الأجنبي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الغريب أو
الأجنب، ويقال : هو أجَنبيّ من هذا الأمر : لا تعلُّقَ له به ولا معرفةَ .
أجنبي كالنسبة
حيث قال لدى تعرضه للغة
أريحي: «كما يقال للصلت: المنصلت الأصلتي وللمجتنب: أجنبي- ثمّ قال:-
العرب تحمل كثيراً من
النعت على أفعليّ فيصير كالنسبة». إلى أجنب، وهو نعت بمعنى البعيد والغريب.
من جنب يجنب جنباً وجنابة أي بَعُد، يقال: رجل أجنب وأجنبي أي البعيد في
القرابة .
والشائع في لسان
العامة بل
الفقهاء تأنيثه بالتاء فيقال أجنبية ولكن صريح غير واحد من أهل اللغة انّه لا يؤنّث، وأنّ الذكر والانثى فيه سواء،
كما أنّ
الروايات أيضاً خالية عن هذا التعبير.
وليس له معنى اصطلاحي، بل يراد منه في المقامات المختلفة ما يناسب
المعنى اللغوي ولو بضرب من
التوسّع والمجاز كما قيل.
حيث قال: «من المجاز،وهو أجنبي عن هذا الأمر، أي لا تعلّق له به ولا معرفة».
فالأجنبي عن الإنسان هو البعيد عنه في القرابة، والأجنبي عن المرأة هو غير المحرم لها، والأجنبي عن
عقد أو
تكليف أو غيره هو من لا صلة له بهذه الامور، والأجنبي عن
البلد من ليس من أهله، والأجنبي عن علم أو صنعة من لا معرفة له بهما، وهكذا.
هناك امور توجب صيرورة الأجنبي عن شيء ذا
علاقة به وتتغيّر بتبعه أحكامه تكليفاً أو وضعاً:
فمنها: العقد،
كعقد النكاح الذي تصير به المرأة الأجنبية زوجة وتترتّب عليها أحكام الزوجية، و
كعقد الوكالة الذي به تصير تصرّفات الوكيل نافذة.
ومنها:
الإذن والتفويض ، كإذن الفقيه لغيره بالتصرف في
سهم الإمام عليه السلام بصرفه في بعض الوجوه، وإذن وليّ
الميت للأجنبي بتغسيله
والصلاة عليه، وإذن مالك الشيء لغيره بالتصرف فيه، وتفويض تعيين
المهر في نكاح مفوّضة المهر إلى أجنبي، بناءً على جواز تفويضه إلى غير الزوجين.
ومنها: حكم
الحاكم ، كنصب
القاضي والوالي وأمير العسكر و...
ومنها:
الاشتراط ، كاشتراط حق
الخيار ضمن العقد لأجنبي.وفي قبال هذه الامور امور اخرى توجب زوال هذا
الارتباط والعلاقة،
كإنشاء الطلاق من الزوج، أو فسخ ذي الخيار
المعاملة ، أو
إبطال الإذن والتفويض والرجوع عنه كما إذا رجع الموكل أو الحاكم عن إذنه.
نعم، بعض العلائق تكون ثابتة في الشريعة لا ترتفع بعد حصولها- ولو مع زوال أسبابها- كعلاقة المحرميّة بين المرأة وصهرها، فانّها لا ترتفع بطلاق الرجل زوجتَه، ونحوه علاقة المحرميّة بين الرجل ومنكوحة ابنه. وتفصيل الكلام في كلٍ منها موكول إلى محله.
يختلف حكم أفعال الأجنبي وتصرّفاته وضعاً وتكليفاً باختلاف الموارد، نتعرض لها ضمن الأبحاث التالية:
لا
إشكال في
براءة ذمة المديون بتبرّع الأجنبي عنه
بأداء دينه ،
سواء كان المديون حيّاً أو ميتاً، بل قد يعدّ ذلك من المسلّمات.
