المكاتبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وأما المكاتبة)
واشتقاقها من الكتب وهو الجمع،
لانضمام بعض
النجوم إلى بعض، ومنه : كتبت الحروف. وهو مبني على الغالب أو
الأصل من وضعها بآجال متعدّدة، وإلاّ فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل كما في الروضة.
(فهي تستدعي بيان أركانها وأحكامها).
(والأركان أربعة : العقد، والمالك، والمكاتب، والعوض)
•
صيغة المكاتبة،أمّا الأوّل فصيغته أن يقول السيد : كاتبتك على أن تؤدّي إليّ كذا في وقت كذا؛ فإذا أديت فأنت حرّ، فيقبل العبد. كما عن الخلاف والحلّي.
(و) أمّا الثاني، فبيانه : أنه (يعتبر في المالك جواز التصرف) برفع الحجر عنه
بالبلوغ والعقل (والاختيار) كما مرّ في نظائر البحث. (وفي اعتبار
الإسلام ) فيه (تردّد) ينشأ من أنّ الكتابة هل هي عتق بعوض؟ فيشترط فيه
الإسلام ، أو معاملة مستقلّة بين السيّد والعبد على عوض معلوم؟ فلا يشترط كسائر المعاملات.
(أشبهه) عند الماتن والأكثر،
بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر، بل صرّح بعض بجهالة القائل بالاعتبار
(أنّه لا يعتبر) لضعف القول بأنّه عتق. مضافاً إلى وقوع العتق من الكافر مطلقاً، أو إذا كان مقرّاً بالله تعالى، فلا يتمّ الدليل إلاّ على القول بعدم صحّة
العتق من
الكافر مطلقاً، ولو كان بالله تعالى مقرّاً. وهو ضعيف كما مضى.
وظاهر الجماعة
الاتّفاق على عدم الاعتبار، مع ثبو ضعف دليل هذا القول، لعموم ما دلّ على صحة هذه المعاملة. فإن صحّ إجماعاً، وإلاّ ففي العموم مناقشة إن أُريد به عموم أدلّة مشروعية المكاتبة من الكتاب والسنة؛
لاختصاص الخطاب في الأوّل بالمسلمين الذين هم المخاطبون بالآية، بقرينة أنّ متعلّقه من يعلم الديانة خيراً لا مطلقاً، والكافر لا يعلمها بالمعنى المراد في
الآية أي
الإيمان خيراً بل يزعمه شرّاً، فلا يمكن أن يتوجّه هذا الخطاب إليه جدّاً.
والتعدية إلى الكفار لا بدّ فيها من دلالة، وهي في المقام مفقودة؛ لعدم نصّ كما هو ظاهر وسيأتي إليه
الإشارة ، ولا إجماع في محل النزاع بلا شبهة. وعدم عموم في الثاني، بل ولا إطلاق سوى الموثّقة المتقدمة، والمتبادر منها كون المولى مؤمناً لا مطلقاً. مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام : «والمؤمن معان» في كون العبد مؤمناً، ولا يكون عبداً للكافر غالباً، فلا تحمل الرواية على ما هو فرد نادر جدّاً.
مع أنّه لا تصحّ مكاتبة الكافر له عند جماعة؛ لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فوراً، والمكاتبة لا تقتضي
الإخراج خروجاً تامّاً، ولا ترفع السلطنة خصوصاً في المشروطة، فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضاً.
وكذا إن أُريد به عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، أمّا على القول بكون الكتابة عقداً جائزاً مطلقاً أو في الجملة فظاهر؛ لعدم دخولها من أصلها حينئذٍ فيه أصلاً. وكذا على المختار من كونه لازماً؛ لما مضى في عموم الآية السابقة من اختصاص الخطاب بالمسلم، وعدم موجب للتعدية لا من
إجماع ولا سنّة. وثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد
الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة. والقياس حرام في الشريعة.
فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعلّه لا يخلو عن قوّة ولو قلنا بأنّ الكتابة معاملة مستقلّة؛ لعدم المقتضي لصحّتها كليّة حتّى في المسألة، لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة، ولم أقف من دونها على دلالة فتأمّل.
