصحاب المنع من قراءة العزيمة مطلقا حتى أبعاضها، ومحصّله المنع من الشروع فيها، وهو غير متعيّن، وإن لزم القائلين بلزوم سورة كاملة والمنع عن القران مطلقا حتى بين سورة وأبعاض أخرى بل يحتمل كون مرادهم المنع من قراءتها بتمامها، كما يومئ إليه تعليلهم الذي مضى،
والتعليل في أحد الخبرين المانعين اللذين تقدما.
وعلى هذا فلا يكون المنع مبتنيا على وجوب إكمال السورة، ولا تحريم القران بالكلية، بل يبتني على فورية السجدة وكون زيادتها للصلاة مبطلة، وكل من هاتين المقدمتين حق كما عرفه.
(ولا) يجوز أيضا قراءة (ما) أي سورة (يفوت الوقت بقراءتها) إما بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءتها في الفريضة الأولى، كالظهرين، أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت، كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة، مع علمه بذلك، لاستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا، فتوى ونصا، كتابا وسنة، فيكون منهيا عنه ولو ضمنا. مضافا إلى التصريح به في الحسن : «لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم»
ولا وجه له عدا فوت الوقت بقراءتها، وبه وقع التصريح في الخبر : «من قرأ شيئا من ال حم في
صلاة الفجر فاته الوقت».
ولا خلاف في هذا الحكم إلاّ من بعض متأخّري المتأخرين،
حيث فرّعه على البناء المتقدم : من وجوب إكمال السورة وحرمة القران، مع عدم قوله بهما. وفيه ما عرفته. وفي المسألة وسابقتها فروع جليلة ذكرناها في شرح المفاتيح، من أرادها فليطلبها ثمة.
(ويتخير المصلي في كل) ركعة (ثالثة ورابعة) من الفرائض الخمس اليومية (بين قراءة الحمد) وحدها (والتسبيح) خاصة، بإجماعنا المحقق والمنقول في كلام الأصحاب مستفيضا، بل متواترا، كأخبارنا. وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة وغيره، كما هو الأشهر الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا عدا الشيخ في الخلاف،
فعيّن القراءة في الأول، كما قيل. وهو شاذ، مع قصور عبارته عن
إفادة الوجوب، لتعبيره
بالاحتياط الظاهر في الأولوية والاستحباب، كما صرّح به هو في المبسوط،
وتبعه الأصحاب.
لعموم أدلّة التخيير من النصوص
والإجماعات المحكية، مع خلوصها عما يصلح للمعارضة، عدا عموم ما دلّ على أنه : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب».
وخصوص الصحيح : قلت له : رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين، فقال : «يقتضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين، ولا شيء عليه».
والخبر : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال : «أقر في الثانية» قلت : أسهو في الثانية، قال : «اقرأ في الثالثة» قلت : أسهو في صلاتي كلها، قال : «إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمّت صلاتك».
وفي الجميع نظر، لأن العموم بعد
تسليمه مرجوح بالنسبة إلى العموم الأول، لرجحانه بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما عرفته، فيكون هو المخصّص للعموم المعارض. مضافا إلى ضعف دلالته في نفسه، وقصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر ـ الموجب عن تتبع النصوص والفتاوى ـ بالفاتحة في محلّها المقرّر لها مطلقا شرعا، وهو الركعتان الأوليان خاصّة. والخبر الثاني ضعيف سندا، بل ولا دلالة أيضا، كالأول، لظهورهما في
الإتيان بالقراءة في الأخيرتين بقول مطلق، والمراد بها حيث تطلق الحمد والسورة معا، وهو مخالف للإجماع جدّا. وتزيد الصحيحة ضعفا بظهورها في كون الإتيان بها قضاء عما فات في الأوليين، لا أداء لما وظّف في الأخيرتين. زيادة على ما فيها أيضا من الحكم بقضاء التكبير والتسبيح، مصرّحا بفواتهما في الأوليين، وهو مخالف للإجماع أيضا.
ومع التنزل فهما موافقان لرأي أبي حنيفة، كما يظهر من الخلاف
وغيره،
إلاّ أنه أطلق الترك في الأوليين بحيث يشمل ما لو كان عمدا. ومع ذلك فهما معارضان بالمعتبرة الظاهرة فيما ذكرناه ظهورا تامّا، ففي الموثق : «إذا نسي أن يقرأ في الاولى والثانية أجزأه تكبير الركوع والسجود»
الحديث. وفي القوي : عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى
فاتحة الكتاب ، قال : «فليقل ـ إلى أن قال ـ : فإذا ركع أجزأه إن شاء الله تعالى».
وفي الخبر : عن رجل نسي أمّ القرآن : «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن».
وهي ظاهرة في إجزاء الركوع وتسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما، ولو وجب القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق معه
الإجزاء جدّا، هذا.
وفي الصحيح : في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في الأخيرتين، قال : «أتم الركوع والسجود؟» قلت : نعم، قال : «إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها».
وفي قوله «أتم
الركوع » إلى آخره، إشارة إلى ما أفادته الأخبار السابقة من إجزائه عن القراءة قبله. وفي قوله : «أكره» ردّ على أبي حنيفة، حيث جعل الأخيرتين كالأوليين في تحتّم القراءة فيهما. وفيه حينئذ دلالة على أفضليّة التسبيح وكراهة القراءة، كما اعترف به جماعة، حاكين القول بها عن العماني.
ولكن الأحوط القراءة، خروجا عن شبهة الخلاف في المسألة. وفي أفضلية التسبيح مطلقا، أم لغير الإمام الذي لم يتيقن عدم المسبوق، أم القراءة مطلقا، أم للإمام خاصة كذلك، أم مع تجويزه دخول مسبوق خاصة، أم تساويهما، أقوال مختلفة، منشؤها
اختلاف الأخبار في المسألة، إلاّ أن أكثرها وأظهرها ما دلّ على الأول، كما بيّنته في الشرح، من أرادها راجعها ثمّة.
•
الجهر بالقراءة في الصلاة، ويجهر من الصلوات الخمس اليومية واجبا في الصبح وأوليي المغرب والعشاء الأخيرة ويسرّ في الباقي.
رياض المسائل، ج۳، ص۱۴۰- ۱۶۹.