قال
السيد الحكيم - تعليقاً على
فتوى العروة ببراءة ذمة المحال عليه بتبرّع الأجنبي-: «هذا مما لا إشكال فيه؛ ضرورة جواز
التبرّع عن الغير في وفاء دينه وعدم
اعتبار المباشرة فيه عرفاً، ويقتضيه ما دلّ على جواز وفاء
الوارث دين المورّث، وما دلّ على وفاء دين
الفقير من
الزكاة ، وما ورد في وفاء
الولد دين والده، وأنّه يكتب بذلك باراً».
كما لا إشكال أيضاً في جواز قضاء تكاليف الميّت عنه، سواء كانت مالية أو بدنية،
واجبة أو
مندوبة ؛ للأدلّة الدالّة على جواز النيابة عنه مطلقاً.
وأمّا بالنسبة للحي فلا دليل على صحة البدني منها إلّا في موارد خاصة دلّ عليها الدليل،
كالحج النيابي لمن استقرّ عليه الحج وكان عاجزاً عن
الإتيان به مباشرة فانّه يجوز فعل الأجنبي عنه، وكذا بالنسبة لبعض أجزائه وبعض المستحبات
كالزيارة .
وفي المالية منها خلاف، فقد يلحق بالدين المطلق فيحكم بالجواز، وقد يلحق
بالعبادات البدنية فيحكم بعدم الجواز.
يجوز للأجنبي التبرّع
بالجعل لغيره بأن يجعل من ماله شيئاً، ويملكه العامل بالعمل،
فيجب عليه بذل الجُعل وإن لم يعد إليه نفع للتوسّع في
الجعالة ،
ولا يلزم المالك شيء للعامل ولا للباذل، ولعلّ منه قوله تعالى: «وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ».
وأمّا لو قصد بالجعل الرجوع إلى
المالك لا التبرّع فلزومه عليه (أي المالك) موقوف على
إجازته بناء على جريان الفضولية فيه.
وكما يجوز للأجنبي التبرّع بالجعل كذلك يجوز له التبرّع ببذل عوض
المسابقة والرماية ، وتصح المسابقة أيضاً.
قال
المحقق : «إذا بذل السبق غير المتسابقين صح إجماعاً...».وقال أيضاً: «إذا قال أجنبي لخمسة: من سبق فله خمسة... ولو سبق أحدهم كانت الخمسة له»».وقد صرّح عدة من الفقهاء بجواز كون عوض المسابقة من
بيت المال ؛ لأنّه معدّ للمصالح، وهذا منها، لما فيه من
البعث على التمرّن على العمل المترتّب عليه
إقامة نظام
الجهاد ، ومن أجنبي سواء كان الإمام أم غيره.
لا يجوز جعل عوض المسابقة لأجنبي غير المتسابقين والمحلّل. المحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط في عقده فيتسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما، فإن سبق أخذ العوض، وإن لم يسبق لم يغرم، وهو بينهما كالأمين.
بل لا يجوز للأجنبي
مشاركة أحد المتسابقين في
الغرم والغنم .
وقد يعلّل ذلك بأنّ الغرض الأقصى من شرعية بذل
العوض في المسابقة لمّا كان هو الحث على السبق والتمرّن عليه، وجب أن يكون اشتراطه للسابق من المتسابقين إن لم يكن بينهما محلّل، أو منهما ومن المحلّل إذا كان بينهما، فلو جُعل لغيرهما لم يجز؛ لأنّه مفوّت للغرض.
صريح فقهائنا جواز جعل الخيار للأجنبي في المعاملة
كالبيع ونحوه.
قال
العلّامة في
التذكرة : «هل يجوز جعل الخيار للأجنبي؟ ذهب علماؤنا أجمع إلى جوازه، وأنّه يصح البيع والشرط...».
وقال في
التحرير : «إذا جعل الخيار لنفسه وللأجنبي معاً تخيّر كلّ منهما في
الفسخ والإمضاء ، ولو جعل الخيار للأجنبي دونه صحّ أيضاً».
