إذا مات المكاتب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي مسائل المكاتب حين موتها ولم يؤد المال.
الأُولى : (إذا مات) المكاتب (المشروط) ولم يؤدّ المال جميعاً (بطلت
الكتابة وكان ماله وأولاده) من أمته (لمولاه) مطلقاً خلّف ما فيه وفاء بمال الكتابة، أم لا، على الأشهر الأقوى؛
استصحاباً للعبودية، فإنّ المشروط لا ينعتق إلاّ بأداء مجموع ما عليه، لا بأداء بعضه، ولا بالقدرة على
الأداء ، والمفروض أنّه لم يؤدّ ما شرط عليه، فيكون مات عبداً يرث أمواله وأولاده المولى؛ ومع ذلك الصحاح به مستفيضة جدّاً، سيأتي إلى جملة منها
الإشارة إن شاء الله تعالى.
خلافاً للخلاف،
ففصّل بين صورتي
الإطلاق ، ووافق القوم في الثانية، وحكم في الأُولى بوجوب وفاء ما عليه من وجه الكتابة، وكون الباقي إن كان للورثة.
وهو مع مخالفته الأدلّة المتقدمة شاذّ، غير واضح الحجة، لم أر من يوافقه من الطائفة سوى الصدوق، حيث أطلق الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من كتابته من تركته على ابنه من جاريته، وأنّه يرث ما بقي، ولم يفصّل بين المشروط والمطلق.
لكن ربما يشعر سياق عبارته
بإرادته الثاني، فيوافق
الإسكافي في قوله الآتي .
(وإن مات المطلق) ولم يؤدّ شيئاً فكذلك كان ماله وأولاده التابعون له في الكتابة للمولى، بلا خلاف أجده، بل نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب كافّة.
لكن احتمل فيه بعد النسبة أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة، لأنّه كالدين، واستوجهه السيد في شرح الكتاب.
وهو ضعيف وإن كان يناسب الرواية الآتية سنداً للإسكافي.
(و) إن كان (قد أدّى شيئاً تحرّر منه بقدره، وكان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقيّته، ولورثته بنسبة الحرّية) ولم يكن عليهم شيء من مال الكتابة (إن كانوا أحراراً في
الأصل ) للأصل. (وإلاّ) يكونوا أحراراً في الأصل بأن كانوا أولاداً له من أمته بعد الكتابة (تحرّر منهم بقدر ما تحرّر منه وأُلزموا) في نصيبهم (بما بقي من مال الكتابة فإذا أدوه تحرّروا، ولو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم) للنصوص، منها الصحيحان :
في أحدهما : عن رجل كاتب عبداً له عليّ ألف درهم، ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرق. وإنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثم مات المكاتب، وترك مالاً وترك ابناً له مدركاً. قال : «نصف ما تركه المكاتب من شيء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، والنصف الباقي لابن المكاتب؛ لأنّ المكاتب مات ونصفه حرّ، ونصفه عبد للذي كاتبه، فابن المكاتب كهيئة أبيه : نصفه حرّ، ونصفه عبد للذي كاتب أباه، فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ، لا سبيل لأحد من الناس عليه».
وفي الثاني : «قضى [[|أمير المؤمنين عليه السلام]] في مكاتب توفّي وله مال، قال : يقسّم ماله على قدر ما أُعتق منه لورثته، وما لا يعتق منه يحتسب لأربابه الذين كاتبوه، هو مالهم».
ومنها الخبر القريب من الصحيح، بتضمّن سنده ابن ابي عمير وجميل : عن المكاتب يموت وله ولد، فقال : «إن كان قد اشترط عليه فولده مماليك، وإن لم يكن يشترط عليه شيء يسعى ولده في مكاتبة أبيهم، وعتقوا إذا أدّوا».
وهذا مضافاً إلى صحيحين آخرين آمرين على
الابن بالأداء،
لكنّهما دالاّن على مذهب الإسكافي هو الحجة في إلزامهم بأداء ما بقي من مال الكتابة، دون الأولين، إذ ليس فيهما الإشارة إلى ذلك. نعم، في الأوّل : إنّ الوارث إذا أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه صار حرّا. وهو غير إلزامهم بذلك.