مع أنّ الأصل على الفساد أقوى حجّة، سيّما إذا كان العبد مسلماً؛ لما مضى. وكذا إذا كان كافراً على القول بعدم صحّة مكاتبة العبد الكافر كما هو الأقوى، وسيأتي أنّ المرتضى ادّعى عليه إجماعنا عليه مطلقاً من دون تقييد بكون المولى مسلماً.
ومن هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العمومات ولو سلّمت؛ فإنّ الإجماع المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر لمثله، كما أنّ ما مرّ في كلام جماعة ينفي جواز مكاتبته لضدّه. فبهما تخصّص العمومات المزبورة، ولا فرد آخر للمسألة تشمله فيكون ثمرة
النزاع والمشاجرة.
وأمّا الثالث، فبيانه : (أنّه يعتبر في المملوك التكليف) فلا يصّح مكاتبة
الصبي ولا
المجنون ، بلا خلافٍ أجده حتّى من المسالك والروضة
وإن ناقش في دليل الحكم المنقول عن جماعة بعض المناقشة، لكنّه نسبها في الثاني كالشهيد في
الدروس إلى الخيال المشعر بل الظاهر في تمريضه، وحكى في الأوّل بعدها الإجماع عن بعض، وجعله الحجّة من دون تزلزل ولا ريبة.
فلا مجال للمناقشة في الحكم في المسألة، سيّما مع حكاية الإجماع المزبور وإن لم نعرف ناقله الأصلي مع
احتمال كونه الشهيد في شرح الإرشاد، كما حكاه عنه صريحاً السيّد في شرح الكتاب، وجعل هو أيضاً الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب.
واستدلّ عليه أيضاً بعد الإجماع بوجوب
الاقتصار في هذه المعاملة المخالفة للأصل على مورد النص والوفاق، وليس إلاّ كتابة المكلّف. وبه استدلّ على ما سيأتي من اعتبار الإسلام في العبد.
وهو حسن لو انحصر المخرج عنه في عموم أدلّة مشروعيّة المكاتبة، وليس بمنحصر، لوجود عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود، الشامل لمحل الشبهة والمناقشة في المسألة، وهو ما إذا حصل القبول من المولى أو نحوه كالأب والجد ممّن له
الولاية عليهما، لصدق العقد على مثله جدّاً، هذا.
والعجب منه رحمه الله أنّه استدل لعدم اعتبار الإسلام في السيّد بالعموم، وما احتمل الاعتبار لما ذكره هنا من لزوم الاقتصار فيما خالف
الأصل على المتيقّن من النص
والفتوى ، مع أنّه لا يكاد يظهر فرق بين المقامين بوجه أصلاً، إذ كما أنّه ليس مكاتبة غير المكلّف متيقّناً من الأمرين ولا موردهما، كذا ليس مكاتبة المولى الكافر متيقّناً من أحدهما ولا موردهما، كما مضى بيانه مشروحاً.وكما أن عموم الوفاء بالعقود يشمل مكاتبة المولى الكافر على تقدير تسليمه، كذا يشمل على اليقين مكاتبة غير المكلف في الفرض المذكور سابقاً. فهذا
الاستدلال ضعيف، كالاستدلال بأنهما ليس لهما أهليّة القبول
والابتغاء ؛ لما ذكره في المسالك والروضة.
(وفي) جواز (كتابة) العبد (الكافر تردّد) يظهر من جماعة
أنّ وجهه
الاختلاف في تفسير الخير في الآية هل هو المال والديانة؟ أو الأوّل دون الثاني؟ أو بالعكس؟ فيصح على الثاني دون الباقي.
وهذا منهم ظاهر في فهمهم من مفهوم الآية المنع عن الكتابة مع عدم الخير، لا عدم
الأمر بها مع عدمه، كما فهمه الشهيد الثاني، واعترض لأجله توجيه المنع بتفسير الخير بالأوّل والثالث، فقال : ولمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير؛ لأنّ الشرط المذكور إنّما وقع للأمر بها الدالّ على الوجوب أو
الاستحباب ، لا لمطلق
الإذن فيها، ولا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقّف
إباحتها عليه. والدليل على تسويغ عقد المكاتبة غير منحصر في الآية. انتهى.