وقال المحقق: «لكلّ منهما أن يشترط الخيار لنفسه ولأجنبي، وله مع الأجنبي، ويجوز اشتراط
المؤامرة ».
والفرق بينهما: أنّ الغرض من المؤامرة
الانتهاء إلى أمره، وليس له الفسخ أو الإمضاء، حيث لم يجعل له هذا الحق، بخلاف من جُعل له حق الخيار.
قد وسعت الشريعة في علاقة المرأة فيما بينها وبين زوجها، حيث أباحت لكلّ منهما
التمتّع بالآخر ما يكون سبباً للسّكن بينهما كما في قوله تعالى: «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ»،
وقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ».
وقوله: «خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً».
كما أنّها وسّعت في العلاقة بين المرأة
ومحارمها الذين لا مناص لها من معاشرتهم، وبذلت لهم من
المودة والرحمة ما يحجب نوازع
الرغبة والشهوة فيما بينهم.نعم قد ضيقت من هذه العلاقة فيما بينها وبين الرجال الأجانب.وحكمة ذلك كلّه هي تعلّق غرض
الشارع الحكيم بتنسيق نظام قويم من أجل بقاء النسل البشري وتربيته على أكمل وجه في كنف
الأسرة ونظام
المجتمع ، فإنّ ما نراه في المجتمعات الغربية من الفساد والمجون ليس هو إلّا لتوسعة علاقة المرأة بالأجانب إلى حدّ
الإفراط تحت ستار شعارات خلّابة كحرية المرأة ما ضعفت به بنيان الاسرة والمجتمع.
وقد اشير إلى بعض ذلك في قوله تعالى:
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ• وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ... وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
وفي هذا الصدد نحاول الإشارة إلى جملة من الأحكام ضمن العناوين التالية:
يحرم نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية حتى الوجه والكفّين إذا كان بشهوة وتلذّذ أو خوف فتنةٍ بالضرورة؛ ولذا لم يبحث الفقهاء عن حكمه صريحاً إلّا القليل منهم
نعم اطلاق كلماتهم في حرمة
النظر إلى الأجنبية شامل له،
كما يحرم عليه النظر اليها من دون تلذّذ فيما عدا الوجه والكفّين
إجماعاً .
وأمّا الوجه والكفّين ففي جواز النظر إليهما من دون تلذّذ أقوال:
أحدها:
الجواز على
كراهية مطلقاً.
ثانيها: التحريم مطلقاً.
وثالثها:
التفصيل بين المرّة والأزيد، فيجوز في المرة الاولى فقط.
بينما جوّزوا النظر اليها حتى فيما زاد على الوجه والكفّين في بعض الحالات من ضرورةٍ
كالمعالجة - وفي حكمها المعاملة كما صرّح به بعضهم
- وتحمّل
الشهادة وأدائها،
أو
ابتلاء المكلّف بتكليف أهم في نظر الشارع من حرمة النظر
كانقاذ الغريق المتوقّف على النظر واللمس، أو كون الأجنبية من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً بالنسبة إلى كشف ما هو معتاد كبعض
الشعر والذراع، أو كونها ممن يريد نكاحها حيث يجوز له النظر إلى وجهها وكفّيها ولو من دون إذنها ورضاها، وألحق بعضهم بهما شعرها ومحاسنها وجسدها. ونحوه نظر الرجل إلى
الجارية التي يريد شرائها.
هذا كلّه في نظر الرجل إلى الأجنبية.
وأمّا نظر المرأة إلى الأجنبي فصريح بعضهم أيضاً عدم الجواز.
واستدلّ له في
المسالك بوجود المقتضي، وبقوله تعالى: «وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ»،
قال: «لا يجوز لها النظر إلى وجهه وكفّيه».
وقد يستدلّ له بالروايات أيضاً ولكن استشكل في الجميع، ولذلك بُني الحكم عند بعضهم على
الاحتياط .
