الأسير (علاقاته الزوجية)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابه، انظر
الأسير (توضيح) .
صرّح بعض الفقهاء
بعدم جواز
نكاح الأسير المسلم من المرأة الكافرة
اختياراً ، وإن جاز
اضطراراً من
اليهوديّة أو
النصرانيّة .
قال
الشيخ الطوسي في
النهاية :«المسلم إذا أسره المشركون لم يجز له أن يتزوّج فيما بينهم، فإن اضطرّ جاز له أن يتزوّج في اليهود والنصارى، فأمّا غيرهم فلا يقربهم على حال».
والمستند في ذلك ما رواه
حفص بن غياث ، قال: كتب بعض إخواني أن أسأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن مسائل، فسألته عن
الأسير هل يتزوّج في
دار الحرب ؟ فقال:«أكره ذلك، فإن فعل في بلاد
الروم فليس هو بحرام، هو نكاح، وأمّا في
الترك والديلم والخزر فلا يحلّ له ذلك».
والملاحظ على
الاستدلال بهذه
الرواية عدم وجود ما يدلّ على اشتراط الجواز بالاضطرار، بل هي مطلقة من هذه الجهة.أمّا الأسيرة المسلمة فلم يتحدّث عنها الفقهاء بعنوانها، والمفترض في هذه الحال شمول الأحكام العامة في النكاح لها، فلا يجوز لها الزواج إلّامن المسلم، وهكذا.
لم يتعرّض الفقهاء لحكم الأسير في هذه المسألة مباشرة، وإنّما تعرّضوا لحكم المفقود الذي يكون الأسير بمنزلته، وذلك في محورين:
وقد ذكروا في هذا المجال أنّه إذا حصل العلم
بالوفاة فلا خلاف في أنّ للزوجة أن تعتدّ عدّة الوفاة ، وتتزوّج بعد ذلك.
وإذا حصل العلم بالحياة فقد ادّعي عدم الخلاف
أيضاً في بقاء النكاح
واستمراره ، وأنّ على الزوجة
الصبر على ذلك
حتى لو مالت إلى ما تميل إليه النساء وطالت عليها المدّة.
وهناك من اختار جواز طلاقها من قبل حاكم الشرع إذا لم تتمكّن من الصبر على ذلك؛ لنفي
الحرج والضرر.
ولكن استبعده السيّدان الحكيم
والخوئي وإن لم يبيّنا وجه
الاستبعاد فيه، وكأنّ الوجه: أنّ قاعدتي: نفي الضرر والحرج ترفعان الحكم ولا تثبتان حكماً، وفي هذا المورد ربما يكون الحاصل
إثبات حكمٍ لا نفيه.إلّاأنّ
الشهيد الصدر استقرب القول
بطلاقها ، بشرط أن يكون زوجها قد أهمل نفقتها ولم يمكن الوصول إليه
لإجباره عليها، فيكون حاله حينئذٍ حال الحاضر الممتنع عن
الإنفاق على زوجته مع تعذّر إجباره.
وأمّا مع عدم العلم بموته ولا حياته فمع الإنفاق عليها من قبل وليّ الغائب من مال نفسه أو من مال الغائب، يجب عليها التربّص والصبر إلى أن يحضر أو تثبت وفاته، وإن لم يكن للغائب مال حتى ينفق منه عليها تبقى العلقة الزوجيّة إن صبرت على ذلك، وإلّا فالمشهور
أنّها ترفع أمرها إلى
حاكم الشرع فيؤجّلها أربع سنين، ثمّ يفحص عنه في الجهات التي فقد فيها، فإن عُلمت حياته صبرت، وإن علم موته اعتدّت عدّة الوفاة، وإن جهل حاله وانقضت المدّة أمر الحاكم وليّه أن يطلّقها، فإن امتنع أجبره، وإن لم يكن له وليّ أو لم يمكن إجباره طلّقها الحاكم، ثمّ اعتدّت عدّة الوفاة، وليس عليها فيها حداد، فإذا خرجت من العدّة صارت
أجنبيّة عن زوجها وجاز لها أن تتزوّج من تشاء، فإذا جاء زوجها فليس له عليها سبيل.