ولعلّ وجه فهم الجماعة لما ذكروه
تبادره ، لا ما ذكره.(و) كيف كان (الأظهر المنع) وفاقاً للأكثر كالمبسوط والانتصار
مدّعياً عليه الإجماع المعتضد بعدم نقل خلاف فيه عن أحد من القدماء، وإنّما المخالف الفاضل في المختلف، والشهيدان في الروضتين،
مع أنّ الأول قال في أكثر كتبه كالقواعد والتحرير والإرشاد
بالأوّل؛ وناهيك هذه الحجة المعتضدة بعدم خلاف ظاهر بين قدماء الطائفة.مضافاً إلى ما مرّ في العتق من وجوه أُخر غير اعتبار قصد القربة.
(و) أمّا الرابع، فبيانه : أنه (يعتبر في العوض) أُمور :
منها (كونه ديناً) فلا يجوز أن يكون عيناً بلا خلاف أجده؛ وهو الحجّة. مضافاً إلى ما في كلام جماعة
من أنها إن كانت ما بيد العبد فلا معاوضة، لأنّها للسيّد. وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن
البيع من غير المشتري، وهو غير جائز، لأنّ
المعاوضة إنّما تتحقق مع ملك باذل كلّ من العوضين ما وقع بذله. وهذا بخلاف الدين؛ فإنّ المكاتب يخرج عن محض الرقية ويصير قابلاً للملك بالكسب المتجدد، فيجوز جعله عوضاً.
وهذا التوجيه لا يتمشّى في الصورة الأُولى إلاّ على المختار من عدم مالكية العبد؛ لصحة التعليل بأنّها للسيد على هذا التقدير. وأمّا على غيره من مالكية العبد مطلقاً أو على بعض الوجوه فغير صحيح؛ لأنّها للعبد، وغاية ما يكون ثبوت
الحجر عليه في التصرف فيه، وهو بالإذن بالكتابة عليه مرفوع عنه.
فلا وجه للمنع عن صحة الكتابة على العين في هذه الصورة، فعدمه فيها على هذا القول لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد على المنع إجماع الطائفة، ولكن لعلّه ظاهر
الانعقاد ، كما يستفاد من تتبّع كلماتهم في المسألة.
نعم، استوجه عدم المنع على هذا القول السيد في شرح الكتاب، ولكن الظاهر أنّه مسبوق بعدم الخلاف بل
الإجماع ، فلا يقدح خروجه، سيما مع كونه معلوم النسب، وهذا أيضاً من أعظم الشواهد على المختار من عدم مالكية العبد على
الإطلاق .
ومنها : كونه (مؤجّلاً) فلا يصح حالاّ لفظاً أو حكماً عند الأكثر، وفاقاً للشيخ وابن حمزة؛
تبعاً للسلف، فإنّهم ما كانوا يكاتبون إلاّ على العوض المؤجل، فيكون ذلك منهم إجماعاً أو كالإجماع.
والتفاتاً إلى عجزه عن
الأداء في الحال؛ لأنّ ما في يده للسيّد، وما ليس في يده متوقع الحصول، فلا بد من ضرب الأجل، لئلاّ يتطرق الجهالة الموجبة للغرر المنهي عنه في الشريعة.وفي الجميع نظر؛
لاندفاع الأوّل على تقدير تسليمه بعدم ثبوت المنع به عما عدا المؤجّل، إذ غايته
الاتّفاق على ثبوت المؤجل، وهو أعم من فساد الحال.
وبالجملة : الإجماع النافع في المقام ما وقع على فساد الحالّ، لا على صحّة المؤجل؛ مع
إمكان ورود مكاتبتهم مورد الغالب من عجز المكاتب عن الأداء في الحال، وهو لا يستلزم اتفاقهم على فساد الفرد النادر مع التحقق. والثاني بمنع الجهالة؛ لإمكان حصول المال في كلّ وقت يتعقّب العقد ولو
بالاقتراض ونحوه. فما عن الخلاف والحلّي
من عدم اشتراط هذا الشرط لا يخلو عن قوّة، للأصل والعمومات، سيّما على القول بكونها بيعاً أو عتقاً بعوض. ومال إليه الشهيدان في نكت الإرشاد والمسالك والروضة.