كلّ موضع يحرم فيه النظر فتحريم
اللمس فيه أولى.
هذا في جانب الحرمة، أمّا في جانب الحلّية فقد يفترقان كما في مقام المعالجة لو توقّفت على النظر دون اللمس، فيجوز النظر فقط، كما قد تتوقّف على اللمس فقط فيجوز دون النظر.
ثمّ إنّ الحرام إنّما هو اللمس مباشرة، وأمّا إذا كان من وراء
حجاب كالمصافحة من وراء
الثوب فإنّها لا تحرم
إذا كانت خالية عن الغمز
والتلذّذ ، ففي رواية
سماعة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال:«لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها
اخت أو
ابنة أو
عمة أو
خالة أو بنت اخت أو نحوها، فأمّا المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلّا من وراء الثوب، ولا يغمز كفّها».
ومن ذلك يتضح حكم
معانقة الأجنبية من وراء الثوب أو بدونه، ومع
الغمز أو بدونه، وبقصد التلذّذ أو بدونه، وأنّ الحرام من كلّ ذلك ما كان منها بمباشرة أو مع
استلذاذ أو خوف فتنة؛ لعدم الخصوصية في المصافحة كما صرّح به بعضهم.
يقع
الكلام تارة في حكم استماع صوتها ذاتاً، واخرى في حكم
جهرها بصلاتها مع سماع الأجنبي، وثالثة في حكم
أذانها مع سماع الأجنبي.
أمّا الأوّل: فلا يجوز للرجل استماع صوت المرأة الأجنبية مع التلذّذ أو
الريبة وخوف
الفتنة قطعاً،
وأمّا مع عدمهما ففيه خلاف، فقد يظهر من إطلاق بعضهم هنا وفي باب
القرآن والأذان التحريم؛ لأنّه عورة.
ولكن صريح غير واحد أنّه ليس بعورة فيجوز سماعه، مستدلًا له
بالسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار من العلماء والمتدينين، بل بنفس
الآية الواردة في ذلك وهي قوله تعالى: «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»،
حيث إنّ المنهي عنه فيها هو خصوص
الخضوع بالقول لا مطلق القول.
مضافاً إلى ضعف ما يتوهّم دلالته على الحرمة من
الأخبار .
وأمّا بالنسبة إلى صلاتها الجهرية فصريح بعضهم بل المنسوب إلى
الأصحاب وجوب
الإخفات عليها مع سماع الأجنبي لصوتها،
واحتاط بعضهم لزوماً،
وخالف البعض الآخر في ذلك فراجع.
أمّا أذانها فقد وقع الكلام بينهم في وجوب
إسرارها بالأذان مع سماع الأجنبي لصوتها وعدمه، والمسألة مبنية على انّ صوتها عورة أم لا، ففي
الشرائع: وهُما (أي الأذان والاقامة) مستحبان في
الصلوات الخمس المفروضة
أداءً وقضاءً للمنفرد والجامع، للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسرّ به المرأة، وفي
المسالك معلقاً على ذلك: إنّما يشترط إسرارها حيث يستلزم الجهر سماع الأجنبي امّا مع عدمه فتتخيّر بين السرّ والجهر وإن كان السرّ أفضل.
كما وقع الكلام بينهم في جواز
اكتفاء الأجنبي بأذانها وعدمه فذهب
الشيخ إلى الجواز
وذهب عدّة إلى
العدم لاشتراط الذكورة إذا أذن للرجال الأجانب.
والمستفاد من بعضهم التفصيل بين النساء والرجال فيجوز الاكتفاء لهن دونهم بلا فرق بين المحارم وغيرهم.
يجوز سلام الأجنبي على الأجنبيّة- بناء على عدم كون صوتها عورة- إذا كان خالياً عن التلذّذ وخوف الفتنة،
بل قد يحكم
باستحبابه أيضاً
وعُلّل الجواز باطلاق الأدلّة بعد عدم كون صوت المرأة من حيث هو عورة ليستوجب
التقييد بالمماثل.