وما تضمّنته العبارة كالصحيحين من قسمة المال بين المولى والأولاد بقدر نسبة الحرّية والرقّية، وخروج مال الكتابة من نصيب الورثة، دون أصل التركة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.
(و) لكن (في رواية) بل روايات صحيحة مستفيضة عمل بها الإسكافي
: إنّ الورثة (يؤدّون ما بقي من مال الكتابة) من أصل التركة (وما فضل) منها بعد الأداء (لهم) من دون أن تقسم التركة بينهم وبين المولى. ففي الصحيح : مكاتب يموت وقد أدّى من بعض كتابته، وله ابن من جاريته، قال : «إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك، رجع ابنه مملوكاً والجارية، وإن لم يكن اشترط عليه أدّى ابنه ما بقي من الكتابة وورث ما بقي».
وهذه الروايات وإن كانت مع صحّتها مستفيضة إلاّ أن ذينك الصحيحين أقرب إلى
الترجيح ؛
لاعتضادهما بالشهرة العظيمة، والأُصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلّي بما عليه الأكثر، فقال : والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول : يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية، وابنه أو وارثه بقدر ما تحرّر منه، ويؤخذ بقيّة مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه، لأنّ الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرّة، دون جميع ما خلّفه وتركه الميت، لأنّ الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئاً، لأنه مال سيّده دونه، وإنّما الدين يتعلق بما فيه الحرية ونصيبها دون جميع التركة.
انتهى.
ولا ريب أن مجرد
الاستفاضة لا يكافئ شيئاً من المرجّحات المزبورة سيّما الشهرة، فلتطرح المستفيضة، أو يجمع بينهما وبين الأوّلين بما ذكره الشيخ في الكتابين. (و) المكاتب (المطلق إذا أوصى أو أُوصي له صحّ)
الوصيّة منه وله (في نصيب الحرّية وبطل في الزائد) إجماعاً؛ للصحيحين.
ولو لم يتحرر منه شيء أو كان مشروطاً لم تصحّ الوصية منه إجماعاً؛ للصحيح وغيره، ولا له مطلقاً على الأشهر الأقوى؛ للصحيح. هذا إذا كان الموصى غير المولى، أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً، ويعتق منه بقدر الوصية. وقد مضى في كتابها تمام التحقيق في المسألة وشقوقها.
(وكذا لو وجب عليه حدّ أُقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرّية، ومن حدّ العبد بنسبة ما فيه من الرقّية) ثم إن قسّمت الأسواط على صحّة، وإلاّ قبض بنسبة الجزء.وإن لم يتحرّر منه شيء أو كان مشروطاً، حدّ حدّ العبد، وإن كان قد خرج منهم من وجه، لأنّه لم يصرّحواً محضاً، والحدّ مبني على التخفيف، فرجّح فيه جانب الأقل. وفي الصحيح : «المكاتب يجلد الحدّ بقدر ما أُعتق منه».
وتمام الكلام في المقام موكول إلى كتاب الحدود.
(ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه منها وحدّ بما تحرّر) لأنّه وطء محرّم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد. ولا يجب كماله؛ لما له فيها من الملك الموجب
لانتفاء الحدّ وإن كان متزلزلاً، فيجب بالنسبة.
ولصريح بعض المعتبرة : عن رجل كانت أمة له، فقالت
الأمة : ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرّة على حساب ذلك؟ فقال لها : نعم. فأدّت بعض مكاتبتها، وجامعها مولاها هنا بعد ذلك. فقال : «إن استكرهها بعد ذلك ضرب من الحدّ بقدر ما أدّت من مكاتبتها، ودرئ عنه من الحدّ بقدر ما بقي لها من مكاتبتها. وإن كانت تابعته كانت شريكة له في الحد، ضربت مثل ما يضرب».
ولو كانت مشروطة أو لم يؤدّ شيئاً فلا حدّ. لكن يعزّر، لتحريم وطئه لها مطلقاً، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۹۴-۱۰۰.