وينبغي
القطع به فيما لو كان بعضه حرّا، فكاتبه على قدره فما دون حالاّ.
وحيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه كأجل النسية بما لا يحتمل النقصان والزيادة، ولا يشترط زيادته عن أجل عندنا، كما في الدروس والمسالك والروضة؛
لحصول الغرض. ومنها : كونه (معلوم القدر والصفة) بلا خلاف أجده؛ لاستلزام عدم المعلومية الغرر المنهي عنه في الشريعة. ويعتبر ضبطه كالنسية، وإن كان عرضاً فكالسلف، ويمتنع فيما يمتنع فيه. ومنها : كونه (مما يصحّ تملكه للمولى) بلا خلاف فيه أيضاً، فلو كاتب المسلم عبده الذمي على ما لا يملكه كخمر وخنزير بطل؛ لعدم دخوله في ملكه.
وإنّما عدل إلى التعبير بالمولى عن التعبير بالمسلم، ليدلّ على صحّة مكاتبة الكافر على ما يملكه وإن كان لا يملكه المسلم كما هي مذهبه.وعليه فلو كانا ذميّين وأوقعا المكاتبة على الخمر
والخنزير ، فإن أسلما بعد
التقابض لم يكن عليه شيء للمولى أصلاً.
وإن كان قبله فهل له عليه قيمة العوض؟ أم قيمة نفسه؟ أم تبطل الكتابة من أصلها؟ أقوال : أجودها الأوّل، كما عليه الشيخ
والأكثر؛
استناداً في صحة المكاتبة إلى الأصل، وعدم ظهور المخرج عنه؛ وفي لزوم قيمة العوض إلى أنّ الواجب بالعقد عينه، ومع تعذره شرعاً ينتقل إلى قيمته.
ويندرج في عموم ما يملكه المولى الأعيان والمنافع حتى منفعة المكاتب مدّة معيّنة، وبه صرّح جماعة،
ولا خلاف فيه أجده. وفي الخبر المروي في الفقيه في هذا الكتاب : عن رجل قال : غلامي حرّ وعليه عمالة كذا وكذا سنة، فقال : «هو حرّ وعليه العمالة»
الحديث، فتأمّل.
(ولا حدّ لأكثره) بلا خلاف؛ للإطلاقات المؤيّدة بظاهر كثير من النصوص (لكن) ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنه (يكره أن يتجاوز قيمته) وقت الكتابة. وحجّتهم غير واضحة، مع أنّ في المرسل لأبان : رجل ملك مملوكاً فسأل صاحبه المكاتبة، إله أن لا يكاتبه إلاّ على الغلاء؟ قال : «نعم».
لكن لا بأس بمتابعتهم، فإنّ المقام مقام الكراهة.
(ولو دفع ما عليه قبل) حلول (الأجل فالمولى
بالخيار ) بين قبوله
والامتناع منه بلا خلاف، بل عليه في التنقيح
الإجماع إلاّ من الإسكافي،
فأوجب عليه القبول في بعض الصور.
ويدفعه بعد
الأصل ومنافاته لمقتضى العقد والشرط صريح الخبر : إنّ مكاتباً أتى [[|علياً عليه السلام]] وقال : إنّ سيدي كاتبني وشرط عليّ نجوماً في كل سنة، فجئته بالمال كلّه ضربة، فسألته أن يأخذه كلّه ضربة فيجيز عتقي، فأبى عليّ، فدعاه علي عليه السلام فقال : صدق، فقال له : «ما لك لا تأخذ المال وتمضي عتقه؟» فقال : ما آخذ إلاّ النجوم التي شرطت، وأتعرّض من ذلك إلى ميراثه، فقال علي عليه السلام : «أنت أحقّ بشرطك».
ولم أقف للمخالف على دليل نعم، في الصحيح : في مكاتب ينقد نصف مكاتبة ويبقى عليه النصف، فيدعو مواليه، فيقول : خذوا ما بقي ضربة واحدة، فقال : «يأخذون ما بقي ويعتق»..
