ذكر الفقهاء أنّ من أهمّ وظائف الدولة الإسلاميّة - مثل سائر الدول- تهيئة الأمن للمؤمنين بحيث تكون بلادهم على أمن من كيد الأشرار والكفّار، و تمكين المؤمنين من قطع أيادي الأعداء ودفع المعتدين على أراضيهم، وأنّه يجب المحافظة عليها، وأنّ ذلك مطلوب للشارع.
ولا يقتصر الحكمبالحفاظ على الأمن العام على مجرّد دفع الأعداء عن بلاد المسلمين، بل يشمل تأمين الأمن الداخلي الموجب لاستقرار الوطن الإسلامي، وهذا الأمن له عدّة أشكال:
بحيث لا تكون هناك اضطرابات سياسية و أزمات حادّة تؤدّي إلى فقدان الأمن في المجتمع، فعلى الدولة والمواطنين أن يسعوا للحفاظ على الأمن السياسي، وأن تمارس الأطراف السياسية إدارة هادئة لحركة خلافاتها السياسية .
من أبرز أشكال الحفاظ على الأمن الاجتماعي العام ما تقوم به وزارات الأمن و الاستخبارات في الدولة، ومن الواضح أنّ هناك أحكاماً تتعلّق بوظائف أجهزة الأمن والاستخبارات لا بأس بالإشارة إلى بعضها إجمالًا:
إنّ تأسيس وزارات الأمن وأجهزة الاستخبارات من الواجبات النظامية التي تقع مقدّمةً لحماية المجتمع الإسلامي من مخططات الأعداء ومن الفوضى الداخلية، فيكون واجباً بهذا اللحاظ.
لا يجوز التجسّس على المسلمين شرعاً، لكن يحقّ ذلك لأجهزة الأمن عندما تكون هناك مصلحة أهم تفوق مفسدة التجسّس، كما لو توقّف حفظ أمن المجتمع ككل على ذلك، فيتمّ إجراءقانون التزاحم في هذا المورد. ويقتصر في التجسّس على المسلمين على موضع الضرورة، وهو تجسّس قد يشمل شخصاً أو أشخاصاً في تنقّلاتهم أو اتّصالاتهم السلكية و اللاسلكية أو عبر البريد - ولو الالكتروني - أو غير ذلك.
أمّا التجسّس على غير المسلمين من المحاربين فهو جائز؛ لعدم حرمتهم، وبهذا يمكن للدولة الإسلامية أن تتجسّس على المستوى الخارجي لحماية نفسها، وعلى المستوى الداخلي في موضع الضرورة.
حيث إنّ التجسّس هنا شأن عام يتّصل بالامور العامة للبلاد؛ لهذا يشترط أن يكون بإذن من الحاكم الشرعي أو تفويض منه؛ وفقاً للأحكام العامة للولاية .
ولا يحقّ للعاملين في الحقل الأمني العمل بقناعاتهم الشخصية خارج إطار الشرع والقانون وولاية الحاكم.
لا يحقّ للأجهزة الأمنية اعتقال أيّ شخص بدون مبرّر شرعي وقانوني، ولو بأن يكون عبارة عن تفويض مكوّن من بنود تحدّد الحالات التي يحقّ فيها اعتقال شخص أو مصادرة أمواله.
إذا كانت الأسرار التي حصلت عليها الأجهزة الأمنيّة ممّا يضرّ كشفه لا يجوز لوسائل الإعلام و الصحافةالبوح به على تقدير الوصول إليه بحجّة السبق الصحفي، بل لابدّ من ملاحظة المصالح والمفاسد في ذلك.
يجب على الأجهزة الأمنية مراعاة السرّية التامة في نشاطاتها بما تقتضيه الضرورة؛ حذراً من الانكشاف أمام الأعداء بما يلحق الضرر بالدولة والامّة الإسلاميّتين، وعلى العاملين في هذا الحقل الالتزام بأشكال الكتمانالصارمة .
حيث تتطوّر تقنيات العمل الأمني فمن الواجب على أجهزة الأمن السعيلتطوير نفسها على المستوى التقني ؛ لأنّ ذلك ممّا يحقّق الرهبة في نفوس الأعداء تارة، ويؤمّن الحماية للبلد الإسلامي اخرى.
نظراً للحاجة أحياناً إلى حماية بعض الشخصيات الكبيرة في الدولة الإسلامية أو البعثات الدبلوماسية وأمثالها يجب السعي لحفظ هذه النفوس المحترمة، وتشكيل مجموعات أمنية لحمايتها من أيّ اعتداء ، فإذا انتفى الموجب لذلك كلّياً لم يعد ذلك واجباً .