والمراد من الإطلاقات
الروايات الواردة في الحث على السلام وفضله كرواية
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «السلام تطوّع والردّ فريضة»
وبهذا
الاسناد قال: «من بدأ بالكلام قبل
السلام فلا تجيبوه»
وغيرها.
بل في رواية
ربعي بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يسلّم على النساء ويرددن عليه السلام، وكان
أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء، وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ ويقول: أتخوّف أن تعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر مما طلبت من
الأجر ».
وبذلك يحمل ما ظاهره
النهي عن
تسليم الرجل على المرأة- كرواية
غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام انّه قال:«لا تسلّم على المرأة».
ورواية
مسعدة بن صدقة عنه عليه السلام انّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تبدءوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام، فإنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «النساء عيّ وعورة، فاستروا عيهنّ
بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت»
- على الكراهة كما صرّح به بعضهم
أو على صورة خوف الفتنة والريبة كما صرّح به آخر.
بل قد يحتمل جواز تسليم الرجل على الأجنبيّة حتى بناء على أنّ صوتها عورة؛ لأنّ
الحرام حينئذٍ إنّما هو الجواب دون البدء بالسلام، بل قد يقال بجواز الجواب عليهن أيضاً، بل الوجوب كما سيأتي عن
المحقق القمي قدس سره.نعم يكره للرجل
ابتداء السلام على الشابة منهنّ،
بل مطلقاً عند بعضهم وتتأكّد
الكراهة في الشابّة عندئذٍ،
ودليله الروايات الماضية.
هذا كلّه بالنسبة لسلام الرجل على المرأة الأجنبية، وأمّا سلام المرأة على الأجنبي فالمنسوب إلى
المشهور حرمته بناءً منهم على أنّ صوتها عورة فيجب
سترها ، ويحرم
إسماعها الأجنبي، ولكن أنكر ذلك المتأخّرون عليهم؛ لعدم دلالة دليل عليه، فحكموا بالجواز مع أمن الفتنة. قال في
الحدائق : «المشهور بين الأصحاب تحريم سلام المرأة على الأجنبي، وعلّلوه بأنّ صوتها عورة، فاستماعه حرام. وتوقّف جملة من متأخّري المتأخّرين؛ إذ الظاهر من الأخبار عدم كون صوتها عورة، وهو الحق مضافاً إلى ما رواه...».
وقال في
الذخيرة : «قيل: يحرم سلام المرأة على الأجنبي؛ لأنّ إسماع صوتها حرام، وأنّ صوتها عورة. وتوقف فيه بعض
المتأخّرين ، وهو في محلّه».
وقال في
الغنائم : «قيل: يحرم سلام المرأة على الأجنبي... والأظهر عدمه، إلّا إذا كان مظنّة الريبة».
وقال في
المستند : «الحقّ جواز تسليم الأجنبية على الأجنبي؛ للأصل، والأخبار، وقيل بعدمه؛ لأنّ صوتها عورة، وهو ممنوع، والخبر المانع عنه لا يفيد أزيد من الكراهة».
ثمّ انّه لا شكّ في وجوب الردّ بناء على الجواز ولو مع الكراهة.
قال
السبزواري في
الكفاية : «وحيث لم يثبت تحريم سماع صوت الأجنبيّة وإسماعه مطلقاً كان القول بالوجوب (أي وجوب ردّ السلام) عامّاً».
وأمّا بناء على حرمته فهل يجب ردّه؟احتمله بعضهم،
بل اختاره المحقّق القمي؛ لعموم الأمر به.
قال في الغنائم: «ولو قلنا بحرمة سلام الأجنبي والأجنبية أيضاً فالأظهر وجوب الردّ للعموم».
واختار العلّامة العدم، قال في التذكرة:«ولو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس فإن كان بينهما زوجيّة أو محرمية أو كانت
عجوزاً خارجة عن مظنّة الفتنة ثبت
استحقاق الجواب ولا فلا».