ولكن لم يقل بإطلاقه إلاّ بعض العامة،
فيحتمل الحمل على
التقية أو
الاستحباب ، أو مجرّد الرخصة كما يفصح عنه الرواية السابقة.
(و) اعلم أنه يجوز الدفع من سهم الرقاب إلى المكاتب مطلقاً إجماعاً فتوًى ونصاً، كتاباً وسنّة، بل قالوا : (لو عجز المطلق عن الأداء فكّه
الإمام عليه السلام من سهم الرقاب وجوباً) لكن لم أقف لهم على حجّة أصلاً.
نعم، في الخبر المرسل : عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها، قال : «يؤدّى عنه من مال الصدقة، فإنّ الله تعالى يقول في كتابه (وَفِي الرِّقابِ)».
وهو بعد
الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه من الوجوب من وجوه، ولذا يظهر من الكفاية التردّد فيه،
تبعاً للسيّد في شرح الكتاب،
ولعلّه في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.
(وأمّا الأحكام) المتعلّقة بالمقام (فمسائل ثلاث)
•
إذا مات المكاتب ، هنا يأتي مسائل المكاتب حين موتها ولم يؤد المال.
الثانية : (ليس للمكاتب التصرف في ماله : بهبة، ولا عتق، ولا إقراض) ولا بيع، بلا خلاف فيه في الجملة؛ وهو الحجة، مضافاً إلى الأصل والمعتبرة :
منها الصحيح : في رجل كاتب على نفسه وماله، وله أمة، وقد شرط عليه ألاّ يتزوّج، فأعتق الأمة وتزوّجها، قال : «لا يصلح له أن يحدث في ماله إلاّ الأكلة من الطعام،
ونكاحه فاسد مردود» قيل : فإنّ سيده علم بنكاحه ولم يقل شيئاً، قال : «إذا صمت حين يعلم فقد أقرّ» قيل : فإنّ المكاتب عتق، أفترى أن يجدّد النكاح أو يمضي على النكاح الأول؟ قال : «يمضي على نكاحه».
ونحوه في الجملة المعتبران الآتيان.
وإطلاقه كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في المكاتب بين نوعيه، وبه صرّح في الروضة.
ولا في التصرفات بين كونها منافية للاكتساب أم غير منافية.خلافاً للمعتبرين في الأوّل، فقيّداه بالمشروط :
أحدهما الصحيح : «المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا تزويج حتى يؤدّي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو ردّ في الرق، ولكن يبيع ويشتري، فإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن يقضي دينه، لأنّه عبده».
ونحوه الثاني القريب من الصحيح؛
لانجبار ضعف بعض رواته برواية ابن محبوب عنه، وهو كالضعيف ممّن حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع
العصابة . وزيد فيه بعد الثلاثة : ولا حج ولا
شهادة .
وهما شاذّان، كالصحيح : في المكاتب يشترط عليه مولاه ألاّ يتزوج إلاّ بإذن منه حتى يؤدّي مكاتبته، قال : «ينبغي له ألاّ يتزوج إلاّ
بإذن منه فإنّ له شرطه»
من حيث دلالته بمفهوم التعليل على أنّه لولا الشرط لجاز نكاحه. ويمكن الذبّ عن شذوذ المعتبرين بصرف الشرط فيهما إلى عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين أداء جميع وجه الكتابة، لا إلى أصل المنع عنها الشامل له ولو في الجملة.
ولا ريب فيهما حينئذ؛ فإنّ الذي يمنع من التصرّفات بالكلية إلى أداء جميع مال الكتابة إنما هو المشروط خاصّة. وأمّا المطلق فلا يمنع عن التصرفات كذلك؛ لجوازها في حقّه ولو على بعض الوجوه، كما إذا أدّى بعض المكاتبة، فإنّه تصح تصرفاته بنسبة الحرّية كما مضى إليه
الإشارة .