وذكر
السيّد الخميني نحوه إلّاأنّه قال: «وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمّل ونظر، إلّاأنّ اعتبار الجميع هو الأحوط».
أمّا الأسيرة المسلمة فلم يتعرّض لها الفقهاء بعنوانها من هذه الناحية، والمفترض على قواعدهم أن يحكم بحياتها
بالاستصحاب إلى أن يثبت العكس، فلا يجوز لزوجها الزواج بخامسة إذا لم يطلّقها، وهكذا.
يختلف حكم بقاء العلقة الزوجيّة بين الزوجين الكافرين وانفساخ نكاحهما باختلاف حالاتهما حين الأسر، وهي متعدّدة:
وفي هذه الحالة لا يكون ذلك موجباً
لانفساخ العقد إن كان الزوج
بالغاً ، بل لابدّ من
انتظار ما يراه
الإمام في حقّه، فإن اختار
استرقاقه انفسخ النكاح؛ لطروّ الملك الموجب لانفساخه، وإن اختار المنّ أو المفاداة لم ينفسخ.
وقد نسب
العلّامة الحلّي هذا القول إلى علمائنا.
حيث قال: «هذا الحكم عندنا موضع وفاق.وأمّا إذا كان الزوج غير بالغ فالعقد ينفسخ بمجرّد الأسر؛ لطروّ الملك عليه.
وفي هذه الحالة ينفسخ
العقد أيضاً، بلا فرق بين كونها بالغة أو غير بالغة، وقد ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه- مضافاً إلى انفساخ النكاح بنفس الأسر؛ لترتّب الاسترقاق عليه
- قوله تعالى: «وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»،
بناءً على أنّ المراد:إلّا ما ملكت أيمانكم بالسبي من ذوات الأزواج، كما عن
ابن عبّاس .
وقد ورد عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في سبي أوطاس وهو السبي الواقع بعد واقعة
حنين، سمّي به؛ لوقوعه في
وادي أوطاس في ديار هوازن عندما عسكروا فيه هم وثقيف قبل أن يزحفوا إلى حنين، وهو غير وادي حنين.
: «لا توطأ حامل حتى تضع حملها، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة»،
وهو ظاهر في انفساخ نكاحهنّ السابق.
وأمّا العلّامة الحلّي فقد قال: «لو قيل:يتخيّر الإمام أو من جعلت في نصيبه بين
إبقاء العقد وفسخه كان وجهاً».
وحكم هذه الحالة كسابقتها؛ لانفساخ النكاح بطروّ الملك على الزوجة بمجرّد
السبي وإن لم يسترقّ الزوج، بأن كان بالغاً ومنّ عليه الإمام وأطلق سراحه،
وهو ممّا ادّعي الإجماع عليه.
ويدلّ عليه نفس ما دلّ على انفساخه لو اسرت الزوجة وحدها.ولا فرق في انفساخ العقد بين أن يسبيهما معاً رجل واحد أو يسبي كلَّ واحد منهما رجلٌ من المسلمين؛
لإطلاق الأدلّة، وعدم تقييدها بذلك.
وقد اختلف الفقهاء في بقاء العلقة الزوجيّة في هذه الحالة، فمنهم من اختار بقاءها وعدم انفساخها؛ لعدم حدوث رقّ جديد يقتضي انفساخها، وإنّما هو تبديل مالك بمالك آخر
كالبيع .
ومنهم من اعتبر الغانم مخيّراً بين إبقاء الزوجيّة أو فسخها؛
لعموم ولاية السيّد على مملوكه، وعدم
استقلال العبد بغير مولاه؛
لقوله تعالى: «عَبْداً مَّمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ».
ولعلّ
مراد من ذهب إلى عدم الانفساخ في القول الأوّل هذا المعنى، فلا اختلاف بين القولين، وهو ممّا يعزّز دعوى الإجماع
على أنّ
الخيار للغانم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۱۵۱-۱۵۵.