وقد يوجّه هذا بتبادر التحيّة المشروعة من الآية».
وقد يحتمل وجوب الردّ خفيّاً في خصوص المرأة.
صريح بعض الفقهاء استحباب
التعزية حتى من الأجنبي للأجنبية إذا كانت غير شابة.
قال الشيخ: «يستحب تعزية الرجال والنساء والصبيان، ويكره تعزية الشباب من النساء للرجال الذين لا رحم بينهم وبينهن».
وقال العلّامة: «يستحب تعزية جميع أهل المصيبة كبارهم وصغارهم، ويُخصّ من ضَعُف منهم عن تحمّل المصيبة لحاجته إليها، ولا فرق بين الرجل والمرأة؛ لقوله عليه السلام: «من عزّى ثكلى كسي برداً في
الجنة »،
نعم يكره تعزية الرجل المرأة الشابة الأجنبية حذر الفتنة».
ولكن ظاهر المحقق النجفي عدم الكراهة مطلقاً حيث قال: «نصّ بعضهم على كراهة تعزية النساء الشابات معلّلًا بخوف الفتنة، كما عن آخر انّه لا سنّة في تعزية النساء، وفيه مع ما عرفت(في خبر الثكلى)- مضافاً إلى العمومات- أنّ التعزية لا تختصّ بالمشافهة، بل تكون
بالمكاتبة والإرسال ونحوهما مما لا فتنة فيه».
الخِطبة مستحبّة
تعريضاً أو تصريحاً إذا كان خالياً عن
المواعدة سراً التي قد نُهي عنه في قوله تعالى: «وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا»
وهو بأن يقول لها صريحاً: عندي جماع يرضيك أو يقول لها تعريضاً: ربّ جماع يرضيكِ، لأنّه من
الفُحش .
نعم لا يجوز
التعرّض لخطبة
ذات البعل لا تعريضاً ولا تصريحاً لحرمة نكاحها، وكذا المعتدة الرجعية؛
باجماع العلماء لأنّها زوجة،
وكذا المحرّمة أبداً ممّن حرمت عليه مثل المطلّقة تسعاً للعدة
والملاعنة والمرضِعة وغيرهن ممن يحرم نكاحهن أبداً، وأمّا من غيره فيجوز التعريض في العدة والتصريح بعدها.
وأمّا المطلّقة ثلاثاً فيجوز التعريض لها من الزوج وغيره، ويحرم التصريح فيهما في العدّة ومن غير الزوج بعدها.
والمفسوخ
نكاحها يجوز التعريض لها من الزوج وغيره للأصل واطلاق النصّ والتصريح من الزوج خاصّة لأنّها في عدته.
وبالجملة فالظابط في جميع ذلك- على ما ذكره بعض الفقهاء- أنّ التصريح
بالخطبة للمعتدة حرام مطلقاً إلّا من الزوج في العدّة التي يجوز له نكاحها بعدها بحيث لا تكون محرّمة عليه
كالعدة الرجعيّة ، وكذا إذا كانت بائناً إذا كانت تحلّ له في الحال وإن توقّف الحلّ على رجوعها في
البذل كما في المختلعة.
والتعريض جائز من كل من يجوز له تزويجها بعد العدّة ومن الزوج وإن لم يجز له تزويجها حينئذٍ كالمطلّقة ثلاثاً قبل المحلّل ما لم تكن محرّمة عليه مؤبّداً.
والمراد من التصريح بالخطبة هو الخطاب بما لا يحتمل إلّا النكاح مثل قول الخاطب: أتزوجك بعد العدّة، والتعريض هو الإتيان بلفظ يحتمل
الرغبة في النكاح وغيرها كقوله: ربّ راغب فيك، أو أنّك عليّ كريمة، أو أنّك لجميلة، أو يقول لها:عسى اللَّه أن ييسّر لي امرأة صالحة، ونحوها.
والأصل في ذلك كلّه قوله تعالى: «وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً».