وبالجملة : الشرط ليس شرطاً لأصل المنع فيرد الشذوذ، بل شرط لكليّته إلى الأداء. ولجماعة في الثاني، فقيّدوا التصرفات الممنوعة بما ينافي الاكتساب خاصّة، ومنهم الشهيد الثاني في المسالك والروضة،
حيث قيّد
الهبة بما لا يستلزم عوضاً زائداً عن الموهوب، قال : وإلاّ فلا منع، للغبطة، وفي صحّة العوض المساوي وجه، إذ لا ضرر حينئذٍ، كالبيع بثمن المثل والشراء به، والعتق بما فيه ضرر، قال : وله قبول هبة من ينعتق عليه مع عدم الضرر، بأن يكون مكتسباً قدر مؤنته فصاعداً، والإقراض بعدم
الغبطة ، قال : فلو كانت في طريق خطر يكون
الإقراض أغبط من بقاء المال، أو خاف تلفه قبل دفعه إلى المولى، أو بيعه أو نحو ذلك، فالمتجه الصحّة. والبيع، بنحو
البيع نسية بغير رهن ولا ضمين موسراً ومحاباة أو بغبن، قال : لا مطلق البيع، فإنّ له التصرف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التي لا خطر فيها ولا تبرّع.
ثم إنّه رحمه الله بعد التقييدات قال مشيراً إلى الأصحاب : ولكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر.
وهو كما ترى مشعر بالوفاق على
الإطلاق .
فإن تمّ، وإلاّ كما هو الظاهر، وإلاّ لما خالفهم هو ولا غيره ممن تقدّم عليه وتأخّر عنه فالأجود التقييد بما ذكره، لأنّ المكاتب وإن كان عبداً لا يجوز له التصرف بحال اتّفاقاً فتوًى ونصّاً، ومنه الصحيح المتقدم المعلِّل للزوم أداء دينه على سيّده بأنّه عبدة. إلاّ أن جوازه له حيث لم يوجد فيه قيود المنع، ويجمعه ما لم يناف الاكتساب مستند إلى إذن المولى الناشئ من كتابته له، بناءً على أن مقتضاها حصول
العتق بالأداء، ولا يمكن في الأغلب سيّما على المختار من عدم مالكيته إلاّ بالتكسب، فقد أذن له فيه بالالتزام، وهو عامّ يشمل التصرفات المذكورة إذا لم تناف الاكتساب، فتأمل.
مع أنّ فيه جمعاً بين عموم الصحيح الأوّل، المانع له عن التصرفات غير المستثنى منه الشاملة للبيع والشراء، وإطلاق الصحيح الثاني بجواز
إهماله . بحمل الأول على محل القيد والثاني على غير محلّه.
ويمكن تنزيل إطلاق العبائر على هذا التفصيل بأن يقال : قولهم بعد المنع : (إلاّ بإذن المولى) يدلّ على اختصاص المنع بصورة عدم الإذن وارتفاعه في محله، وهو يعمّ الصريح والضمني الشامل لما لا يتحقّق فيه قيد المنع، فلا خلاف. واعلم أن السند في الجواز مع الإذن بعد الأصل والإجماع على الظاهر أولويّة ثبوته للقنّ معه.
وحيث يعتق بإذنه فالولاء له إن عتق، وإلاّ فللمولى.ولو اشترى من ينعتق عليه لم يعتق عليه في الحال، فإن عتق تبعه، وإلاّ استرقّهما المولى.ولو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتب.
وحيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه، ولم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ؛ لزوال المانع
كالفضولي ، بل هو بالنفوذ أولى، وربما دلّ عليه الصحيح الأوّل، ولا قائل بالفصل.وقيل
: يبطل من أصله؛ لوقوعه على خير الوجه المشروع. وهو كما ترى؛ فإنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد على الأشهر الأقوى.
(و) كما أنّه ليس للمكاتب التصرف في ماله بنحو ما مرّ، كذا (ليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء) مطلقاً، مشروطاً كان أو مطلقاً، بلا خلاف ظاهراً. قيل : لخروجه بالكتابة عن محض الرقّية،
وانقطاع سلطنة المولى عنه، ولذا امتنع من المولى بيعه وعتقه قبل فسخ الكتابة، وجاز له معاملة المولى بالبيع والشراء إجماعاً.
