إنّ لكلّ قوّة فعلا هو كمالها، وحصول كمالها سعادتها. وكمال الشّهوة وسعادتها هو اللّذّة، وكمال الغضب وسعادته هو الغلبة، وكذلك كمال الأنفس الإنسانيّة أن يكون عقلا مجرّدا عن المادّة وعن لواحق المادّة.
اعلم أنّ الوجود هو الخير و السّعادة، و الشّعور بالوجود أيضا خير وسعادة، لكنّ الوجودات متفاضلة متفاوتة بالكمال و النّقص. فكلّما كان الوجود أتمّ كان خلوصه عن العدم أكثر والسّعادة فيه أوفر، وكلّما كان أنقص كان مخالطته بالشّر و الشّقاوة أكثر.
وأقلّ مراتب السّعادة العقليّة للنّفوس بأن يكتسب هاهنا العلم بالأوّل- تعالى- ويعرف نحو وجوده وعنايته وعلمه وإرادته وقدرته وسائر صفاته ... ومن فاز بهذه المعارف فقد فاز فوزا عظيما، وقال سعادة عقليّة سرمديّة ... و أمّا الشّقاوة العقليّة الّتي بإزاء السّعادة الحقيقيّة العقليّة فهي إمّا بحسب الهيئات البدنيّة من المعاصي الحسّيّةالشّهويّة و الغضبيّة وإمّا بحسب الجحود للحقّ وإنكار العلوم الحقّة الحكميّة و العصبيّة. باختيار بعض المذاهب والآراء مع محبّة الرّئاسة وطلب الجاه، والتشوّق إلى الكمال من دون الوصول إليه.