صريح بعض الفقهاء تحريم
خلوة الرجل بالاجنبية.
قال العلّامة في إجارة التذكرة: «قد بيّنا أنّه يجوز
استئجار المرأة للخدمة، سواء كانت حسناء أو قبيحة المنظر، وسواء كانت عجوزة أو شابة، وسواء كانت أجنبية أو قريبة، وسواء كانت حرّة أو أمة، لكن لا يجوز النظر اليها إن كانت أجنبية بل يصرف وجهه عن النظر، ولا يخلو معها في بيت لئلّا تغريه الشهوة».وقال في وجه حرمة النظر إلى الأجنبية: «لأنّ النظر اليهن مظنّة الفتنة، وهي محل الشهوة فاللّائق بمحاسن الشرع حسم الباب
والاعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية».
وقال
الشهيد في المسالك في وجه تحريم قليل
الخمر : «المعتبر في التحريم إسكارُ كثيره فيحرم قليله حسماً لمادّة الفساد، كما حرم الخلوة بالأجنبيّة
لإفضائها إليه».
وقال في سكنى المطلّقة: «المعتبر فيما يليق بها ما تقدم بحثه في باب
النفقات ، لكن يزيد هنا اعتبار
انفرادها عن الزوج، فلو كان بيتاً واحداً يليق بها لكن الزوج كان ساكناً معها قبل
الطلاق وجب عليه الخروج عنها إن كان الطلاق بائناً حيث تجب لها السكنى لتحريم الخلوة بالأجنبية، وإن كان الطلاق رجعياً فظاهر الأصحاب عدم وجوب انفرادها؛ لأنّها بمنزلة الزوجة، ويشكل بأنّ التمتّع بها بالنظر وغيره إنّما يجوز بنيّة الرجعة لا مطلقاً، فهي بمنزلة الأجنبية في اصل تحريمه وإن كان حكمه أضعف، فتكون الخلوة بها محرّمة كغيرها».
بل لعلّ الظاهر من بعضها أن الحكم من المسلّمات.
والأصل في تحريم الخلوة بالأجنبية الروايات:
منها: ما عن
موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم».
ومنها: ما رواه
الشيخ الصدوق باسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، وقد ورد في ذيله:«أنّ الرجل والمرأة إذا خليا في بيت كان ثالثهما
الشيطان ».
ولكن قد يستشكل في الروايات بضعف اسنادها بل دلالتها، مدعياً أنّ
النهي الوارد فيها إنّما هو إرشاد إلى التحفّظ عن تحقق المحرّمات كالزنا وما يلحق به، فلا دلالة فيها على حرمة ذات الخلوة بالأجنبية بعنوانها بحرمةٍ مولويّة.
كما قد يدعى إمكان حملها على
الكراهة ، بل لعلّ المنساق منها ذلك، فإنّ اللسان لسانها، ولا شهرة محققة للأصحاب في الحرمة.
المشهور حرمة
التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة الأجنبية بذكر محاسنها
وإظهار شدة حبّها بشعر
أو غيره،
بل ادعي عدم
الخلاف فيه بل الإجماع.
قال
المحقّق الحلّي : «يحرم من الشعر ما تضمّن كذباً أو هجاء مؤمن أو تشبيباً بامرأة معروفة غير مُحلّلةٍ له، وما عداه مباح».
وقال
العلّامة الحلّي : «هجاء
المؤمنين حرام سواء كان بشعر أو غيره، وكذا التشبيب بامرأة معروفة محرّمة عليه».
ويستدلّ
للحرمة
باشتمال التشبيب على فضح المرأة
وهتك حرمتها
وإيذائها وإغراء الفسّاق بها وإدخال النقص عليها وعلى أهلها، وبما دلّ على حرمة
اللهو والباطل وما يوجب تهييج الشهوة، وبفحوى ما دلّ على حرمة النظر والخلوة بالأجنبية.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۳۷۵-۳۸۹.