وليس المراد بجواز التصرف بالاستيفاء جواز أخذه من المكاتب قهراً لأجل
الاستيفاء مطلقاً؛ لأنّ المكاتب كالمديون في تخيّره في جهة الوفاء، وتعيين الدين في أعيان ما بيده موكول إليه. بل المراد جواز ذلك في الجملة، وهو ما إذا كان مشروطاً وحلّ النجم فلم يؤدّه، وكان بيده مال بقدره. وأما لو زاد فالتعيين موكول إليه أو إلى الحاكم حيث يمتنع عنه، كما في كلّ ممتنع.
(ولا يحلّ له) أي للمولى (وطء) أمته (المكاتبة) ولو برضاها مطلقاً (لا بالملك ولا بالعقد) إجماعاً؛ لخروجها بالمكاتبة عن محض الرقّية المسوّغ لوطئها بملك اليمين، وعدم صيرورتها حرّة يستباح بضعها بالعقد، لأنّ المكاتب على مرتبة بين الرقّ والعتق.
هذا مضافاً إلى
[۵۷] بعض المعتبرة المتقدم في زنا المولى بمكاتبته المطلقة، الصريح في حرمة الوطء بالأول، وإطلاق المعتبرين المتقدّمين، الدالّين على أنّه لا يجوز للمكاتب عتق ولا هبة ولا نكاح، ربما دلّ على المنع عن نكاحه ولو من المولى.
والمكاتب فيهما وإن كان بلفظ التذكير إلاّ أن الظاهر منه
إرادة الجنس الشامل للمؤنث، بناءً على
اشتراكها مع المذكر في المنع عن الأُمور المزبورة في الخبرين عند الأصحاب، فتأمل.
(ولو وطئها مكرها) لها (لزمه مهرها) بلا خلاف ظاهر؛ للقوي : في مكاتبة يطؤها مولاها فتحمل، قال : «يردّ عليها مهر مثلها، وتسعى في قيمتها، فإن عجزت فهي من أمّهات الأولاد».
وإطلاقه بل عمومه يشمل صورتي
الإكراه وعدمه، وبه صرّح الشهيدان،
قال ثانيهما : لأنها لم تستقلّ بملكه ليسقط ببغيها.
ومنه يظهر الوجه في تقييد العبارة لزوم المهر بالإكراه، وجوابه، مضافاً إلى عموم الخبر المخصّص لحديث : «لا مهر لبغيّ» ونهى
رسول الله صلي الله وعليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي...
على تقدير شموله لمحلّ الفرض.
وفي تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه : ثالثها ذلك، مع تخلّل الأداء بين الوطأين. ورابعها ذلك مع العلم بتعدّد الوطء، وعدمه مع الشبهة المستمرّة. ويضعّفهما والقول بالتكرّر على الإطلاق عموم القويّ السابق، بل ظاهره الناشئ من ظهور السؤال في تكرّر الوطء، حيث عبّر في الأخبار عنه ب : «يطأ» المفيد للتجدّد
والاستمرار ، وظاهر الجواب ليس إلاّ ثبوت المهر الواحد.
(ولا) يجوز لها أن (تتزوّج إلاّ بإذنه) بلا خلاف؛ لإطلاق المعتبرين المتقدمين بناءً على التوجيه المتقدم. مضافاً إلى
استصحاب عدم الجواز قبل الكتابة، وعدم المخرج عنه سوى عقدها، ولا يتضمّن سوى
الإذن في الاكتساب وليس منه التزويج. وعلى تقديره فيمنع عنه من وجه آخر وهو تعقّبه الضرر بالحمل، المستلزم لاحتمال الفوت بالطلق. والكسب المرخّص فيه ليس سوى الذي لم يتعقّبه الضرر غالباً بالإجماع، ولذا يمنع عن نحو البيع نسيئة والقراض ولو أذن لها في التزويج صحّ وملكت المهر.
والفرق بين تزويجها من غير المولى وتزويجها منه حيث اتّفقوا على الصحّة في الأول، وعدمها في الثاني أنّ الملك له غير تام، لتشبثّها بالحرّية، والعقد كذلك غير تامّ، لعدم
استقلالها ، والبضع لا يتبعّض. أمّا الغير فلمّا كان الحق منحصراً فيهما، وزوّجته نفسها بإذن المولى فقد أباحت نفسها بوجه واحد.
(ولو حملت بعد) الكتابة (كان حكم ولدها حكمها) في رقّه برقّها وانعتاقه بعتقها؛ لأنه كسبها فيتبع حرّيتها ورقيّتها كسائر اكتسابها. وليس المراد
سراية الكتابة إلى أولادها كالتدبير، كما صرّح به جماعة من أصحابنا،
ودلّ عليه ما مضى من الأخبار المستفيضة في ميراث المكاتب، الصريحة في تبعيّة الأولاد له في
الانعتاق والرقّية؛ وهي الحجّة في المسألة.
مضافاً إلى الإجماع الظاهر، والحسن : «المكاتبة ما ولدت في مكاتبتها فهم بمنزلتها، إن ماتت فعليهم ما بقي عليها إن شاؤوا، فإذا أدوا عتقوا».
والحكم فيه وفي العبارة وإن اختص بولد
الأمة انّ ولد العبد كذلك؛ لباقي الأدلّة.ثم إنّ هذا (إذا لم يكونوا) أي الأولاد (أحراراً) وإلاّ لم يتبعوا أبويها في الرقّ حيث يعودان فيه قطعاً.
الثالثة : (يجب على المولى
إعانته ) مشروطاً كان أو مطلقاً (من
الزكاة ) إن وجبت عليه. (ولو لم تكن) واجبة عليه (استحبّ له) إعانته (تبرّعاً) وفاقاً للخلاف وكثير من المتأخرين،
وادّعى فيه على ذلك إجماع الفرقة وأخبارهم؛ وهو الحجة في الوجوب، والتخصيص بالمولى، مضافاً إلى ظاهر الآية فيهما ، الناشئ عن كون
الأمر حقيقة في الوجوب ولا ينافيه
استعمال الأمر بالكتابة قبله في
الاستحباب وظهور السياق في اختصاص الضمير المتعلّق به الأمر بالمولى، فلا يعمّ من عداه.
وفي تخصيص المال بالزكاة وإن كانت الآية فيه مطلقة، وتخصيص الآية بصورة وجوبها والاستحباب في غيرها تبرّعاً. لكن في الخبر : عن قول الله عزّ وجلّ (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) قال : «تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه ولا تزيد فوق ما في نفسك» فقلت : كم؟ فقال:«وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك ألفاً من ستّة آلاف».
وهو كما ترى مناف لما مرّ من حيث تفسيره المؤتى بوضع بعض النجوم. لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور، ومع ذلك كاد أن يلحق بالشواذّ، لعدم مفتٍ بمضمونه بالخصوص، فإنّ الأصحاب ما بين مفتٍ بما مرّ، وحاكمٍ بالوجوب على المولى، جاعلاً متعلّق الوجوب هو الحطّ عن مال
الكتابة مع
إتيانه شيئاً يستعين به على الأداء، وجبت على المولى الزكاة أم لا، كما عن المبسوط وجماعة.
ومخصّصٍ للحكم بغير المشروط العاجز عن توفية ثمنه، مفصّلاً بين وجوب الزكاة على المولى، فتجب عليه الإعانة منها وعدمه، فعلى الأمام أن يفكّه من سهم الرقاب كما عليه الحلّي.
ونافٍ للوجوب من أصله، حاكمٍ باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبته شيئاً من ماله من سهم الرقاب، كما عن ابن حمزة والقاضي.
وهذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط؛ لتفسيره
الإيتاء بالحطّ عن بعض النجوم كما فيها، لكن زاد : ويؤتيه شيئاً يستعين به على الأداء. فتخالفا من هذه الجهة، فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة لم يعلم قائل بمضمونها أصلاً.
نعم، عن الإسكافي إنّه قال بعد ذكر الآية : ويحتمل أن يكون ذلك أمراً بأن يدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا،ويحتمل أن يكون ندباً للسيد أن يضع عنه جزءاً من مكاتبته.
واحتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۷۵-۱۰۹.